درس الروافع: المقاومة رافعة حضارية.. قاموس المقاومة (7)
تاريخ النشر: 12th, December 2023 GMT
تحدثنا في المقال السابق عن فكرة المقاومة الكهربية لفهم حقيقة المقاومة وجوهر الأدوار والوظائف التي ترتبط بها تتكامل تلك الفكرة وترتبط بعلم الإنسان ضمن حقائق علوم الأحياء والفيزياء معا، ألا وهي باب الروافع. والرافعة (الجمع رَوَافِع أو رَافِعَات) هي ذراع طويل يتمحور في نقطة ثابتة عليه تعد نقطة ارتكازه، وهي أُولى الآلات البسيطة الست التي حددها علماء عصر النهضة، وتستخدم لتحويل القوة الداخلة الصغيرة إلى قوة خارجة كبيرة، كما في الشادوف وكسّارة الجوز.
فالرافعة إذا هي آلة بسيطة؛ ويعتقد البعض أن الروافع هي أول الآلات البسيطة التي تم اختراعها.
درس الروافع هو بكون الرافعة هي آلة بسيطة مكونة من ساق تدور حول نقطة ثابتة تعمل على تغيير اتجاه أو تغيير مقدار واتجاه القوة، لرفع أو تحريك جسم ما. الرافعة لا تقتصر على الآلات التي ترفع الأشياء؛ وليس كل الأدوات التي ترفع الأشياء تسمى رافعة.
تتحرك الرافعة في حركة دائرية تكون نقطة الارتكاز هي مركز الدائرة. مكونات الرافعة؛ القوة المبذولة المقاومة أو الحمل أو الثقل، وذراع القوة، وذراع المقاومة، ونقطة الارتكاز أو المحور، والقوة التي تُبذل لتحريك الرافعة، والقوة التي تقاوم القوة المبذولة، والمسافة بين نقطة الارتكاز والقوة المبذولة، والمسافة بين نقطة الارتكاز والمقاومة، ونقطة دوران الرافعة.
والمعادلة الأساسية الثابتة التي يؤكدها درس الروافع هي: العزم = القوة × طول ذراعها = المقاومة × طول ذراعها؛ حيث إن القوة هي الجهد المبذول على الرافعة، وذراعها هو بعدها عن المحور، أما المقاومة فهي القوة التي يسلطها الجسم الذي يتعرض للمجهود ليقاوم التغيير، وذراعها هو بعدها عن المحور، وحاصل ضرب القوة أو المقاومة في ذراعها = عزم المقاومة.
للروافع أهمية كبيرة في حياتنا، فقد سهّلت على الإنسان الكثير من الأمور، ووفرت الكثير من الوقت والجهد. وتكمن أهمية الروافع بأنواعها المختلفة في تكبير القوة، ويعني ذلك استخدام قوة صغيرة لتحريك ثقل كبير وبالتالي تقليل الجهد اللازم لتحريكها ونقلها. وكذلك تكبير المسافة، وذلك من خلال رفع الأشياء عبر ذراع وتحريكها في مسافات صغيرة إلى مسافات كبيرة، وزيادة السرعة حيثُ تساعد بعض أنواع الروافع على زيادة سرعة الأجسام التي تؤثر عليها، ونقل القوة أو الجسم من مكان الى مكان آخر.
الروافع كما تُرى في الطبيعة نراها كذلك في الإنسان وعلم الأحياء، فالروافع في جسم الإنسان هي خير مثال لميكانيكا الروافع بشكل عام. فالعامل الأول لحركة الجسم هي العضلات التي تمكنه مِن الانقباض نتيجة الدفعات العصبية التي تجذب معها جزءا مِن الهيكل العظمي باتجاه تقلصها مسببة الحركة.
