(إسرائيل).. البحث عن انتصار وهمي!!!
تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT
بعد الهدنة القصيرة بين فصائل المقاومة وجيش الاحتلال الإسرائيلي رأينا مشاهد مروعة ومقززة للمجازر والمذابح التي ترتكب في حق أبناء غزة والشعب الفلسطيني من قبل جيش الاحتلال الذي احرق الشجر والحجر وأباد الأطفال والنساء بهستيريا جنونية لم يحدث مثلها في فيتنام أو ناجازاكي أو حتى الحرب العالمية الثانية، دمار في طوباس وخانيونس ومدينة غزة بصورة وحشية لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، وحتى كتابة هذه الأسطر شهدت محافظة غزة اشتباكات فيما يسميها جيش الاحتلال (المرحلة الثالثة) من التوغل البري.
وما حققته اليمن من ضربات متوالية وحجز سفينة جلاكسي ليدر في المياه الإقليمية اليمنية واقتيادها إلى الميناء اليمني وتوجيه عدة ضربات إلى أي سفينة مملوكة لإسرائيل أو من يساندها في البحرين الأحمر والعربي نصرة للشعب الفلسطيني المظلوم وحتى يتوقف العدوان على غزة.
وبهذه الحرب المجرمة التي بدأت في السابع من أكتوبر، فقد وصلت أعداد الشهداء الفلسطينيين الى اكثر من 17 ألف شهيد فلسطيني ما بين مدنيين كبار في السن وأطفال ونساء واستهداف مباشر للصحفيين والإعلاميين وأطباء الكثير منهم من ارتقوا مع أسرهم فمسحوا من السجل المدني الفلسطيني، زد على ذلك جرائم الاحتلال المخفية (أكلة لحوم البشر)، فقد كُشفت مكالمات بالصوت والصورة للمتطرفين الصهاينة قيامهم بأبشع الجرائم في تجارة الأعضاء البشرية وفاقت الأعداد أمريكا نفسها، فالعدوانية تكمن في أعداد المفقودين ونبش القبور واخذ الأعضاء وتصديرها إلى أمريكا ودول الغرب واختفوا بلصوصية الكيان حتى من القبور.
فما تتعرض له مدينة غزة والمربعات في الجنوب أو الشمال والطرقات والمشافي ومدارس الإيواء من مذابح ومجازر تفوق ما حدث في تاريخ الحروب القديمة والحديثة، وإلقاء عشرات الأطنان من القنابل الفسفورية المحرمة دولياً على المدنيين.. وهناك دعوات من مجلس الأمن الدولي ومنظمات الصحة العالمية والمنظمات الحقوقية لتشكيل فريق طبي محايد للكشف عن نوعية القنابل والصواريخ الحارقة التي تقذفها طائرات الاحتلال على قطاع غزة، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه فإن شرارة هذا الاعتداء الهمجي وهذه الحرب القذرة ستمتد إلى حرب إقليمية وقد تتصاعد إلى حرب عالمية.
ظهرت إحدى الإسرائيليات الغاضبات وارتفع صوتها مع أحد الجنرالات وهي تحمل العلم الفلسطيني وتصرخ بالعبرية (انا دمي فلسطيني) ونادت أخرى بأعلى صوتها للرؤساء العرب والمسلمين (أعيرونا مدافعكم لا مدامعكم)، لأنها تعلم جيداً ان أصحاب المعالي والسمو أصبحوا (شخشيخات) في يد مجرم الحرب (النتن).
نحن في الشهر الثالث ومازالت الجرائم ترتكب بحق إخواننا الفلسطينيين والمدنيين العزل والأطفال والحوامل والشيوخ، يلوح في الأفق النصر المؤزر للشعب الفلسطيني الشقيق ومقاومته الباسلة، فقد كانت المهلة التي أعطت ضوءها الأخضر وشاركت فيها أمريكا بعتادها وعدتها والغرب الموحش والصهاينة بعقيدتهم النازية ضد الطفل والمرأة والشيخ المسلم، والغرض من خلال معطيات هذه الحرب هو طمس القضية الفلسطينية وإبادة أهالي غزة إما بالقتل أو التهجير أو التجويع أو العطش..
