البنك الدولي: الحرب على غزة ستخلف آثارًا طويلة المدى على اقتصاد فلسطين
تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT
حذر البنك الدولي، أمس الثلاثاء من أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، المستمرة للشهر الثالث على التوالي، ستخلف آثارا مدمرة طويلة المدى على الاقتصاد الفلسطيني.
وأضاف البنك -في تقرير صادر عنه- أن "الصراع الحالي في الشرق الأوسط خلف أعدادًا كبيرة من القتلى والجرحى، ودمر البنية التحتية الحيوية في قطاع غزة، وألقى بظلال ثقيلة على النشاط الاقتصادي في الضفة الغربية".
وتابع "سيكون لهذه الحرب آثار دائمة على السكان المتضررين في كل من إسرائيل وغزة والضفة الغربية، تتجاوز بكثير ما يمكن تسجيله بالأرقام وحدها. وبالمثل، سيكون لتخفيف مثل هذه القيود أثر دائم على النشاط الاقتصادي في غزة".
وقال البنك، إن تراجع مصادر الدخل بسبب فقدان الوظائف وتراجع التجارة وتشديد القيود وخفض الرواتب، ستؤدي إلى تراجع مستويات النمو بسبب التأثير على مستويات الاستهلاك، "وخلاصة القول، ستؤدي هذه الآثار على سوق العمل إلى جعل الفلسطينيين أكثر فقرًا".
ولفت البنك إلى أن الدخول انخفضت بصورة مفاجئة بسبب عدم وجود فرص عمل، وتراجع التجارة ونشاط القطاع الخاص، وزيادة القيود على الحركة والتنقل، والتخفيضات المؤقتة في رواتب موظفي القطاع العام في الضفة الغربية، "ونتيجة لذلك، يتعرض الاستهلاك لضربة قوية، علما بأنه المحرك الفعلي الوحيد لانتعاش الاقتصاد الفلسطيني منذ صدمة كورونا".
وقدر البنك الدولي أن الأزمة الحالية (الحرب على غزة) تؤدي إلى تفاقم مواطن الضعف الهيكلي القائمة (في الاقتصاد الفلسطيني) من قبل، والتي أدت جهود المجتمع الدولي لمعالجتها إلى تحقيق نجاح محدود النطاق.
وأوضح أن "أثر الاحتلال والقيود التي يفرضها منذ فترة طويلة على النمو المحتمل والفعلي والاستدامة المالية، فضلا عن عدم القدرة على الوصول إلى الموارد والسيطرة على جزء كبير من الأراضي، بما في ذلك المنطقة (ج)، وأدى كل هذا إلى فرض قيود أعاقت النشاط الاقتصادي والتنمية قبل اندلاع الصراع بوقت طويل".
وقال البنك إن السلطة الفلسطينية تواجه تحديات هائلة للاضطلاع بمهامها الأساسية، لا سيما في ظل نقص موارد المالية العامة وعجز الموازنة العامة. ويؤدي وقف تحويلات إيرادات المقاصة لمدة طويلة أو تراجعها بصورة كبيرة إلى المساس بشدة بالعقد الاجتماعي بين الدولة والمواطنين، وبالتالي لن تتمكن أجهزة السلطة الفلسطينية من ضمان توفير الرواتب لموظفي الدولة أو حتى الخدمات الأساسية".
وحذر البنك من "مخاطر هبوط إضافية تهدد استدامة المالية العامة ترتبط باحتمال زيادة المتأخرات الكبيرة المستحقة على السلطة الفلسطينية للموردين وموظفي الخدمة المدنية، باعتبارها الخيار الوحيد المتاح للاحتفاظ بالحد الأدنى من السيولة".
وتوقع البنك زيادة كبيرة في معدلات الفقر والتعرض للمعاناة والضعف في قطاع غزة، كما ستكون الآثار السلبية على الرفاهية محسوسة بوضوح في جميع أنحاء الضفة الغربية أيضا.
