هل دمر طوفان الأقصى الوهم الزائف بالسلام بين فلسطين وإسرائيل ؟
تاريخ النشر: 12th, December 2023 GMT
بقلم / دكتور حسن زيد بن عقيل
11 ديسمبر 2023
أعاد طوفان الأقصى القضية الفلسطينية إلى واجهة السياسة الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط . يعد طوفان الأقصى الحدث الأهم في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في العقود الأخيرة . قد أحدث تغييراً جذرياً في الخطاب الإسرائيلي والدولي فيما يتعلق بالقضايا الفلسطينية ، وفي 20 سبتمبر ، قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لمراسل قناة فوكس نيوز بريت باير إن التطبيع الإسرائيلي السعودي يسير على المسار الصحيح ، مضيفا أن ” القضية الفلسطينية مهمة جدا بالنسبة لنا ” ويجب حلها، مضيفا أنه يريد أن يرى إسرائيل ” لاعباً في الشرق الأوسط “.
سؤال صعب ومعقد الإجابة عليه الآن ، بعد صعود وسيطرة اليمين المتطرف على السلطة في تل أبيب. وتحت إشرافه، تزايد الألم اليومي الوحشي الذي يتعرض له الفلسطينيون ، فقد قُتل الآلاف من المدنيين العزل في غزة وأصيب كثيرون بجروح وبندوب نفسية ، و شرد مئات الآلاف من منازلهم . وعلى نحو مماثل ، قتل المستوطنون العديد من الفلسطينيين في الضفة الغربية واستولوا على أراضيهم وممتلكاتهم، وتم اعتقال عرب إسرائيليين وطردهم من عملهم. صحيح يصعب على بن سلمان الإجابة على سؤال مراسل فوكس نيوز . لأنه يطرح سؤالا آخر على الحكومات العربية والأميركية والإسرائيلية : كيف نسيتم الفلسطينيين ؟ كيف يمكنك أن تتجاهل غزة والضفة الغربية بهذه الوقاحة ؟ وشعر الفلسطينيون وكأن جميع الأطراف اختارت أن تغض الطرف عنهم. ونحن نرى أن المحادثات بين القادة العرب والأميركيين والإسرائيليين تركز فقط على التطبيع وكيفية تنفيذه. فماذا يستطيع هؤلاء المحتلون والمحاصرون أن يفعلوا ؟ لقد نسي الجميع أمر الفلسطينيين ، وربما جاءت الثورة الكبرى ، طوفان الأقصى ، في 7 أكتوبر، كرد فعل ، لتذكير إسرائيل والولايات المتحدة والعالم بأن فلسطين لا تزال مهمة . ومن الآن فصاعدا، وبعد أحداث 7 أكتوبر وتداعياتها ، أصبح من الواضح أن أي لقاء عربي إسرائيلي لا يمكن أن يغض الطرف عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني . أوقف طوفان الأقصى ماراثون التطبيع مع اسرائيل .
ومن إيجابيات طوفان الأقصى أنه لفت انتباه الزعماء العرب، وخاصة الخليجيين، إلى المعايير الزائفة والمزدوجة لأمريكا والغرب، من خلال موقفهم من قضيتين أساسيتين ومتشابهتين: أوكرانيا. – روسيا وإسرائيل – فلسطين. وهنا نرى موقف رئيس المخابرات السعودية الأسبق تركي الفيصل ، الذي انتقد هذه المعايير المزدوجة ، حيث قال بوضوح إن حرب غزة كشفت عن ” النفاق وازدواجية المعايير”. وتساءل أين هم الذين يدعون أنهم حراس ما يسمونه النظام الدولي القائم على القواعد. كما أصبح من الواضح أن البحرين تسير على حبل سياسي مشدود منذ اندلاع الحرب في غزة، حيث تحاول تهدئة الغضب الشعبي الناجم عن الصراع الذي أودى بحياة آلاف الفلسطينيين، مع الحفاظ على الاتفاق مع إسرائيل ليقربهم من الولايات المتحدة. وأيضا الإمارات وقطر، حيث كتبت وزيرة الدولة القطرية لشؤون التعاون الدولي لولوة الخاطرعلى موقع X (تويتر سابقا) وسألت الجمهور الأمريكي: ما هو شعورنا الآن بعد أن رأينا رد فعلكم على الإبادة الجماعية في غزة ؟ أين ذهبت إنسانيتكم ؟ مبادئكم ؟ حقوق المرأة ؟ كما أن التصريحات الصادرة عن سلطنة عمان ، سواء من المسؤولين أو من الشخصيات العامة، كلها غاضبة. ومن خلال كل هذه المواقف العربية التي ذكرناها والتي لم نذكرها للمطبعين وغير التطبيعين من الخليج ، هناك حقيقة واحدة مؤكدة ، وهي أن العودة إلى الوضع السابق قبل 7 أكتوبر غير مرجح ، دون أي تقدم ملموس في القضايا الفلسطينية.