فالكيان المحتل لم يحقق أي هدف، أو حتى أبسط أهدافه، سوى قتل المدنيين وضرب الأبراج السكنية فوق رؤوس ساكنيها وإخراج المستشفيات عن الخدمة، حتى لم تسلم ألواح الطاقة الشمسية من حقده الدفين ولم تسلم مدارس الإيواء والأونروا وأصحاب الأقلام والعدسات الناقلة للحقيقة الذين يفوقون المائة بالإضافة إلى الطواقم الطبية والمشافي (المعمداني والشفاء والناصر والأندلسي وغيرها) في خطوة توحي وتظهر حقد بني صهيون الدفين ضد السكان الأصليين، فهل هذه قواعد حرب؟
اليوم أمريكا ببوارجها وراجماتها الصاروخية وقنابلها قد انهارت أمام ضربات المقاومة..
الشعب الفلسطيني يعيش حصاراً برياً وبحرياً وجوياً ويتعرض لجرائم حرب بشعة، فالمعابر مغلقة ولا يصل من المساعدات الإنسانية إلا النزر اليسير.
المقاومة والشعب الفلسطيني في كافة القطاعات وخاصة قطاع غزة يفتقرون إلى المشتقات النفطية والمأكل والمشرب والدواء والتدفئة لزوم البرد القارص، هذا هو الشق الآخر من محاولة انتزاع نصر وهمي بعد أن فشل الكيان الصهيوني في تصفية حماس وقادتها وحركات الجهاد الإسلامي والقضية الفلسطينية برمتها ولم يحقق سوى خيبة الأمل، وتكشفت أقنعة الزيف وتلفيق التهم أثناء الهدنة وتبادل الأسرى، حيث صرحت أكثر من رهينة ومحتجزة عكس ما كان يشيعه الكيان الإسرائيلي.. بحسن المعاملة والمأكل والمشرب والدواء من قبل المقاومة الفلسطينية حماس، الأمر الذي دفع (النتن) إلى منع التصريحات من المفرج عنهم من المحتجزين أثناء تبادل الأسرى، فبدأوا يشيعون أسطواناتهم المشروخة بعد أن عرف العالم حقيقة هذا الكيان وشعرت أوروبا بالخسارة وما زالت نتيجة انحيازها للكيان (اللقيط) و(شذاذ الآفاق) الذين غرست في نفوسهم الكراهية والحقد والانتقام حتى على الأطفال الرضع.. وهاجر عكسياً اكثر من نصف مليون إسرائيلي من أصحاب الجنسيات المزدوجة إلى خارج فلسطين حتى اللحظة وبدأت وتيرة التذمر ترتفع في الداخل الإسرائيلي بضرورة تحرير الرهائن ومن السلوك الشاذ والإجرامي بحق أبناء الأرض الأصليين وبدأ (الشيكل) بالتراجع بشكل مخيف، فأغلقت المصانع وانحسرت السياحة إلى ادنى مستوى وأصبحت صفر من الخارج، فقد خسر الكيان مئات المليارات من الدولارات ومعه المشاركون وعلى رأسهم الولايات المتحدة المقبلة على انتخابات، واصبح (النتن) منبوذاً في الداخل الإسرائيلي والكل يبحث ويجمع تسجيلات لخصمه ليظهر لمحكمة الجنايات الدولية أنهُ بريء من هذه الحرب في حال انتهائها وبايدن يترنح مع حزبه الذي سيكون خارج اللعبة الرئاسية الانتخابية.
فالاحتلال الصهيوني هم الحيوانات ومحور المقاومة هم الحضاريون اما الذباب الالكتروني الذي يشيع بأن حركة المقاومة الإسلامية حماس ترتكب جرائم تمس الأخلاق والشرف فالواقع قد كشف المستور والتلفيق لتلك الذباب التي ظهرت على الفضائيات حتى وإن قطع الكيان وسائل التواصل الاجتماعي بين الفينة والأخرى لتغطية جرائمه المزرية، فقد سقط الأخير في نفق التزييف والدجل والكذب وتبرأت الإنسانية من هذا الكيان.
