سياسات الاستدامة.. نجاح إماراتي بلا نظير
تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT
محمد المنى (أبوظبي)
أخبار ذات صلةالإمارات بلد منتج ومصدّر للبترول منذ وقت طويل، وعضو فاعل في منظمة «أوبك» وطرف مؤسس في تحالف «أوبك بلس»، وبدأت أنشطة استخراج البترول فيها منذ خمسينيات القرن الماضي، ليشكل فيها النفط منطلق نهضة اقتصادية وعمرانية وصناعية وعلمية شاملة عز نظيرها، إذ بفضل الخطط الناجحة والسياسات الحكيمة أصبحت الإمارات أكثر بلد عرف كيف يوظف عائدات النفط ويحولها إلى مخرجات اقتصادية واجتماعية وثقافية وصناعية وزراعية وخدمية وبنيوية.
ونجحت الإمارات في تطبيق سياسة تنويع مصادر الدخل، مستهدفةً الانتقال من اقتصاد الريع النفطي والاعتماد على عائدات قطاع البترول نحو تنويع القاعدة الاقتصادية وتعزيز القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، أي نحو تحقيق مستهدفات التنمية المستدامة. وهو انتقال انخفضت خلاله تدريجياً مساهمة النفط في الناتج المحلي الإجمالي للدولة، والتي مثلت نسبة 77 في المئة عام 1975، لينقلب الوضع في عام 2022 وتصبح مساهمة القطاعات غير النفطية 73.5 في المئة من الناتج المحلي.
لقد تراجع الوزن النسبي لقطاع النفط ضمن هيكل الناتج المحلي الإجمالي للدولة، وذلك لصالح القطاعات الأخرى غير النفطية، والتي تحقق نمواً وازدهاراً كبيرين، مثل الصناعة التحويلية والتجارة والمقاولات والسياحة والبيئة والخدمات والبحث العلمي.. إلخ، مما يحقق مستهدفات «رؤية الإمارات 2021» حول التحول نحو اقتصاد المعرفة القائم على الابتكار والإبداع كمحركين للتطور وللنمو الاقتصادي، ويعبر في الوقت ذاته عن السياسة الناجحة التي انتهجتها الدولة لتنويع مصادرها الاقتصادية، ولخلق تنمية مستدامة تضع أسساً اقتصادية راسخةً ومتينة.
وتعد الإمارات أول بلد بدأ التخطيط مبكراً لمرحلة ما بعد النفط، وأخذ يضع الخطط والسياسات مجهِّزاً نفسَه لليوم الذي يصدِّر فيه آخر برميل نفط. وكما وجَّهت اهتماماً مبكراً نحو الطاقات المتجددة، في الداخل والخارج، وأصبحت بلداً رئيساً في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وطاقة الماء، فقد أولت البيئةَ عنايةً خاصةً منذ عهد الشيخ زايد الذي نجح في تحويل الصحراء إلى جنان ومروج خضراء، واهتم بالزراعة والتشجير، وأنشأ المحميات، وعُني بحماية الأنواع الحيوانية وبالحفاظ على عناصر البيئة وموارد الطبيعة على اختلافها.. وهي الاهتمامات التي تشكل مجتمعةً ما يطلق عليه في وقتنا الحالي «الاستدامة».
وتجسيداً لهذا التاريخ الطويل من الاهتمام بالبيئة والحفاظ على سلامتها، أجمعت دول العالم في عام 2009 على اختيار أبوظبي مقراً للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا)، لتصبح الإمارات أول بلد شرق أوسطي يستضيف المقر الرئيس لوكالة دولية. كما تم اختيارها في عام 2021 لاستضافة «كوب 28»، إعراباً عن ثقة العالم ومنظماته في ذلك الالتزام الراسخ لدى الإمارات بحماية المناخ وفي جهودها الدؤوبة في مجال الاستدامة.