لقد أثار طوفان الأقصى قلق عدد كبير من الناس في العديد من البلدان، وكشف الوجه الحقيقي لإسرائيل، الأشد ظلمة ووحشية، وكشف كذبة ” فكرة إسرائيل دولة متحضرة وديمقراطية “. أحدثت شراسة ووحشية الاحتلال الصهيوني تغييراً في الوعي الشعبي الأمريكي و الغربي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. تمارس هذه الشعوب ضغوطًا على السياسيين الأوروبيين الذين لم يكن ولاءهم مطلقًا لدولة إسرائيل فحسب ، بل ذهبوا إلى حد دعم آلة القتل النازية الصهيونية. كما دمر طوفان الأقصى أسطورة الجيش الذي لا يقهر. نعم، يعتبر الجيش الإسرائيلي آلة قتل فعالة للغاية ، لكنه أقل فعالية بكثير كقوة قتالية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالقتال البري . هناك أدلة كثيرة ، ليس فقط من قطاع غزة، بل من لبنان، وإلى حد ما من الضفة الغربية، حيث فشلت التوغلات الإسرائيلية المتكررة في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين المسلحة بشكل متواضع . ولهذا السبب يتساءل المحللون العسكريون: ماذا تفعل إسرائيل في غزة ؟ لقد تسببت في أكبر قدر ممكن من الموت والدمار من الجو. ولكن لا ينبغي لنا أن ننظر إلى هذا الدمار باعتباره مقدمة لغزو بري لغزة ، إنهم جبناء. وبالمثل ، لا يبدو أنها حملة عسكرية تحركها أهداف عسكرية. هل الأطفال والنساء والمرضى والمستشفيات ومراكز الاستقبال التابعة للأمم المتحدة أهداف عسكرية ؟ فهي بالتالي حملة لإنزال عقاب جماعي شديد بالمجتمع الفلسطيني برمته ( الهولوكوست ) لتحقيق هدف إسرائيل المتمثل في انتزاع ثمنا لا يقبل المنافسة مقابل طوفان الأقصى . أما الدعم الأميركي لتدمير قطاع غزة لا ينبع فقط من دعمها الاستراتيجي لإسرائيل، بل أيضاً من معرفتها بأن طوفان الأقصى كان أيضاً هجوماً على الهيمنة الأميركية في المنطقة.
الصورة الدموية والهمجية التي نراها في سلوك الإسرائيليين والأميركيين، يقول عنها نورمان ج. فينكلستين : أستاذ جامعي يهودي أميركي، كاتب وناشط سياسي إنه ” سفك الدماء الانتقامي الخالص ” للقيادة الإسرائيلية. يتذكر البروفيسور فينكلستين تمرد العبيد الذي قام به نات تورنر في فيرجينيا في أغسطس 1831 حيث قتل العبيد 60 من البيض ، وفي وقت لاحق انطلق السكان البيض في الجنوب الأمريكي في حالة من الهياج، فقتلوا بشكل عشوائي ما يقرب من 120 أمريكيًا من أصل أفريقي وحكموا على 80 آخرين بالإعدام. لقد حصل سفك الدماء في غزة رداً على الإذلال الذي تعرض له الجيش الإسرائيلي والمخابرات خلال طوفان الأقصى.
الاستنتاج :
الآن يصعب التنبؤ بالسياسة الإسرائيلية، ولكنني أراها كما يلي:
أولاً: يرى معظم الإسرائيليين حالياً أن نتنياهو مسؤول عن الفشل وغير مؤهل للقيادة ، ويعتقدون أن ائتلافه المتطرف يسبب المزيد من الضرر. ويبدو أن الإسرائيليين مستعدون لقيادة جديدة ، على الرغم من أنها لن تكون على الأرجح قيادة يسارية. وبحسب استطلاعات الرأي فإن المرشح لهذا المنصب هو رئيس الأركان السابق بيني غانتس ، ويقال إنه أكثر اعتدالا. بيني غانتس ليس من أنصار السلام، ومن المحتمل أن ينحاز في الغالب إلى الأحزاب اليمينية، لكنه شخص يمكنه استئناف المفاوضات وإحراز بعض التقدم العملي مع الفلسطينيين والمنطقة.
