برغم العوائق والتحديات: مواقع التواصل الاجتماعي.. من مجرد منصات للتواصل إلى جبهات مساندة للحق والمقاومة
تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT
الذكاء الاصطناعي مكّن المصممين من تصوير أحداث غزة بطريقة فنية مبتكرة
في عصر تتسارع فيه الأخبار وتنتشر بسرعة عبر الشبكات الرقمية، لم تعد وسائل التواصل الاجتماعي مجرد منصات للتفاعل الاجتماعي فحسب، بل أصبحت جبهة فعالة ومساحة مساندة حقيقية للدفاع عن الحق والمقاومة. تظهر معركة «طوفان الأقصى» في غزة كمثال حي على كيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كأداة فعالة في معركة الوعي والتعبير.
في هذا التقرير، ستتم مراقبة هذه الجبهة المجازية الفريدة، وسنستعرض كيف أثرت وسائل التواصل الاجتماعي في نقل صورة المعركة في غزة وكيف فتحت عيوناً كثيرة وحركت قلوباً لم تكن لتتأثر لولا هذا الزخم الرقمي.
كما أن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً حيوياً خلال العدوان على غزة، حيث تم استخدامها بشكل واسع لتوثيق الأحداث ونقل الصورة الحقيقية لما يحدث في القطاع. وفيما يلي بعض الاستخدامات الرئيسية لوسائل التواصل الاجتماعي خلال هذه الفترة:
1 – توثيق الأحداث ونقل الحقيقة: تم استخدام منصات التواصل الاجتماعي كوسيلة لتوثيق الأحداث ونقل الصورة الحقيقية للاعتداءات على غزة. وثّق سكان غزة والصحفيون المحليون العديد من الصور ومقاطع الفيديو التي تظهر الوضع الإنساني الصعب والأضرار الناجمة عن الهجمات، وقاموا بمشاركتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي لجذب الانتباه العالمي ونقل الصورة الحقيقية.
2 – نشر المعلومات والتوعية: تم استخدام منصات التواصل الاجتماعي أيضاً لنشر معلومات وتوعية حول الوضع في غزة، وذلك من خلال نشر أحدث التطورات وتوجيه النصائح العملية للسكان في ظل الظروف الصعبة التي يواجهونها.
3 – رفع الصوت والتضامن العالمي: ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في رفع الصوت ونشر الوعي حول الوضع في غزة، مما أدى إلى تحقيق التضامن العالمي وجذب الانتباه الدولي إلى الأحداث المأساوية التي تجري.
4 – مكافحة المعلومات المضللة: بالنظر إلى تدفق كميات كبيرة من المعلومات المضللة والمغرضة خلال الأحداث، تم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كأداة لمكافحة هذه المعلومات وتبيان الحقائق ونقل الصورة الحقيقية للأحداث.
5 – الدعم والمساندة من حسابات الدول الخارجية: برزت حسابات مؤثرة على مستوى العالم لا سيما في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، والتي أثرت بشكل كبير في آراء الشعوب الغربية، وساهمت بتغيير الصورة المرسومة لهذه الجماعة المظلومة، واظهروا تضامنهم مع غزة وقاموا بتنظيم الحملات الداعمة.
ومن أهم المنصات والأدوات التي تمت الاستفادة منها حسب موقع الميادين:
1 – تطبيق واتساب: استخدم التطبيق كأداة للتواصل المباشر والفعال خاصة في المناطق الساخنة، حيث استفاد منه أهل غزة في بداية المعركة لتبادل المعلومات الحيوية والسريعة، بالإضافة إلى تنسيق الجهود الإنسانية وتقديم التحديثات الفورية عن الأوضاع في الداخل، وبقيت الأمور على هذه الحال إلى أن قامت شركة ميتا بتقييد بعض المحتوى الداعم للمقاومة، فقامت بحظر عدد كبير من الحسابات العربية من بينهم مدراء المجموعات، وبدأت بتطبيق سياسة مخففة عن ما تنتهجه في فيسبوك، مما تسبب في الحد من الاستفادة من هذا التطبيق.