الاستدامة والطاقة النظيفة
واضطلعت دولة الإمارات على مدى العقدين الماضيين بأدوار بارزة في مجال الطاقة المتجددة من خلال تطوير مشاريعها في الداخل والخارج، حيث أنشأت في عام 2006 شركة مصدر لطاقة المستقبل (مصدر)، وأسندت إليها العمل على تطوير مشاريع الطاقة النظيفة، والتطوير العمراني المُستدام، وتعزيز الأنشطة الصديقة للبيئة كأسلوب للعيش والحفاظ على البيئة ضماناً لمستقبل بيئي آمن. وبالإضافة إلى الأبحاث والتطوير من خلال «معهد مصدر»، تُعنى شركة مصدر بتطوير «مدينة مصدر» في أبوظبي، كمدينة بيئية هي الأكثر استدامةً في العالم، وتعمل على نشر الطاقة النظيفة من خلال «مصدر للطاقة النظيفة»، وتقوم بتقديم الخدمات الاستشارية من خلال «وحدة المشاريع الخاصة»، وتستضيف المبادرات وتنظم الفعاليات ذات الصلة بمجال اهتمامها مثل «أسبوع أبوظبي للاستدامة».
وتنفذ شركة «مصدر» عدداً كبيراً من مشاريع الطاقة النظيفة داخل الدولة وخارجها، بما في ذلك محطة «شمس 1» للطاقة الشمسية المركّزة، ومحطة الطاقة الكهروضوئية في مدينة «مصدر» نفسها، فضلاً عن مشاريع التقاط وتخزين الكربون في الإمارات للحد من الانبعاثات الكربونية الناجمة عن الأنشطة الصناعية. وعلى الصعيد الخارجي تقوم شركة «مصدر» بتنفيذ وتطوير عدد كبير من مشاريع الطاقة النظيفة، وتشارك في تطوير وتنفيذ عدد كبير أيضاً من هذه المشاريع في مختلف أنحاء العالم، سعياً إلى التعجيل بتطبيق حلول الطاقة المتجددة، بما يساعد البلدان النامية على تحقيق التنمية ومكافحة الفقر، وعلى الحد من التلوث الذي يسبب ظاهرةَ الاحتباس الحراري كعامل مباشر وراء التغير المناخي الذي يهدد الحياة على الكرة الأرضية بآثاره العنيفة وتداعياته الخطرة.
نجاحات «كوب 28»
وإدراكاً من الإمارات لهذه الآثار والتداعيات، وحرصاً على حماية الكوكب من المخاطر والتهديدات، جاءت استضافتها لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ (كوب 28)، الذي شهد أول تقييم عالميّ للتقدم المُحرَز في تحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ عام 2015، والذي ختم أعمالَه أمس «الثلاثاء» في مدنية إكسبو دبي بنجاحات كبيرة، إذ حقّق إنجازات غير مسبوقة في تاريخ مؤتمرات «كوب» منذ انطلاق دورته الأولى في برلين عام 1995. ومن ذلك نجاحه في التصديق على قرارات مهمة تهدف إلى خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، استهلها بالاتفاق على الصندوق العالمي للمناخ، أو صندوق الخسائر والأضرار سابقاً، لمساعدة الدول النامية على مواجهة آثار التغير المناخي. ويعد إنشاء هذا الصندوق خطوةً مهمةً نحو تعزيز العدالة المناخية ومساعدة الدول الأكثر هشاشة على التكيف مع الأخطار المناخية.
ومن النجاحات المهمة الأخرى للمؤتمر «إعلان الإمارات بشأن المناخ والصحة»، الذي يضع الصحةَ في قلب العمل المناخي ويرمي لتسريع تطوير مجتمعات مستدامة قادرة على التكيف مع الأخطار المناخية. وهو أول إعلان حكومي دولي يعترف بالآثار الوخيمة للتغير المناخي على صحة المجتمعات البشرية، ويؤكد على الفوائد الصحية الكبيرة لحماية المناخ، بما في ذلك الحد من تلوث الهواء ودوره في خفض تكاليف الرعاية الصحية.
