ماذا بعد فشل الهجوم المضاد الأوكراني؟.. الكواليس الكاملة للخلافات الكبرى بين كييف وواشنطن حول مجرى المعارك في الأشهر القادمة
تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT
يبدو أن الولايات المتحدة تريد التوصية باتباع نهج حذر تجاه أوكرانيا، في حين ترغب كييف في الهجوم "بجرأة"، وبحسب تقرير نشرته صحيفة فوكس الألمانية، فقد يكون إرسال جنرال أميركي للمرة الأولى أمراً حاسماً، وذلك وسط التوقعات قاتمة للحرب الدائرة داخل القارة العجوز، فحتى أن بعض كبار المسؤولين الأميركيين يعربون الآن عن قلقهم من أن روسيا سوف تكون لها اليد العليا في حرب أوكرانيا إذا ظلت الحرب في حالة جمود في العام المقبل.
سببان لتغيرات قواعد اللعبة
ويبدوا أن قواعد اللعبة قد تغيرت في أوكرانيا، وأصبح اليد العليا لروسيا، وذلك لسببين الأول، قيام الجيش الروسي بتوسيع قواته بشكل كبير ولديه المزيد من القوات والذخيرة والصواريخ أكثر مما كان عليه قبل بضعة أشهر فقط. كما قامت موسكو بتوسيع قواتها الجوية بطائرات إيرانية إضافية بدون طيار، حسبما كتبت صحيفة نيويورك تايمز نقلاً عن مسؤولين.
وبحسب الصحيفة الألمانية، فإن السبب الثاني، هو تعليق المساعدات الأمريكية للأسلحة في الكونجرس، والآن ستفي زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالغرض، ولكن ماذا لو لم تتم الموافقة على المساعدة المطلوبة بشكل عاجل بحلول نهاية العام؟ لا أحد يستطيع أن يتخيل ذلك بعد، ولكن شيئاً ما يحدث على المستوى الاستراتيجي العسكري على الأقل.
جنرال أمريكي يشرف على الحرب في أوكرانيا
ترسل الولايات المتحدة الآن جنرالًا من فئة ثلاث نجوم إلى أوكرانيا لأول مرة ، والذي من المفترض أن يحصل بانتظام على لمحة عامة عن الحرب في الموقع، وفقا لتقرير صحيفة نيويورك تايمز، هذا هو الفريق أنطونيو أغوتو جونيور، الذي ساعد حتى وقت قريب في تنظيم الدعم لأوكرانيا في قاعدة عسكرية في ألمانيا، ومن المتوقع أن يعمل أجوتو جونيور بشكل مباشر أكثر مع القيادة العسكرية الأوكرانية في الموقع لتحسين المشورة الأمريكية، وبالإضافة إلى ذلك، من المقرر أن يقوم الضباط الأمريكيون بتطوير استراتيجية جديدة مع زملائهم الأوكرانيين في فيسبادن بولاية هيسن.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن الولايات المتحدة ستوصي أوكرانيا باستراتيجية محافظة في الأشهر المقبلة من خلال حفر الخنادق وتوفير الإمدادات من الأسلحة والقوات، ويطلق المسؤولون الأمريكيون على ذلك اسم استراتيجية "التماسك والبناء"، لذا يتعين عليها أن تضمن بقاء الجبهة مجمدة وأن أوكرانيا قادرة على تهيئة الظروف الملائمة لشن هجمات فعالة، وفي الواقع، أصدر زيلينسكي الأمر قبل أسابيع ببناء دفاعات واسعة النطاق في جميع أنحاء أوكرانيا.
خلاف في الاستراتيجية بين واشنطن وكييف
وتعتقد الولايات المتحدة أن الاستراتيجية الدفاعة توفر الوقت لإعادة تشغيل الصناعة الدفاعية في أوكرانيا وإعداد البلاد لهجوم روسي محتمل، وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن يؤدي ذلك إلى تهديد خطير لروسيا بحيث تصبح المفاوضات ممكنة في نهاية العام المقبل أو عام 2025.
