رأي اليوم:
2024-09-19@03:30:56 GMT

محمد حيدار: قصة قصيرة: الهجّان وزحّاف الشعر

تاريخ النشر: 13th, July 2023 GMT

محمد حيدار: قصة قصيرة: الهجّان وزحّاف الشعر

 

محمد حيدار  إليك أنهى قائد الحرس الليلي محصّلة النبض والتخمين في المدينة، ومن أقاصي الثغور وافاك البريد، لم تكن تستوعب ما يُتلى كسابق دأبك، خصيصة التعاطي افتقدتها منذ دعاك الفراش إليه لأول مرة.  نقيب أطبائك لم يصرحك كما توقعت، وكم كنت تحسن فن التوقع، عميد مؤرخيك أغرته سيرتك فبات يمارسها ليلا، عيونك في البلاط أبرقت إليك ببعض ما يدندن به في سمره الانفرادي، فقررت إعدام أوراقه المائة كلما واتتك فترة نقاهة، وزاجرا قلت له:  ـــ أنا لستُ بشاعر لكي يتناطح الرواة بشأن ما خلّفت!  كنت نصف خليفة أو أكثر، إليك أذعنت مياه المشارق وخراج المغارب، وفتاوى الحاضرتين، خصومــــك اتّهموك بأن نبوغك اللغوي لا يحمل بُعدا ثنائيا:                 ـــ إنه لم يلْحَن في خطبه قط!  قال كبير شراح متون البادية، لكنك لم تأخذ إشادته كتبجيل صحفي، فأنت تعرف الرجل، لقد حافظ على هوامش رأيه حتى آوان الاستنطاق.

