كل مَن هو شغوف بالفلسفة هو شخص مشغول بطبعه بالتساؤل عن معاني المواقف أو الأحداث ذات الدلالة العامة التي تصادفه في حياته، أكثر من انشغاله بأمور الحياة الجزئية التي تخصه وحده. وأظن أن هذا أمر مشترك في طبائع كل من تسودهم روح التفلسف والفن بوجه عام؛ ولهذا قال أرسطو: إن الفلسفة وليدة الدهشة.
غير أن الفلسفة ليست مجرد وجهات نظر كما يظن كثير من الناس، أعني أنه ليس كل رأي يمكن اعتباره رؤية فلسفية؛ لأن الرؤية الفلسفية لها سمات أساسية أهمها أنها رؤية كُليَّة، أي رؤية تتعلق بفهم المعاني والدلالات العامة التي تفسر لنا ظواهر الحياة والوجود.
إضافةً إلى ذلك، لا بد من التأكيد على أنه ليس هناك تطابق في الرؤى بين أي فيلسوف وآخر، وإنما هناك تأثيرات لكبار الفلاسفة في الفلاسفة التالين عليهم، وإلا ما كانت هناك فلسفة ولا تفلسف؛ لأن كل رؤية فلسفية أصيلة تضيف شيئًا جديدًا إلى الفكر الفلسفي، ولو كان ضئيلًا. كذلك فإن المشتغل بالفلسفة من أمثالي لا يمكن يتخذ فلسفة فيلسوف ما كحقيقة نهائية، ولكنه يمكن أن يميل إلى منهج أو توجه معرفي ما في الفلسفة. وأنا شخصيًّا قد تعلمت من كثير من الفلسفات التي انصهرت بداخلي، وشكلت رؤيتي للعالم والحياة التي أودعتها في بعض كتاباتي الأساسية. موضوع انشغالي الأساسي هو فهم ماهية الظواهر أو الخبرات الإنسانية كما تتجلى لنا في عالم الحياة أو العالم المعيش، وهذا التوجه هو روح الفينومينولوجيا أو فلسفة الظاهرات.
أما إذا تساءلنا عن دور الفلسفة في التأثير على النظم السياسية، فيمكننا القول بأن الفلسفة لا تؤثِّر تأثيرًا مباشرًا على سياسات الدولة، وليس هناك فيلسوف بعينه في عصرنا الراهن يمكن أن يكون له مثل هذا التأثير الذي كان موجودًا في عصر القدماء وفي العصر الحديث؛ رغم أن أفلاطون قديمًا كان يحلم- في كتابه «الجمهورية»- بأن يكون الحكم للفلاسفة. ومع ذلك، فإن ما نتمناه هو أن يكون للفلسفة دور أساسي في الثقافة العامة وفي التعليم الجامعي، بل في تعليم الطلبة في سائر مراحل التعليم من أدناها إلى أعلاها، بما في ذلك الكليات التي تدرس العلوم الطبيعية والرياضية؛ لأن افتقار الطلبة للتعليم الفلسفي يعني الافتقار إلى التعليم الذي يدعم الجانب الروحي والثقافي، ويدعم بناء ملكاتهم العقلية والنقدية، بل يدعم أصول العلوم التي يدرسها الطلبة. فليس من المعقول على سبيل المثال ألا يدرس طالب الهندسة ما يتعلق بجماليات فن العمارة وفلسفاتها عبر العصور، وليس من المعقول ألا يدرس طالب الطب فلسفة الأخلاق وتحديدًا أخلاقيات الطب والبيولوجيا باستفاضة، وهكذا. وبذلك يمكن أن يكون للفلسفة تأثير غير مباشر من خلال تغيير وتعميق الوعي الذي يمكن أن يغير بدوره عالم الناس.
ومع ذلك، فإنه بسبب وضعنا الراهن في العالم الإسلامي؛ فإننا نحتاج إلى تعميم تيار التأويل في الفكر، وبخاصة التأويل العقلاني لدى ابن رشد على سبيل المثال، وتيار التأويل الصوفي لدى ابن العربي وأمثاله؛ لأن هذا من شأنه القضاء على فيروسات العقل والروح التي يمكن أن تدخل في تكوين الشباب، والتي هي منبع الإرهاب والتطرف الديني.
