«مساء للموت».. حينما يكون المال سلاحا للبطش والسيطرة والقتل
تاريخ النشر: 12th, December 2023 GMT
عبدالله مرعي: نسير على مبدأ «إن تخلص للمسرح يعطك مسرحًا وإذا خنت المسرح سيخونك»
قدمت فرقة الرؤية المسرحية الأهلية مساء أمس العرض المسرحي «مساء للموت» على مسرح أوبار بصلالة ضمن العروض المسرحية لمهرجان ظفار المسرحي، لتكون آخر العروض المشاركة بالمهرجان، حيث شهد العرض حضورًا جماهيريًا قويًا.
العرض المسرحي «مساء للموت» من إخراج عدي الشنفري، وتأليف الكاتبة الإماراتية الدكتورة بسمة يونس، وبطولة الفنان عبدالله مرعي، ونهاد حداد، وعبدالله البحراني، ومحمد بيت سعيد، حيث تدور أحداث العرض حول الشيخ مبارك الذي يمتلك أموالًا كثيرةً تساعده في الطغيان والبطش بأهل قريته، ويريد الزواج من ابنة عمه مريم المتزوجة من صديقه غانم الذي يعمل في البحر، فيحاول أن يطلقها منه عن طريق إقناعه أن مريم تخونه، وبعد صراع يقتنع غانم، ويقتل مريم جزاء خيانتها، ولكن في النهاية يعرف أنها بريئة.
وعقب انتهاء العرض المسرحي أقيمت الندوة التطبيقية التي أدارها الكاتب المسرحي منذر بن خالد السعيدي بحضور المخرج عدي الشنفري، حيث قدم نبذة مختصرة عن مخرج العرض تناولت مسيرته الفنية، والأعمال التي قام بها سابقًا، ثم عقّب عن العرض المسرحي قائلا: استلهم عرض «مساء للموت» أحداثه من التراث الخليجي، وزينهُ بالفلكلور الشعبي، ففي «مساء للموت» شاهدنا كيف يُمكن لطوفان الشك والريبة أن يُخمد أصدق المشاعر وأنبلها حيث تدور الحكاية حول قصة الحب التي تجمع بين مريم وغانم، وقطب الشر، ومحور الضغينة مبارك الذي استكان لأطماعه وأهواء نفسه، والتحول المأساوي للروابط، وهشاشة العلاقات، وتخلخلها بين ليلة وضحاها، وساعة، وأخرى فمبارك بكثرة أمواله، وسلطته ظن أنه سيحصل على ما يسعى إليه ويتمناه، وهكذا سوّلت له نفسه أن يعترض على حب مريم لزوجها غانم، وإنكار حقيقة صدود مريم وجفائها ناحيته.
وما يلفت الانتباه المجموعة الموسيقية الشعرية المكونة من عدة شباب يبعثون الإشارات ويسردون الحكايات، ويرسمون المسار، ويستجلون الأفكار، وكأنهم يستنبطون ما ستأتي به الأقدار، والتحول الكبير في المسرحية بعدم تمكن مبارك من استمالة مريم، فأبوابها مقفلة موصدة، فاختار لكسر إرادتها مفتاح الوقيعة انتصارًا لأنانيته، وإشباعًا لنرجسيته، وانتهت المسرحية تراجيديًا بخداع مبارك لغانم وغرس الشكوك في قلبه ناحية مريم، وهكذا خنق غانم بيديه محبوبته حتى لفظت أنفاسها الأخيرة.
وعن العرض المسرحي قال بطل العرض الفنان عبدالله مرعي: بداية، أتمنى أن نكون وُفقنا في توصيل رسالة قيمة وفنية للجمهور من خلال العرض، فهذا النص أقنعت المخرج عدي الشنفري القيام به وتجاوزنا جميع الصعاب التي واجهتنا لتنفيذه فالعرض ثقيل، وبعد انتهاء العرض شعرت أنني أزحت ثقلًا كبيرًا عن كاهلي، بالإضافة إلى أننا لم نقدم هذا العرض سعيا لنيل جوائز؛ بل هدفنا من خلاله لأن نسير على مبدأ أن تخلص للمسرح يعطيك مسرحا، وإذا خنت المسرح سيخونك.
