مني أركو مناوي: لماذا ندعو لحوار لا يستثني أحدا ؟
تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT
□ في أعقاب الحرب العالمية الثانية اتخذ العالم توجه جديد، نهضت فيه سياسة فرض النفوذ للسيطرة على الموارد كبديل للاستعمار التقليدي، ومنذ أن نالت دول أفريقيا استقلالها بدأت تأسيس نفسها دستورياً بتراضي شعبها حول تعريف الدولة، عناصرها، مواردها، هويتها ونظام حكمها.
□ من رحم هذا التراضي تأسست دول، واستقرت ونمت وازدهرت ولحقت بركب التطور والبناء.
□ لكن السودان استمر على نهج المستعمر، وهو النهج الأحادي الصفوي النخبوي، وهو أشبه بفكرة ( الرسن )؛ بعض ممسك بالرسن والآخرون يتبعونه.
□ هذا النهج تم رفضه منذ فترة الاستعمار، وهو السبب الرئيسي لمطلب الاستقلال، وظل الرفض مستمر حتى انتهى بإقامة دولة مستقلة في جنوب السودان.
□ والآن يتواصل الرفض والمقاومة في الشرق والغرب، هذا النهج كان ولا يزال من الممكن جداً تفاديه، بسياسات بسيطة للغاية وهو أن نتراضى جميعاً حول حوار دستوري وطني حقيقي لا يستثني أحداً.
□ الدعوة إلى ضرورة مشاركة الجميع لا تزال مرفوضة من قبل بعض أصدقائنا الذين تشاركنا وإياهم في تأسيس تحالف إسقاط نظام البشير، حيث كان رفضهم لمبدأ توسيع قاعدة المشاركة ومراعاة التنوع بمثابة رسم خارطة الوصول إلى نقطة الخامس عشر من أبريل المشؤوم الذي جاء نتيجة طبيعية لكل الفعل السياسي الذي سبق إن كان بدراية أو بغير دراية وبمشاركة فاعلة من المجتمع الدولي.
□ بداية الحرب فعلاً كانت في الخامس من ديسمبر ٢٠٢٢ حينما تسيدت البعثات الدبلوماسية الفعل الوطني.
□ لقد ظللنا ممسكين بعهدنا الموثوق ومبادئنا وخطنا الاستراتيجي بضرورة الانفتاح مع الجميع طالما جميعنا ننتمي لهذه البلاد، حفاظا على وحدتنا الوطنية التي ظللنا ننادي ونعمل لأجلها.
□ لكن دهشتنا كانت كبيرة حين وضعت أمامنا صنوفاً شتى من العراقيل من قِبل من كانوا معنا، ولم يدُر في خلدنا أن القناعات الراسخة يمكن أن تتبدل كما تتبدل الملابس، لقد فتتوا مقولة ( الحريه لنا ولسوانا)، ومحوا المبادئ التي كتبوها بأيديهم عبر حقب تاريخية متصلة ابتداء من التجمع الوطني الديمقراطي، الجبهة الثورية، الإجماع الوطني، الفجر الجديد، نداء السودان، وأخيرا الحرية والتغيير التي تبنت ميثاق نداء السودان حرفياً،
قبل الانقلاب الذي حدث في داخل الحرية والتغيير في يوم 12 أبريل 2019، عقب سقوط البشير مباشرة، فعادت حليمة إلى فعلتها الذميمة بعد أن شرعنوا شعارات الانفراد بالسلطة، فهرولوا مسرعين للتحالف مع العسكر بشقيهم الجيش والدعم السريع دونما أدني مستوى تشاور مع رفاق الأمس.
□ الدافع الخفي لهذه الهرولة هو العقل السياسي الباطني، بأن يجعل الجيش حرساً لحكمهم اليافع، ويجعل الدعم السريع كلب صيد في الخلاء يسد لهم باب دخول الحركات، التي يرونها رموزاً للهامش.
□ لقد صرح أحد كبار قادتهم بالمجلس المركزي في لقاء جمع بهم بالوسيط والعسكر، حين عبر أحد العساكر بأن البلاد لا تحتمل حرباً أخرى، لذلك واجبنا الإسراع في توقيع السلام مع الحركات بغية تفادي ذلك، فرد هذا الكبير قائلاً: إذا عجزتم عن قتالهم سلمونا العسكر والسلاح، وسنتولى قتالهم.
□ هو ذات النهج الذي حوّل ثورة اكتوبر 1964م واعاد عقارب ساعة الشعب للوراء، وكذلك في أبريل 1985م، وهكذا تحوّل الاستقلال إلى استغلال.