ثانياً: للأسف، أبدت دول المنطقة (باستثناء دول محور المقاومة) عزمها على الحفاظ على العلاقات مع إسرائيل، رغم انتقاداتها الشديدة لتصرفاتها في غزة.
ثالثا، أظهر استطلاع أجراه معهد ميتفيم وجامعة تل أبيب أن الإسرائيليين يميلون حاليا إلى وصف أنفسهم بأنهم يمينيون، ولا يثقون بالسلطة الفلسطينية أو المفاوضات معها، وهم أقل تأييدا لحل الدولتين. هذه صورة قاتمة، لكنها ليست مفاجئة: بعد حرب أكتوبر 1973، كانت الصورة قاتمة أيضًا، ولكن في النهاية حدث تغيير سياسي جذري، السلام (مع مصر). ومن الممكن أن تحدث تطورات في أعقاب طوفان الأقصى ، وربما بوتيرة أسرع . ومع ذلك، نعلم ان الكيان الإسرائيلي والأراضي الفلسطينية المحتلة تعتبران منذ فترة طويلة مناطق مضطربة . في هذا العام وحده ، اهتز الكيان الإسرائيلي والأراضي الفلسطينية المحتلة مرتين: أولا، خلال أشهر من المظاهرات الحاشدة ضد محاولات ائتلاف اليمين المتطرف الحاكم في الكيان الإسرائيلي و محاولته لإضعاف الديمقراطية وسيادة القانون . والثاني هو طوفان الأقصى العظيم ، الذي وضع القضية الفلسطينية في قلب السياسة الإقليمية والدولية. ويؤدي هذان الحدثان إلى قيام حكومة إسرائيلية فاشية بعد طوفان الأقصى، تقوم بتنفيذ تطهير عرقي رهيب في جميع أنحاء الأراضي المحتلة. من المرجح أن تتغير القيادة ، لكن لعبة الانتظار ستستمر حتى اندلاع أعمال العنف التالية. ومن المؤكد أن نتيجة العنف والعنف المتكرر ستؤدي إلى اندلاع حرب إقليمية. إننا نشهد اشتباكات يومية على طول الحدود اللبنانية والسورية مع إسرائيل، وهجمات عراقية ويمنية ضد المصالح الإسرائيلية الأميركية، وهذا يهز منطقة الشرق الأوسط برمتها. وإذا حدثت هذه الأحداث، فقد تكون إمدادات الطاقة محدودة وقد ترتفع الأسعار بشكل كبير في جميع أنحاء العالم. بالإضافة إلى أن الاحتجاجات الكبيرة المؤيدة للفلسطينيين حول العالم ، خلقت الخوف للولايات المتحدة وذراعها الكيان الإسرائيلي . فشل إسرائيل ـ وهذه نتيجة حتمية ـ سوف يشجع وينشط قوى المقاومة في المنطقة، بما في ذلك حماس . إنه يعني خلق تهديد وجودي لإسرائيل وتهديد للمصالح الأمريكية في جنوب غرب آسيا، فضلاً عن كونه تهديداً للصهيونية العنصرية في جميع أنحاء العالم . وهذا ما حذر منه بلينكن الحكومة الإسرائيلية : كلما طال أمد الحرب، زاد الضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل لإنهائها. ولذلك فإن خلق مبادرة سلام جديدة هو في مصلحة أمريكا وإسرائيل والدول العربية (المتواطئة معهم).
رابعاً: رغم صعوبة رؤية السلام وسط مستنقع الخوف والغضب السائد، إلا أن ذلك يمكن تحقيقه إذا كانت هناك رغبة حقيقية في إيجاد حل حقيقي لهذا الصراع في الولايات المتحدة وأوروبا والدول العربية. ونحن نعلم أنه في السنوات السابقة اقترحت مجموعة من الباحثين والصحفيين والناشطين الفلسطينيين والإسرائيليين خطة مشتركة لمستقبل عادل وقابل للتحقيق، تسمى ” الأرض للجميع ” . في المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط كأرض ذات شعبين. ولدت الفكرة من افتراض إنشاء دولتين متميزتين ضمن نظام كونفدرالي يضمن حرية الحركة الكاملة للجميع. وهذا من شأنه أن يسمح للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى وطنهم، في حين يمكن للمستوطنين اليهود البقاء تحت الحكم الفلسطيني. وستكون القدس عاصمة لكل من الدولتين و مجمع للمؤسسات الكونفدرالية ، لإدارة القضايا المشتركة، بما في ذلك الأمن والقضايا الرئيسية المتعلقة بحقوق المياه والسياسة الاقتصادية وما شابه ذلك. ولهذا السبب، تركت دول الخليج الباب مفتوحاً أمامها أو فرضت عليها باباً إلى إسرائيل، وهو الباب الذي يمكن أن يمنحها نفوذاً محتملاً إذا فعلوا ذلك و متى فعلوا ذلك .