ومِن الجدير بالذكر أن كافة الحركات الجسدية تُعد تطبيقا لمبادئ ميكانيكا الروافع التي تنقل القوة المسلطة على موقع مِن ذراع الرافعة عبر مرتكز ما أو نقطة ارتكاز لوزن أو حمل في موقع آخر منها، والعظام تعمل كروافع أما المفاصل فإنها تعمل كمرتكزات لتحريك جزء مِن الجسم. ولمعرفة ما يعتمد عليه نظام الروافع في الجسم؛ لا بد مِن معرفة نقطة ارتكاز العضلة وبعدها عن نقطة ارتكاز الرافعة والطول الواقع ما بين وضعية الرافعة وذراع الرافعة، فالجسم بحاجة لأنماط مختلفة مِن الحركات بعضاً منها يريد حركة واسعة والبعض الآخر يريد قوة، كما أن نظام الروافع في الجسم يعتمد وبشكل أساسي على الحركة الميكانيكية للعضلات والمفاصل.
نظام الروافع في جسم الإنسان يتألف مِن نقطة ارتكاز وذراع وبضعة مرتكزات لتحريك الشيء مِن مكان لآخر. والروافع في جسم الإنسان تلعب نفس الدور، فالمفاصل المتواجدة في الجسم تكون بدور المرتكزات والروافع هي الذراع أو اليد التي تُمكّن الجسم مِن أن يُمسك بالأشياء وينقلها مِن مكان لآخر بكل سهولة وأريحية. والحفاظ على الروافع في الجسم يكون بالحفاظ على المفاصل باستمرار الحركة؛ من ممارسة التمارين البسيطة للحفاظ على مرونة المفاصل، ولهذا فإن تليين المفاصل والأربطة والأوتار والحفاظ على المفاصل مِن الإصابات بشكل وقائي يضمن الحركة بشكل مستمر. كذلك خفة بعض الوزن تيسر الحركة والنشاط، وتناول الأطعمة الضرورية لصحة العظام والحفاظ على وظائفها الأساسية الضامنة للحركة والنشاط والفاعلية الحركية، ذلك إن الميزة الميكانيكية المبثوثة في الجسم الإنساني لا من استثمارها كميزة حركية في الفعل والنشاط وفي الفاعلية الهادفة والتأثير.
إن حال الأمة لا يخفى على الجميع بما أصابها من وهن وتدهور المكانة؛ وهن تتعرض به الأمة لأخطار جسيمة، تتمثل في مخطط تمزيق لا مثيل له في التاريخ بأبعاده وغاياته، فهو لا يقتصر على تمزيق البلد الواحد فحسب، وإنما تمزيق النسيج الاجتماعي، وتحريك نوازع الاقتتال فيما بينها. وقد ساعد على ذلك وجود أنظمة فاسدة وطغم ظالمة، عملت على سلب حريات الشعوب وإضعافها، فمهد ذلك لأعداء الأمة أن يحتلوا أرضها وينهبوا خيراتها ويستعبدوا أبناءها ويستبيحوا دماءهم وأعراضهم وحرماتهم.
لم تكن الأمة على قلب رجل واحد، فاختلفت الرؤى وتعددت التوجهات ما أدى إلى تباين في الأفعال وتنوع في السلوك؛ ففريق تابع ساير الأعداء والخصوم ورافقهم كالخدم في تبعية مذلة وهوان غريب في سياق تطبيع مهين مع العدو الصهيوني ومارس دور المُخَذِلين والمرجفين فاستحقوا مسمى متصهينة العرب، وفريق سيطر عليه الإحساس بالإحباط الذي قاده إلى اليأس والاستسلام، وفريق هرب إلى الأماني والأحلام؛ أما "فريق الرافعة الحضارية للأمة" فقد انطلق إلى ساحات المقاومة، يمارس التدافع بالروافع، رافضا كل أشكال التبعية والاحتلال والاستبداد، فشكل بذلك رافعة نهضوية وحضارية، محاولا تأسيس وتمكين الحركة الواعية للأمة، ومؤكدا على هويتها الدافعة بها إلى مراقي التقدم والنهوض والفاعلية والتأثير؛ لكي تمضي لتحقيق حريتها ونيل كرامتها وبلوغها عزتها ومواجهة عدوها الصهيوني.