أما مخرج العرض عدي الشنفري فقال: سعيد بمشاركة الفرقة بمهرجان ظفار المسرحي الثاني علمًا أنها حديثة التأسيس، وعرض «مساء للموت» تم العمل عليه منذ فترة قصيرة وبفضل جميع أبطال العمل، وأعضاء الفرقة، عُرض اليوم بشكل جميل، ومرضٍ، وأتقدم بالشكر للفنان عبدالله مرعي، والفنانة نهاد الحديدية، وعبدالله البحراني، ومحمد بيت سعيد، وخالد الشنفري، وجميع فريق العمل على ما بذلوه من جهد خلال الفترة الماضية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: العرض المسرحی
إقرأ أيضاً:
الرؤيةُ والنصُّ المسرحي
آخر تحديث: 14 نونبر 2024 - 11:08 صعباس منعثر تُستقصى الرؤيةُ، المرتبطةُ غالباً بالذكاءِ واستبصارِ المستقبلِ، عبرَ ثلاثةِ مستويات: البعد الفيزيقي أو العين، المشاعر أو القلب، الأفكار أو العقل. وحينما يحضرُ مفهومُ الرؤيةِ تحضرُ معه حزمةٌ من المعاني المرافقةِ للبُعدِ الإدراكي بما يخترقُ الظواهرَ الخارجيةَ للوصولِ إلى نظرةٍ عالمية. باستكمالِ المشروعِ، سيُلقي مركزُ التدّفقِ الاشعاعيّ بالضوءِ والظلّ على جميعِ مفاصلِ النصِ ومرتسماتهِ الشكليةِ والمضمونية.وقبلَ مطالبةِ الرؤيةِ بأيةِ فضيلةٍ، على المؤلِّف المسرحيّ أن يُشكلّها بتؤدةٍ ويرسمَ الملامحَ التي يريدُ إيصالَها إلى القرّاء على مَهَل. بتؤدةٍ وعلى مَهَلٍ هما سِرّ الإتقان. لبلوغِ الهدفِ المنشود، يتسلّحُ الكاتبُ بالذخيرةِ والثقافةِ ونفاذِ البصيرةِ فتستوعبُ نصوصُهُ فضاءَ الفلسفةِ وثراءَ السياسةِ وعلومَ الإنسانِ والعلومَ الصِّرفة. بذلك، يُطلقُ الاسئلةَ الكبرى عن الحقيقةِ والوجود، عن الظلمِ والاضطهادِ وخبايا المجتمع، عن مواقعِ القوةِ وصراعِ السّلطةِ والعنف. لاحقاً، يجمعُ ركيزَتَهُ من هذه الحقولِ وغيرِها في كتلةٍ صلدةٍ يستطيعُ أن يدافعَ عنها بإقناع. في جميعِ الأحوال، لا مناصَ من الإدراكِ العميقِ للرؤيةِ، ثمّ تأتي الصياغةُ الجماليةُ في نصوصٍ أدبيةٍ مُحكمةٍ فيما بعد.
وبصفتِهِ فعلاً إنسانياً شائعاً، يدفعُ (الخوفُ من المجهولِ) القارئَ إلى البحثِ عن معاني النصِّ والأيديولوجيا التي يدعمُها، أو بعبارة أخرى: “ماذا يريدُ النصُّ أن يقول؟”. ورغمَ ما في هذا السّؤال من كسلٍ ورغبةٍ في الاختصارِ وبحثٍ عن الحكمة؛ إلا أنّهُ يحملُ أيضاً بعضَ الوجاهةِ الخاصةِ بالرّسالةِ الكبرى من الكتابة. هنا، لا يُنظرُ الى التفاصيلِ بقدرِ الاهتمامِ بالوضعِ البانورامي، وانطلاقاً منهُ يمكنُ الحديثُ عن الرؤيةِ العدميةِ أو التفاؤليةِ للكاتبِ بتجاوزٍ لتمثيلاتِ النصوصِ بشكلٍ منفصل.