أما الداعم الأمريكي البريطاني الإسرائيلي وما حدث من قبل الكيان من سخط ضد الأمين العام للأمم المتحدة خير دليل على انكشاف اللعبة والمخططات الجهنمية التي لم يستطع الكيان تنفيذ أي شيء منها.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
حرب غزة نظرة إلى الواقع واحتمالات المستقبل.. دراسات إسرائيلية
كان السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023، وما تلاه، حدثا مفصليا في تاريخ المنطقة والعالم. وقد تعددت التقييمات والتقديرات لمجريات الحرب، وما حققته أو لم تحققه الأطراف المنخرطة فيها أو المتأثرة بها. كما كثُرت وتعددت الرؤى لسيناريوهات المستقبل.
وفي هذا الإطار نقدم عرضا لثلاثة دراسات لتقييم وتقدير موقف لحرب غزة، هي:
1 ـ "الحرب في غزة بعد عام: تقييم مرحلي": نشرته "المجلة الإسرائيلية للشؤون الخارجية"، المجلد الثامن عشر، الجزء الأول، 2024. وهي مجلة صادرة عن المؤتمر اليهودي العالمي WJC. وكاتب المقال هو "تشاك فريليش": نائب سابق لمستشار الأمن القومي في إسرائيل، ويُدرس العلوم السياسية في جامعات هارفارد وكولومبيا ونيويورك وتل أبيب.
2 ـ "حرب يخسرها كلاهما: إسرائيل وحماس ومحنة غزة": نشرته "مجلة البقاء"، المجلد 66، العدد الثالث، 2024. وهي من إصدار المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية IISS. وكاتب المقال هو "دانيال بايمان": أستاذ في كلية الخدمة الخارجية بجامعة جورج تاون، وزميل أول في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS.
3 ـ "كيف يمكن لإسرائيل وإدارة ترامب كسب الحرب وتشكيل الشرق الأوسط": نشره معهد القدس للاستراتيجية للأمن" ، في 16/12/2024، للجنرال المتقاعد يعقوب عميدرور المستشار الأسبق للأمن القومي الإسرائيلي، كما عمل سابقا رئيسا لقسم الأبحاث بالاستخبارات العسكرية الإسرائيلية.
أهم ما تضمنته المصادر الثلاثة
في السابع من أكتوبر 2023، استخدمت حماس مُسيرات وتدابير منخفضة التقنية لمفاجأة وتحييد كاميرات المراقبة المتطورة وأنظمة إطلاق النار الآلية بالسياج العازل على الحدود بين غزة وإسرائيل. واخترق 3800 من مقاتلي حماس السياج في 119 مكانا، واجتاحوا القواعد العسكرية، والقرى والبلدات الحدودية، وتوغلوا 25 كيلومترا في منتصف الطريق إلى بئر السبع، وثلث الطريق إلى مفاعل ديمونة النووي.
كيف أدرات إسرائيل الحرب؟
منذ السابع من أكتوبر، اتبعت إسرائيل سياسة الأرض المحروقة والإبادة الجماعية في قطاع غزة، وتوجيه ضربات محدودة في لبنان وإيران إلى منتصف سبتمبر عندما ضربة مؤثرة لحزب الله فيما عرف ب"ليلة الاستدعاءات" أو "حرب البيجرات"، ثم الدخول في حرب شاملة مع الحزب. وقدم الجنرال عميدرور عرضا لأهداف إسرائيل في الحرب، وطريقة إدارتها فقال: تشن إسرائيل حربا على أربعة مستويات: حماية المواطنين الإسرائيليين داخل إسرائيل وفي المناطق الحدودية؛ استعادة مكانتها في المنطقة والعالم؛ على قلوب وعقول المسلمين في المنطقة ليترسخ لديهم أن حركات المقاومة السنية الشيعية تجلب كارثة لشعوبها؛ وعلى عقول الغرب ليعلموا أنه هو التالي إذا فشلت إسرائيل في مواجهة حركات المقاومة الإسلامية. ولذلك قامت استراتيجية إسرائيل في هذه الحرب على ثلاثة مبادئ رئيسية تختلف عن حروبها السابقة: تدمير التهديدات أو على الأقل تقليلها بشكل كبير، التركيز على ساحة واحدة قدر الإمكان، وعدم تحديد الخطط المستقبلية قبل تحقيق الإنجازات. ولذلك، لم يتم اتخاذ أي قرار بشأن الإدارة المدنية لغزة في "اليوم التالي".
