الأخلاق الإنسانية.. مقاربة إماراتية جديدة في العلاقات الدولية

 

 

 

الدين، سواءً كان ديناً سماوياً أو دين من وضع الإنسان، بدأ يدخل كعامل مساعد في أدوات البحث عن حلول للقضايا الإنسانية التي تزداد تعقيداً مع مرور الوقت بسبب تضارب مصالح السياسيين والاقتصاديين أكثر الأطراف تأثيرا في سير أحداث العالم ومتغيراته المتسارعة.

فكما كان للدين دور إيجابي في تشجيع الناس في كافة أرجاء العالم من أجل أخذ الجرعة الخاصة بمواجهة فيروس كورونا (كوفيد19)، وبالتالي كانت النتيجة القضاء على هذا الوباء في أقل من عامين، فإن الدين كان موجوداً أيضاً في مؤتمر الأطراف المعني بالمناخ في دبي COP28الذي اختتم أعماله يوم أمس الثلاثاء الموافق 12 من ديسمبر الحالي بعد العديد من الإنجازات تحسب لدولة الإمارات صاحبة الريادة في خدمة الإنسان.

والشيء الرائع في هذه القمة أن تفسيرات رجال الدين الخاصة بحماية البيئة كانت كلها تنطلق من الفلسفة الأخلاقية للدين في الحفاظ على الإنسان وهي حالة توافقية تكاد تكون نادرة ولكنها حدثت في دولة الإمارات، ولكي نفهم هذا الموقف علينا أن نستوعب كيف أن الإمارات تعيد صياغة العمل الإنساني بأساليب مبتكرة وغير تقليدية، فقبل أن يتفق رجال الدين على هذه الرؤية الموحدة لموقف الدين من قضية المناخ كانت هناك قمة قبل شهر من انعقاد COP28في أبوظبي هدفت إلى تنسيق رجال الدين قبل مؤتمر المناخ كي يتشاورا ويتفقوا بهذا الموقف.

ما أريد أن أصل إليه أن هناك مجموعة من الأفكار تفعلها الإمارات لتوظيف البُعد الديني والروحي في مقاربة القضايا الدولية الإنسانية باعتبارها أحد الأدوات التي يمكن الاستفادة منها في إيجاد انفراجات ومداخل جديدة لمعالجة القضايا التي تحتاج إلى الموقف الجمعي العالمي ومن هذه الأفكار الآتي:

الفكرة الأولى: أن الإمارات هي أول دولة انتبهت إلى دور الدين في حماية الإنسانية، عندما نجحت في فبراير من 2019 في تقريب بين أكبر ديانتين في العالم الدين الإسلامي ومثله الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر والدين المسيحي ومثله بابا فرانسيس من خلال التوقيع على “وثيقة الأخوة الإنسانية” التي تعتبر أكبر قوة أخلاقية التي مهدت للعالم بالتفكير بطريقة مختلفة لمفهوم الدين باعتبار عامل تقريب بين الشعوب وليس كما كان يستخدم من قبل المتطرفين كوسيلة للتصارع والاقتتال وهذا الفهم يؤكد أن الدين ليس ممارسات عبادة وطقوس دينية وإنما هناك بعد أخلاقي يمكن الاستفادة منه في تعمير الأرض والتعاون الإنساني.

الفكرة الثانية: أن دولة الإمارات انتبهت أيضاً إلى أن النظرية التشاورية في القضايا الإنسانية عامل أخلاقي آخر مساعد في إلزام الفرد أو الإنسان تجاه قضاياه لهذا كان استضافتها للحوارات بين رجال الدين والروحانيين أساس لخلق اتفاق ليكون مدخلهم إنساني في تفسير تعامل الفرد مع المناخ وغيره من القضايا الإنسانية، وأن التشاور المستمر مع وجود عقلية قابلة للتوافق على فكر جديد من أجل التفاهم المشترك هو الرهان دائما للعمل المشترك. فالإنسانية تحتاج من المسئولين السياسيين وجود توافق بينهم. فعالمنا أشبه بــ(قارب) الكل يركب فيه وعلى الجميع الحفاظ عليه ولهذا يبدو أن النجاحات التي تحققت في أرض الإمارات كانت من هذا المنطلق وستكون بادرة لأن يؤسس الدين كمدخل أخلاقي للقضايا الدولية.