وجاء ترؤس دولة الإمارات «كوب 28» بمثابة تأكيد من مختلف الأطراف الدولية، دولاً ومنظماتٍ، على الثقة الكبيرة في سياسات الدولة وفي الجهود التي تبذلها والمبادرات التي تطرحها في مجال الاستدامة، فخلال المؤتمر أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، صندوقاً عالمياً بقيمة 30 مليار دولار للحلول المناخية، وأعلن عن «مبادرة الائتمان الأخضر»، وكرّم الفائزين بجائزة «زايد للاستدامة».
مبادرات مناخية
وخلال الفترة القريبة الماضية طرحت الإمارات مجموعةً من المبادرات المتتالية الهادفة لحماية البيئة وللتقليل من مخاطر التغير المناخي، حيث أعلنت عن تدشين «خريطة طريق لخفض الكربون في القطاع الصناعي»، لاسيما في صناعات مثل الحديد والصلب والألومنيوم والإسمنت. وبوصفها رئيسةً لـ «كوب 28» أطلقت الإمارات «ميثاق الانتقال إلى الحياد المناخي» بهدف تشجيع شركات القطاع الخاص على اتخاذ إجراءات فعالة لمواجهة تداعيات التغير المناخي، بالإضافة إلى مبادرة «ميثاق حكومات الحياد المناخي 2050»، ومبادرة «تحالف القرم من أجل المناخ - زراعة 700 ألف شجرة قرم»، ومبادرة «صفر نفايات» التي جاءت بالتعاون بين وزارة التغير المناخي والبيئة وشركة أبوظبي لإدارة النفايات «تدوير».. وغير ذلك من المبادرات والمشاريع الرامية إلى تحقيق المستهدفات المناخية ومرئيات «كوب 28» الذي يشارك فيه على مدى 13 يوماً أكثر من 100 ألف شخص يمثلون الدول الأطراف والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية، والحكومات الإقليمية، والشركات الخاصة، والهيئات الأكاديمية، ومنظمات المجتمع المدني، والتنظيمات الدينية، ووسائل الإعلام.. مما يجعله أكبر مؤتمر دولي حول المناخ في تاريخ العالم على الإطلاق. أما قراراته وإنجازاته فلا نظير لنجاحها في تاريخ العمل الدولي المشترك بشأن المناخ وتحدياته.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: كوب 28 الاستدامة الطاقة المتجددة الطاقة النظيفة الإمارات مؤتمر الأطراف الطاقة النظیفة التغیر المناخی فی مجال من خلال فی عام
إقرأ أيضاً:
"براكة" تُنتج 25% من الكهرباء وتقلّص الانبعاثات بـ22.4 مليون طن
حققت شركة الإمارات للطاقة النووية، خلال عقد من الزمن، إنجازات استثنائية عززت مكانة دولة الإمارات الرائدة في المسيرة العالمية للانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة، وتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050.
ويعد تطوير محطات براكة للطاقة النووية السلمية وتشغيلها ضمن الجدول الزمني والميزانية المخصصة، أحد أبرز تلك الإنجازات التي جسدت جانباً مهماً في قصة النجاح الإماراتية في قطاع الطاقة النووية، ففي سبتمبر(أيلول) 2024، بدأ تشغيل المحطة الرابعة من محطات براكة للطاقة النووية في منطقة الظفرة بإمارة أبوظبي، وبالتالي التشغيل الكامل لمحطات براكة الأربع، وإنتاج 40 تيراواط في الساعة من الكهرباء النظيفة سنوياً، وهو ما يعادل 25% من الطلب على الكهرباء في دولة الإمارات، مع الحد من 22.4 مليون طن من الانبعاثات الكربونية سنوياً، تعادل انبعاثات نحو 122 دولة.