2 – تطبيق تيليغرام: استخدم كأداة بديلة عن تطبيق واتساب لما يتمتع به من حرية شبه مطلقة، فاستفادت منها الجهات الإعلامية المرتبطة بفصائل المقاومة لنشر الوقائع وتنسيق الجهود والتواصل مع العالم الخارجي بسهولة، إلا أن التطبيق يعتبر كأداة غير آمنة لناحية التراسل لأنه لا يدعم التشفير بين الأطراف ما يجعله وسيلة خطر في التواصل الشعبي وفي الحالات الأمنية، وتجدر الإشارة إلى أن شركتي غوغل وآبل حاربتا المحتوى المنتشر عبر التطبيق وقامتا بحظر القنوات الرسمية لحركات المقاومة عن منصاتها، واضطر الجميع للاستفادة من التطبيق عبر الموقع الرسمي لضمان الوصول الكامل.
3 – منصة فيسبوك: استخدمت المنصة منذ بداية العدوان لنشر المقاطع والصور والأخبار من غزة، بالإضافة إلى تنظيم حملات التضامن وجمع التبرعات، إلاّ أن السياسة القمعية لشركة ميتا حالت دون الاستفادة القصوى من هذه المنصة، فاضطر الناشطون للتحايل على الخوارزميات بالرغم من تحديثها أكثر من مرة خلال الأحداث، ونجحوا في إيصال صوتهم وكلمتهم.
4 – منصة انستغرام: تعتبر المنصة بطبيعتها البصرية أداة قوية لنقل الواقع في غزة، وذلك بالاستفادة من طبيعة روادها، فانتشرت الصور والمقاطع لجذب المجتمع الدولي إلى الوضع الإنساني والتحديات التي يواجهها سكان القطاع، ولاقت بعض الحسابات مصير الحذف والتقييد نتيجة تطبيق شركة ميتا لقوانينها القمعية.
5 – منصة X: لعلها المنصة الأهم والأفضل التي عملت خلال هذه الأحداث بكفاءة عالية، نظراً للحرية التي تتمتع بها بالمقارنة مع باقي المنصات، حيث نشطت الهاشتاغات الداعمة لغزة وفلسطين وبقيت تحتل المراتب الأولى في قوائم التراند ضمن الدول العربية والغربية، وبرزت الحملات المختلفة، بالإضافة إلى النشطاء والصحفيين الذين اجتمعوا على نصرة غزة وكان لهم دور في تشكيل الفهم العالمي للعدوان.
6- تطبيقات الذكاء الاصطناعي Ai):) استفاد العديد من المصممين من برامج الذكاء الاصطناعي ولا سيما برامج Midjourni وDalle3 لإنتاج صور تظهر الأحداث بطريقة فنية فريدة، حيث تم تخيل مشاهد العدوان بطريقة الوصف النصي لتشكيل منتجات رقمية مؤثرة على المشاعر والإنسانية، وانتشرت بشكل كبير خاصة أثناء المجازر وفي اقتحام المستشفيات وغيرها.
أظهرت أحداث “طوفان الأقصى” في غزة كيف تحولت وسائل التواصل الاجتماعي من مجرد منصات للتفاعل إلى أدوات فاعلة في نقل الحقيقة ودعم المقاومة والنضال. تنوعت المنصات من واتساب إلى تليغرام ومن تويتر مروراً بفيسبوك وانستغرام، حيث لعبت كل منصة دوراً محورياً بحسب خصوصيتها وصلاحيتها في نقل الحقائق وتوفير الدعم اللازم. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل التحديات التي تواجهها هذه المنصات، بما في ذلك انتشار المعلومات المضللة، مما يتطلب جهوداً مستمرة للتحقق من الحقائق وتعزيز الوعي الرقمي.