□ إذاً لماذا نُصر على حوار لا يستثني أحدا؟
هناك جماعات وقوى تقليدية وحديثة ومنظمات وشخصيات وطنية تقف بعيداً الآن في مقاعد المتفرجين؛ مهنيون، رعاة ومزارعين وحرفيون، لاجئون ونازحون ريفيون ومدنيون، جميعهم يجب أن يُسمع صوتهم ويقرروا في مصير هذه البلاد مثل غيرهم، وإلا فإننا موعودون بنتائج مشوهة بعد وقف الحرب.
□ صكوك الوطنية من يملك حق توزيعها؟
□ الإجابة القطعية هي لا يوجد من يملك هذا الحق، لكن بتنا نرى غير ذلك، فهناك من يزعم أنه وكيل توزيع صكوك الوطنية، حتى أصبحت هذه المسألة مسار جدل لا ينقطع ولا تحتاج منّا إلى مزيد من الجدل.
□ من المؤكد الوقت لازال مناسباً بأن نفتح صدورنا ونمد أيادينا لبعضنا البعض في سبيل وحدة ماتبقى من وطن، وإلا فنحن على مشارف مرحلة تاريخية سنرى فيها بلادناً ممزقة قطعاً قطعا.
□ دعونا ننبذ تلك الأصوات التي ترمي لإبعاد هذا وذاك.
□ دعونا نشجع الأصوات الداعية للملمة شتات البلاد، لنتفادى الوقوع في مملكة الفوضى التي ذكرها الروائي الإنجليزي William Golden في روايته مملكة الذباب kingdom of the flies , تلك الامبراطورية التي انتهت بفوضى عارمة نتيجة غياب عمداء الأسر.
مني أركو مناوي
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
مولانا احمد ابراهيم الطاهر يكتب: الجمهورية السودانية الثانية
الرسالة التي حملت رؤية المؤتمر الوطني المستقبلية للسودان جديرة أن تثير نقاشا واسعا في أوساط النخبة السودانية المثقفة . وقد آن لقادة الفكر في بلادنا أن يبدأوا السباق المعرفي ، وليفتحوا الأبواب لشعب السودان ليسهم في رسم استراتيجية البناء والنهضة العظيمة للأمة السودانية .
ونهاية الحرب الضروس قد باتت وشيكة بما قدمته القوات المسلحة ومعاونيها من شباب السودان بتكويناته وانتماءاته المختلفة من تضحية وفداء وثبات وصبر وعزيمة ، لجديرة بأن
تسجل في كتاب التاريخ فخرا وعزا ومجدا أثيلا للسودان ، وتترك في قلوب أعدائه رعبا ورهبة
لا يمحوها مرور الأيام والليالي . فالتحية والدعاء بعد حمد لله لكل من اشترك في معركة الكرامة بالقتال المباشر وبالإعداد وبالانفاق المادي وبالرأي السديد وبالدعاء الصادق لتحقيق النصر الخالد والمجد التليد . والرحمة والقبول من الله لشهدئنا من المقاتلين في صف القوات المسلحة الذين وهبوا حياتهم لربهم ولبلادهم العزيزة . والدعاء لكل مكلوم وكل مهموم ومظلوم وجريح ومصاب ولكل أم وأب لشهيد أو مقاتل جسور .
إن من ملامح ما بعد النصر أنها كما أنهت المؤامرة الاقليمية والدولية الكبري علي البلاد ، فإنها قد انتهت بها حقبة جيل السبعينات والثمانينات ومعظم مواليد الاربعينات والخمسينات من أبناء السودان الذين عمروا بلادهم وأداروها في تلك الحقبة . فمن عبر منهم إلي الدار الآخرة فهو رجاء الله تعالي ومغفرته ورضوانه . ومن بقي منهم فهو في فترة المراجعة والإنابة والاستعداد للرحيل ، مع بذل ما اكتسبه من تجارب الحياة العامة والخاصة للجيل الناهض بأعباء الحياة القادمة . فبتقدم العمر وبتغير الأحوال وباختلاف أهداف المرحلة وتحدياتها لم يعد هناك من يطمع من أبناء ذلك الجيل في منصب أو في قيادة أو مكسب دنيوي إلا ما ندر ، وقد عبروا عن مواقفهم هذه في مناسبات عدة . فليهنأ الذين أصابهم الوجل من عودة مشاهير سابقين إلي تولي الحكم مجددا فلا العمر ولا الرغبة ولا الأحوال تسعفهم في ذلك . ولتستعد الأجيال الناهضة لتولي مسئولية إدارة الحياة في الدولة والمجتمع بمواهبهم في العلم والمعرفة ، وليدخلوا بابتلاء الله لهم في معترك الحياة بالعزم والحزم والزهد والاستقامة ، وبحب الله وحب الوطن وحب الناس وكراهية الفساد والخيانة والجريمة .
