الثورة / أسماء البزاز

الأشخاص ذوو الإعاقة في غزة يعيشون اليوم وضعا كارثيا ومأساويا في ظل عدوان صهيو أمريكي وحشي لا يرحم طفلا ولا امرأة ولا عاجزاً ولا مريضاً . تتجلى الصور الوحشية لهذه الانتهاكات من وسط ركام الدمار
ثلاثة رجال يساعد ون رجلا في كرسي متحرك على التنقل وسط الركام والدمار في جنوب قطاع غزة , مشهد يومي متكرر بحق يعيشه ذوو الإعاقة في غزة جراء التصعيد الإجرامي للعدوان الاسرائيلي الأخير على القطاع .


و قالت «هيومن رايتس ووتش» إن القصف، والحصار، والهجوم البري الكبير من جانب الحكومة الإسرائيلية على غزة يتسبب في خسائر فادحة في صفوف المدنيين الفلسطينيين ذوي الإعاقة. كما أنهم يواجهون صعوبات أكبر في الفرار من الهجمات وتلبية الاحتياجات الأساسية والحصول المساعدات الإنسانية التي هم في أمس الحاجة إليها.
المخاطر الجسيمة التي يواجهها جميع المدنيين في غزة جراء العمليات العسكرية «الإسرائيلية» تتضاعف على الأشخاص ذوي الإعاقة. فالأمر الذي أصدرته سلطات الاحتلال والعدوان في 13 أكتوبر 2023م لجميع المدنيين في شمال قطاع غزة بالإخلاء إلى الجنوب لم يأخذ بعين الاعتبار احتياجات الأشخاص من ذوي الإعاقة، إذ لا يستطيع الكثيرون منهم المغادرة. وقد عرّضهم أمر الإخلاء لمخاطر الحرب ولم يضمن توفير سكن مناسب وظروف مقبولة لهم حسب ما أوضحه موقع أ ف ب الاخباري.
أمينة تشيريموفيتش، باحثة أولى في حقوق ذوي الإعاقة في هيومن رايتس ووتش قالت: «يزيد الهجوم البري الكبير الذي شنه الجيش الإسرائيلي في غزة بشكل لا يوصف الصعوبات الخطيرة التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة في الفرار، والعثور على مأوى، والحصول على المياه والغذاء والدواء والأجهزة المساعِدة التي يحتاجون إليها بشدة. وعلى الولايات المتحدة وحلفاء إسرائيل الآخرين الضغط على إسرائيل لاتخاذ جميع الخطوات اللازمة لحماية الأشخاص ذوي الإعاقة ورفع الحصار».
بين 18 و29 أكتوبر الماضي ، أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات هاتفية مع 13 شخصا من ذوي الإعاقة في غزة، عشرة منهم قالوا إنهم نزحوا داخليا، واثنان من أفراد عائلات الأشخاص ذوي الإعاقة، وأخصائي نفسي.
وصف أولئك الذين تمكنوا من الإخلاء الرعب الذي شعروا به لاضطرارهم إلى مغادرة منازلهم، والتي صممت لتتكيف مع احتياجاتهم، إضافة إلى الأجهزة المساعِدة، كالكراسي المتحركة، وأجهزة المشي، وأجهزة السمع. كما أثاروا مخاوف بشأن عدم حصولهم على الأدوية الأساسية وتأثير ذلك على صحتهم النفسية.
وقد اضطروا هم ومئات الآلاف غيرهم إلى اللجوء إلى مراكز إيواء طارئة مكتظة؛ ومعظمها في المراكز الصحية والمدارس، حيث يوجد شح في المياه والغذاء ومرافق الصرف الصحي.
كما أن النقص العام في الأجهزة المساعِدة في غزة، كالكراسي المتحركة والأطراف الاصطناعية والعكازات وأجهزة السمع، نتيجة القيود المرتبطة بالحصار غير القانوني الذي تفرضه إسرائيل على غزة منذ 16 عاما، يؤثر أيضا على قدرة الناس على الفرار. الأشخاص ذوو الإعاقات البصرية أو السمعية أو النمائية أو الذهنية قد لا يسمعون ما يحدث أو يعرفون عنه أو يفهمونه.

اوضاع صعبة
سميح المصري، وهو رجل عمره 50 عاما قال إنه فقد ساقيه في غارة إسرائيلية بطائرة بدون طيار العام 2008م، أفاد بأنه يحتمي في «مستشفى القدس» في مدينة غزة، لكنه لا يشعر بالأمان في أي مكان: «إذا قصفوا المستشفى، سأموت. أعلم أنني لا أستطيع الحراك».
وقال العديد من الأشخاص ذوي الإعاقة إنهم فقدوا الأجهزة المساعِدة عندما دمّرت الغارات الإسرائيلية منازلهم أو ألحقت بها أضرارا، ما تركهم بلا مأوى وغير قادرين على الحصول على الاحتياجات الأساسية.