وفي مَعرضِ مُلاحقةِ رؤيةِ الكاتب، ينبغي أنْ يكونَ هناكَ تمييزٌ قاطعٌ بينَها وبينَ منظورِ شخصياتِ العملِ الأدبيّ. فموقفُ إحدى الشَّخصيَّات ≠ موقفَ المؤلِّف؛ لأنَّ ما يَعرضُهُ المؤلِّفُ هو شريحةٌ بَشَريَّةٌ تنصهرُ فيها الظّنونُ والافتراضاتُ واليقينيات. علاوةً على ذلك، النصُّ المسرحيُّ برلمانٌ ديمقراطيّ، يتميَّزُ عن كلّ الفنونِ بأنَّهُ مجالٌ لِتراكُبِ الرؤى المُتَناحِرة، تمتلكُ فيهِ الشَّخصيَّةُ المسرحيَّةُ موشورَ الطيفِ بكاملِ وعيها ومسئوليتِها، وتُتاحُ لها فرصةُ استقطابِ الاهتمامِ بمنطلقاتِها الثقافيةِ الاستثنائية؛ بلا إِلْزامٍ من المؤلفِ على التفكيرِ حسبَ متطلباتِهِ الخاصة. لكن، ما يحدثُ مغايرٌ لذلك تماماً. مثلاً، تُجاهرُ الشَّخصيَّةُ أنَّها غيرُ مُقتنِعةٍ بفكرةِ الخَلقِ الإلهي. مُخطئاً، يَعتبرُ القارئُ ذلك مقولةَ مؤلِّف النَّصّ ويُدينُهُ بالإلحاد.
على نحوٍ مماثل، من المهمّ أن نُميّزَ بين عَرْضِ مسألةٍ للنقاشِ وبين وجهةِ النظرِ منها. الموضوع الجدلي ≠ الرؤية. فتناولُ الشُّذوذِ الجنسيّ، مثلاً، لا يستدعي بالضرورة الحكمَ بالشُّذوذِ على المؤلِّف أو وصمَهُ بتهمةِ الترويجِ له؛ لأنّ الممنوعاتِ العُرفيةَ هي مما يُنتجهُ المجتمعُ، ومن حقّ الكاتبِ أن يتناولَها كبقيةِ المواضيعِ من غيرِ أنْ يُصَنَّفَ سلبيّاً استناداً إلى حساسيةِ المحتوى. إنَّ الخلطَ غيرَ المنضبطِ بين قضايا الشأنِ العامّ وبين السرائرِ والنوايا أدَّى، عبرَ التاريخ، إلى تقليصِ حريةِ الكُتَّاب؛ بل إلى تَصفيتِهم جسدياً في كثيرٍ من الأحيان. وما توصلتْ إليهِ الانسانيةُ من نتيجةٍ بعد طولِ عناءٍ هو أنّ الإنسانَ (∉) إلى المواضيعِ التي يطرحُها ولا يُجرّمُ على ضوئها.
بالطبع، يستطيعُ المؤلفُ أن يُضَمِّنَ المسرحيَّةَ فلسفتَهُ الخاصة أو يَجعلَها متعلِّقةً بشَخصيَّةٍ ما، تكونُ صدىً لصوتِه؛ كما يُمكنُهُ أن يَعدَّ النَّصَّ المسرحيَّ ككلّ هو كلمتُه؛ ويستطيعُ أن لا يُظهِرَ شيئاً من ذلكَ كلِّه. هو حُرٌّ، ويدعمُهُ التبرير. ما هو غيرُ مبررٍ في أيّ ظرفٍ أن نخلطَ الثانوي بالأساسي، فكلمةُ الشَّخصيَّة مهما كان دورُها مركزياً تبقى أُحاديَّة؛ أمَّا الانطباعُ الأشملُ فرهينٌ بمجملِ النَّصّ لا بالرؤى الجُزئيَّةِ المتناثرةِ في ثناياه.
