خلال حواره لـ«البوابة نيوز»| الشاعر أحمد سويلم: أكتب عن الوجع الفلسطيني.. والقصائد تخاطب الضمير الإنساني.. وأرفض الانكسار وقلبي مع الشهداء
تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT
برؤية شاعرية أكد الشاعر أحمد سويلم تضامنه الكامل مع القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني؛ وحرص «سويلم» على أن يواكب تطورات القضية الفلسطينية، ويقدم خلاصتها المركزة والمصفاة، للأطفال من خلال هذا البناء الفني المتكامل «فلسطين عربية»، التقته «البوابة نيوز» وكان هذا الحوار..
■ فى ظل انتشار التكنولوجيا الحديثة هل بات حكي القضية الفلسطينية ضروريًا للأطفال؟
- بالطبع.
ويكفي أن يجلس الطفل بجوار أمه ويشاهد بعينيه ما يحدث على الشاشات ويسأل ويجاب بقدر فهمه وعقله.. فإذا كان صغير السن يمكن أن تحكي له قصة مماثلة مثل قصة ( الفيل والأرانب) ثم ينتقل الحكي إلى القضية الفلسطينية لتكون إسرائيل هى الفيل والفلسطينيون مثل الأرانب أصحاب الحق فى الأرض.. وهكذا ببساطة يصل المضمون إلى عقلية الصغير بمتعة واقتناع.
■ الأطفال العرب والمسلمون فى الدول الغربية أكثر حاجة إلى معرفة ما يجري في الأراضي المحتلة، لأنهم أكثر تعرضاً للإعلام الغربى والإسرائيلي، وأكثر تعرضاً للأكاذيب الصهيونية.. تعليقك؟
- الغريب أن أكاذيب الصهاينة مصدقة عند الغرب لأن الانحياز الأعمى لإسرائيل لا يتيح حتى التدقيق فى روايات الإعلام وتحكيم العقل.
وعلى الرغم من اكتشاف بعض الأكاذيب - مثل ما قيل عن حماس فى ٧ أكتوبر - فإن الغرب ما زال يصدق هذه الروايات الملفقة.
علينا إذن أن نواجه هذه الحالة بالرواية الصادقة وندعمها بالصورة.. وعلينا ككُتّاب أن نروج لها فى أعمالنا - شعرا ونثرا -.
وعلى المستوى الشخصي فقد كتبت ( للكبار) أربع قصائد ونشرتها على صفحتى ووجهت بمحاولات حجبها. وكتبت للصغار قصيدة استلهمتها من هذا الطفل الفلسطيني الذى هاجر ومعه عصفوره الأبيض.. أقول فيها :
عصفوري
( إلى الطفل الفلسطيني الذى حمل عصفوره الأبيض.. وهاجر)
عصفوري الأبيض
لازمني.. صادقني
لم يتركني..
لم يهجرني
لم يسمع إنذار القتلة
كان له أن يهرب
من قصف النار
إلى أى مكان آمن..
أن يعبر أي حدود شائكة
دون بطاقة..
ويحلق ما شاء
تحت سماء مشرقة
بسلام دائم..
لكن العصفور أبي
أن يتركني وحدي
وأبى إلا أن يأوي بين يدي
وأن يرتاح على كتفي..
ويأكل من قمحي
عصفوري أرحم من كل المخلوقات
يحمل عهدا لم يخلفه يوما :
أن يسمعني كل صباح
زقزقة أفهمها
أن الحق إذا سلب من الإنسان
سلبت منه كرامته
إن الله مع المظلوم
حتي لو طال الزمن
وزاد العدوان..
■ كيف تكون أيديولوجية حكي القضية الفلسطينية؟ ومن أين نبدأ؟
- أعتقد أن التاريخ لا يكذب.. ولهذا ينبغي أن تذكر بأحداثه.. وكيف كانت الأرض خالصة لفلسطين والأماكن المقدسة.. ثم تحايل الاحتلال البريطانى فأعطى الحق لإسرائيل بالسيطرة على الأرض واحتلالها وطرد أبنائها إلى أطرافها.