وقال البنك: "تشير التقديرات إلى أن معدلات الفقر متعدد الأبعاد قد ارتفعت ارتفاعا هائلا في غزة، ومن الممكن أن تزيد أيضا في الضفة الغربية. ويتوقع البنك انخفاض إجمالي الناتج المحلي على المستوى الوطني بمقدار 3.7 نقاط مئوية في عام 2023، ما يشير إلى أن جميع مكاسب الرفاهية التي تحققت في الأراضي الفلسطينية منذ نهاية جائحة كورونا ستتبدد، وستصل معدلات الفقر في نهاية عام 2023 إلى مستويات أعلى مما كانت عليه في عام 2020، في ذروة القيود الاقتصادية المرتبطة بالجائحة عندما بلغت هذه المعدلات 26.5%".
وقدر البنك أن الأراضي الفلسطينية ستظل معتمدة على المعونات لسد العجز الهيكلي، "ومع ذلك، تشهد هذه المعونات تراجعا مطردا وملحوظا على مدى العقدين الماضيين".
وأوضح أنه في غياب نقلة نوعية، من المتوقع أن تظل الأراضي الفلسطينية عرضة لأزمات هيكلية على مستوى المالية العامة والموازنة العامة، لا سيما وهي تعتمد على المساعدات الخارجية باعتبارها المُسّكن الوحيد قصير الأجل.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: البنك الدولي فلسطين غزة العدوان الإسرائيلي الضفة الغربیة
إقرأ أيضاً:
فلسطين أمام وعدي بلفـور وترامـب!
كما وعد وزير خارجية بريطانيا (آرثر بلفور) الحركة الصهيونية قبل 107 سنوات بإقامة وطن لليهود في فلسطين، تسعى إسرائيل اليوم للحصول على وعد مماثل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاعتراف بضمها للضفة الغربية، ليكتمل بذلك احتلال أرض فلسطين من النهر إلى البحر.
وخلال الـ 31 عاماً بين صدور وعد بلفور1917، وإعلان قيام إسرائيل في 1948، شهدت فلسطين تحت الاستعمار البريطاني موجات من هجرات اليهود إليها من أنحاء مختلفة في العالم، ولم تتمكن الحركة الوطنية الفلسطينية من صدها، وبالتالي منع وقوع النكبة، لكنها فشلت لقوة الحركة الصهيونية المدعومة من القوى الاستعمارية مالياً سياسياً وعسكرياً، ولمحدودية إمكانيات الحركة الوطنية الفلسطينية، واعتمادها على أنظمة عربية كانت تدور في فلك القوى الاستعمارية آنذاك.
وخلال فترة رئاسته الأولى، بعد مرور نحو100عام على وعد بلفور، كان الرئيس ترامب قد أعلن خطته التي عرفت إعلامياً بـ "صفقة القرن"، وتضمنت اعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على الضفة الغربية، إلا أن ذلك لم يتحقق آنذاك.
وأثيرت هذه المسألة مجدداً خلال مؤتمر العمل السياسي المحافظ (سي باك)، الذي عقد في واشنطن في 20 فبراير/ شباط 2025، بمشاركة دونالد ترامب. ورغم عدم صدور توصيات عن المؤتمر بالاعتراف بضم الضفة الغربية لإسرائيل، إلا أنه تبنى قراراً بتسمية الضفة الغربية بــ "يهودا والسامره"، وهو القرار الذي شبهه زعيم المنظمات الاستيطانية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية (يسرائيل غانز) بوعد بلفور. ويأتي قرار المؤتمر باستبدال اسم الضفة الغربية بالاسم التوراتي لها بعد صدور قرار مشابه عن الكنيست الإسرائيلي.
إن "خطة سموتريتش" لحسم الصراع مع الفلسطينيين هي الوحيدة المطروحه على طاولة اتخاذ القرار في إسرائيل. وهذه الخطة تم تطبيق الكثير من بنودها فعلاً، كفرض واقع "جيو- ديمغرافي" جديد في الضفة الغربية، من خلال إضفاء الشرعية على مزيد من المستوطنات وتكثيف البناء الاستيطاني وزيادة أعداد المستوطنين.