قوى المقاومة على أرض فلسطين كانت رافعة الأمة وعنوان النهوض، وحين تصمد وتواصل الصمود ستصعد الأمة، وحين تتراجع سيعم الإحباط.. إنها معادلة كبيرة؛ مقاومة فلسطين وثقافة المقاومة، لكي يمكن للأمة أن تعيش بعزة وكرامة وشرف وبمقتضى التكريم الإلهي للإنسان. إن موقعها من الأمة كالشأن الطبيعي والفيزيائي والحيوي، كالجهاز الكهربي -كما أوضحنا- لا يمكنه أن يعمل بمعدلات ومعادلات الأمان وتحققها في التشغيل والأداء من دون مقاومة تحميه وتحفظه وتنظم التيار الجاري والطاقة والجهد الساري، فتحفظه عند التيار العالي الذي يؤدي الى احتراق الجهاز بالكامل لولا المقاومات فيه والأدوار الفاعلة منها، لتُضاف إلى ذلك درس الروافع بأنواعها سواء تعلقت بتصوراتها الفيزيائية والطبيعية أو مشابهاتها العضوية لدى الأحياء الإنسانية.
إن حال الهوان والوهن الذي سكن فكر الأمة ومنظومة أفعالها ومثّل حالة من العجز وربما الشلل؛ قد شكّل ثقلا وعبئا.. روافع المقاومة في الأمة دفعت وتدافعت مع هذا الحمل الثقيل بأدواتها الرافعة ومقاتليها بالالتحام مع العدو الغاصب، فاندفعت تواجه ثقلين دفعة واحدة؛ وهن الأمة وغطرسة العدو باستجابة مقاومة مفعمة بالقوة الدافعة الرافعة.
لقد احتضنت شعوب الأمة المقاومة وجعلتها ممثلا لها، ومثلت المقاومة في قيامها بأعظم أدوارها انتدابا عن الأمة الحافظة لها الدافعة لنهوضها والحافزة لحركتها التي تعلن من خلال المقاومة التي تشكل خمائر العزة في مواجهة الكيان الصهيوني المغتصب والمرتكب لكل أعمال الخسة.
الروافع آلة بسيطة كبساطة آلات المقاومة، واجهت بها آلة الجيش الصهيوني العاتية؛ فأذلت جيشا وُصف بأنه لا يقهر؛ صدّق العدو في ذلك عالم واسع؛ فغيرت المقاومة النظرة إليه في سويعات محدودة؛ بفعل تعانق فيه عمل المقاومة "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة"، "ترهبون به عدو الله وعدوكم"؛ مع إرادة اقترنت بالعدة "ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة"؛ إرادة واعية وتدبير وإدارة راشدة، مثلت بحق وقامت بكفاءة بأدوار الرافعة.
إن حاصل ضرب القوة أو المقاومة في ذراعها = عزم المقاومة، عزم المقاومة في معادلة الروافع في تفاعل القوة في المقاومة.. قوة المقاومة ومقاومة تمتلك جوهر القوة، مادية كانت أم معنوية. كل هذا هو المنتج حال العزم القوي والوعي الأبي والسعي الجلي العلي.
وأهمية الروافع بأنواعها المختلفة في تكبير القوة، ويعني ذلك استخدام قوة صغيرة لتحريك ثقل كبير، وبالتالي تقليل الجهد اللازم لتحريكها ونقلها، وتكبير المسافة وذلك من خلال رفع الأشياء عبر ذراع وتحريكها في مسافات صغيرة إلى مسافات كبيرة، وزيادة السرعة حيثُ تساعد بعض أنواع الروافع على زيادة سرعة الأجسام التي تؤثر عليها، نقل القوة أو الجسم من مكان إلى مكان آخر..
كل تلك الأهميات هي ما حققته المقاومة كرافعة حضارية، فتعظيم القوة في دفع كل ثقل فترفعه عن كاهل الأمة وكرامتها وعزتها وشرفها، وفي المقابل إذلال العدو وهزيمته، والقدرة على قطع مسافة أوسع على طريق التحرير ونهوض الأمة، وتحقيق كل ذلك ضمن سياقات المفاجأة في الفعل والسرعة العالية المقترنة بالفاعلية الكاملة.