ثم بعد ذلك نمر على مراحل المقاومة والنضال.. ونذكر بأن الاحتلال فى أى مكان من العالم لم ينته بدون مقاومة.. وأن كل دولة احتلت استطاعت بالمقاومة والصمود والشهداء طرد الاحتلال والانتصار عليه.. ومن ثم فإن المقاومة الفلسطينية من حقها أن تقاوم حتى تستعيد
ثم بعد ذلك نمر على مراحل المقاومة والنضال.. ونذكر بأن الاحتلال فى أى مكان من العالم لم ينته بدون مقاومة.. وأن كل دولة احتلت استطاعت بالمقاومة والصمود والشهداء طرد الاحتلال والانتصار عليه.. ومن ثم فإن المقاومة الفلسطينية من حقها أن تقاوم حتى تستعيد أرضها.. كما نذكر أن أرض فلسطين هى اليوم الوحيدة المحتلة فى العالم.
■ بسبب التوجه نحو استخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل. هل الكتاب الصوتى تأثيره أقوى على الطفل؟
- الموضوع لايتصل بمجرد التأثير وإنما يتصل بإيجابية هذا التأثير.. فالكتاب الورقى دائما تأثيره فعال وإيجابي لأنه يتميز بالدقة والإخراج الجيد.. والمضمون المناسب للمرحلة العمرية . أما الوسائل التكنولوحية فهى تفتقد إلى هذه الملاءمة وهذه الجودة.. . وتترك الأفق يختلط فيه السلبي والإيجابي.. ويجد الطفل نفسه مطالبا بالوعى والتفريق بينهما والتدقيق فى كل ما يقدم.. لكنه لا يستطيع لاتساع الأفق وعدم القدرة على التَمييز بين ما يفيد وما يجذبه إلى العكس.. وكأن الطفل بذلك واقع بلا إرادة تحت تأثير من يتحكم فى بث هذه المادة.
■ صنّاع أدب الطفل، يقع على عاتقهم حمل ثقيل بسبب ثقل القضية الفلسطينية .. كيف يتم التغلب عليها؟
- هذا الثقل يمكن لكاتب الأطفال أن يخفف منه وييسره بما يملك من موهبة وقدرة على الإبداع والوصول إلى عقلية الطفل. تماما كما استطاع أن يبسط التراث وحكاياته بصورة عصرية. قوية التأثير.
ومن ثم فإن وضع القضية الفلسطينية فى إطار فنى ( شعرا.. أو قصة.. أو مسرحا) يجعلها فى متناول وجدان الطفل وعقله دون زعيق أو شعارات براقة.. وهناك مواقف مثيرة يمكن للكاتب أن يجسدها فى أطر فنية مناسبة.
مسيرة شعرية
بدأ أحمد سويلم مسيرته فى الكتابة للأطفال بتبسيط قصص من ألف ليلة وليلة، واعتمد لغة التبسيط النثرية فى كتاباته، فوجد أمامه الآفاق مفتوحة للكتابة للطفل، فبدأ محاولات شعرية قصيرة، بعضها قصائد، وبعضها أقاصيص شعرية على أفواه الحيوانات، وبعضها مسرحيات شعرية.
لم يكتف الشاعر أحمد سويلم بالكتابة إلى الأطفال، ولكن لجأ أيضا إلى البحث والدراسة فى عالمهم أو عن عالمهم، وكيف ينظر الشعراء إليهم، فكان كتابه المهم "أطفالنا فى عيون الشعراء" الذي يرى الناقد الراحل د. أنس داود أنه "يعدُّ حتى الآن أتمَّ محاولة فى الرصد التاريخى لشعر الأطفال، فهو حافلٌ بالنماذج التراثية والمعاصرة، وحافلٌ أيضا بأسماء كثيرين من الذين يشغلهم شعر الأطفال فى العالم العربي، كما أنه يفتح الطريق إلى كثير من المصادر والمراجع فى الإبداع الشعرى للطفل، وفى دراسة هذا الإبداع أيضا.
