الدفاع عن العذارى أم التهجم على السفارة
تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT
لا يمكن تصنيف مقال الصحفية صفاء الفحل بعنوان (شهادة عذرية لفتاة سودانية ... والمنشور بسودانايل 7 ديسمبر 2023 م) كموضوع عادي. فما أثارته الصحفية يلامس قضايا الأخلاق أكثر مما يلامس تعقيدات البيروقراطية... فهذه الأخيرة تكاد تصل حد التعود لدى المواطن السوداني، فهو يعاني ويلات ما يمكن أن تُسمى ب (ديكتاتورية المكتب) أمام اي شباك للمعاملات الحكومية مهما كانت سهولة وبساطة تلك المعاملة .
كل تلك قصص أخرى باتت لا تثير كثير إهتمام.. أما ما يتصل بقضية أخلاقية مثل إعطاء "شهادة عذرية" فيجب التوقف عندها لا بوصفها سبق صحفي. أو قضية يبرز من خلالها أي صحفي غبينة مضمرة أو ظاهرة مع حكومة البرهان.. فالقضية المثارة تستدعي النظر إليها من زوايا متعددة منها الأخلاقية و الاجتماعية والثقافية الدينية، وهي لذلك تستلزم في المقام الأول التثبت من حال كونها ممارسة تحدث يقيناً قبل إثارتها.. حتى يضع القارئ رأيه فيها كونه يشعر في أي قضية أخلاقية أنها تمسه بشكل مباشر ذلك أن قضايا الأخلاق تثير الهواجس وتدفع بالمتلقي لحالة من التضامن والإدانة بسرعة فائقة، فيستنكر الفعل المجافي للأخلاق بصورة أشبه بالميكانيكية كرد فعل تلقائي لتجاوز الحد الأخلاقي في التعامل.. فالقضية التي طرحتها الصحفية فوق أنها قضية أخلاقية، فهي كذلك تدخل في الدائرة الإجتماعية بوصفها محظورا تتعلق بأمور ذاتية وأسرية و لا يجوز تناولها على الملأ وبذلك السفور.
إن إثارة موضوع بهذه الحساسية يجب ألا يخضع لحالة التَزيّد في الخصومة السياسية إن كان مع السفارة او الدولة المضيفة (مصر).. كما أن حساسية الأمر تفرض على من يريد إثارته أن يُعمِل أدوات البحث والتحقق خاصة للصحفي، فالصحفي أيا كان لا يُطلق عليه وصف الحصيف، إلا عندما يستوثق من معلومته من مصادر متعددة، ويدعم ذلك بالبيّنات والأدلة والبراهين، فتناول أي قضية دون التثبت الفعلي من وقوعها وممارستها على نحو لا يقبل الشك تقود صاحبها أو صاحبتها بلا شك لوصفه أو وصفها (بالأخرق) وهو عكس الحصيف.
على عموم الأمر فقد أصدرت السفارة السودانية بالقاهرة من ناحيتها توضيحا بتاريخ 8 ديسمبر 2023م أكدت فيه وبلا لبس أنها لا تستخرج شهادة بالمعنى الذي أثارته الكاتبة الصحفية.
وعلى أثر توضيح السفارة النافي لما ذهبت إليه الصحفية كتبت مقالاً لاحقاً في 9 ديسمبر 2023م بعنوان (توضيح لتوضيح) قالت أن السفارة (فسرت الماء بالماء) وهنا لجأت لحالة استسلام واضح لضعف حجتها وعدم تمكنها من إبراز ادلة قاطعة بأن السفارة تستخرج شهادات عذرية بالمعنى الذي أوردته في مقالها الأول. وهنا يجب الإشارة لنقطة مهمة هي أن الصحفية اوردت في مقالها الأول كلمة (عزباء) أي غير متزوجة وهي الورقة التي كما قالت (ينادي بها احد الدبلوماسيين أمام الجميع) وبغض النظر عن حدوث ذلك أو عدمه، فإن السفارة لم تنفِ أنها تقدم ما يفيد بأن الطالبة عزباء وهذا أمر مختلف عن شهادة العذرية فكون المرء أعزب أو عزباء فإن ذلك يشير للحالة الزواجية أو الحالة الاجتماعية marital status وهو سؤال مدخلي في معظم المؤسسات حتى في التوظيف أو القبول في الجامعة لأن عليه بعض المترتبات الإدارية والقانونية. لذلك فالسفارة لم تفسر الماء بالماء وإنما نفت بشكل قطعي أنها تقوم بإعطاء شهادة عذرية، وإنما حددت نوع الشهادة التي تستخرج للطالبات وهي ما أسمته(قسم مشفوع باليمين أنها غير متزوجة) والفرق كبير بين الشهادتين. فالقسم المشفوع باليمين كون أن الشخص ذكرا أم أنثى غير متزوج هو إجراء عادي لا يثير أي قضية خلافية أخلاقية أو غيرها لأنه في نهاية الأمر إقرار مباشر من الشخص أمام جهة عدلية رسمية ويتحمل تبعاته القانونية إن هو أو هي أدلى بأي معلومات أو بيانات كاذبة أو مضللة. أما إثبات العذرية فذلك إجراء مختلف في نوعه وطبيعته ومحتواه ودوافعه بل وحتى أطرافه. كان على الصحفية أن تأتي بقضية متماسكة لتطرحها للرأي العام تستطيع أن تمسك المياه Can hold water لا لتحوز بها سبقا صحفيا على حساب فضيلة الاستقصاء والتأكد من المعلومة، فالصحفية قد أكدت في مقالها الأول أنها تملك الادلة والمكاتبات على أن السفارة تقوم بهذا الإجراء(استخراج شهادة عذرية) وعندما كتبت مقالها الثاني (توضيح لتوضيح) لم تكلف نفسها عناء إبراز الأدلة للقارئ بحيث تتحدى توضيح السفارة بما تمتلك من ادلة حتى يستطيع المتابع أن يميز بوضوح تام هل الصحفية تقصد عذرية أم عزوبية.