ومن الواضح أن هذه الأفكار لم تستقبل بشكل جيد في أوكرانيا، إذ تريد كييف العودة بسرعة إلى وضع الهجوم، إما بهجوم بري أو بضربات صاروخية وطائرات بدون طيار ــ من أجل الحفاظ على الاهتمام العالمي العالي، فقد حققوا ذلك خلال الهجوم المضاد غير الناجح منذ الصيف، فمن خلال الغارات الجوية على الموانئ في شبه جزيرة القرم -باستخدام صواريخ "ستورم شادو" البريطانية في الأساس- نجح الأوكرانيون في ضمان سحب روسيا لجزء كبير من أسطولها في البحر الأسود.
الهجمات تهدف لـ"انتصارات رمزية"
ووفقا لصحيفة نيويورك تايمز، يريد الأوكرانيون الآن البحث عن طرق مبتكرة لإيذاء روسيا من خلال الهجمات على منشآت إنتاج الأسلحة والمستودعات وخطوط السكك الحديدية المهمة على أراضيهم، ويقال إن هذه الهجمات تهدف إلى تحقيق "انتصارات رمزية"، ووصف مسؤول عسكري أوكراني سابق الخطة، التي لا تزال قيد التحسين، بأنها "متهورة" - دون الخوض في التفاصيل.
وقال مسؤول أميركي لصحيفة نيويورك تايمز إنه من دون تغيير في الاستراتيجية، فإن العام المقبل قد يحمل عدداً من الضحايا يماثل العام الأكثر دموية في الحرب العالمية الأولى، عام 1916، عندما قُتل الآلاف من الجنود - دون تغيير كبير في خط المواجهة، وعلى هذا فإن المناقشات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وأوكرانيا لم تصل إلى طريق مسدود تماماً، ويقال إن كبار المسؤولين الأميركيين منفتحون على بعض الأفكار الأوكرانية، وقد أثبتت الضربات الجوية في شبه جزيرة القرم على وجه الخصوص نجاحها، حيث يمكن للأوكرانيين البناء على هذا.
هكذا كان تقييم تحركات أوكرانيا العسكرية في الأشهر الماضية
وفي المقابل، فشل الهجوم البري، فقد كان التقدم الواعد للأوكرانيين في روبوتاين في جنوب البلاد بهدف التقدم من هناك إلى البحر الأسود من أجل دق إسفين بين القوات الروسية في الجنوب وبالتالي قطع الإمدادات أيضًا، ثم افترض أنه سيكون من الممكن إجبار القوات الروسية في الجنوب على التراجع، ومع ذلك، فشلت أوكرانيا في خطوط الدفاع الأولى خلف روبوتين، حيث لا تزال قوات كييف عالقة، لذلك فإن مخلفات شحنات الأسلحة التي استمرت لعدة أشهر منذ الشتاء الماضي قد أعطت روسيا الفرصة للاستعداد بالعديد من الخنادق وحقول الألغام.
وقد تبخر التأثير الذي كانت كل من الولايات المتحدة وأوكرانيا تأمل في حدوثه، وكانت أشهر الإعداد والتدريب على أنظمة الأسلحة "الأسلحة المشتركة" في الغرب عديمة الفائدة تقريبًا، وكذلك هناك مشكلة أخرى، حيث أرادت الولايات المتحدة أن يركز الأوكرانيون على محور واحد، وهو الجنوب، وكان من الممكن أن يحقق الأوكرانيون تقدماً كبيراً بهذه الطريقة، ولكن الأوكرانيين لم يوافقوا على ذلك لأنهم لا يريدون إهمال الجبهة في الشرق كما خططت الولايات المتحدة، وهكذا تحول الاختراق إلى حالة الجمود الموصوفة، وقد اشتكى الأوكرانيون من أن الخطط الأمريكية لم تنجح دون السيادة الجوية، ومع ذلك، فإن هذا غير ممكن بدون الطائرات المقاتلة من طراز F-16 المطلوبة، والتي لا يزال الطيارون الأوكرانيون يتدربون عليها.