أعمال شعرية
صرخة
إلى متى؟
ملح الأرض
فلسطين
آذان العالم.. صمت
صمت آذان العالم
وانطفأت أعينه
وتبلد داخله..
النسوة.. مسفوحات
الأطفال بلا مأوى
المهمومون يطوفون بأوجاع الفقد
وغدا المحظور.. مباحا
صار المحظور.. مباحا
ها نحن نرى الحلم تبدد مزقا
فى الصحراء..
ودوت فى القدس الأبواق المسمومة
وتهاوت جدران الأقصى..
تعلن خاتمة لنضال الأزمنة الخالية
وموت الغد..
تسأل : ما ذنب العزل
فى الساحات الدموية..
ما ذنب الأطفال وما ذنب النسوة
ومتى يصحو العالم من سكرته
ومتى يخلع عنه الأردية السوداء
ومتى ينكسر الصمت على الأفواه
ومتى يعتدل الميزان!!
هذا عصر القتلة والسفاحين
هذا عصر تعلو فيه أبواق الكذابين
ويخفت صوت العدل..
هذا عصر الأشجار المجدبة
وعصر الأزهار الذابلة
وعصر القهر..
هذا عصر الأقوال الخرساء
عصر الشجب الزائف
والألسنة البكماء..
هذا عصر مشنوق بحبال صدئة
هذا عصر ضلال الخطو
وموت الشغف
وقتل الأفلاذ..
هذا عصر الطغيان
قصفت فيه أعناق الأقلام
وسودت الصحف بلون البارود
فمتى يصحو العالم من غفوته
ومتى ينخلع من الأردية السوداء؟
………
إلى متى..
ونحن لا نملك إلا الشجب والإدانة
إلى متى..
نظل نرفع الأصوات
حتى تصدأ الحناجر..
إلى متى..
نقسم ثم نخلف الوعود فى هوان
وهاهو العالم بارك القاتل
يحتفى بجرمه
ويرفع الكئوس فى صحة
آلاف الضحايا الأبرياء..
تري.. بأى ذنب يقتلون
بأى ذنب تسفك الدماء
تسفح النسوة والأطفال..
هكذا.. أخفت غمامة البارود
وجه الشمس..
وصارت الملاءات قبورا
ضاقت الأرض بها
وروت الدماء جدبها..
تري.. بأى ذنب يقتلون
والقاتل اللعين ينشر الأكاذيب
فتعبر البحار
تهبط فى مرافئ العالم
يحتفى بها
كأنها الصحائف المقدسة..
وهكذا المقتول صار قاتلا
والقاتل الملعون مقتولا..
تلطخت أوراقه بالكذب المباح
والشاشات فى المساء.. فى الصباح
تعلن الحداد .. والنواح
ونشهد الأطفال أشلاء
بلا توقف.. ولا انتهاء
ونحن مقهورون فى أوجاعنا
والعالم البعيد يرسم الخرائط الملونة
لشرقنا الكئيب كيفما يشاء
متى إذن نهب من هواننا
متى نعيد ما مضى
ونرفع الرايات من جديد
نعبر الأسوار والسدود
نسقط الحصون.. نرسم الحدود
ونجعل الشمس التى تدفئنا
منارة.. لاتخلف الوعود....!!
……….
اسمي.. فادي
عمري عشر سنين
جسدى من ملح فلسطين
وجهى جمرة نار لا تخمد
أحلامي تتجدد أشجارا
تروى بدماء الشهداء المقهورين
بالأمس تهدم بيت أبي
وتهاوى معه عمر أبي..