غير معروف نظرة الفلسطينيين للدور المستقبلي لحماس المستقبلي في السياسة الفلسطينية. فلا يمكن الاعتماد على استطلاعات الرأي وحدها، والتي تراوحت بين: الدعم الساحق لحماس عند اندلاع الحرب، أو اعتبار الكثيرين أن الدمار الهائل في غزة هو هزيمة ساحقة ونكبة جديدة.الآثار الحالية والمستقبلية للحرب
هذه الحرب لها آثار تاريخية على إسرائيل والفلسطينيين والمنطقة، كالتي جرت بعد حربي 67 و 73. قد يكون بعضها غامضا الآن؛ لكن بمجرد توقف الصراع، فقد تجد إسرائيل وحماس نفسيهما في وضع أسوأ مما كانا عليه قبل الحرب. وإن مرور عام علي الحرب هو وقت مناسب لتقييم ما أنجزته وما لم تنجزه الجهات الفاعلة الرئيسية فيها، ولرسم المسار المحتمل في المستقبل المنظور:
أولا ـ حماس
كان العام الأول للحرب بمثابة تقاطع بين متناقضين بالنسبة لحماس: النجاح الدراماتيكي، والكارثة التاريخية. ويمكن لها أن تدعي بحق أنها المنظمة الفلسطينية الأكثر فعالية على الإطلاق لتحدي إسرائيل:
1 ـ فهي القوة العربية الوحيدة منذ 1948 التي احتلت أراضي داخل إسرائيل، ولو بشكل عابر.
2 ـ تسببت في إحداث أكبر صدمة نفسية في تاريخ إسرائيل، وحطمت شعور الجمهور الإسرائيلي بالأمن.
3 ـ نجحت في استعادة الفلسطينيين الثقة في كفاءتهم الأساسية، وقدرتهم على الوقوف في وجه إسرائيل.
4 ـ حققت هدفها الأدنى المتمثل في مجرد النجاة من الهجوم الإسرائيلي المضاد، واحتفظت إلى حد كبير بالسيطرة السياسية في غزة، وأعادت تشكيل كتائبها في بعض مناطق القطاع.
5 ـ إعادت القضية الفلسطينية إلى مركز الاهتمام الدولي، على النقيض من الجهود العقيمة التي بذلتها السلطة الفلسطينية..
6 ـ أكدت أن القضية الفلسطينية لا يمكن تنحيتها في أجواء استمرار إسرائيل في التمتع بامتداد التطبيع والتكامل الإقليمي والنمو الاقتصادي.
7 ـ وفرت الرهائن لحماس درجة غير متوقعة من النفوذ، وأدت إلى توترات داخل إسرائيل.
8 ـ عرقلت قطار التطبيع الذي كان أوشك على إقامة علاقات رسمية بين إسرائيل والسعودية. وكان من المحتمل أن يؤدي إلى مزيد من توسيع العلاقات مع الدول الإقليمية والإسلامية الأخرى.
9 ـ ازدياد الدعم الدولي للفلسطينيين، وأعربت قطاعات من الرأي العام العالمي عن تضامنها مع حماس.
10 ـ تعزيز جهود نزع الشرعية عن إسرائيل، وعزلها دبلوماسيا.
وعلى عكس النجاحات التي حققتها خلال العام الأول من الحرب، فهناك مجموعة من الاخفافات هي:
1 ـ هُزمت حماس عسكريا؛ لكنها ليست هزيمة كاملة..
2 ـ دمار شامل وكبير بقطاع غزة.
3 ـ نجاح جزئي في جر محور المقاومة: ففي الأسابيع الأولى، عندما كان من الممكن أن يُحدِث تدخل إيران وحزب الله فرقا حاسما؛ لم تُلبِ طهران مناشدات حماس للتدخل في القتال. أما حزب الله، فقد أبقى الأعمال القتالية عند مستوى يهدف إلى تجنب تصعيد كبير مع إسرائيل يجبرها على تحويل مواردها الرئيسية من غزة إلى الحدود الشمالية. وأطلق الحوثيون والميليشيات الشيعية الصواريخ والمسيرات بشكل متقطع فقط. ولم يتغير هذا الوضع في معظم العام الأول للحرب.