قصص مأساوية
ووصف جمال الرزي، والد رجل عمره 27 عاما لديه شلل دماغي، الصعوبات التي واجهها أثناء مساعدة ابنه على الخروج من منزله عندما تعرض حيهم السكني في الرمال بمدينة غزة لقصف إسرائيلي مكثف في 10 من أكتوبرالماضي
عادة، يستطيع ابني المشي بمساعدة عكاز، ولكن عندما بدأ القصف، تجمد. أصبح كالحجر، وضع أصابعه في أذنيه، وأخذ يصرخ. طلبت منه فقط أن يقف على قدميه لمساعدتي في تحريكه، لكنه لم يستطع. اضطررت إلى وضعه على الأرض وسحبه إلى الجانب الآخر من الشقة، إلى زاوية أخرى قد تكون أكثر أمانا.
وبسبب نقص الكهرباء لتشغيل المصاعد، انتقل الرزي مع عائلته إلى منزل أحد أقاربه في الطابق الأرضي من الطابق الثالث من المبنى. قال الرزي إنه لا يزال لديه مخاوف حقيقية بشأن سلامتهم:
التحرك خطِر جدا. البقاء في المنزل خطر. لا نعرف أبدا متى سيحدث هذا القصف، وإلى أي جهة سنذهب، وأين نختبئ. لا يوجد مكان للاختباء.

وإذا كنت أنا أشعر بهذا، تخيل كيف يكون الأمر بالنسبة للمسنين أو الأشخاص ذوي الإعاقة. هذا النوع من المباني العالية في غزة التي لا تعمل فيها المصاعد حاليا – كيف سيهرب الناس؟
من جانبه يقول أبو شاكر (49 عاما)، ل أ ف ب وهو رجل ذو إعاقة جسدية ويعيش في حي الزيتون السكني بمدينة غزة، إن غارة إسرائيلية أصابت مبنى مجاورا لمنزله في 10 من أكتوبر الماضي، فقتلت 19 شخصا. قبل الهجوم مباشرة، كان اثنان من أبنائه، عمرهما 8 و26 عاما، يشتريان الطعام من سوبرماركت قريب. وقال أبو شاكر إن إعاقته جعلت من الصعب عليه مساعدة ابنيه:
ويضيف: عندما تعرضنا للقصف، بدأت بالبكاء. كان الجميع من حولي يركضون، وأنا وقفت هناك وكنت أشعر بإعاقتي. كان اثنان من أولادي مفقودين، ولم أعرف ماذا أفعل، وكيف أبحث عنهما… أوقفت جيراني في منتصف الشارع، أشخاص لا أعرفهم، وكان الجميع يصرخ، وظللت أسألهم: أين شاكر [ابنه]؟ لقد كنت في حيرة من أمري. وقفت هناك لمدة ساعة وأنا أنادي ابنَي باسميهما لأن شخصا أخبرني أنهما قد يكونان تحت الأنقاض. وبعد ساعة ونصف وصلتني رسالة مفادها أنهما مصابان وهما في المستشفى.
وأما زهرة المدهون، وهي امرأة عمرها 39 عاما ولديها إعاقة جسدية، قررت في البداية البقاء عندما فرت عائلتها.
قالت: «لم يعطونا مكانا آمنا للذهاب إليه». ومع ذلك، فقد هربت بعد بضعة أيام بعد أن قالت إنها تلقت مكالمة هاتفية من شخص يزعم أنه من المخابرات الإسرائيلية يطلب منها الذهاب إلى الجنوب. «كان منزلي مكاني الآمن. غادرت فقط بسبب المكالمة. كنت أخشى أن أكون الوحيدة التي ستبقى هناك».
وتعيش المدهون حاليا في مخيم للنازحين في ظروف مزرية وقالت إنها تفكر في العودة إلى منزلها.

لا مكان آمن
وقال الأشخاص ذوو الإعاقة الذين يعيشون في وسط قطاع غزة إنهم يخشون أن تصدر لحكومة الاحتلال أمرا مماثلا يطالبهم بالتحرك جنوبا أيضا. وقال سعد (33 عاما)، والذي يستخدم كرسيا متحركا، إن أكبر مخاوفه هي أن يضطر إلى إخلاء منزله في وسط قطاع غزة:
لا يوجد مكان آمن لي [كشخص لديه إعاقة]. اضطراري لمغادرة منزلي هو أكبر مخاوفي… فالحيّ الذي أعيش فيه غير مجهز للأشخاص ذوي الإعاقة، ولا الأماكن التي أُجبر أصدقائي [ذوي الإعاقة] على الذهاب إليها.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

فوق الركام وتحت الشوادر.. مأساة سكان بيت لاهيا تتفاقم

يواجه سكان مشروع بيت لاهيا شمال قطاع غزة واقعا إنسانيا بالغ القسوة بين الركام وتحت خيام ممزقة لا تقي من برد أو حر، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على القطاع المستمر منذ شهور حيث تتراكم المآسي وتُختزل الحياة في صراع يومي للبقاء.