أسرعت أكفنه بملاءته البيضاء
وأقسم بالتين وبالزيتون
أن أثأر من أعدائى الجبناء
حملت سلاح أبى وحشوت كنانته
وغمست الفوهة بأوجاعى الدامية
وأسرعت أكبر..
فانطلقت معى حشود وحشود
تقسم مثلي.. وتكبر..
وتعاهدنا ألا نهجر موطننا
مهما عانينا الجوع
ومهما فاجأنا الق٠صف
ومهما غشانا البارود..
هذا وطن رواه الآباء
بدماء طاهرة تثمر كل صباح
أشجار الصبار..
نقضمها.. ونلذ بطعم مرارتها
تنبت فى داخلنا أكبادا من فولاذ
نحن الأطفال اليتامى
ملح الأرض المغموس بلون الدم
صار الوطن أبا
والأرض غدت أما
غذتنا حبا.. ووعودا.. ومواثيق
غذتنا أوجاعا لا تشفى أبدا
نحن الأطفال..
لن نضع بنادقنا حتى تشرق
شمس الوطن الغائبة
ونرفع رايتنا الشماء..
ها نحن اعتدنا الجوع
فأشبعنا ملح الأرض..
وظمئنا.. فعصرنا أوراق الصبار
كئوسا تروى عطش حناجرنا
هانحن - إلى حين -
ودعنا النوم.. وجف الدمع بأعيننا
دقت أجراس كنائسنا
وانهمر أذان الأقصى
يرسم غدنا فوق الأذرع
فمددناها تخترق الآفاق
ترعد.. تبرق..
حتى تهمى السحب دماء
تروى جدب الأرض
وتشعل جذوة غدنا فوق تلال الوطن
وترفع رايات النصر..
نحن الأطفال الشرفاء
أقسمنا بالتين.. وبالزيتون
ورثنا عهدا لن نخلفه أبدا
حتى نتحرر..
أو نغدو فى قائمة الشهد٠اء..
……..
هو شعب لا يخشى الموت
لايعرف لغة الصمت
يتنفس بارودا.. وسموما
فتصير الأكباد صخورا..
والزمن الممتد بأيديهم لحظة وقت
شعب.. يخطو فوق الشوك
وفوق الوجع.. ولا يتألم
يقصف جوا.. أرضا.. بحرا
لا يفقد قدرته.. لا يسأم..
يقتل منه كل صباح.. كل مساء
آلاف النسوة والأطفال
فيغرس فى الأرض الدامية
مزيدا من نطف أخرى.. تنمو وتشب
شعب خاصمه النوم
فلا تغمض عيناه..
يحكم قبضته فوق حناجره حتى تتجمد.. ويكبر باسم الله..
شعب مقهور.. محروم من كسرة خبز
لكن لا يشكو الجوع..
محروم من جرعة ماء
فيحيل الظمأ ينابيع نضال..
محروم من لحظة أمن
لكن يده فوق زناد سلاحه..
صار الوجع لديه وردا قدسيا
وصلاة دائمة صماء على جثث القتلي
شعب لا يخشى الموت
أقسم بالموتى والأحياء
ألا يغفل يوما عن ثأره
شعب يحيا بوصايا الشهداء
فلا يثنيه الخوف..
ولا يرهبه أعتى قصف..
شعب يفتح للموت ذراعيه
يثبت فوق الأرض الأقدام
ويرويها بدماء تكتب ملحمة
تغزو العالم..
تجعله ينظر فى المرآة..
فيشعر بضآلته
وغياب عدالته
تثقله خذلانا.. وهموما
الآن.. يقف التاريخ هنا مذهولا
يرسم ألوان العلم المغموسة
بدماء الشهداء.. ويكتب
وينحى عن صفحته من يصرخ عجزا.. ويدين.. ويشجب..