لا يوجد مخرج من المأزق
ويعتقد المحللون أنه طالما لا يوجد مخرج من المأزق، فسوف يصبح من الصعب الحصول على المزيد من مساعدات الأسلحة الأمريكية، وقال المسؤولون الأمريكيون لصحيفة نيويورك تايمز إن هذا لا يتطلب بالضرورة المطالبة باستعادة 20% من المنطقة التي فقدها الأوكرانيون أمام الروس منذ بداية الحرب، فإن تحقيق بعض الانتصارات الاستراتيجية والرمزية، كما تنوي أوكرانيا، قد يكون كافياً للحصول على المزيد من المساعدات الأميركية التي تجعل المفاوضات مع روسيا أقرب.
فيما يقوم المسؤولون الأمريكيون بالفعل بإعداد نظرائهم الأوكرانيين لحقيقة أنه مهما كان ما يوافق عليه الكونجرس الأمريكي في نهاية المطاف، فمن غير المرجح أن يكون مستوى الدعم الذي اعتادوا عليه في العامين الأولين من الحرب، ويقول مايكل كوفمان، أحد أشهر الخبراء العسكريين الأمريكيين، لصحيفة نيويورك تايمز: "عليك أن تقاتل بذكاء وكفاءة، وإذا قامت أوكرانيا والغرب بالاستثمار الصحيح من أجل استراتيجية طويلة الأمد، فإن أوكرانيا قد تستعيد اليد العليا". والسؤال هو: إلى أي مدى؟ ويجب على الرئيس الأمريكي جو بايدن وزيلينسكي الآن توضيح ذلك مع الكونجرس.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: صحیفة نیویورک تایمز الولایات المتحدة فی أوکرانیا
إقرأ أيضاً:
لماذا يهز تعليق الولايات المتحدة للتعاون الاستخباراتي مع أوكرانيا عالم التجسس؟
نشرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، تقريرًا، سلّطت خلاله الضوء عن تساؤل تحالف "العيون الخمس"، الذي تأسّس في سنة 1940 ويضم الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا، حول أمن شبكته.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنّه: "خلال الولاية الأولى لدونالد ترامب، حرصت أجهزة الاستخبارات الأمريكية على طمأنة نظيرتها البريطانية بشكل منتظم".
وأضافت: "قرار ترامب تعليق شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا وتبادل المعلومات الاستخباراتية أثار جدلًا كبيرًا. بعد اللقاء الذي جمع ترامب وزيلينسكي، في البيت الأبيض، طلبت واشنطن من حلفائها البريطانيين وقف نقل المعلومات التي يتم الحصول عليها عبر تحالف "العيون الخمس" إلى الأوكرانيين، رغم الاعتماد الكبير على هذه البيانات لاكتشاف الهجمات الروسية وتحديد الأهداف الاإتراتيجية".
وتابعت: "بشكل غير مسبوق، زعزع تقارب دونالد ترامب الجلي، مع موسكو، تحالف العيون الخمس لأول مرّة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. عليه، بات استمرار هذا التحالف، الذي يضم الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا موضع الشك، لا سيما في ظل إعادة نظر أعضاء هذا التحالف، الذي يعود تاريخه إلى أكثر من 70 سنة، في درجة أمنه".
لغز محير
ذكرت الصحيفة أنّ: "فرنسا وبريطانيا تستمران في تقديم المعلومات الاستخباراتية لأوكرانيا، رغم محدودية فعاليتها بسبب غياب المساهمة الأمريكية. بالنسبة لوكالات الأمن البريطانية؛ يتسم الوضع بالتعقيد إذ يتعين عليها التمييز بين المعلومات المستمدة من مصادر وطنية بحتة والأخرى المتأتية من مصادر مشتركة ضمن تحالف "العيون الخمس".
وأردفت: "دفع تقارب ترامب مع موسكو بعض المسؤولين في أجهزة الاستخبارات إلى التساؤل بشأن "أمن" المعلومات المتبادلة ضمن تحالف "العيون الخمس" في المستقبل، إذ قد تصبح بعض المصادر الاستخباراتية موضع تهديد. وذهب البعض إلى حد التشكيك في استمرار تواجد الولايات المتحدة ضمن هذا التحالف بصيغته الحالية".