وفق ذلك الفهم يكون من يركز على الدين باعتباره عبادة فقط بمثابة كمن يهمل ويتجاهل الكثير من الأبعاد الملزمة أخلاقياً في العلاقات الدولية القائمة على المصلحة الاقتصادية والواقعية المتطرفة أحياناً. كما يمكن الاستفادة من الدين في معالجة العديد من القضايا السياسية، فالمناخ واحدة من القضايا الجدلية بين السياسيين والاقتصاديين والناس العاديين وقد فشلت العديد من محاولات منظمة الأمم المتحدة بالخروج بحل مناسب لحالة تدمير العالم مناخياً لذا جاء البعد الأخلاقي من توظيف الدين الذي يتوقع أن يعمل على المساعدة بإيجاد مخارج وانفراجات تساعد في تهذيب سلوك أفراد المجتمع لحماية البيئة.

الخلاصة: الدين بكل أشكاله وتنوعاته الطائفية والمذهبية يشكل وازعاً أخلاقياً للإنسان قد يتصاعد إيمان الفرد في فترة زمنية لديه وقد يتراجع ذلك الإيمان ولكنه يمكن الاستفادة منه في خدمة الإنسانية بدلاً من ترك الدين للمتطرفين لتوظيفه في تدمير البشرية وربما معاناة العالم من المتطرفين كان بسبب ترك القوة الإيمانية للدين بعيداً عن قضاياه إلى أن أدرك العالم أهمية هذا البعد العاطفي بعدما لفتت دولة الإمارات إليه.

 

 


المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

البابا تواضروس: البابا فرنسيس كان صوت السلام والعدالة.. وكرس حياته لخدمة الإنسانية

نعى قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، البابا فرنسيس، مؤكدًا أن العالم فقد رجلًا كرس حياته لخدمة الإنسانية، وكان صوتًا صادقًا للسلام والعدالة في كل المحافل.

لقطات نادرة .. 10 صور للبابا فرانسيس في طفولته وشبابهترامب: ارقد في سلام أيها البابا فرانسيسبايدن : البابا فرانسيس "أحد أهم القادة في عصرنا"الأطباء تنعى البابا فرانسيس: نذر حياته من أجل نشر السلام


وقال البابا تواضروس، خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامية سمر الزهيري عبر قناة "إكسترا نيوز"، إن البابا فرنسيس، رغم جلوسه على كرسي مدينة روما لمدة 12 عامًا، إلا أن تلك السنوات حملت الكثير من العمل والنشاط والخدمة، موضحًا أنه زار خلال تلك الفترة العديد من البلدان.

وشدد على أنه ترك في كل مكان مثالًا حيًا للقلب المفتوح تجاه كل إنسان، دون تفرقة أو تمييز، موضحًا أن البابا فرنسيس كان دائمًا صوتًا للسلام في مواجهة كل الأزمات والصراعات حول العالم، سواء تلك المستمرة حتى اليوم أو التي مرت بها الشعوب سابقًا.


وأشار إلى أنه وقف دومًا بجانب الإنسان المظلوم والمتعب والمهمش، وكان حريصًا على أن يكون سندًا للإنسان المنسي وسط زحام هذا العالم.
 

مقالات مشابهة

  • جوتيريش: البابا فرنسيس كان صوتا ساميا من أجل السلام والكرامة الإنسانية
  • إطلاق مبادرة جديدة في مدارس النيل المصرية الدولية.. وجوائز للمشاركين
  • «زايد الإنسانية» تنظم محاضرة الزراعة المستدامة
  • الإمارات وباكستان تبحثان عددا من القضايا الإقليمية والدولية
  • البابا تواضروس: البابا فرنسيس كان صوت السلام والعدالة.. وكرس حياته لخدمة الإنسانية
  • وزير الأوقاف ينعى بابا الفاتيكان: رمز الإنسانية والسلام
  • مؤتمر لندن.. ما هي مجموعة الاتصال الدولية التي أراد تشكيلها
  • وزير الخارجية الروسي يحذر أوروبا: لن نقبل بلهجة الفوقية في العلاقات الدولية
  • لا فرق في الأخلاق بين حمدوك ورفاقه في صمود وبين الجنجويد الاستباحوا الحرمات
  • «محمد بن راشد لتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة»: تأسيس 3461 شركة إماراتية جديدة خلال 2024