كاتب و محلل سياسي يمني
المصدر: موقع حيروت الإخباري
إقرأ أيضاً:
معركة طوفان الأقصى.. كتابٌ يحمل رؤية تخرج من ضغط الحاضر لما وراء الأحداث
عبر 137 صفحة، يقدم الدكتور محسن صالح في كتاب “معركة طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.. تحليلات سياسية واستراتيجية” في عام 2024م إجابات عن كثير من الأسئلة المتعلقة بالمعركة والحرب المستمر على غزة بطريقة تحليلية معمقة ورؤية استراتيجية تخرج من ضغط الحاضر لرؤية ما وراء الأحداث.
ويرى الكتاب الصادر عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت، أن عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023م مثلت حدثًا استراتيجيًا غير مسبوق، وقفزة نوعية كبيرة في الصراع ضدّ الاحتلال الإسرائيلي.
ويخلص إلى أن هذه المعركة أسقطت نظرية الاحتلال الأمنية، وأثبتت مركزية الأقصى والقدس في الوجدان الفلسطيني والعربي والإسلامي وفشل تطويع الإنسان الفلسطيني، وكرَّست عملياً مشروع المقاومة، وأسقطت فرضية إمكانية إغلاق الملف الفلسطيني، وتركت أثراً عميقاً في المسار الفلسطيني.
تداعيات غير مسبوقة
ويعد أن للمعركة تداعيات غير مسبوقة فلسطينيًا وعربيًا وإسلاميًا وإسرائيليًا ودوليًا ما تزال متدحرجة ومتفاعلة حتى يومنا هذا، وفي المقابل، كان العدوان الإسرائيلي الذي تلاها هو الأشرس والأكثر وحشية وتدميراً في تاريخ الكيان، وما تزال غزة تعيش إبادة غير مسبوقة وحربًا تتوسع شيئًا فشيئًا.
ولقد واكب مركز الزيتونة العديد من جوانب هذه المعركة وتداعياتها، بما في ذلك المواقف الفلسطينية والعربية والإسرائيلية والدولية؛ وأصدر هذا الكتاب الذي ضمّ بين دفّتيه ثمانية وثلاثين عنوانًا لمواضيع تحليلية سياسية واستراتيجية للدكتور محسن محمد صالح، من تأليف وإعداد الدكتور محسن صالح؛ المدير العام لمركز الزيتونة للدراسات والاستشارات منذ العام 2004م، وهو أيضًا رئيس قسم التاريخ والحضارة في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا سابقًا.
وسلَّط الكاتب الضوء على الكثير من النقاط التي تشغل اهتمامات المتخصصين والمتابعين؛ بما يجعله كتابًا مرجعيًا فيما يتعلق بالفهم السليم والعميق للمعركة وتداعياتها فلسطينيًا وعربيًا وإسلاميًا وإسرائيليًا ودوليًا.
الدلالات الاستراتيجيّة لطوفان الأقصى
وبعد المقدمة الموجزة التي عبّرت عن أهميّة ما جرى في “طوفان الأقصى” وتأثيرات المعركة المستمرة يأتي العنوان الأول “الدلالات الاستراتيجيّة لطوفان الأقصى” الذي استعرض فيه المؤلف ستّ دلالات استراتيجيّة، وهي:
أولى الدلالات الاستراتيجية لعملية طوفان الأقصى هي سقوط نظرية الأمن الإسرائيلي القائمة على مبادئ الردع والإنذار المبكر والقدرة على الحسم؛ والتي أضيف إليها مبدأ رابع سنة 2015 هو مبدأ الدفاع.
والدلالة الاستراتيجية الثانية هي مركزية الأقصى والقدس في الوجدان الفلسطيني والعربي والإسلامي.
أما الدلالة الاستراتيجية الثالثة فهي التكريس العملي لمشروع المقاومة، بعدّه الأداة الفعالة الصحيحة لانتزاع حقوق الشعب الفلسطيني ودحر الاحتلال.
والدلالة الاستراتيجية الرابعة هي فشل المشروع الصهيوني في تطويع الإنسان الفلسطيني.
والدلالة الاستراتيجية الخامسة هي فشل “إسرائيل” في تقديم نفسها كشرطي للمنطقة.