هذا المشهد الرقمي الجديد ليس مجرد مرآة للواقع، بل هو ساحة دعم ونضال ومساندة حيث يتشكل الوعي العام ويؤثر بشكل مباشر على الأحداث المهمة. وهنا يبقى السؤال قائماً حول كيفية استخدام هذه الأدوات بمسؤولية وفعالية لدعم القضايا العادلة والإنسانية. هذا التحدي يتطلب جهوداً جماعية من الأفراد، المنظمات، وحتى الشركات العالمية أيضاً.
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: وسائل التواصل الاجتماعی تم استخدام فی غزة
إقرأ أيضاً:
محمد بشاري يكتب: بناء الوعي الوطني.. الركائز والتحديات وآفاق المستقبل
يُعتبر الوعي الوطني العمود الفقري لأي مجتمع يسعى للحفاظ على هويته وتعزيز استقراره، إذ يمثل الإدراك العميق للفرد بانتمائه لوطنه واستيعابه لمسؤولياته وحقوقه في إطار هذه الهوية. في ظل التغيرات العالمية المتسارعة والتحديات المتزايدة التي تواجه الدول، بات تعزيز الوعي الوطني ضرورة ملحة لضمان تماسك المجتمعات وقدرتها على مواجهة التحديات الفكرية والاجتماعية والسياسية. الوعي الوطني ليس مجرد شعور عاطفي أو انتماء رمزي، بل هو منظومة معرفية وسلوكية تشمل إدراك التاريخ، والتفاعل مع الحاضر، والمساهمة في صياغة المستقبل.
يتشكل الوعي الوطني من خلال عدة أبعاد مترابطة، أهمها البعد التاريخي الذي يرسخ فهم تطور الأمة ومساراتها، والبعد الثقافي الذي يعزز القيم الوطنية واللغة والتراث، والبعد السياسي الذي يؤطر مفهوم المواطنة والمسؤوليات، إضافة إلى البعدين الاقتصادي والاجتماعي اللذين يعكسان دور الأفراد في بناء الدولة وتنميتها. هذه الأبعاد مجتمعة تشكل أساسًا قويًا لولاء الفرد لوطنه، وتجعله جزءًا فاعلًا في مجتمعه وليس مجرد متلقٍ سلبي للواقع.
تُعد المؤسسات التعليمية والإعلامية والدينية والاجتماعية أدوات رئيسية في ترسيخ الوعي الوطني وتعزيزه. فالتعليم، على سبيل المثال، يلعب دورًا جوهريًا في تنشئة الأجيال على قيم الانتماء والمسؤولية، ليس فقط من خلال المناهج الدراسية التي تتناول التاريخ والثقافة الوطنية، بل أيضًا عبر الأنشطة اللامنهجية التي تربط الطلاب ببيئتهم ومجتمعهم. الإعلام بدوره، سواء كان تقليديًا أو رقميًا، يُمثل ساحة مؤثرة في تشكيل آراء الناس ومواقفهم تجاه قضاياهم الوطنية، فإما أن يكون عنصرًا بنّاءً يعزز الوحدة والانتماء، أو يصبح أداة تضليل وتفكيك حين يُستغل لنشر الشائعات وبث الفُرقة. المؤسسات الدينية كذلك تؤدي دورًا محوريًا في دعم الهوية الوطنية، حيث يساهم الخطاب الديني الوسطي في تعزيز روح التسامح والتعايش، بينما يُشكّل التوظيف السياسي للدين خطرًا يهدد استقرار المجتمعات. أما الأسرة والمجتمع المدني، فلهما دور تكميلي في نقل القيم الوطنية وتعزيز الانتماء عبر التربية والتوجيه والمشاركة في المبادرات المجتمعية.