4 ـ غير معروف نظرة الفلسطينيين للدور المستقبلي لحماس المستقبلي في السياسة الفلسطينية. فلا يمكن الاعتماد على استطلاعات الرأي وحدها، والتي تراوحت بين: الدعم الساحق لحماس عند اندلاع الحرب، أو اعتبار الكثيرين أن الدمار الهائل في غزة هو هزيمة ساحقة ونكبة جديدة.
ثانيا ـ إسرائيل
1 ـ نجاح عسكري جزئي
على المستوى العسكري البحت، حققت إسرائيل نجاحا كبيرا. فقد دمرت الكتائب التي نشرتها حماس، أو أدت إلى تدهورها بشدة. ولم تعد حماس تشكل قوة عسكرية متماسكة، وفقدت قدرتها على شن هجوم مماثل للسابع من أكتوبر لسنوات عديدة قادمة. وتم إنشاء منطقة عازلة على طول الحدود مع غزة، وأعادت إسرائيل بسط السيطرة على ممر فيلادلفيا ومعبر رفح. وفقدت حماس الكثير من مقاتليها وقادتها.
ومع ذلك، ومع مرور عام، لم تُهزم حماس بالكامل. ولا يزال بإمكانها شن هجمات ضد الجيش الإسرائيلي. وتحتفظ بعدد صغير من الصواريخ. ولم تتمكن إسرائيل من تدمير شبكة الأنفاق الضخمة بالكامل التي تزيد عن 500 ميل. ولا يزال 100 رهينة بيدها، مما يضع الحكومة الإسرائيلية أمام تحد استراتيجي.
2 ـ فشل إيجاد بديل لحماس
على الرغم من أن السيطرة السياسية لحماس على غزة قد ضعفت بشكل كبير، إلا أنه لم يتم القضاء عليها. وأدى فشل إسرائيل في تقديم بديل لحماس إلى جعلها الهيئة الحاكمة في غزة بحكم الأمر الواقع.
3 ـ عدم تحقيق الأهداف الاستراتيجية للحرب
حددت إسرائيل أهداف الحرب على أنها التدمير العسكري والسياسي الكامل لحماس، وإطلاق سراح الرهائن، وتحقيق "النصر الكامل". وكلها أهداف لم تتحقق حتى الآن. وكان أكبر فشل في نظر الجمهور الإسرائيلي هو عدم قدرة الحكومة على إنقاذ الرهائن أحياء، سواء من خلال العمل العسكري أو المفاوضات، وهو ما استغلته حماس في إطار الحرب النفسية لإضعاف عزيمة المجتمع الإسرائيلي. ومع ذلك، تلاعب نتنياهو بالقضية لأغراض سياسية، ولم يستفد من أي فرصة متاحة لإطلاق سراحهم.
4 ـ فشل جزئي في عملية التطبيع
رغم تأجيل الحرب لاحتمالات التطبيع بين إسرائيل والسعودية؛ فقد استمر التعاون العسكري مع بعض دول الخليج والدول العربية، وربما تكثف هذا التعاون في بعض الحالات. ومع ذلك، فإن فشل إسرائيل في تقديم تصور لما بعد الحرب حال دون إضفاء المزيد من الطابع الرسمي على التحالف.
5 ـ عزلة دولية
أثرت الحرب بشدة على مكانة إسرائيل الدولية، وأدت إلى تعاطف دولي مع الفلسطينيين لم يُسمع به من قبل. واعتبر الأوروبيون في استطلاعات الرأي أن إسرائيل تهديد كبير للسلام أكثر من إيران وكوريا الشمالية وروسيا. وأصبحت المواقف تجاه إسرائيل عدائية بشكل كبير، وتزايدت الإدانة الدبلوماسية، وتعززت مبادرات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات ضد إسرائيل، ووُجهت اتهامات الإبادة الجماعية وارتكاب جرائم الحرب في محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، مما أدى إلى عزلة إسرائيل.