"في الشهر الماضي؛ اقترح المستشار الاقتصادي السابق والحليف المقرّب لدونالد ترامب، بيتر نافارو، استبعاد كندا من تحالف "العيون الخمس"، في ظل توتر العلاقات بين واشنطن وأوتاوا" بحسب الصحيفة نفسها.
ومضت بالقول: "في ظل هذا الوضع غير المسبوق اقترحت مصادر في وزارة الدفاع البريطانية إنشاء مجموعة فرعية تتيح استمرار تبادل المعلومات الاستخباراتية حتى في حال معارضة الولايات المتحدة ذلك. وأوضح أحد هذه المصادر أن: الأمر لا يتعلق بالانسحاب من تحالف 'العيون الخمس، ولكن بإنشاء العيون الأربع داخله، دون أمريكا".
من جهته؛ يرى السفير البريطاني السابق لدى الولايات المتحدة، ديفيد مانينغ، أنّ: مسألة تبادل المعلومات الاستخباراتية قد تصبح معقدة في المستقبل.
مفككي الشفرات
يعود تأسيس تحالف "العيون الخمس" إلى أوائل الأربعينيات، خلال الاجتماعات السرية المنعقدة بين خبراء فك الشيفرات البريطانيين والأمريكيين. في كانون الثاني/ يناير 1941، أي قبل أحد عشر شهرًا من الهجوم على بيرل هاربر، دُعي الأمريكيون إلى "بليتشلي بارك"، مكان تواجد المركز البريطاني السري لفك الشفرات.
وبعد انضمام الولايات المتحدة إلى الحرب العالمية الثانية، اقترحت لندن تولّي دور القيادة في جمع المعلومات الاستخباراتية بشأن ألمانيا، بينما ركّز الأمريكيون جهودهم على اليابان ومنطقة المحيط الهادئ.
وبعد الانتصار في سنة 1945، تم اتخاذ قرار بشأن تمديد هذه الاتفاقيات التي وُضعت خلال زمن الحرب. في شباط/ فبراير سنة 1946، اتفقت الولايات المتحدة وبريطانيا على تبادل المعلومات الاستخباراتية، باستثناء المتعلقة بـ"المصلحة الوطنية". وبموجب ذلك، تم تبادل ضباط الاتصال ودمج العملاء داخل مختلف الأجهزة الأمنية.
في سنة 1949، انضمت كندا إلى هذا التعاون من خلال اتفاق مع الأمريكيين. ثم، في سنة 1956، وقّعت كل من أستراليا ونيوزيلندا الاتفاقية كأطراف مستقلة، بعدما كانتا ممثلتين في السابق عبر بريطانيا.
في الوقت الراهن، بات اتفاق "العيون الخمس" يركّز بشكل أساسي على اعتراض الاتصالات والاستخبارات الإلكترونية أكثر من المعلومات المستمدة من المصادر البشرية. وبفضل وكالة الأمن القومي الأمريكية، التي تُعدّ أداة استخباراتية قوية، توفر الولايات المتحدة 80 في المئة من المعلومات الاستخباراتية داخل التحالف.
في المقابل؛ تساهم دول التحالف الأخرى بقدرات محددة، خاصة في المناطق التي تتمتع فيها بنفوذ قوي، ما يعزز فعالية التعاون الاستخباراتي.
واختتم التقرير بالقول: "إلى جانب مسألة تبادل المعلومات الاستخباراتية، يفتح الوضع الراهن أمام البريطانيين الباب للتساؤل عما إذا كانوا سيجدون أنفسهم أكثر عزلة في مواجهة روسيا. وفي مؤشر على تدهور العلاقات، أعلنت موسكو، الإثنين، عن طرد دبلوماسيين بريطانيين بتهمة: القيام بأعمال تخريبية وتجسس".
واستطرد بأن: "لندن تُعدّ من أبرز الداعمين لأوكرانيا؛ حيث تعمل على تدريب زيلينسكي على المفاوضات الصعبة من أجل السلام ويتجلّى ذلك في الزيارة التي أداها مستشار الأمن القومي البريطاني جوناثان باول، لتقديم المشورة لفريق الرئيس الأوكراني".