لكن رغم أهمية هذه الركائز، يواجه بناء الوعي الوطني تحديات كبيرة، أبرزها تأثير العولمة وما تفرضه من أنماط ثقافية قد تؤدي إلى تآكل الهويات الوطنية، خاصة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت الأفراد عرضة لأفكار واتجاهات متنوعة، بعضها قد يتعارض مع الهوية والقيم الوطنية. إضافة إلى ذلك، يُمثّل التطرف الفكري خطرًا حقيقيًا على المجتمعات، سواء كان تطرفًا دينيًا يسعى إلى تهميش مفهوم الدولة لصالح أيديولوجيات دينية متشددة، أو تطرفًا علمانيًا يستهين بالقيم الدينية والموروث الثقافي للأمة. كلا النموذجين يُضعفان التماسك الاجتماعي، ويُعززان حالة الاستقطاب داخل المجتمع.
ضعف المحتوى الإعلامي الوطني يمثل تحديًا آخر، حيث إن كثيرًا من الدول تعاني من غياب خطاب إعلامي وطني قوي يعزز الوعي الوطني، ما يجعل الشباب أكثر انجذابًا إلى وسائل إعلام أجنبية أو محلية ذات توجهات خاصة، تُقدّم صورة مشوهة عن قضاياهم الوطنية. كما أن الأنظمة التعليمية في بعض الدول العربية لا تزال تعاني من نقص في المحتوى الذي يعزز القيم الوطنية بشكل متوازن، إما بسبب تقديم تاريخ مشوه، أو ضعف المناهج التي تركز على الهوية الوطنية.
لمواجهة هذه التحديات، من الضروري تبني استراتيجيات شاملة تهدف إلى إعادة بناء الوعي الوطني على أسس متينة. يتطلب ذلك تحديث المناهج التعليمية بحيث تركز على تعزيز الفهم العميق للتاريخ الوطني، وتنمية روح المواطنة الإيجابية، وليس مجرد حفظ الحقائق التاريخية. كما يجب تطوير المحتوى الإعلامي ليكون أكثر جذبًا وتأثيرًا، مع تعزيز دور الإعلام الوطني في نشر الوعي، ومكافحة التضليل الإعلامي الذي يهدف إلى تشويه الحقائق وإثارة الفتن.
دعم المبادرات الشبابية يُعد أحد الحلول الفعالة لتعزيز الشعور بالانتماء، حيث إن إشراك الشباب في العمل التطوعي والمشاريع الوطنية يُشعرهم بأنهم جزء من عملية بناء الدولة، وليس مجرد متفرجين على الأحداث. كذلك، لا بد من مواجهة الفكر المتطرف من خلال نشر خطاب ديني معتدل يربط الدين بالقيم الوطنية، ويدعم مفهوم الدولة بعيدًا عن التفسيرات الضيقة التي تروج لها بعض الجماعات ذات الأجندات السياسية.
الثقافة والفنون تلعبان دورًا مهمًا في هذا السياق، إذ يمكن استثمار الإنتاج السينمائي والمسرحي والأدبي في تعزيز الهوية الوطنية، وتسليط الضوء على الإنجازات التاريخية والنماذج الوطنية التي تلهم الأجيال الجديدة. كذلك، تشجيع المهرجانات الثقافية والفنية التي تحتفي بالتراث الوطني يُسهم في ربط الأفراد بتاريخهم وهويتهم.
بناء الوعي الوطني ليس مجرد خطاب يُلقى في المناسبات الرسمية، بل هو عملية مستمرة تتطلب تكاتف الجهود بين مختلف المؤسسات والمجتمع بأسره. الدولة مسؤولة عن توفير البيئة التي تتيح للأفراد الشعور بالانتماء والكرامة والعدالة، بينما يقع على عاتق المواطنين واجب المشاركة الإيجابية في تنمية وطنهم، والحفاظ على وحدته واستقراره. الوطنية ليست مجرد شعارات تُرفع في المناسبات، بل هي التزام يومي يُترجم في سلوك الأفراد وحرصهم على خدمة مجتمعهم، واحترامهم لقيمهم الوطنية، واستعدادهم للدفاع عن وطنهم في مواجهة كل التحديات.