إن النظر في أسبقيات العمل في الدولة تفرض علي المرء البدء بما هو أولي . ولا أحسب أن قضية ما تسبق قضية الأمن القومي في البلاد . فبفقدان الأمن فقد أهل السودان كل شيء ، النفس والأرض والمال والعرض والطمأنينة والتعليم والصحة واجتماع الأسرة وغيرها . لقد كان عقلاء المجتمع يطلقون المحاذير للشعب السوداني عن مخطط العدو الخارجي لاستهداف الوطن والمواطنين ، ويبينون لهم ملامح التخطيط المجرم لاحتلال البلاد ، وقد نشرت ملامحه في وسائل الإعلام الغربية باقتراب احتلال دول في المنطقة من بينهم السودان ، ولكن غفلة العامة كانت كبيرة ، وتصديقهم لوقوع الكارثة كان ضعيفا ، وحسبوها مناورات من ساسة يريدون بها التكسب ، فلم يستبينوا النصح حتي وقعت الواقعة ورأوا بأعينهم ما لم يخطر ببالهم من فظائع الحرب وقسوة المجرمين ووحشية البشر وهمجية ليست من طبائع الحيوان ، وأصبح مخطط العدو يجوس خلال ديار المواطنين العزل في القري النائية والمدن الوادعة . ولولا لطف الله وحسن تدبيره ورعايته لفقدنا أرض السودان بما تحمله من مواهب الله الثرة وعواريه المستودعة ومنائحه الدارة وخيراته الوفيرة ومساجده العامرة وخلاويه التالية لكتابه ، ولأصبح أهله مشرودين في دول لا تعرف معاني الإخاء والنصرة وحب الناس واستقبال الملهوف .
فمن أجل هذا الدرس القاسي تكون العظة للحاكم والمحكوم علي السواء بأن قضية الأمن القومي هي القضية ذات السبق في الترتيب ، بلا تراخ ولا تفريط ، ولا استهانة ولا استكانة ولا مجاملة لقريب أو بعيد أو لصديق أو عدو . فإن كان في خزينة البلاد وفي خزائن أفراد مال كثير أو قليل فهو أولا لتأمين البلاد ، والبدء بالقوات المسلحة وقوات الأمن وقوات الشرطة . إن مضاعفة الاحتياطي البشري لهذه القوات في ظل التهديد الماثل والذي لم تزدة الأيام إلا تأكيدا ، ينبغي أن يضاعف بعشرة أضعافه . والقوات النظامية تدرك كيف تفعل ذلك دون عنت ومشقة . ومضاعفة الاحتياطي البشري تظل تأمينا للبلاد من أي تمرد داخلي وأي غزو خارجي ، كما أنها سند ميسور لمواجهة الكوارث الطاريئة ، وهي أيضا مورد للمعلومات ورصد لكل نشاط تخريبي في الاقتصاد ومكافحة التهريب وتجارة المخدرات والوجود الأجنبي غير المقنن ، وفي الحيلولة دون انفجار النزاعات القبلية وفي اختراق الحدود وغيرها .
إن مضاعفة قوات الاحتياط بشريا لابد أن تصحبه مضاعفة القدرات القتالية والتأهيل الأمني والتدريب المتقدم والإعداد النوعي الذي يستجيب للتطوير الفني باضطراد كلما تطورت الأنظمة التقنية ليواكب تطورها تجاوزا للتخلف وحرصا علي التفوق المستمر الذي يفضي إلي يأس شياطين الإنس والجن من الطمع في بلادنا .
بالطبع هنا لا نتحدث عن تطوير القدرات العسكرية الدفاعية والفنية ، حيث أن قادة هذه الأجهزة أكثر دراية منا ، ولا نتحدث عن إعادة هيكلتها كما كان يفعل جهلة الحرية والتغيير وعملاء السفارة الغربية وخونة الزمرة المستعبدة وأرباب اليسار المستخدم ، ونحن نعلم أن ما لدي هذه الأجهزة ما يعينها في تطوير استراتيجيتها كلما لزم الأمر . ومع ذلك نلمح ولا نفصل في إعادة النظر في الخارطة الجغرافية الدفاعية بما يعين علي قيام مدائن حضرية جديدة مزودة بوسائل دفاعية مقتدرة وقدرات انتاجية مقتدرة ووسائل اتصال عالية الجودة وصناعات تحويلية ومصدات دفاعية محكمة وخارطة دائرية متصلة لا تعين العدو علي اختراق البلاد كما فعل الآن ، وتستوعب في داخلها نخبة كبيرة من الخريجين لتقوية حصون البلاد الجديدة ، ولميلاد جيل عالم مستنفر معبأ ومقاتل ومنتج ومهتد وهاد لأمته المحفوظة بعناية الله تعالي .