أما بخصوص الفلسفة العربية إجمالًا، فلا بد أن نتعلم احترام هذه الفلسفة؛ لا بمعنى أن نجتر هذه الفلسفة وأن نردد كل تعاليمها وآراء أصحابها، وإنما ننظر إليها باعتبارها كانت وليدة حضارة أنتجت الكثير من المعارف والعلوم؛ وبالتالي فإننا يجب أن نعلم النشء والطلبة الظروف والشروط الحضارية التي أنتجت الإبداع الفلسفي والعلمي والأدبي. ابن رشد كان وليد حضارة استفادت من الحضارة اليونانية والرومانية السابقة عليها، وعملت على ترجمة إبداعاتها في سائر المجالات، وكان ابن رشد نفسه هو أحد الكبار الذين أسهموا في نقل الإبداعات الفكرية لهذه الحضارة وشرحها، خاصة إبداعات أرسطو الفكرية. ولكن زوال هذه الظروف والشروط الحضارية هي التي أفضت في النهاية إلى حرق كتب ابن رشد وقيام أبي حيان التوحيدي بحرق كتبه، وما شابه ذلك؛ بعد أن كانت مكافأة ترجمة الكتاب تساوي قيمة وزنه ذهبًا في عصر الخليفة المأمون، وكل هذا كان نذيرًا بأفول الحضارة العربية. هذا هو الدرس العملي الذي ينبغي أن يتعلمه الطلبة؛ فلا يهم أن يتعلم هؤلاء كل ما قاله ابن رشد على سبيل المثال، وإنما يكفي أن يتعلم الأفكار الأساسية التي قال بها، ولماذا تم وأدها، ولماذا أدى ذلك إلى أفول الحضارة العربية التي كان ينتمي إليها أسلافهم، وهكذا.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: على سبیل المثال ابن رشد یمکن أن أن یکون
إقرأ أيضاً:
كيف يمكن خفض الكوليسترول في الدم دون أدوية؟
يعد الكوليسترول، وهو نوع من الدهون، ضروريا لنمو الخلايا وإصلاحها، وإنتاج فيتامين د والهرمونات الستيرويدية مثل الإستروجين والتستوستيرون. ولكن عندما تكون مستوياته مرتفعة جدا يمكن أن تتراكم الرواسب الدهنية في الشرايين وهذا يؤدي إلى تضييقها وتصلبها.
وأحيانا لا تظهر أي أعراض على المرضى، ولكن تراكم الدهون سبب رئيسي للنوبات القلبية والسكتات الدماغية.
ويمكن للكوليسترول الضار أن يخترق بطانة الأوعية الدموية ويتراكم، والكوليسترول الضار هو البروتين الدهني منخفض الكثافة (low-density lipoprotein (LDL)).
ويحمل الكوليسترول الجيد، المعروف بالبروتين الدهني عالي الكثافة ((HDL) high-density lipoprotein)، الكوليتسرول الضار للكبد ويبعده عن مجرى الدم.
ويرتبط ارتفاع الكوليسترول في الغالب بنمط الحياة، ويمكن التغلب عليه من خلال تغييرات في النظام الغذائي ونمط الحياة من دون اللجوء للأدوية، فكيف السبيل إلى ذلك؟
تناول الدهون الصحية بدلا من الأطعمة قليلة الدسميتطلب خفض مستوى الكوليسترول في الدم تقليل تناول الدهون المشبعة مثل الزبدة، واللحوم المصنعة، والفطائر، والبسكويت.
ويقول الدكتور علي خافاندي، استشاري أمراض القلب التداخلية في مستشفى سوليس في المملكة المتحدة لصحيفة التلغراف البريطانية: "إذا كنت ترغب في تناول دهون صحية، فالتزم بالأطعمة ذات المكون الواحد مثل الأسماك الزيتية والمكسرات والبذور والزيتون والأفوكادو".
ويضيف "يعتقد الكثير من مرضاي أن الخيار الصحي هو شراء أي شيء يحمل كتب عليه "منخفض السعرات الحرارية" أو "قليل الدسم"، عادة ما تكون هذه الأطعمة فائقة المعالجة مع إضافة سكر. إنها منخفضة في الألياف المكافحة للكوليسترول، وتسبب ارتفاعا حادا في مستوى السكر في الدم، كما أن جميع المضافات والمستحلبات يمكن أن تسبب الالتهاب وتخل بتوازن بكتيريا الأمعاء، وهذا يساهم في النهاية بارتفاع مستوى الكوليسترول".
وجدت بعض الدراسات أن اتباع نظام غذائي غني بالطماطم يمكن أن يقلل من مستوى الكوليسترول الضار ويزيد من مستوى الكوليسترول الجيد، ربما لاحتوائها على الليكوبين، مضاد الأكسدة القوي الذي يمكن أن يرتبط بالكوليسترول الضار ويساعد في منع تأكسدها.
تناول الشوفان على الإفطاريحتوي الشوفان على نوع من الألياف القابلة للذوبان يسمى بيتا جلوكان، والذي يتحول تقريبا إلى هلام في المعدة ويرتبط بالكوليسترول، وهذا يحد من الكمية التي يمكن امتصاصها في مجرى الدم.
إعلان احصل على الستيرولات النباتيةالستيرولات النباتية والستانولات هي جزيئات تشبه الكوليسترول في الحجم والشكل، وعند تناولها تمنع امتصاص بعض الكوليسترول.
ويحتوي البروكلي والقرنبيط والأفوكادو على الستيرولات، بينما توجد الستانولات في الفول السوداني واللوز وبذور دوار الشمس.
استغنِ عن الزبدة بزيت الزيتون البكر الممتازثبت أن الدهون الأساسية في زيت الزيتون البكر الممتاز (الدهون الأحادية غير المشبعة) تخفض الكوليسترول الضار وتزيد من الكوليسترول الجيد.
كما أنه يحتوي على مضادات الأكسدة ومضادات الالتهاب التي تساعد على الحماية من تراكم الكوليسترول في الشرايين.