التجمع: مشهد الانتخابات الرئاسية لطمة على وجه الدول الاستعمارية
تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT
أكد حزب التجمع أن الشعب المصري وجه لطمة قوية على وجه الإمبريالية العالمية، وكافة القوى الاستعمارية في العالم ، من خلال مشهد الانتخابات الرئاسية غير المسبوق، الذي أكد أن وحدة المصريين عصية على الاختراق، وأن مخطط إضعاف مصر ، وتقسيم دول المنطقة ، ينهار كالمعتاد على صخرة الإرادة المصرية.
ووجه التجمع فى بيان صحفى له كل الشكر والتقدير للشعب المصري ، على موقفه في هذه اللحظة التاريخية من عمر الوطن.
ولفت الحزب إلى ضرورة استثمار ما تحقق من إنجاز ، للنهوض بالدولة المصرية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ، وهو ما يستدعي المزيد من الجهود لكافة مكونات المجتمع بكل فئاته وطبقاته المختلفة ، لتجاوز أي عقبات تقف على طريق الجمهورية المدنية الديمقراطية الحديثة.
وجدد حزب التجمع التزامه بالقيام بواجبه الوطني ، والانطلاق بدوره السياسي ، لتحقيق كل آمال وطموحات الشعب المصري الجدير بالمكانة اللائقة التي يستحقها ، وتتفق مع العمق الحضاري لمصر وما قدمته للتاريخ الإنساني عبر آلاف السنين.
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
التركة الاستعمارية: استعمار الحلال والبلال (2-2)
عبد الله علي إبراهيم
لم تعد الصفوة البرجوازية الصغيرة ترى في استعمار بريطانيا لنا تركة للتصفية (decolonization)كما أملنا بالاستقلال، بل إرثاً أو مأثرة. وباتوا على عقيدة تقية أن السودانيين كانوا استثناء في منظومة الاستعمار البريطاني جعل استعمارهم قريباً من كأن لم يكن.
والعقيدةُ الصفويةُ الأولى في استثناء السودان من الاستعمار هو زعمُ الصفوة أننا كنا في ولاية الخارجية البريطانية لا ولاية وزارة المستعمرات البريطانية. وبالطبع لم نكن الاستثناء الوحيد في الإمبراطورية البريطانية في ولاية غير وزارة المستعمرات، شأن المستعمرة البريطانية، ناهيك عن ضعف الحجة لذلك الاستثناء نفسه. فلم تكن الهند تُدار لا من قبل وزارة المستعمرات البريطانية ولا من وزارة الخارجية، بل من إدارة خاصة بالهند قام عليها حاكم احتل مقعداً في مجلس الوزراء البريطاني. والسبب في هذا أن الهند كانت أقدم مستعمرات بريطانيا، بل وتاجها.
ومن وجوه هذا الاستثناء لاستعمارنا في قول الصفوة أن بريطانيا كانت تميز السودان دون غيره. فلا تبعث لإدارته سوى خريجي أكسفورد وكمبريدج "Oxbridge". وهذا التمييز أعرج حتى نعرف من كان يبعث الإنجليز لحكم غيرنا في أفريقيا وآسيا. فرِحم أكسفورد وكمبردج ولود ولا يمكن لإدارة السودان، التي لم تستوعب سوى 393 إدارياً من الجامعتين على طول فترة استعمارنا، استنفاد خريجيهما.
من جهة أخرى، متى سمعت عزة صفوتنا بحكم خريجي أكسفورد وكمبردج للسودان دون غيره انصرف ذهنك إلى أن المعيار في تعيين الإنجليز للخدمة في السودان كان الشطارة الأكاديمية. ولم تكن تلك مع ذلك ميزة من عينهم الإنجليز للخدمة في السودان. فخلافاً للتعيين في الخدمة في الهند مثلاً، لم يخضع المتقدمون للخدمة الاستعمارية في السودان لامتحانات أكاديمية يُكرم بها المرء أو يهان. فكل المطلوب من المتقدم للخدمة في السودان أن يكون ذا سابقة في الرياضة. وغلب بينهم لذلك من حازوا من الجامعتين على درجة الشرف الثانية والثالثة لا الأولى. علاوة على اعتبار بريطانيا سابق الخدمة الممتازة في الجيش في تعيين طاقمها في السودان.