والدلالة الاستراتيجية السادسة سقوط فرضية إمكانية إغلاق الملف الفلسطيني بينما تتم عملية التطبيع مع البلدان العربية والإسلامية.
فلسفة القوة واليوم التالي
ثم يأتي العنوان الثاني “طوفان الأقصى.. التعامل مع اليوم التالي للعملية” ويناقش كل من السلوك الإسرائيلي وسلوك المقاومة بعد السابع من أكتوبر ليصل إلى نتيجة مفادها “إن الاحتلال الإسرائيلي بقدر ما هو راغب في الانتقام وسحق المقاومة في غزة، بقدر ما يتملكه الرعب من الفشل. ولذلك، سيسعى بكل قوته لتحقيق انتصار أو “صورة انتصار”؛ ولكن احتمالات فشله ليست قليلة؛ وهو ما قد يعني أن 7 تشرين الأول/ أكتوبر سيسجل في التاريخ، سواء كإنجاز نوعي للمقاومة، أم كمحطة مهمة في مسار هزيمة “إسرائيل”، بحسب الكتاب.
ويأتي العنوان الثالث “جرائم الحرب في غزة.. هل تفلت “إسرائيل” مرة أخرى؟” ويناقش العنوان فلسفة القوة عند الاحتلال الإسرائيلي متحدثًا على سبيل المثال عن فلاديمير جابوتنسكي “فيلسوف العنف” في الأيديولوجية الصهيونية، والأب الروحي لمناحيم بيغن ولحزب الليكود الحاكم، الذي كان يقول إن “السياسة هي القوة”، وإن “ما لا يؤخذ بالقوة، يؤخذ بمزيد من القوة”، وإن المشروع الصهيوني يرتبط تقدمه بقوة سلاحه. وتبنى جابوتنسكي فكرة “الأنانية المقدسة” التي تعني حتمية التضحية بالآخرين، لإنجاز المشروع الصهيوني، بحسب الكتاب.
أما العنوان الرابع “المقاومة الفلسطينية.. وجدلية التسبب بضحايا مدنيين من شعبها!” فينطلق المؤلف لمناقشة الفكرة مستبقا استعراض تجارب التحرر في العالم من قوله: “ما أغلى قطرة الدم، وفي الفهم الإسلامي، فإن هدم الكعبة المشرفة حجرًا حجرًا أهون عند الله من إراقة دمِ امرئ مسلم. والشعب الفلسطيني شعب متفتحٌ محبٌّ للحياة، كما يحب أرضه ويعشقها، كما أن بنيته النفسية والاجتماعية مجبولة بالشرف والعزة والكرامة، ولكنه وُضع تحت الاحتلال وتحت اختيارات قاسية، ففُرض عليه التهجير، واغتصبت أرضه ومقدساته، وضوعفت معاناته، وسعى العدو لإذلاله ولإفقاده حريته وكرامته، فكان لا بدّ من الثورة؛ لأن الحياة تفقد معناها والإنسان يفقد إنسانيته بلا وطن ولا أرض ولا عزة ولا كرامة”.
ثم يأتي العنوان الخامس ليجيب عن سؤال “لماذا يجنح السياسيون الغربيون لتجاهل المجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين؟” مستعرضًا خمسة عوامل تدفع السياسيين الأمريكيين والغربيين، بدرجات متفاوتة، إلى تجاهل مجازر الاحتلال الإسرائيلي الفظيعة في حق الشعب الفلسطيني وتبرئته منها.
مشروع التحرير
أما العنوان السادس “استئناف مشروع التحرير.. وليس العودة لحظيرة التسوية” يتحدث فيه المؤلف عن أن أبرز المظاهر السياسية الغربية والإسرائيلية التي يُتابعها المراقب باشمئزاز من النقاش حول المشاريع والحلول المفترضة لمستقبل قطاع غزة في حالة التخلص من “حكم حماس”.
وبين أن العقل الغربي منشغلٌ في كيفية إعادة الفلسطينيين إلى “الحظيرة” وليس في كيفية تحريرهم منها، منشغلٌ في كيفية إطالة أمد معاناتهم، وتجاهل أبسط حقوقهم، وفي كيفية إطالة أمد الاحتلال والقهر، وفي شرعنته وتوسيعه وترسيخه، ويناقش المشروعات المطروحة ليخلص إلى أنّ الشعب الفلسطيني ومعه الأمة مصمّمون على تحرير فلسطين، وإن كل محاولات تطويعهم أو إخضاعهم أو وضعهم في “حظيرة التسوية” مصيرها إلى مزبلة التاريخ، على حد وصف الكتاب.