6 ـ صدمة عميقة وانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي
لا يزال المجتمع الإسرائيلي يعاني من صدمة عميقة بسبب الحرب، الذي استهلكه رعب الأيام الأولى، واحتجاز الرهائن، والقتال في غزة، وإطلاق النار المستمر في الشمال. وكان في 2023 قبل الحرب يترنح بالفعل بسبب ما يسمى ب"الإصلاح القضائي". وهو ما سبق للجيش ووكالات الاستخبارات أن حذروا نتنياهو من أن هذه الانقسامات العميقة والمعارضة التي أثارها الإصلاح المقترح ستضعف إسرائيل عسكريا وتشجع خصومها على الاستفادة من الفوضى الداخلية لبدء أعمال عدائية. ثم أدى اندلاع الحرب إلى استعادة الإجماع الوطني الأساسي؛ ولكن سرعان ما تجددت الانقسامات. ويلوم بعض الإسرائيليين نتنياهو على عدم تحمله المسؤولية عن الفشل الاستراتيجي الذي يعكسه السابع من أكتوبر. وبينما يريد اليمين المتطرف الاستمرار في الحرب؛ فإن الإسرائيليين الآخرين أكثر استعدادا لقبول وقف إطلاق النار مقابل إطلاق سراح الرهائن.
ثالثا ـ إيران ومحور المقاومة
أظهر السابع من أكتوبر هشاشة أمن إسرائيل، وزاد من إيمان محور المقاومة بقدرته على تحقيق هدفه النهائي بتدمير إسرائيل في وقت أبكر مما كان يتوقع. وأحبطت الحرب مؤقتا خطر التطبيع السعودي الإسرائيلي، والتكامل الإقليمي مع إسرائيل. وانهارت صورة إسرائيل الدولية.
كان أكبر فشل في نظر الجمهور الإسرائيلي هو عدم قدرة الحكومة على إنقاذ الرهائن أحياء، سواء من خلال العمل العسكري أو المفاوضات، وهو ما استغلته حماس في إطار الحرب النفسية لإضعاف عزيمة المجتمع الإسرائيلي. ومع ذلك، تلاعب نتنياهو بالقضية لأغراض سياسية، ولم يستفد من أي فرصة متاحة لإطلاق سراحهم.وكان لقدرة حماس على النجاة من الهجوم المضاد الإسرائيلي تداعيات مهمة على محور المقاومة. فقد اعتبره فعالا لمواجهة التفوق التقليدي الساحق لإسرائيل. وللمرة الأولى شنت إيران هجوما مباشرا كبيرا على إسرائيل بدلا من الاقتصار على هجمات وكلائها. وواصل حزب الله أعماله على طول الحدود، محولا شمال إسرائيل إلى أرض محايدة. وقدم الحوثيون مساهماتهم الخاصة. وقد خدمت الحرب عددا من المصالح الاستراتيجية لإيران:
1 ـ تحويل الانتباه الدولي عن برنامج طهران النووي، مما مكنها من تحقيق المزيد من التقدم فيه.
2 ـ إظهار إيران كزعيم إقليمي وقوة مهيمنة محتملة.
3 ـ تعزيز العلاقات مع بكين وموسكو وموقعها داخل المعسكر الأوسع المناهض للغرب.
4 ـ زيادة تطلعات إيران الطويلة الأمد للعب عالمي.
وفي الوقت نفسه، كشفت الحرب عن الاختلافات وحدود التحالف داخل المحور. فلم تشارك إيران وحزب الله في الحرب بعد اندلاعها بشن هجوم شامل منسق متعدد الجبهات على الفور ضد إسرائيل. ولو فعل المحور ذلك، لكان الهجوم المشترك كافيا لتوجيه ضربة قاضية كانت تطمح حماس توجيهها إلى إسرائيل.
وقدم الهجوم الإسرائيلي على حزب الله دليلا آخر على حدود تماسك وفعالية محور المقاومة، فأطلق الحوثيون والميليشيات الشيعية الأخرى بعض الصواريخ والقذائف المتقطعة، واكتفت إيران بالهجوم الصاروخي في 1 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وأوضحت أنها تفضل رؤية نهاية للقتال. لكن، لا يزال من السابق لأوانه شطب محور المقاومة.