إن كافة الأسباب متوفرة للافتراض بأن إدارة ترامب ستعترف بضم إسرائيل للضفة الغربية، وذلك بالاستناد إلى أن ترامب في ولايته الأولى اعترف بضم إسرائيل للجولان، ونقل سفارتها إلى القدس، مما يعني اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية على شرق المدينة. وقد يستجيب ترامب لمطالبة إسرائيل بالاعتراف بضمها للضفة بالنظر إلى أن أكبر مانح لترامب في حملته الانتخابية هي المليارديرة الإسرائيلية (ميريام أديلسون)، التي كانت قد أعربت عن أملها باعتراف واشنطن بضم إسرائيل للضفة الغربية، وبالأخذ بعين الاعتبار كذلك، بأن معظم أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب من الحزب الجمهوري، المدعومين من الممولين الصهاينة والمسيحيين الصهاينة، فإنه لا يمكن توقع عدم اعتراف إدارة ترامب بالسيادة الإسرائيلية على الضفة.
وكان وزير المالية (بتسلئيل سموتريتش) تعهد خلال كلمة ألقاها في اجتماع لحزبه الصهيونية الدينية لتهنئة ترامب بفوزه بانتخابات الرئاسة الأميركية، بأن يكون العام 2025 عام السيادة الإسرائيلية على "يهودا والسامرة". ويأتي يقين سموتريتش هذا، بالارتكاز على أن ترامب يتماهى مع رؤية اليمين الصهيوني الحاكم، بشأن معالجة القضية الفلسطينية، حيث أن لدى هذا اليمين اليوم تأثيراً أكبر مما كان عليه خلال ولاية ترامب الأولى، بل وأكثر من أي وقت سبق ذلك، فهذا اليمين يتحكم حالياً بكافة مفاصل وتفاصيل حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية، ناهيك عن إزالته للعقبات "القانونية" أمام توسع المستوطنات وزيادة أعداد المستوطنين، كما أن له تأثيرا على أعلى المستويات في المنظومتين العسكرية والقضائية، وعلى مراكز صنع القرار في كثير من جوانب الحياة السياسية والمجتمعية في إسرائيل، ما يفرض على ترامب التعامل معه والتساوق مع سياساته.
ولا شك أن فريق ترامب يتابع عن كثب عمليات جيش الاحتلال الجارية في شمال الضفة الغربية، لتدمير مخيمات اللاجئين في مدينتي طولكرم وجنين، وإلحاق الدمار في المنازل والبنى التحتية فيهما، وترحيل الآلاف من سكانهما بهدف خلق ظروف مواتية لتطبيق الضم واعتراف إدارة ترامب به.
ووعد ترامب المنتظر هو موضع تصريحات لمسؤولين في إدارته، مثل السفيرة لدى الأمم المتحدة (إليز ستيفانيك) التي قالت "إن إسرائيل لها سيادة توراتية على يهودا والسامرة" وأن الفلسطينيين في نظرها ليس لهم حقوق كشعب "، وبالتأكيد ليس لهم نفس الحقوق التي يتمتع بها الإسرائيليون" كما ادعت. ومن المؤشرات أيضاً على احتمال الحصول على الوعد الأمريكي، أن تقديرات إسرائيل تفيد باستئناف ترامب سياسته في ولايته الحالية من حيث انتهى في الأولى، وتحديداً عندما أطلقت لجنة أميركية - إسرائيلية في العام 2020 خارطة الضم في الضفة الغربية بشكل رسمي.
وقد يجادل البعض بأن سياسة ترامب في ولايته الثانية قد تختلف عنها في الأولى، بدليل إصراره على وقف الحرب في قطاع غزة. إلا أن هذا الاعتقاد تفنده تصريحات ترامب نفسه، والتي تؤشر على أن دعوته لوقف الحرب، تتعلق فقط بموضوع إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين في القطاع، وبعد ذلك يمكن لإسرائيل أن تفعل ما تريد في غزة أو الضفة الغربية، "لأنها ليست حربنا.. إنها حربهم"، بحسب تعبيره.