 إلى صحيفة ” زياد ” كنت تديم النظر، ومع المساء أحلتها على مقرئ الديوان ليعيد عليك قراءتها، فهو مجاز في فن تجويد النصوص الأولى.                 ـــ و”زياد” قال بثنائية النفس! غامر مقرئ الديوان بالقول، فهدّأت من روعه بقول أخر:                 ـــ أعرف أنه دعا إلى مبدأ الشبهة.                 ـــ ووجوب أخذ المقيم بالظاعن في غير المواسم.  أكمل أحد حفظة الصحيفة، وكان مقرئ الديوان لايزال ينتظر إشارة ما بملاحقة الكلام، ولشدة الإغماء الذي ينتابك بين حين وحين، اعتقد أنه تسلم أمرا أميريا بالحديث، ورغم أن كبير مفوضيك كان قد أقره ــ بإشارة من رأسه ــ على الابتداء، ظل يخشى عاقبتي الصمت والكلام معا، منذ صغره ــ منذ أن كنت لاتزال مدرسا مغمورا ــ تلحظ نزعة التحفظ فيه، وما أن هززت رأسك في تعب بالموافقة، حتى اندفع إلى الإدلاء:                 ـــ في صحيفته قال بالتخويف مسدا للإطعام،                 اذ كلاهما رادع للجوع.  ومعلقا ضحكت في وهن، والجوع اكتشاف لا يضاف إلا للصوصية والمعارضة، ومن ثمة أنكر علم الكلام القول به.  وقبيل تماثلك للشفاء ــ كما ظن عوادك ـــ سقطت ثالثة برقيات المغيب في ظرف وجيز ((رحل خليفة /مرض خليفة/ بُويع خليفة))، والذي يهمك دائما هو البرقية الذيل، كاد يعاودك المغص اللعين، لأن البرقية هذه المرة لا تحمل تذييلا كالذي تسميه ((زحاف الشعر)) وإذن فإقرارك على عملك لما يتم بعد.  وعوض أن يطمئنك إصرار جلاسك على أن الهجان الحامل لزحاف الشعر، ربما جاوز الآن تخــــــوم القريتيـــن قادما، كاد يبكيك تورط الدهماء في أمر تعيينك، هكذا بشكل مكشوف، بل كيف سيتاح لمؤرخــــك تدوينه وقد ولغوا فيه؟ وبإشارة منك أسكت الجميع إلا مقرئ الديوان، الذي استأنف رحلة التخريج كمن يستقرئ نقوش لغة ميتة، وقلت في انزعاج معروف عنك:                 ـــ هل هي صحائف “سومر”؟  والواقع أنك قاطعته، ليوقن أن أمر البرقية الذيل هو ما يستأثر ببالك، وصارخا جهرت بقولك:                 ـــ من لي بولاية بعمر النسر لبد؟ وأفزعك قول أحد عوادك:                 ـــ هو ذا ما ظل يلهج به “زياد ” قبلكم يا سيدي. وصحّحت كلامه بكلام:                 ـــ زياد لم يكن واليا ولا خليفة، كان متكلما فحسب. وفي الوجوه المحدقة بك أمعنت النظر، لتتأكد من أنهم من أصفياء مجلسك دون دخيل، وعندها قلــت:                 ـــ الخليفة يعرف أنني لا أحسن أيا من فنون المعارضة،                 ففيم المماطلة في تجديد تعييني إذن؟!  وفي دهشة تبادل أصفياؤك نظرات غير قابلة للرصد، فظننت أنهم اتفقوا ضمنا على أن مرضك هو ما أرجأ زحاف الشعر، وأثقل خطو الهجان المحلّف، فصحح مقرئ الديوان:                 ـــ يرى أحد حكماء السند يا مولاي، أن فن المعارضة                 هو فقط أن يلتزم الخطاب حجم الأحبال الصوتية.  وشككت في نوايا الذي نصحك، فمن ألمّ بقواعد المعارضة، وبسلوكها، لن يكون إلا معارضا في دخيلتــــه، وقلت:                 ـــ ائتوني بهذا الحكيم المنظّر الذي يدعي أن. وزف إليك أحد جلاسك بشرى قائلا:                 ـــ لقد سبقك إلى رأسه أخرون يا سيدي ثم استجمعت قواك لتزجر الذي نصحك بقولك:                 ـــ إذن أنت معارض في دخيلتك؟  وبكى المتهم مودعا قبل أن يدعو بإحضار كفنه، الذي اصطحبه منذ سنوات عشر لمثل لحظة غضب كهاته، وسرا عزّاه المحيطون بك في نفسه.  أما أنت فصارحت الذي يليك من قادة الرماح، برغبة أميرية منك في استنفار القوات تحسبا، ومتسائلا همس إليك:                 ـــ هل يعتقد سيدي أن بديلا ما؟!  وبعنف قاطعته وقد ثارت ثائرتك، كيف يجرؤ أحد على ذكر البديل بحضرتك؟ وأنت شديد البنيان متماسكا لاتزال، لكن هل أصبح الشارع يلهج بالبديل؟ اخترقك المارة إذن؟ استصغروا سحنتك، جاوز فيضانهم قامتك. والتاريخ؟!!  هذا المناور؟ هل يتيح لغيرك الجلوس مكانك وأنت سيد السيف والخطابة؟ ثم بعد تلك الغضبة تراجع بك الغليان، تنازل صوتك عن حدته، وأنت تقول وقد هززت رأسك مقرا:                 ـــ والسجون؟ فبادر كاتبك بالقول:                 ـــ لن تُوزّع البراءة بعد رحيك يا مولاي، اطمئن. وقال قاضي قضاة الأقاليم معللا:                 ـــ لأن براءة المعتقلين تعني إدانتكم يا سيدي.  ومع أن كلمة القاضي أفلحت في افتكاك رضاك، ارتاع مقربوك لخواتم نُذرك، حتى من سبق وأن شكّوا سرا في سلامة قواك العقلية، تراجعوا لأن الشك فيك اتهام لعقول الرعية، ومقياس اتزان العقول يكمن في ثنائها على نبوغك، إذ كيف للنجوم أن تدّخر أنوارها إذا خبا لون الشمس، وليس من بينها من يضخ أنواره ذاتيا؟ بذلك قال شعراؤك، وفطاحل القول من حولك.  هزة نفس تركبك، تدعوك إلى إهمال أي إقرار بالضعف، بالمرض، حتى وموجة من سعال تجتاحك إلى أن كادت تتمزق لها أنفاسك، وخلفك أسر أحد الحراس إلى صاحبه:  ـــ لم يعد لساخن الماء ونقيع الأعشاب أي تأثير يُرتجى!  لكن الدليل على موفور صحتك ـــ عكس ما يقول نقيب أطبائك ـــ لايزال معروفا، بل وماثلا للأعين، إذ مادام في إمكانك أن تأمر بضرب رأس ما، فأنت إذن صحيح معافى، نفسك تواقة إلى إصدار أمر بقتل أحد ما، لتثبت لعوادك، لأصفيائك، لنقيق متسكعي الأنهج خارج قصرك، لمتتبعي نشراتك الطبية من بعيد، إنك لاتزال، لا تزال سيد السيف والقلم.  تجلّدك للشامتين يأتي اقتداء برجل محنك، هو معاوية بن أبي سفيان، كان قد سبقك إلى رفض مساومة المرض الذي أرغمه على البقاء ممددا لزمن ما، إلى أن قيل له ذات يوم إن وفدا من كبار المعارضين على الباب، وخلافا لنصائح أطبائه أمر بإجلاسه مُجْهدا في وضع المعتدل، وقد ظن أن زيارة معارضيه جاءت شماتة وليس معاودة، فرفض لقاءهم ممددا بل جالسا، لأن من شيمه مثلك، ألا يستدر عطف معارضيه حتى ولو صدقوا، وقلت كما لو أنك دخلت طور هذيان:                 ـــ لتظل قويا، ينبغي لك أن ترفض شفقة الأخرين.  من قال بهذه القاعدة؟ أأنت أم عنترة العبسي؟ أم نيتشه؟ أم أحد شيوخ الصعاليك؟ أم حكيم هنــدي رفض الموت على وهن؟ لا يهم من القائل، المهم أنها قيلت وصحّت عندك.  حركة عينيك أثقلها تورم ظاهر بجفنيهما، أذهب حدتها، وفصاحتك كخطيب اختلسها التواء، أخذ يشل عضلة لسانك، والمنابرــ كما الاختام السلطانية ــ لامحالة ستبكيك، إذ من سيخلفك عليهما معا؟ من؟ من؟ سألت نفسك في غضب، إلى أن كدت تقفز لولا شدة الوعك، لا أحد يمكنه رتق ما سيخلفك من فراغ، كلهم أشجار لا تحجب الغابة، وأنت، أنت وحدك الغابة.  وعبثا تجرأت على الانفلات من وضع التمدد نحو الجلوس، ثم صحت وقد بقيت معلقا بين بين:                 ـــ أنا الغابة أنا الغابة.  نظرات مشحونة بارتياب اتجهت نحوك في إجماع، ثم تبودلت في صمت وعندها، قلت:                 ـــ لا تشكّوا في صحة تفكيري، أنا الغابة. وفي خبث احترافي لا ينطلي عليك، أخذوا يرددون في شبه نبرات إنشاد جماعي صاخب:                 ـــ أنت الغابة.  ـــ أنت الغابة.                  ـــ أنت الغابة. وارتجت أصواتهم حتى كادت تزعج سكونك:                  ــــ أنت، أنت، أنت، الغابة، الغابة، الغابة، أنت الغابة.  وتنهدت ملتجئا إلى ما يشبه الاغفاءة، ومن سريرك تقدمت قيّمة القصر، مخترقة صف أصفيائك في جسارة معروفة بها، وخلفها تحرك الراوي، ووكيل أعمالك، وقريبا منك أجمعوا على سؤال إلى جهة ما:                  ـــ هل مات؟اا وهز مقرئ الديوان رأسه متسائلا:                 ـــ ومن سيُعلن موته نيابة عن نقيب الاطباء المحلف؟ وقال الــــــــــــــــــــــــــــــراوي:                 ـــ مجلس الأطباء هو من أعلن الوفاة سرا،                  وسرا أنكرها. وقالت قيّمة القصر مصوّبة:                  ـــ أنكروها حين أكد قائد الحرس، أن سيدي لايزال يتحرك.                  ـــ يتحرك؟؟اا جماعيا تساءلوا ثم رددوا:                 ـــ فليُعدم كل لسان تجرأ على القول بموته. وجماعيا أنشدوا وقد تبارت قيّمة القصر للرقص وسط جمعهم:                  ـــ سيدي لا يموت، بل يُميت                 لا يموت بل يُميت                 لا يموت، لا يموت،                 لا يمـــــــــوت. وحين فتحت قيّمة القصر باب غرفته، ودنت من سريره في حذر، عادت صائحة وقد أذهلها المنظر:  ـــ يا قوم، إن الممدّد على السرير ليس بسيدي، إنه، إنه،  (؟؟؟؟؟؟؟؟) وما هو بمريض.