رابعا ـ الضفة الغربية
كانت الضفة الغربية صندوق بارود لتصدي الفلسطينيين للاعتداء المتكرر للمستوطنين. ومنذ السابع أكتوبر، أصبحت إسرائيل أكثر عدوانية في الضفة، وبدأ المستوطنون هناك في حالة من الفوضى:
ـ حتى نهاية أبريل/نيسان 2024، اعتقل الجيش أكثر من 8000 فلسطيني في الضفة، وقتل أكثر من 400 فلسطيني.
ـ أصبح عدد الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية أعلى مما كان عليه قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر
ـ زاد عنف المستوطنين بشكل كبير، مع انتشار جرائم القتل وتدمير الممتلكات الفلسطينية.
ـ كثفت الحكومة الإسرائيلية عمليات الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، وسهلت عملية تسليح المستوطنين، ومنحهم وزراء اليمين المتطرف تفويضا مطلقا في وضع قابل للاشتعال بالفعل.
خامسا ـ السلطة الفلسطينية
أعادت حماس تأكيد نفسها كقوة مقاومة وقوة حكم مما يجعلها قلب الحركة الوطنية الفلسطينية. ونجحت حماس في إطلاق سراح بعض الأسرى الفلسطينيين في صفقات التبادل في بداية الحرب؛ بينما فشلت السلطة الفلسطينية في تحقيق مثل هذه الإفراجات التي رفضتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة. وقد أظهرت استطلاعات الرأي أن معظم الفلسطينيين، خاصة في الضفة الغربية، يفضلون حماس على السلطة التي ليس لديها نظرية حقيقية للنجاح، وهي تقمع المقاومة بدلا من تعزيزها، ورهانها على عملية سلام لإقامة دولة فلسطينية مجرد وهم. أما السلطة الفلسطينية نفسها فهي في أزمة للأسباب التالية:
ـ اُبتليت السلطة بالخلل الوظيفي والفساد والاستبداد. ولذلك، لا تحظى بشعبية كبيرة.
ـ أدى التوسع الاستيطاني في الضفة، وجرائم المستوطنين، والغارات المنتظمة التي يشنها الجيش، إلى تقويض مصداقية السلطة التي يراها العديد من الفلسطينيين أنها خادمة للاحتلال الإسرائيلي.
ـ ليس لعباس خليفة واضح، ومن المحتمل أن تنقسم القيادة الفلسطينية عندما لا يكون قادرا على القيادة، وفي هذه الحالة يمكن لحماس أن تحل محلها في الضفة الغربية.
ـ فقدان السلطة للمصداقية السياسية. فهي قبل الحرب، تعاونت قواتها بانتظام مع إسرائيل ضد حماس والمنظمات الأخرى
ـ لا يفعل عباس شيئا يذكر في الضفة الغربية لتثبيط العمليات العسكرية الإسرائيلية المفرطة في العدوانية والتي تنفذها دفاعا عن المستوطنين الذين كثيرا ما يهاجمون المدنيين الفلسطينيين.
رابعا ـ الولايات المتحدة
قدمت واشنطن لإسرائيل دعما استراتيجي وعسكريا ودبلوماساي ساحقا لضمان قدرتها على الدفاع عن نفسها، وردع محور المقاومة، وتعزيز التحالف الإقليمي المناهض لإيران. وبحلول أوائل 2024، تبنت إسرائيل المخطط العسكري الأمريكي لغزة: فترة أولية من الحرب الشديدة، يتبعها انسحاب معظم القوات الإسرائيلية، وعمليات مركزة مستمرة ضد التهديدات الملموسة. ورغم كل ما قدمته، فلم تتبن إسرائيل الرؤية الأمريكية بالكامل، وركزت بدلا من ذلك فقط على الأبعاد العسكرية للحرب، وأثارت مطالب قوضت صفقة الرهائن.
ولردع محور المقاومة، نشرت واشنطن وجودا عسكريا كبيرا في المنطقة على مدار العام، بما فيها مجموعات حاملات الطائرات؛ لكنها لم تحقق سوى نجاح جزئي. فقد استهزأت إيران بالردع الأمريكي في هجوم أبريل وأكتوبر. ومما لا يثير الدهشة أن الردع الأمريكي أثبت أنه أقل نجاحا في ما يتعلق بحزب الله والحوثيين والميليشيات الشيعية الأخرى، وفشلت في رفع الحصار الحوثي عن البحر الأحمر.