wadrajab222@gmail.com
د. محمد عبد الحميد
/////////////////////////
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
ظاهرة الارتزاق ودهاليز العمالة .. قراءة لحالة المرتزِقة في اليمن
د. شعفل علي عمير
منذ بداية العدوان على اليمن، شهدنا ظهورَ قوى وأفراد تخلّوا عن أبسطِ القيم الإنسانية والدينية والوطنية، ولم يتردّدوا لحظة في تبرير الأفعال العدوانية يومًا بعد يوم على وطنهم والأسوأ في هذا المشهد هو تبرير الضربات الجوية التي تستهدف المنشآت المدنية والأسواق الشعبيّة، كُـلّ ذلك من قبل أشخاص انغمسوا في الارتزاق خدمة للمصالح الأجنبية.
هؤلاء المرتزِقة، أصبحوا أبواقًا رخيصة تبرّر وتروج للتدخلات العسكرية الأمريكية في اليمن، مشوهين القيم ومعطيات الواقع. إنهم ينقلبون على القيم الأصيلة التي تربى عليها المجتمع اليمني، حَيثُ كانت الثوابت الدينية والوطنية خطوطًا حمراء لا يمكن تجاوزها.
لقد تحول المرتزِقة في اليمن إلى وصمة عار في صفحات التاريخ، يمثلون تراجع للقيم الإنسانية في وقت نتطلع فيه أن يوقف العدوّ الصهيوني مجازره بحق الفلسطينيين ويوقف العدوّ الأمريكي مجازره بحق اليمنيين يظل هؤلاء الذين باعوا ولاءهم بثمن بخس يروجون للهجمات التي تستهدف وطنهم متجاهلين أن الإنسان بلا دين ولا وطن يصبح أدَاة سهلة في يد الطغاة، والأسوأُ من ذلك أن أعلن هؤلاء المرتزِقة استعدادهم للمشاركة مع القوات الأمريكية في حماية سفن الكيان الصهيوني، لضمان استمرار جرائم الإبادة بحق الفلسطينيين، وتسهيل عمليات العدوان على لليمن وغزة.
مثل هؤلاء أصبحوا، بشكل أَو بآخر، جزءًا من آلة القتل والتدمير سواء على وطنهم أَو على الشعب الفلسطيني يروجون للهجمات الدامية، مدفوعين إما بالجهل، أَو بالجشع، أَو بولائهم الأعمى لجهات أجنبية، لا تهمها إلا مصالحها على حساب دماء الأبرياء. إننا نعيش في زمن يتعين فيه أن يُنتقد كُـلّ من يبرّر قتل الأبرياء في أي مكان ومن أي عرق أَو يتساهل تجاه مآسي أبناء وطنه؛ بسَببِ مكاسب مادية ضيقة.
إن ما يحدث من تراجع للقيم واستغلال للإنسان البسيط من قبل المرتزِقة ليصبحوا وقودًا للحرب هو علامة على ضعف الوازع الديني والأخلاقي، وتدهور في القيم الإنسانية، وغياب الضمير الحي. وهنا يجب تعزيز الوعي الوطني والإنساني، والتصدي لكل من يسعى لتمزيق الوحدة الوطنية، أَو يروج للعنف والقتل؛ مِن أجلِ مصالح ضيقة؛ لأن مستقبل الأُمَّــة يتوقف على مدى تمسك أبنائها بقيم الدين والعدالة، والكرامة، والإنسانية، وبناء وطن يليق بهم ويعكس تاريخهم العريق وحضارتهم الراسخة.