الموقف العربي
ثم يأتي العنوان السابع “الموقف العربي من العدوان على قطاع غزة.. حضيض جديد” يناقش فيه المؤلف تحول المقاومة من عبء على الأنظمة العربيّة إلى خصم لها مبينًا عوامل ذلك فيقول مثلًا: “في العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين، برزت ثلاثة عوامل ضغطت باتجاه التقهقر العربي والتراجع عن دعم المقاومة.
أوّلها: النزاعات والصراعات والاضطرابات الداخلية في ظل الموجات المضادة للربيع العربي، والانشغال بالهموم والملفات الداخلية.
وثانيها: أن الأنظمة العربية التي تابعت السيطرة، بعيدًا عن إدارة شعوبها، أصبحت أكثر ضعفًا في مواجهة الضغوط، وأكثر احتياجًا للدعم الخارجي الإقليمي والدولي، خصوصًا الأميركي والغربي. وهو ما سهَّل على الأميركيين – خصوصًا في عهد ترامب- الضغط باتجاه تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال، بحسب وصف الكاتب.
أمّا ثالثها، فهو أنَّ المقاومة الفلسطينية المسلحة تتشكل بنيتها الأساسية من حركتين إسلاميتين، هما: حماس والجهاد الإسلامي. فاجتمع عليهما معارضة الأنظمة لخط المقاومة وعداء هذه الأنظمة أيضًا للتيارات الإسلامية التي تصدَّرت الربيع العربي في بلدانها؛ وهو ما زاد من صعوبة العمل المقاوم، وعدم وجود بيئة إستراتيجية حاضنة في البلاد العربية. وتسبّب ذلك في أن تلجأ المقاومة لبناء علاقة قوية بإيران التي دعمت المقاومة ماليًا وعسكريًا، وهو ما زاد من توتير العلاقات مع عدد من الأنظمة العربية؛ وأصبحت تنظر للمقاومة من خلال علاقتها بإيران، وليس من خلال واجبها تجاه القدس والمقدسات وفلسطين، ومسؤولياتها القومية والإسلامية وأمنها القومي”.
ترتيبات نهاية الحرب
ويتحدث العنوان الثامن بتفصيل “من القسام إلى القسام” والعنوان التاسع يناقش باستفاضة “دلالات الهدنة وصفقة تبادل الأسرى بين حماس والكيان الإسرائيلي” ثمّ يأتي العنوان العاشر متحدثا عن “معايير حول ترتيبات اليوم التالي لانتهاء العدوان على قطاع غزة” ويضع فيه ستة معايير على النحو الآتي:
المعيار الأول هو أن الشعب الفلسطيني شعبٌ ناضجٌ، وقادرٌ على أن يُقرّر مستقبله بنفسه، ولا يجوز لأحد أن يضع الوصاية عليه أو يُقرّر بالنيابة عنه. ولا يمكن للمشاريع الدولية والإسرائيلية أن تُفرض عليه مهما كانت (وصاية دولية، قوات عربية إسلامية، حكومة رام الله بمعايير إسرائيلية، حكومة تكنوقراط محلية مَرضيٌ عنها إسرئيليا ودوليا..).
والمعيار الثاني هو أن أي اقتراحات لحلول يجب ألا تكون حلولا لمشاكل الصهاينة، الناتجة عن الاحتلال واغتصاب الأرض والمقدسات وقهر الشعب الفلسطيني؛ وإنما إنهاء للاحتلال وإنهاء لمعاناة الشعب الفلسطيني.
والمعيار الثالث هو أن أي حلول لمستقبل قطاع غزة (ولمستقبل القضية) ليست مرتبطة بمجرد تحسين حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال أو تحت الحصار.
وأما المعيار الرابع أن على القوى الكبرى أن تكفَّ عن توفير الغطاء لإسرائيل لتظل “دولة فوق القانون”.
والمعيار الخامس هو حق الشعب الفلسطيني الأصيل في أرضه ومقدساته، وبالتالي الوقوف في وجه محاولات تهجيره وتشريده، ومنع إيقاع نكبة جديدة به استجابة للغرور والعجرفة والوحشية الإسرائيلية.
والمعيار السادس هو أن الإجراءات المستعجلة المطلوبة تتلخص في: وقف العدوان، وفتح المعابر وفك الحصار عن قطاع غزة، ومنع التهجير، وإعادة إعمار قطاع غزة، والسعي لتدفيع الاحتلال أثمان جرائمه في قتل المدنيين، وأثمان تدميره للبيوت والمستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس والبنى التحية وغيرها.