سؤالان مهمان:
1 ـ هل هناك بديل مستقبلي لحماس؟
في السنوات المقبلة، ستتبع إسرائيل سياسة "إطلاق النار أولا"، ولو بناءًا على استخبارات سطحية. وسيؤدي ذلك إلى المزيد من الأخطاء الإسرائيلية، ومقتل الفلسطينيين الأبرياء؛ لكنه سيعني أيضا ضغطا مستمرا على حماس، وسيحصل المنافس لها - ولو كان السلطة - على دعم إسرائيلي ودولي أكبر.
2 ـ هل تستطيع إسرائيل القضاء على حماس؟
لن يغير قتل آلاف من مقاتلي حماس من ميزان القوى بشكل كبير. ولن يكون موت قائد ك"السنوار" و"الضيف" ذا فائدة كبيرة. فلدى حماس رصيد كبير من القادة، ولديها القدرة على سرعة التكيف. لذا، فهي أقوى بكثير على المدى الطويل. وستؤدي الحرب إلى امتلاء غزة بالشباب المستعدين للانضمام إليها. حتى لو هُزمت عسكريا، فستظل نظريتها عن المقاومة، كسبيل وحيد لتحرير فلسطين، مقنعة للفلسطينيين.
الاستنتاجات
هناك مجموعة من الاستنتاجات المهمة التي تبين المتاهات الاستراتيجية التي دخلت فيها إسرائيل بسبب طوفان الأقصى:
1 ـ الغرق في وحل غزة: إن تحول التركيز الدولي والعربي إلى وقف القتال وضمان الانسحاب والبدء في الإعمار سيجعل إسرائيل معرضة لخطر الغرق مرة أخرى في احتلال طويل الأمد لغزة.
لن يغير قتل آلاف من مقاتلي حماس من ميزان القوى بشكل كبير. ولن يكون موت قائد ك"السنوار" و"الضيف" ذا فائدة كبيرة. فلدى حماس رصيد كبير من القادة، ولديها القدرة على سرعة التكيف. لذا، فهي أقوى بكثير على المدى الطويل. وستؤدي الحرب إلى امتلاء غزة بالشباب المستعدين للانضمام إليها. حتى لو هُزمت عسكريا، فستظل نظريتها عن المقاومة، كسبيل وحيد لتحرير فلسطين، مقنعة للفلسطينيين.2 ـ تراجع حل الدولتين: إذا كانت غزة البعيدة نسبيا قد غزت إسرائيل، فسيكون من المستحيل توفير ترتيبات أمنية فعالة في الضفة الغربية التي تتاخم المراكز السكانية في إسرائيل. وهكذا، قللت الحرب من احتمالات حل الدولتين.
3 ـ قيام الأمن القومي الإسرائيلي على افتراضات خادعة: مثل الافتراض بأن تفوقها الاستخباراتي يضمن لها الإنذار المبكر الكافي قبل أي هجوم كبير، وأنها قادرة على تحقيق نصر عسكري حاسم على حماس دون مساعدة كبيرة من الولايات المتحدة. ومثل الاعتماد على جيش صغير ذكي لتحقيق النصر. وكلها افتراضات ثبت خطأها في حرب غزة.
4 ـ مخاطر غياب استراتيجية لما بعد الحرب: يغذي الاحتمالات المتزايدة لاندلاع الصراع في الضفة الغربية، ومخاطر نشوب صراع حاد مع إيران. وقد يفاقم التوترات مع الولايات المتحدة والشركاء الدوليين والإقليميين، ويزيد العزلة الدولية. وسيكون التأثير كبيرا على الاقتصاد الإسرائيلي والنسيج الاجتماعي المتأثر بشدة بسبب الحرب.
5 ـ التورط الأمريكي في المنطقة: أصبحت واشنطن تلعب مرة أخرى الدور القيادي بين القوى العالمية، وأزالت جزئيا مخاوف حلفائها فيما يتعلق بلتزامها بأمنهم والتغلب على التحديات التي يواجهونها.