مستقبل مستداموقال ويليام ماغوود، المدير العامّ لوكالة الطاقة النووية بمنظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إن نجاح مشروع محطات براكة للطاقة النووية في دولة الإمارات يعد شهادة على أن بالإمكان بناء محطات الطاقة النووية وفقًا للجدول الزمني، وفي حدود الميزانية المحددة، ما يدعم المسار نحو مستقبل مستدام للطاقة.
وأشاد بالتزام شركة الإمارات للطاقة النووية وشركاتها ببناء القدرات البشرية، وتعزيز التوازن بين الذكور والإناث في قطاع الطاقة النووية.
وحازت تجربة الإمارات في قطاع الطاقة النووية على تقدير عالمي تجلى في ترؤس محمد الحمادي، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لشركة الإمارات للطاقة النووية للمنظمة النووية العالمية منذ إبريل(نيسان) 2024، وترؤسه المنظمة الدولية للمشغلين النوويين من 2022 إلى 2024، إلى جانب عضويته في مجلس إدارة مركز أطلنطا للمنظمة الدولية للمشغلين النوويين، وعضوية مجلس إدارة شركة "تيراباور" المتخصصة في تطوير نماذج المفاعلات النووية المصغرة.
الحياد المناخيوفي موازاة ذلك، وخلال مؤتمر "COP 28" الذي استضافته الدولة في أواخر 2023، أفضت الجهود التي بذلتها شركة الإمارات للطاقة النووية إلى تأسيس فرع الشرق الأوسط لمنظمة "المرأة في الطاقة النووية" الأول من نوعه في المنطقة، والذي يركز على هدف مشترك يتمثل في تبادل المعارف والخبرات، وتعزيز ثقافة التميز ورفع الوعي بأهمية وفوائد الطاقة النووية، إلى جانب تعزيز التوازن بين الجنسين في هذا القطاع، حيث تضم المنظمة ما يقرب من 4800 عضو في أكثر من 107 دول.
وجمعت شركة الإمارات للطاقة النووية والمنظمة الدولية للمشغلين النوويين، خلال المؤتمر نفسه، خبراء العالم في قمة للطاقة النووية، وما تلاها من إطلاق مبادرة "الطاقة النووية من أجل الحياد المناخي" والتي حققت نجاحاً كبيراً، تمثل في تعهد 31 دولة حتى اللحظة بمضاعفة القدرة الإنتاجية للطاقة النووية 3 مرات بحلول 2050، وهو ما تبعه إجراء مماثل من قبل 14 بنكاً و120 شركة عالمية بينها شركات عملاقة مثل أمازون ومايكروسوفت وغوغل وغيرها.
فرص الاستثماروأكدت تلك الجهود صواب الرؤية الاستشرافية الإماراتية في قطاع الطاقة، الذي يعد عصب الحياة العصرية وضمان مستقبلها المستدام، فقد أفادت وكالة الطاقة الدولية في أحدث تقاريرها بأن الطلب العالمي على الطاقة شهد ارتفاعاً سنوياً أعلى من المتوسط بنسبة 2.2% في 2024؛ إذ ارتفع استهلاك الكهرباء العالمي بنحو 1100 تيراواط في الساعة، أي بنسبة 4.3%، وكان من أبرز أسباب الزيادة الحادة في استهلاك الكهرباء في العالم العام الماضي، النمو المذهل لمراكز البيانات والذكاء الاصطناعي.
وتواصل شركة الإمارات للطاقة النووية جهودها للمساهمة في نمو الطاقة النووية على مستوى العالم، للوفاء بالطلب المتزايد على الكهرباء من قبل مراكز البيانات والذكاء الاصطناعي، وذلك من خلال الشراكات مع كبريات الشركات في العالم لاستكشاف فرص الاستثمار وتطوير التقنيات المتقدمة للطاقة النووية، وفي الوقت نفسه مشاركة خبراتها ومعارفها مع مشاريع الطاقة النووية الجديدة حول العالم، عبر تأسيس ذراع إستراتيجية جديدة للشركة، شركة الإمارات للطاقة النووية – الاستشارات.