والعنوان الحادي عشر “عالم بلا حماس” يتعامل مع فرضية التخلص من حماس بهدوء، وفي إطار موضوعي. مجيبا عن أسئلة أولئك الذين عبَّؤُوا العالم ووسائل الإعلام ضد حماس.
والعنوان الثاني عشر “مشروع تهجير فلسطينيي غزة على سيناء.. لماذا وما مصيره؟” يجيب عن الأسئلة المطروحة في هذه القضية؛ هل كان الاحتلال حقا جادا في ذلك؟! أم أنه كان نوعا من رفع سقف أهداف العدوان إلى أعلى مدى ممكن، ليحصل ما يمكن تحصيله بحسب الأداء الميداني للحرب؟ أم أنه عبّر عن حالة الهستيريا والجنون بعد الضربة القاصمة التي تلقاها في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حيث أراد من خلال هجومه الوحشي الشرس، مستفيدا من الغطاء الأمريكي الغربي، الوصول إلى أفضل حالة أمان ممكنة لمستوطنيه خصوصا في غلاف غزة، بحيث يتم تهجير أكبر عدد ممكن من أبناء القطاع، لتوفير شريط أمني عازل على طول خطوط التماس مع القطاع؟
أما العنوان الثالث عشر فيفصل القول في “الشعب الفلسطيني يصوت للمقاومة” والعنوان الرابع عشر يستعرض بالتحليل “استشهاد العاروري.. مزيد من الوقود لحماس والمقاومة” ويأتي العنوان الخامس عشر ليقدم فيه المؤلف “قراءة في المأزق الإسرائيلي في قطاع غزة” إذ يطرح فيه ثمانية من أبرز معالم المأزق الإسرائيلي في حربه على قطاع غزة، وأما العنوان السادس عشر فيتحدث عن “الصهيونيّة وإسرائيل.. واحتكار الضحيّة” وفي العنوان السابع عشر يقدم المؤلف إجابات عن “استهداف الأونروا.. لمصلحة من؟” والثامن عشر حول “التدافع السياسي قبل الهدنة في قطاع غزة”.
الأمة وغزة
أما العنوان التاسع عشر فيفصل الحديث عن “الأمة وغزة.. من الانفعال الموسمي على العمل المنهجي” وفيه يقول المؤلف: “إن أحد أبرز التحديات التي تواجه الأمة هي كيفية تحقيق حالة التفاعل المنهجي المستمرّ والمتصاعد، بما يتناسب مع عظمة التَّحدي بخطورة المعركة.
فقد اعتدنا منذ عشرات السنوات على التفاعل الآني مع الحدث، وبحسب مدى سخونته وخسائر إسرائيل والمجازر والشهداء والدمار تكون درجة التفاعل، وهو سرعان ما يخبو مع توقف الحدث أو اتخاذه نسقًا مستمرًا معتادًا “رتيبًا”. إذ تضعف تدريجيًا المظاهرات والفعاليات وحملات جمع التبرعات وحملات المقاطعة… إلى أن تتوقف.
وربما كان ذلك طبيعة بشرية، خصوصًا مع وجود أنظمة عربية وإسلامية فاسدة ومستبدّة، يهمّها صرف انتباه جماهيرها عن هكذا معارك وانتفاضات وأحداث؛ لأنّها تكشف وتفضح عورات هذه الأنظمة وضعفها وخذلانها وتقصيرها، وتكون عنصر تثوير للشعوب ضدّ أنظمتها العاجزة أو المتواطئة.
وفي المقابل، فإن إسرائيل وحلفائها يعملون بشكل منهجي متواصل، وضمن رؤية محددة تلقى دعمًا غربيًا عالميًا لإغلاق الملف الفلسطيني، وإفراغ انتصارات المقاومة ومنجزاتها من محتواها، وتشويه نماذج البطولة والتضحية، وتحميل المقاومة مسؤولية معاناة الشعب وظروف القهر والدمار تحت الاحتلال؛ مع المراهنة على ضعف ذاكرة الشعوب، والمراهنة على “منظومات التّفاهة” السائدة في عالمنا العربي والإسلامي”.