كما ظهر موقفه من ضم إسرائيل لأجزاء من الضفة الغربية جلياً، وذلك عندما استخدم في مؤتمر صحفي عقده في المكتب البيضاوي قلماً، وقارن حجمه بحجم المكتب الذي كان يجلس عليه، في إشارة لصغر مساحة إسرائيل مقارنة بالدول العربية، وقال "إنها بالتأكيد دولة صغيرة من حيث المساحة".
وكما نشطت الحركة الصهيونية لتحويل وعد بلفور إلى حقيقة بإقامة إسرائيل، كتشجيع الهجرة اليهودية لفلسطين وإقامة المستوطنات وتهجير الفلسطينيين، فإن إسرائيل اليوم مهدت لوعد ترامب المنتظر بسنها مجموعة من القوانين بهذا الاتجاه، حيث صادق الكنيست في نهاية يناير/ كانون الثاني 2024 بالقراءة التمهيدية على قانون يجيز للمستوطنين شراء وتملك الأراضي في الضفة، وهو عملياً إلغاء للقانون الأردني المتعلق بـ "تأجير وبيع العقارات للأجانب" الصادر عام 1953، الذي يحظر شراء الأراضي في الضفة الغربية من قبل الأجانب ممن لا يحملون الجنسية الأردنية أو العربية.
وفي ذات المساعي كانت الحكومة الإسرائيلية كانت قد أعلنت قبل نحو عامين عن وضع 3200 موقع أثري فلسطيني، غالبيتها في المنطقة "ج"، تحت إدارة تسمى بـ"سلطة الآثار" الإسرائيلية.
إن هدف حكومة نتنياهو لا يقتصر على الهجوم على مدن جنين وطولكرم وطوباس، وهدم مخيماتها وتشريد سكانها فقط، وإنما يتعدى ذلك إلى تفكيك السلطة الفلسطينية طوبة بعد طوبة، ويتضح هذا جلياً بسحب إسرائيل للصلاحيات الإدارية للسلطة الفلسطينية في المناطق "ب"، وتحديداً في برية بيت لحم، التي تمثل ما نسبته 3% من مساحة الضفة الغربية، وألحقت مسؤوليتها للإدارة المدنية الإسرائيلية، كما سحبت صلاحيات السلطة بمنعها من إصدار تراخيص بناء جديدة في تلك المنطقة.
إن "خطة سموتريتش" لحسم الصراع مع الفلسطينيين هي الوحيدة المطروحه على طاولة اتخاذ القرار في إسرائيل. وهذه الخطة تم تطبيق الكثير من بنودها فعلاً، كفرض واقع "جيو- ديمغرافي" جديد في الضفة الغربية، من خلال إضفاء الشرعية على مزيد من المستوطنات وتكثيف البناء الاستيطاني وزيادة أعداد المستوطنين.
ولاحقاً سيتم استكمال بقية بنودها عندما تصبح الظروف مواتية، مثل تقسيم الضفة الغربية إلى مناطق عدة تحكمها إدارات مدنية منفصلة، واحتفاظ إسرائيل بالمسؤولية الأمنية الكاملة والحرية العسكرية المطلقة للجيش فيها، بعد تفكيك السلطة الفلسطينية، مع الإبقاء على وحدات شرطية لفرض النظام والقانون فقط.
إن المستعمرين أمثال بلفور الإنجليزي وترامب الأميركي، يقررون منح أرض ليست لهم وبانتزاعها من شعبها الأصلي لشعب آخر تم اختراعه، لضمان هيمنتهم على المنطقة العربية، إلا أن ما فات ترامب ومن قبله بلفور أن الشعب الفلسطيني لا يعتبر أن اعتراف ترامب المحتمل بضم إسرائيل للضفة قدراً لا يمكن مقاومته، تماماً كعدم اعتباره أن الاحتلال الإسرائيلي قدر، وهذا ما يفسر استمراره في مقاومته خلال الـ 76 عاما الماضية.