وما حدا ببريطانيا لوضع أشراط التعيين تلك للسودان هو رأيها في أنه "منطقة شدة" إمبريالية لا يقوى عليها إلا ذو جسد شديد، طلّاع صحاري، جوّاب غابات. ومصداقاً لذلك قال جيمس روبرتسون، السكرتير الإداري للحاكم العام في خمسينيات القرن الماضي، إن تميزهم الرياضي في المدرسة والجامعة قد زودهم بالثقة في النفس لمقابلة الوحشة والعزلة في السودان يديرون شؤون جماعات واسعة من السكان. وبلغ من استبداد التأهيل الرياضي (لا العلمي) في التعيين للخدمة في السودان أن سارت العبارة: "زرق يحكمون سمراً وسوداً". والزرق هنا إشارة للجوائز التي ينالها الرياضي في منافسات الجامعتين. والسمر والسود هم السودانيون.
ومن عقائد الصفوة الحفية بالتركة الاستعمارية أن الإنجليز تركوا فينا خدمة مدنية غراء ذات كفاءة عالية. وربما كانت تلك الخدمة كذلك. ولكن من الصعب بالطبع أن تُسمي إدارة رتبها الاستعمار لتصريف شؤونه في بلد ما خدمة مدنية. فالدولة الاستعمارية ليست حكومة في المعنى المصطلح عليه لتكون لديها خدمة مدنية. فالأصل في الحكومات أنها نشأت لإدارة جماعات من السكان بينما حكومة الاستعمار نشأت لإدارة رقعة جغرافية تستأثر بخير ظاهرها وباطنها. أما سكان هذه الرقعة فهم عبء ثقيل على المستعمَر. وعَبَّر سيسل رودس، الحاكم الإنجليزي لمستعمرة كيب تاون في جنوب أفريقيا، عن شبق المستعمرين للأرض دون الناس بقوله: "إنني أفضل أرض الأهالي عليهم". ولا يستغرب، والحال هكذا، وقوع حالات إبادة جماعية للسكان الأصليين خلال غزو بلادهم أو استعمارها.
ومن عقائد الصفوة في الحفاوة بالتركة الاستعمارية أن بريطانيا هي التي أنهت استعمارها لنا في توقيتها الخاص. وعليه جاءنا الاستقلال منحة حين تولى حزب العمال الحكم في بريطانيا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. ولا يحتاج هذا الاستثناء إلى كثير رد. فنهاية الاستعمار، التي ارتبطت بعهد الملكة إليزابيث الثانية، كان عصراً بحاله. بدأ بالهند في 1947. وسبقت السودان فيه غانا التي استقلت في 1957 بعام. ثم لم تبق من مستعمرة لم تتحرر في نهاية العقد السادس من القرن العشرين إلا التي كانت تحت استعمار استيطاني ولحين. فإذا تركنا جانباً إسقاط هذه العقيدة الصفوية لدور الحركة الوطنية في الاستقلال، فهي غير ذات قيمة لأن الاستعمار غادر، بالحسنى وبغيرها، أفريقيا في وقت معاً لا فضل فيه لقطر دون آخر.
وددت لو أخذ علم السياسة عندنا عن علم الثقافة في جرد التركة الاستعمارية وآثارها على الحكم فينا. فلعبد الله الطيب، الأكاديمي المصقع والشاعر، قولةٌ عن التركة الاستعمارية غاية في الإصابة. قال إن الاستعمار قد مات حقاً، ولكنه قام "بعاتي" في نظم حكمنا العاقبة له. وعقيدة البعاتي، وهي قيام أحد الناس من قبره من مخافات السودان فاشية فيه. ويقال إن البعاتي ينبعث فيمشي على أمشاطه، ولا ينظر إلى أعلى، ملتفعاً بكفنه. وزاد عبد الله الطيب قائلاً إن بصوته خنخنة. وربما كان هذا القبح ما نكرهه في نظمنا العاقبة للاستعمار بغير إدراك بأنه الأصل فيها.
ibrahima@missouri.edu