إن رافعة المقاومة عظمت قدرات الأمة، ونقلت الأمة من حال انكسار الى حال انتصار، كل ذلك في سياق الحركة التي تتسم بالمرونة والفاعلية، والصمود والثبات؛ إنه درس الروافع في مقاومة تمثل رافعة حضارية يجبر عجز الأمة وحال الوهن والهوان، ومواجهة ومقاومة لبطش الاحتلال والعدوان.
twitter.com/Saif_abdelfatah
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المقاومة الرافعة الجسم الأمة فلسطين فلسطين المقاومة الأمة الرافعة الجسم مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات صحافة سياسة صحافة سياسة رياضة رياضة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المقاومة فی نقطة ارتکاز جسم الإنسان القوة أو فی الجسم التی ت ن مکان ن نقطة
إقرأ أيضاً:
المؤبد لأب وابنه لاستعراضهما القوة وشروعهما في قتل 3 أشخاص بالقليوبية
قضت محكمة جنايات شبرا الخيمة، الدائرة الرابعة، بالسجن المؤبد لأب وابنه لاستعراضهما القوة وشروعهما في قتل 3 أشخاص إثر مشاجرة بينهم وحيازة أسلحة نارية وتكدير أمن وسلامة المواطنين بدائرة قسم ثان شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية.
صدر الحكم برئاسة المستشار دكتور رضا أحمد عيد، وعضوية المستشارين مصطفى رشاد محمود مصطفى، وأحمد محمد سعفان، ومحمد حسنى الضبع، وأمانة السر عاصم طايل.
وتضمن أمر الإحالة الخاص بالقضية رقم 10563 لسنة 2024 جنايات قسم ثان شبرا الخيمة، والمقيدة برقم 1443 لسنة 2024 كلي جنوب بنها، أن المتهمين "البكري ف ح"، ونجله "مصطفى ا ف ح"، مقيمين شارع أبو طالب - عزبة رستم - قسم ثان شبرا الخيمة، لأنهم في يوم 16 / 4 / 2024 بدائرة قسم ثان شبرا الخيمة محافظة القليوبية، استعرضوا القوة ولوحوا بالعنف قبل المجني عليهم أحمد عبد الحليم عبد المنعم، وسليم محمود سليم، وعبد الله صالح أبو العلا، وأهالي المنطقة بأن توجهوا لمكان تواجدهم بقصد ترويعهم لفرض سطوتهم عليهم وكان من شأن ذلك إلقاء الرعب في أنفسهم وتكدير أمنهم وسكينتهم العامة وتعريض حياتهم للخطر، وكان ذلك حال إحرازهم لأسلحة نارية وذخيرة وأسلحة بيضاء أنفة البيان على النحو المبين بالأوراق.
وتابع أمر الإحالة، أنه قد وقعت بناء على تلك الجريمة الجنايات الآتية أنهم في ذات الزمان والمكان شرعوا في قتل المجني عليهم أحمد عبد الحليم عبد المنعم، وسليم محمود سليم، وعبد الله صالح أبو العلا، عمدًا مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتوا النية وعقدوا العزم على إزهاق أرواحهم علي إثر خلافات سابقة فيما بينهم وأعدوا لذلك الغرض أسلحة نارية وأسلحة بيضاء، وتربصوا بهم في المكان الذي أيقنوا سلفًا تواجدهم فيه فقاموا بالتعدي عليهم بالضرب باستخدام الأسلحة التي كانوا يحوزونها قاصدين من ذلك إزهاق أرواحهم فأحدثوا بهم الإصابات الموصوفة بالتقارير الطبية إلا أنه خاب أثر جريمتهم لسبب لا دخل لإرادتهم فيه ألا وهو مداركة المجني عليهم بالعلاج.
واستطرد أمر الإحالة، أن المتهمين حازا وأحرزا سلاح ناري فرد خرطوش وذخيرة مما تستخدم على السلاح الناري أنف البيان محل الاتهام السابق دون مسوغ قانونى علي النحو المبين بالأوراق، كما حازا وأحرزا سلاح أبيض كتر دون مسوغ قانوني أو من الضرورة المهنية أو الحرفية، كما أن المتهمين أطلقا أعيرة نارية داخل المدن والقرى.