يقف التاريخ.. ولا يتململ
يكتب عن شعب لا يخشى الموت
وللشهداء.. يهلل
شعب يمضى فى خطواته
إما أن ينتصر وإما أن يقتل
شعب يحفر بالأظفار
لكي يغرس أشجارا لا تذبل
تثمر كل صباح.. كل مساء
نطفة طفل مسكون بالثأر
يحمل حلم الأجداد على كاهله
حتى تتحقق رؤيا لا تكذب..
917 963 967 965
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الشاعر أحمد سويلم المجلس الأعلى للثقافة القضية الفلسطينية اطفال غزة اخبار الثقافة القضیة الفلسطینیة أحمد سویلم إلى متى هذا عصر
إقرأ أيضاً:
399 جريمة!
د. أحمد بن موسى البلوشي
الأسرة هي الوحدة الأساسية في المجتمع، وتتكون من مجموعة من الأفراد يرتبطون ببعضهم بروابط قرابة، مثل الأب والأم والأبناء، وأحيانًا تشمل الأجداد والأقارب الآخرين الذين يعيشون معًا، وتلعب الأسرة دورًا محوريًا في تنشئة الأطفال التنشئة السليمة والصحيحة، وتوفر لهم الدعم العاطفي والاجتماعي، والأسرة هي البيئة الأولى التي ينشأ فيها الطفل ويتلقى منها القيم، والتوجيهات، والعادات، والسلوكيات، والمهارات الأساسية التي تساعده على النمو والتطور ليصبح مواطنًا صالحًا، والعلاقة بين الأسرة والأطفال هي علاقة تبادلية، حيث توفر الأسرة الدعم والرعاية، بينما يسهم الأطفال في إثراء الحياة الأسرية بفرحهم وطاقتهم.
الأسرة هي الركيزة الأساسية والوحيدة في تنشئة الأطفال وإعدادهم لمستقبل ناجح، حيث تلعب دورًا مهمًا ومحوريًا في تلبية احتياجاتهم العاطفية، والتعليمية، والصحية وغيرها من المتطلبات الأخرى. فالاهتمام بالطفل يبدأ بتوفير بيئة آمنة ومستقرة تمنحه الحب والحنان والرعاية، مما يعزز ثقته بنفسه ويشعره بالأمان، ويعد الاهتمام حجر الأساس وعموده الفقري في حياة الطفل، حيث يؤثر بشكل مباشر على نموه العاطفي، والعقلي، والاجتماعي، والسلوكي. والطفل الذي يحظى بالاهتمام والرعاية من قبل أسرته، يكتسب الثقة بالنفس ويشعر بالأمان والاستقرار، مما يعزز قدرته على التعلم والتفاعل الإيجابي مع الآخرين. كما أن الاهتمام بتلبية احتياجاته النفسية والتعليمية والصحية يساعده على تطوير مهاراته الحياتية والسلوكية، ويقلل من فرص تعرضه للمشكلات النفسية والسلوكية، بالإضافة إلى ذلك، فإن اهتمام الأسرة بالطفل يعزز لديه الشعور بالانتماء والمسؤولية، مما يجعله فردًا نافعًا في المجتمع قادرًا على تحقيق النجاح.