والعنوان العشرون فيتساءل عن “استقالة حكومة اشتية.. قفزة للوراء؟!” ثم يأتي العنوان الحادي والعشرون محللا “الرصيف الأمريكي في غزة والإنسانية المتوحشة” وأما العنوان الثاني والعشرون “فتح وحماس.. وسؤال الانفصال عن الواقع” فيناقش بيان حركة فتح الذي صدر في 15 مارس / آذار 2024، والذي وزَّعته وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا”، اتهامُ حركة حماس بأنّها “مفصولة عن الواقع”، بينما ينقش العنوان الثالث والعشرون “قرار مجلس الأمن وتزايد العزلة الإسرائيلية” أما العنوان الرابع والعشرون فيستعرض “ثلاثة عشر مؤشرًا على دخول الحرب الإسرائيليّة على غزة في الوقت الضائع” بينما يتناول العنوان الخامس والعشرون بالتحليل “الاحتلال الإسرائيلي وترتيبات اليوم السابق لانتهاء الحرب على غزة” والعنوان السادس والعشرون “الهجوم الإسرائيلي على رفح محكوم بالفشل” يتحدث عن تقييم للعملة الإسرائيلية المستمر في رفح.
نتنياهو والهروب إلى الأمام
أما العنوان السابع والعشرون فيتحدث عن “نتنياهو والهروب إلى الأمام” ليأتي العنوان الثامن والعشرون مجيبًا عن سؤال “لماذا استمرار التصلب العربي الرسمي تجاه حماس والمقاومة؟” ثم يناقش العنوان التاسع والعشرون “ظاهرة التكامل والتآكل ومستقبل الكيان الصهيوني” ليأتي العنوان الثلاثون “طوفان الأقصى وتعزيز المشروع الإسلامي لفلسطين” وفيه يقول المؤلف: “وإن الذين انتفضوا لصالح فلسطين من دولٍ وشعوب من شتى القوميات والأديان والاتجاهات، يعرفون المقاومة وطبيعتها، وقد لمسوا الجانب الإنساني الذي نجحت المقاومة في تقديمه، كما لمسوا الوجه الصهيوني البشع للاحتلال والعدوان. ونحن عندما نركز على المشترك الإنساني، فلا حاجة لإلغاء هويتنا، كما لا حاجة لتغيير الآخرين لهويتهم، ففي القيم الإنسانية الكبرى ما يكفي لجمعنا وتحشيدنا ضد المشروع الصهيوني، الذي يسير ضد الإنسان وضد حركة التاريخ، ويهدّد السلم والاستقرار العالمي”.
ثم يناقش العنوان الحادي والثلاثون “الاحتلال الإسرائيلي وحالة التخبط في الحرب على غزة، أما العنوان الثاني والثلاثون فيستعرض “ملتقى الحوار الوطني الفلسطيني.. فرصة متجددة للانطلاق” والعنوان الثالث والثلاثون “حماس ونزع العباءة الأيديولوجية” يناقش الدعوة المتكررة لحماس لـ”نزع العباءة الأيديولوجية” والتخلي عن طرحها الإسلامي، وأن تصبح حركة “تحرّر وطني”، لأنه بحسب ما يرى هؤلاء فإن “القيد الأيديولوجي” يُعيق حماس، ويُضيع عليها فرصة تحقيق إنجازات في البيئات السياسية العربية والدولية ذات الحساسية السلبية تجاه الإسلاميين. ثم إن نزع العباءة هذا يُسهّل على العديد من الأطراف التعامل المنفتح مع حماس، وبالتالي تسهيل المشاركة السياسية الفاعلة لحماس في الساحة الفلسطينية، والقيام بالدور والتأثير المطلوب.
ثم يأتي العنوان الرابع والثلاثون ليفصل القول في مسألة “مشاركة قوات عربيّة في إدارة قطاع غزة بعد الحرب” بينما يتناول العنوان الخامس والثلاثون بالتحليل “خطاب نتنياهو ومنظومات الاستكبار والتفاهة”.
وفي العنوان السادس والثلاثون يتحدث المؤلف عن “حماس إذ تودع هنيّة” ثم يتحدث بالتفصيل في العنوان السابع والثلاثين عن “حماس والتصعيد القيادي” ليختم الكتاب بالعنوان الثامن والثلاثين بتقديم إجابات عن سؤال “المفاوضات حول إنهاء الحرب على غزة.. إلى أين؟”
يذكر أن الكاتب محسن صالح شغل منصب المدير التنفيذي لمركز دراسات الشرق الأوسط بعمَّان سابقًا، وهو أستاذ مشارك في الدراسات الفلسطينية، ومُحرِّر التقدير الاستراتيجي الفلسطيني، الذي صدرت منه ثمانية مجلدات. وقد صدر له أكثر من خمسة عشر كتابًا، كما قام بتحرير أكثر من ستين كتابًا، معظمها في الشأن الفلسطيني.
اقرأ المزيد عبر المركز الفلسطيني للإعلام:
https://palinfo.com/news/2024/11/02/923262/