للكاتبِ الحريةُ الكاملةُ في تناولِ ما يشاءُ ومن الزاويةِ التي يشاء؛ لكن تسامحَ الضوابطِ لا ينبغي أن يفتحَ البابَ واسعاً للخفةِ والطيش. فنتيجةً لافتقادِ الفطنة، يتغيّرُ المنظورُ، عندَ بعضِ الكُتّابِ، عشوائياً مع تغيرِ النصوص، ولا تتساوقُ رؤية رقم1 مع رؤية رقم2 في النصّ الذي يليه. سيتعاملُ مع كلّ نصّ حينَها وكأنّهُ معزولٌ عن سابقاتِهِ، بدلاً من فكرةِ السلسلةِ الواحدة، ويكونُ للكاتب أكثرُ من رؤيةٍ تتضاربُ مع بعضِها في طائفةٍ من المفاصلِ المركزية. كمثالٍ على ذلك، يبدأُ المؤلفُ ماديَّ التفكير في نصّ؛ ثمّ ينتقلُ إلى الميتافيزيقيا المتطرفةِ في نصٍّ آخر؛ ليعودَ مجدداً إلى المادية في نصٍّ ثالث وأحياناً يبرزُ التناقضُ الفكري في النصّ نفسِه، من غيرِ درايةٍ بالأسبابِ أو الموجباتِ، الأمر الذي يوحي بفقدانِهِ للتبصّر.
الثباتُ ≠ التكلّس. فالدعوة إلى رسوخِ رؤيةِ المؤلّفِ وتمتعِها بالاستقرارِ في تناقضٍ تامٍ مع التجذرِ في فردوسِ الدوغمائية. ناتجُ التركيبةِ المحتمَل= منزلةً بين المنزلتين. فمع المرونةِ السيّالةِ للعقل، يبقى هناك قَدْرٌ من الدّوامِ يسمحُ بتحقيقِ الانتقالاتِ الفكريةِ ضمن إطارٍ معرفيّ مُشترَك. إنها مثالٌ للشّخصيةِ الإنسانيةِ التي تُحافظُ على هويتِها رغم مرورِ الفردِ بالرّضاعةِ والطّفولةِ والمراهقةِ والشّبابِ والرّجولةِ والكهولة. وكما تربطُ الذاتُ كلَّ هذه المراحلِ ببعضِها البعض وتنسبُها إلى شخصٍ واحد، تربطُ الرؤيةُ الحصيفةُ النصوصَ التي تبدو مستقلةً بخيطٍ مِنَ العِقدِ الفريد.
بالطبع، وضوحُ الرّؤيةِ نسبيّ ≠ تحميلَ النصِّ رسالةً دعائيةً، أيديولوجيةً أو دينيةً أو أخلاقيةً، مكشوفة. لكن، في المقابل، ما يتخذُهُ النصُّ من مواقفَ واضحةٍ ضروريٌّ جداً لشخصيتهِ الاعتبارية. وجودُ بؤرةٍ في أيّ نصٍّ توحّدُ مقولاتِهِ في مجرى واحدٍ يمنعُ تشتتَ الجمهورِ في بوليفونيةِ أو وفرةِ الأصواتِ في المسرح. هكذا، ننخرطُ في ترويضِ التبايناتِ والاختلافاتِ بوضوحٍ حَذِرٍ من الوقوع في مستنقعِ المباشرةِ والضّحالة.
بتعميمٍ مُخلّ، لا يعي أغلبُ الكتّابِ المسرحيينَ رؤيتَهم ولا يجعلونَها متواصلةً في نتاجِهم الأدبيّ من عملٍ إلى آخر. إنّهم يفتقرونَ إلى زرقاء اليمامةِ؛ مُثقلونَ بالقصورِ الذاتيّ، لا تكادُ أعينُهم تتجاوزُ مواضعَ أقدامِهم. ونتيجةَ نقصٍ حادٍ في مستوياتِ القراءةِ والنموِ المعرفي، تعاني النصوصُ من انحرافٍ مزمنٍ في الرّؤية بحيث تتركُ صاحبَها تائهاً يستجدي تضامنَ الجمهورِ بأيةِ وسيلةٍ ممكنة.مهما جرى، تظلُّ الرؤيةُ ركناً لا غنى عنهُ في الحياةِ وفي التدوينِ الأدبي. هي قاعدةُ البناءِ التي يُشكِكُ غيابُها في صمودِ الصّرحِ قيدِ الإنشاءِ، وكلُّ ارتخاءٍ أو هشاشةٍ فيها يكشفُ خللاً في وعي المصممِ وبراعةِ المهندسِ مما يتركُ البناءَ عرضةً للتصدّع.