وإهمال الأسرة للأطفال وعدم الاهتمام بهم ومراقبتهم وتوجيههم دائمًا ما يؤدي إلى آثار سلبية خطيرة على نموهم النفسي، والاجتماعي، والأكاديمي، والسلوكي. فعندما يغيب الاهتمام والتواصل العاطفي، يشعر الطفل بالوحدة وعدم الأمان، مما قد يؤثر على ثقته بنفسه ويجعله أكثر عرضة للكثير من الاضطرابات، فغياب الاهتمام من قبل الأسرة يعني ترك فراغ عاطفي وسلوكي في حياة الطفل، مما يجعله عرضة لتأثيرات خارجية قد تكون سلبية وخطيرة، وعندما لا يجد الطفل الاهتمام والتوجيه داخل أسرته، فإنه قد يبحث عن هذا الاهتمام في أماكن أخرى، مثل الأصدقاء، أو وسائل التواصل الاجتماعي، أو حتى الجماعات التي قد تستغل ضعفه العاطفي والسلوكي وقلة خبرته بالحياة، وهذا قد يؤدي إلى تبني سلوكيات غير سليمة، مثل العنف، والانحراف، والتحرش، والتأثر بالأفكار السلبية. لذلك، فإن دور الأسرة في توفير الحب، والتوجيه، والمراقبة الإيجابية أمر ضروري لحماية الطفل من التأثيرات السلبية الخارجية والمحيطة، وتوجيهه نحو بيئة آمنة تدعمه في بناء شخصية قوية ومتوازنة.
وتُعد قضايا التحرش من أخطر نتائج إهمال الأسرة للأطفال؛ حيث يؤدي غياب الرقابة والتوجيه إلى زيادة فرص تعرضهم للاستغلال والانتهاك من قبل المتربصين بهم، وعندما لا يشعر الطفل بالاحتواء والأمان داخل أسرته، ولا يجد من يستمع إليه أو يوجهه، فإنه يصبح أكثر عرضة للتحرش، سواء من داخل محيطه القريب أو عبر قنوات أخرى كثيرة تحيط به.
وإعلان الادعاء العام عن 399 جريمة تحرش وهتك عرض طفل في عام 2024، يُمثِّل رسالة تحذيرية قوية للأسرة والمجتمع؛ حيث إن هذه الأرقام تعكس خطورة الوضع والحاجة الملحّة لتعزيز الوعي والمسؤولية الجماعية لحماية الأطفال من الاستغلال والانتهاكات، وهذا الإعلان ليس مجرد رقم، بل هو جرس إنذار يستوجب تحركًا فعّالًا من الأسرة والمجتمع لحماية الأطفال وضمان مستقبل أكثر أمانًا لهم.
إنَّ إهمال الأسرة في توعية الطفل بحدوده الشخصية وحقوقه، وعدم تعليمه كيفية التصرف في المواقف غير المريحة، يفتح المجال للمتحرشين لاستغلال براءته وثقته بالآخرين، كما أن عدم مراقبة المحتوى الذي يتعرض له الطفل في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي قد يعرضه لمواقف خطيرة دون وعي، لذلك، من الضروري أن تحرص الأسرة على توعية الطفل بحماية نفسه، وتعليمه طرق التصرف في حال تعرضه لأي محاولة تحرش، إضافة إلى فتح باب الحوار معه حتى يشعر بالأمان والثقة في التحدث عن أي مشكلة يُواجِهُها؛ فالتوعية والاهتمام هما الدرع الأول لحماية الأطفال من هذه المخاطر التي تهدد سلامتهم النفسية والجسدية.
إلى كل الأسر والعائلات، لا توهموا أنفسكم بانشغالات الحياة، وتقلباتها، وتغفلون عن أهم مسؤولياتكم، وهي رعاية أطفالكم، فالعمل، والمسؤوليات، والانشغالات، وضغوط الحياة اليومية قد تأخذ الكثير من أوقاتكم، لكن لا شيء يعوض الطفل عن حنان والديه واهتمامهما. والإهمال أو الانشغال عنهم قد يفتح الباب لمؤثرات خارجية كثيرة قد تؤثر سلبًا على سلوكهم ونموهم النفسي والعاطفي، وعلى جميع الآباء والأمهات أن يحرصوا على تخصيص وقت لهم، والاستماع إليهم، وأن يراقبوا تصرفاتهم، وأن يكونوا الملجأ الأول لهم في كل ما يمرون به، فإن الحب والاهتمام هما أساس بناء شخصياتهم القوية والسليمة، والاستثمار الأهم الذي سيؤتي ثماره في مستقبلهم وحياتهم.