وفي جولة ميدانية لرصد حال الأهالي، نقل مراسل الجزيرة أنس الشريف صورة قاتمة لمجتمع يتداعى تحت وطأة الحرب، فوسط أنقاض المنازل المدمرة، تتحول كل لحظة إلى معركة من أجل البقاء، في بيئة تفتقر إلى الطعام والماء والرعاية الصحية.

وتقطن عائلة أبو سالم -وهي احدة من عشرات العائلات النازحة- فوق ركام منزلها المدمر، ويعيش أفرادها البالغ عددهم نحو 20 في خيمة مهترئة، محرومين من أبسط الاحتياجات، ويعانون يوميا في سبيل تأمين وجبة واحدة لأطفالهم الجياع.

يقول أحد أفراد العائلة بصوت مثقل بالحزن "حالتنا يُرثى لها.. نعيش فوق الحصى بلا مأوى ولا طعام، نحفر حفرة متر ونصف حتى نُخرج جردل ماء.. الأولاد يصيحون طول اليوم وليس معنا ما نطعمهم إياه".

المياه صعبة المنال

معاناة المياه لا تقل قسوة، حيث يروي رجل مسن قصته في البحث عنها ويقول "كل 3 أيام يصلنا الماء.. ننحته نحتا.. مرة باردة ومرة مالحة. وليس معنا ما نشتري به البندورة.. قاعدين تحت شوادر، ما في خيم تحمينا".

إعلان

وفي ظل غياب أي مقومات للبقاء، يلجأ بعض النازحين إلى مبان مهددة بالانهيار، ويوضح أحدهم "مكان بيتي تدمر، لجأت إلى بيتٍ صاحبه غائب، لكن البيت معدوم وآيل للسقوط، أخاف على أولادي، نحن نموت بسرعة وليس ببطء".

وتزداد الأوضاع سوءا مع تواصل القصف الإسرائيلي، حيث تتعرض مواقع إقامة النازحين للاستهداف بشكل متكرر، مما يضاعف منسوب الرعب في قلوب السكان، ويجعل حتى الخيام الهشة أماكن غير آمنة.

ولا يتوقف الأمر عند نقص الموارد، بل يتعداه إلى الخوف من الأوبئة، حيث تتفشى الأمراض في محيط مكتظ ومفتقر للنظافة بشكل يمثل تهديدا حقيقيا، خاصة للأطفال وكبار السن، وسط انعدام شبه تام للرعاية الصحية.

وباتت مشاهد الناس وهم ينقبون في الركام بحثا عن أي وسيلة للحياة مألوفة في المنطقة، ويختلط صخب خطواتهم على الحصى بصوت الحفر وصرخات الأطفال، ليشكلوا خلفية مأساوية لحكاية شعب يسكن الكارثة.

قاعدة لا استثناء

ويشير أنس الشريف إلى أن هذا الواقع ليس استثناء، بل قاعدة تتكرر في مناطق كثيرة من شمال القطاع، حيث يعاني النازحون من الجوع والعطش والتشرد تحت نيران الاحتلال المتواصلة.

ويصف مراسل الجزيرة المشهد بأنه تجسيد يومي للألم، حيث يختلط الرماد بملامح الناس الذين تقاسمت وجوههم التعب والحيرة، في انتظار بصيص أمل يبدد هذا الظلام المتراكم منذ شهور.

وأمس، استشهد 71 فلسطينيا وأصيب 153 بقصف متفرق على قطاع غزة، إذ ارتكب الاحتلال مجازر بحق عائلات ضمن جرائم الإبادة الجماعية التي يقترفها منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وكانت إسرائيل استأنفت حربها على غزة يوم 18 مارس/آذار الماضي بعد أن رفضت الانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار.

مقالات مشابهة

  • فوق الركام وتحت الشوادر.. مأساة سكان بيت لاهيا تتفاقم
  • ‫دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر
  • جميع الأرقام القياسية التي حققها لامين جمال جوهرة برشلونة
  • جمعيات حقوقية تطالب "الهاكا" بوقف بث حملة تضامنية اعتبرتها "مسيئة" للأشخاص ذوي الإعاقة
  • في اليوم العربي للأصم.. التضامن الاجتماعي تؤكد التزامها بدعم الصم وضعاف السمع وتعزيز دمجهم بالمجتمع |تقرير
  • المجلس القومي يحبط اختطاف طفلين أحدهما من ذوي الإعاقة الذهنية
  • التضامن: تقديم خدمات التدريب للصم وضعاف السمع من خلال 73 مركزا لغويا
  • توحيد لغة الإشارة.. لجنة متخصصة من التضامن تعمل على قاموس موحد ومنصة إلكترونية
  • التضامن: تنمية المهارات اللغوية وخدمات التدريب للصم وضعاف السمع في 73 مركزا
  • وزارة الموارد البشرية تمكّن المستفيدين وتوسع أثر الخدمات الاجتماعية