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

5 أفلام قصيرة تنافس على جوائز مهرجان طرابلس للأفلام بلبنان

تنافس MAD Solutions بخمسة أفلام قصيرة من توزيعها بالدورة الحادية عشر من مهرجان طرابلس للأفلام بلبنان الذي يمتد من الخميس 19 إلى الأربعاء 25 سبتمبر وهم حبيبتي للمخرج أنطوان ستيليه، مادونا للمخرج جون فريد زكي، يرقة للمخرجتين ميشيل ونويل كسرواني، نية للمخرجة إيمان عيادي، وبين البينين للمخرجة إيثار باعامر.

نبذة عن الأفلام المشاركة

ويعرض في فعاليات مهرجان طرابلس للأفلام الفيلم التونسي الفرنسي حبيبتي للمخرج أنطوان ستيليه، يستكشف علاقة معقدة بين أم وابنتها. واستوحيت القصة من التجربة الشخصية للمنتجة المشاركة في الفيلم صابرين حباسي، التي كتبت السيناريو أيضًا مع ستيليه. 

ويضم الفيلم الممثلتين فريدة رحواج وليلى بليير، ويدور في نهاية يوم على شرفة على السطح حيث تدعوا أنيسة والدتها إلى باريس لقضاء عطلة نهاية الأسبوع معًا لكن لقاءهما لا يسير كما هو مخطط له.

كما يعرض أيضاً في مهرجان طرابلس للأفلام فيلم يَرقة للمخرجتين ميشيل ونويل كسرواني الذي شهد عرضه العالمي الأول بمهرجان برلين السينمائي الدولي وحصل على جائزة الدب الذهبي لأفضل فيلم قصير ليصبح أول فيلم عربي يفوز بهذه الجائزة.
يدور حول سارة وأسما، امرأتان من بلاد الشام، تلتقيان أثناء عملهما في مطعم فرنسي بمدینة لیون، إذ تحمل كل منهما ثِقَل حیاتھا وبیتھا الذي تركته في بلدها. تبدأ علاقتھما بتوجس وحذر ولكن يولد مع الوقت خیطًا یربطھما.

وينافس أيضا علي جوائز مهرجان طرابلس للأفلام فيلم نية للمخرجة إيمان عيادي وبطولة ميليسا بن يحيى، ومريم مجقان وأمل كاتب، ويدور في ضاحية الجزائر حول أنيا التي تعيش حياتها كفتاة صغيرة تبلغ من العمر سبعة أعوام، لا تدرك إلى حد كبير التوترات التي تمزق البلاد نتيجة للحرب الأهلية لكن لديها أمنية وحيدة فقط: أن يعود والدها، الصحفي في مهمة، في الوقت المناسب للاحتفال بالمولد. عُرض الفيلم في عدة مهرجانات منها مهرجان الفيلم المغاربي بهولندا وملتقى بجاية السينمائي بالجزائر.

كما يعرض أيضا في مهرجان طرابلس للأفلام فيلم بين البينين للمخرجة إيثار باعامر وموسيقى زاك ماكنيل، وهو فيلم رسوم متحركة تجريبي سعودي.

ويروي الفيلم رحلة امرأة في عقدها العشرين، تجتاز توقعات المجتمع في سعيها لاكتشاف الذات. وفي تلك الرحلة تتلاشى الخطوط الفاصلة بين الواقع والخيال. 

وعلى الرغم من العقبات، فإن ذاتها الحقيقية ترشدها نحو ذاتها الحقيقية. وقد شهد الفيلم عرضه العالمي الأول بمهرجان البحر الأحمر السينمائي.

مقالات مشابهة

  • 5 وصفات طبيعية تمنع تساقط الشعر من أول استعمال.. «مش مكلفة»
  • انطلاق ملتقى الشعر العربي في نيجيريا
  • أول تعليق لجماعة الحوثي على هجوم البيجر الذي استهدف حزب الله في لبنان
  • بقصائد تلامس شغاف القلوب “ملتقى نيجيريا” ينبض بالشعر العربي
  • بيت الشعر في الشارقة يتغنى بالغربة والحنين
  • تفسير حلم تساقط الشعر لابن سيرين.. «4 حالات»
  • 5 أفلام قصيرة تنافس على جوائز مهرجان طرابلس للأفلام بلبنان
  • الحردلو (21) الليله العديله تقدّمو وتبرا…!!
  • مع محمد المكي في كتابه (في ذكرى الغابة والصحراء)
  • ليصبح مشهوراً... صربي يدخل كهف دب في الغابة