موقع النيلين:
2025-02-16@16:51:45 GMT

الإيمان بالقدر

تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

فالقدر هو سر الله المكنون الذي لم يطلع عليه خلقه، وما أجمل الكلمة التي قالها العبد الصالح جعفر بن محمد الصادق رحمه الله تعالى حيث قال: إن الله تعالى أراد بنا، وأراد منا، فأظهر ما أراد منا، وأخفى ما أراد بنا؛ فاشتغلنا بما أراد بنا، وتركنا ما أراد منا.

ومعنى كلامه أننا متعبَّدون بالشرع الذي أظهره الله لنا في أوامره ونواهيه، ولسنا متعبَّدين بالقدر الذي أخفاه الله عنا، وكما قال سبحانه {وما تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير} والاحتجاج بالقدر على معصية الله هو صنيع المشركين؛ حيث إنهم لما أفحمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيَّن لهم فساد معتقدهم وضلال فعلهم احتجُّوا بالقدر؛ فقالوا {لو شاء الله ما أشركنا نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء} قال الله تعالى ردّاً عليهم {كذلك كذَّب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون} فهم قالوا كلمة حق حين قالوا {لو شاء الله ما أشركنا} لكنهم أرادوا بها باطلاً حين زعموا أن ذلك دليل على رضا الله عنها، وهو سبحانه القائل {ولا يرضى لعباده الكفر} فيا أخي الله تعالى علم بما يقع منا من أعمال لكنه لم يجبرنا عليها…………..

مثال ذلك ولله المثل الأعلى: مدرس عنده عدد من الطلاب وقد عرف مستوياتهم وقدراتهم فكتب تقريراً للعميد أو المدير بأن نصفهم سيرسبون وهم فلان وفلان، ونصفهم سينجحون وهم فلان وفلان!!! فهل معنى ذلك أنه أجبر هؤلاء على الرسوب أو أولئك على النجاح؟؟ اللهم لا لكنه علم فقط….. وقد سأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فائدة العمل في أمر قد قدر وفرغ منه فقال عليه الصلاة والسلام (اعملوا فكل ميسر لما خلق له)…….

وفي قضية التسيير والتخيير الإنسان مسيَّر في أمور مثل كونه أبيض أو أسود أو طويلاً أو قصيراً أو من قبيلة كذا أو كذا أو جنس كذا أو كذا، ومثله في حركة أجفانه وتاريخ ولادته ووفاته، هذا كله لا يسأله الله عنه يوم القيامة، وهو بعد ذلك مخيَّر في أقواله وأعماله وكفره وإيمانه وطاعته وعصيانه، وقد قال سبحانه {إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفورا} وقال سبحانه {وهديناه النجدين} وقال سبحانه {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} ولذلك يحاسبه الله تعالى على ذلك كله. وعليك أن تؤمن بأن الله تعالى علم كل شيء وكتب كل شيء وخلق كل شيء، وأن مشيئته جل جلاله فوق مشيئة البشر؛ فكتابة المقادير قد حصلت ـ كما ثبت في الحديث الذي رواه مسلم ـ قبل أن يخلق الله السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وهذه الكتابة على خمسة أنواع:

الأولى: التقدير الأزلي وهو الذي كان قبل أن يخلق الله الخلق، والثاني: التقدير يوم أخذ الميثاق كما في الحديث الذي رواه مالك في الموطأ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والثالثة: التقدير العمري كما في الحديث الذي في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، والرابعة: التقدير الحولي وهو الذي يكون في ليلة القدر كما في قوله تعالى {فيها يفرق كل أمر حكيم} قال ابن كثير رحمه الله تعالى: أي: في ليلة القدر يفصل من اللوح المحفوظ إلى الكتبة أمر السنة، وما يكون فيها من الآجال والأرزاق، وما يكون فيها إلى آخرها. وهكذا روي عن ابن عمر، وأبي مالك، ومجاهد، والضحاك، وغير واحد من السلف.ا.هـ والخامسة: التقدير اليومي حين تنقل الملائكة من اللوح المحفوظ ما يكون في كل يوم من رزق وأجل وصحة وسقم وغير ذلك مما قدره الله عز وجل، وبذلك يعلم أنه لا تنافي بين الحديثين، بل يُحمل كل منهما على حالة دون الأخرى، والله تعالى أعلم.

الشيخ عبدالحي يوسف

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: قال سبحانه الله تعالى ما أراد یکون فی

إقرأ أيضاً:

مفتي الجمهورية: الشائعات سلاحٌ لتزييف الحقائق وإفساد المجتمعات

شارك الدكتور نظير محمد عيّاد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم في احتفال وزارة الأوقاف بليلة النصف من شعبان وذكرى تحويل القبلة والذي أقيم بمسجد مصر الكبير بالمركز الثقافي الإسلامي بالعاصمة الإدارية الجديدة بحضور معالي الدكتور إبراهيم صابر، محافظ القاهرة، نائبًا عن  الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، والدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، والدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، نائبًا عن فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، ومحمود الشريف، نقيب الأشراف، و الدكتور إبراهيم الهدهد، رئيس جامعة الأزهر الأسبق، بالإضافة إلى عدد  من السفراء، وكبار علماء الدين، وعدد من المسؤولين.

وألقى المفتي كلمةً في هذا الاحتفال بذكرى تحويل القبلة أكد فيها ثلاثة من المعاني المستفادة من تلك الحادثة، أولها: أن ليلة النصف من شعبان تكتسب أهمية كبيرة؛ فهي تجسِّد سموَّ المنزلة وعلوَّ المكانة حيث تلاقت المشيئة الإلهية مع الإرادة المحمدية عندما أراد النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يتوجه إلى القبلة الأولى التي تشتاق إليها النفس وتسكن إليها الروح، فجاء تحويل القبلة جبرًا لخاطر النبي صلى الله عليه وسلم وإزالةً لهمّه، وتأكيدًا لمكانة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه. 

وأشار المفتي إلى المعنى الثاني المستفادة في هذه الذكرى، حيث حذَّر فضيلته من الشائعات مشيرًا إلى أنها سلاحٌ يستخدم لتزييف الحقائق وإفساد المجتمعات، وأنه لا يخلو زمانٌ من السفهاء المرجفين الذين يسفِّهون عظائم الأمور، مستشهدًا على ذلك بقول الله تعالى في خصوص هذه الحادثة: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} [البقرة: 142].

وأكد المعنى الثالث المستفاد من تلك الحادثة وهو أن الإيمان ليس مجرد كلمةٍ تُقال بل هو التزامٌ وسلوكٌ يدفع الإنسان إلى الطاعة، وهو عهدٌ ثابت يلتزم به المؤمن، وليس مجرد حالةٍ تزول بمرور الوقت. 

واستشهد بقوله تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور: 51].
وفي ختام كلمته، دعا فضيلة المفتي الله عز وجل أن يحفظ ووطننا الحبيب مصر، وأن يؤيد قادتنا، وأن يعيد علينا جميعًا هذه الأيام بالأمن والأمان والإيمان، والسلامة والإسلام، وأن يرد لنا المسجد الأقصى من أيدي المحتل المعتدي.

ومن جانبه، أوضح الدكتور إبراهيم الهدهد، رئيس جامعة الأزهر الأسبق، في كلمته في هذا الاحتفال أن الله قد وصف أمة النبي الخاتم بالوسطية؛ كما جاء في سياق الآيات التي تتحدث عن حادثة تحويل القبلة، وهو وصف لم يتحقق لأي أمة أخرى من الأمم. 
كما أشار إلى أن الشرع جاء ليوازن بين مكونات الإنسان النفسية والروحية والعقلية والبدنية، وأعطى لكل جانب من هذه الجوانب حقَّه بما يحقق وظيفة الاستخلاف في الأرض كما أراده الله تعالى.

مقالات مشابهة

  • علي جمعة: إذا فاتتك ليلة النصف من شعبان فعليك بهذ الوقت كل يوم
  • أمطار غزيرة على منطقة الباحة
  • حكم الإكثار من الحلف دون داعٍ وهل له كفارة ؟ الإفتاء توضح
  • الأزهر للفتوى: تحويل القبلة يؤكد وسطية الإسلام والعلاقة الوثيقة بين المسجدين الحرام والأقصى
  • الأزهر للفتوى: تحويل القبلة يؤكد وسطية أمة الإسلام والعلاقة الوثيقة بين المسجدين الحرام والأقصى
  • أوقاف مطروح تفتتح مسجدين بإدارة الحمام استعدادا لشهر رمضان
  • مفتي الجمهورية: الشائعات سلاحٌ لتزييف الحقائق وإفساد المجتمعات
  • خطيب المسجد النبوي: الاستغفار هو أكبر الطاعات وأصل أسباب المغفرة
  • خطبتا الجمعة بالحرمين: أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس.. الاستغفار أعظم موجبات المغفرة
  • وزير الأوقاف يشهد احتفال الوزارة بليلة النصف من شعبان