فرنسا: لماذا رفضت الجمعية الوطنية مشروع قانون الهجرة وما الخيار الذي اعتمدته الحكومة بشأنه؟
تاريخ النشر: 12th, December 2023 GMT
إعداد: رنا الدياب | رومان بروني إعلان اقرأ المزيد
مني وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان بهزيمة قاسية بشأن مشروع قانون الهجرة المثير للجدل، إذ تمت الموافقة على مقترح لرفضه، تقدم به نواب من "أنصار حماية البيئة" الاثنين 11 ديسمبر/كانون الأول بأغلبية 270 صوتا مقابل 265 صوتًا، ما أوقف تمريره رغم أنه تم تبنيه في نوفمبر/ تشرين الثاني في مجلس الشيوخ.
وإثر ذلك، قدم دارمانان استقالته إلى الرئيس إيمانويل ماكرون الذي "رفضها"، حسب الإليزيه، متوقعا مقترحات من الحكومة لرفع "العوائق" و"التوصل إلى نص قانوني فعال". ودعت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن الوزراء المعنيين ورؤساء المجموعات البرلمانية للأغلبية مساء الاثنين لاجتماع أزمة. ودارمانان، الذي كان واثقا من النجاح في العثور على أغلبية برلمانية حول هذا النص، على الرغم من التحذيرات المتعددة من أحزاب اليسار، لم ينجح في نهاية المطاف في رهانه.
ويعد ملف الهجرة الملف الثاني من حيث الأهمية في البلاد بعد تعديل نظام التقاعد الذي فُرض بتطبيق المادة 49.3 من الدستور وأحدث موجة مظاهرات عارمة.
ما الخيارات المطروحة أمام الحكومة بعد هذه الانتكاسة الجديدة؟وتم دعم اقتراح الرفض، بالإضافة إلى النواب اليساريين، من النواب الجمهوريين وكذلك التجمع الوطني. وكان أمام الحكومة ثلاثة خيارات لتجاوز هذه المرحلة: السحب الكامل للنص، أو إحالته للقراءة الثانية إلى مجلس الشيوخ، أو انعقاد لجنة مشتركة. وقال دارمانان على قناة TF1 "من الواضح أنه فشل، لأنني أريد أن أعطي الشرطة والدرك والمحافظين والقضاة الوسائل لمكافحة الهجرة غير الشرعية".
وفي نهاية الأمر، اعتمدت الحكومة الخيار الثالث وهو إحالة النص إلى اللجنة المشتركة (CMP) "بأسرع وقت". وعادة ما تتكون هذه اللجنة من سبعة نواب وسبعة أعضاء من مجلس الشيوخ.
مارين لوبان
"Le gouvernement croit que la politique c'est du rodéo, il s'agit de rester sur le cheval, même si celui-ci essaye de vous éjecter", estime @MLP_officiel. "Aujourd'hui [la majorité] vient de se rendre compte qu'elle est véritablement une minorité". #PJLimmigration #DirectAN pic.twitter.com/G9Ap1ZZDPN
— LCP (@LCP) December 11, 2023على ماذا ينص هذا المشروع؟
هو القانون التاسع والعشرون الذي يخص الهجرة في البلاد منذ عام 1980، وبعض مواده تقلق المنظمات الحقوقية التي ترى أن فيه إجراءات "تقوض أكثر حقوق الأجانب". وهذه المواد الرئيسية هي التالية: اشتراط حيازة إقامة متعددة السنوات بالحصول على مستوى أدنى من التحدث باللغة الفرنسية. منح إقامة خاصة للعاملين في "مهن شاقة" كالعمل في المطاعم والبناء وقيادة وسائل النقل العامة وخدمة كبار السن وغيرها بشرط مضي ثمانية أشهر على العمل فيها والتواجد في البلاد لمدة ثلاث سنوات دون انقطاع، وتكون مدة الإقامة سنة مع عدم منح حق لم شمل عائلات العاملين. زيادة الغرامات بحق المشغلين لعمال لا يملكون أوراق إقامة. سحب الإقامة من الذين "لا يحترمون مبادئ الجمهورية" ويشكلون خطرا على النظام العام. إلغاء الاستفادة من المساعدة الصحية التي تقدمها الدولة للمهاجرين غير النظاميين وتحويلها إلى "مساعدة صحية طارئة". إلزام البلدان الأصلية للمهاجرين على استقبال رعاياها المطرودين من فرنسا. السماح لبعض العاملين القادمين من "بلدان تحت الخطر" بالعمل فور دراسة ملفاتهم، لكن لم يُكشف عن قوائم هذه الدول.
اقرأ أيضاريبورتاج – فرنسا: "لا يمكننا العلاج بدونها"..مهاجرون يتخوفون من حرمانهم من المساعدات الطبية
ما الاعتراضات بشأنه؟أرادت الحكومة إرضاء 72% من الفرنسيين الذين يرون أن تحسين إجراءات ضبط الهجرة أمر ضروري، وفقا لاستطلاع أجرته مؤسسة "أودوكسا" مؤخرا لصالح مجلس الشيوخ العام والصحافة الإقليمية. وحظي مقترح المشروع بتأييد اليمين أكثر من اليسار، لكنه لم يكن كافيا لإرضاء اليمين عموما واليمين المتطرف، الذين يريدان إلغاء المساعدات الطبية المقدمة من الدولة ولا يريدان مطلقا تسوية أوضاع العمال الذين لا يملكون أوراقا. في حين أن اليسار لا يمكنه تجاهل القيود المفروضة على الحصول على تصاريح الإقامة من أجل الرعاية الصحية أو تشديد لم شمل الأسر وكذلك النقاشات السنوية بشأن أعداد المهاجرين السنوية المقرر تسوية أوضاعهم.
والشيء المهم الآخر هو أن الماكرونيين منقسمون بشأن نص القانون، فالجناح اليساري من حزب النهضة الحكومي الذي ينتمي إليه الرئيس ماكرون وعلى رأسه النائب ساشا هوليه، رئيس لجنة القوانين، لم يتقبل كثيرا فكرة التنازلات التي قدمها دارمانان لمجلس الشيوخ ولا سيما فيما يتعلق بالمساعدة الطبية وتسوية أوضاع المهاجرين غير النظاميين وجرم الإقامة غير الشرعية الذي حذفته اللجنة.
وكان هوليه قد أعلن الأحد في صحيفة Les Échos أنه "لدينا خطوط حمراء"، و"من غير المسؤول تجاوز حمضنا النووي السياسي (...). واعتماد النص لا يمكن أن يتم على حساب انقسام الأغلبية".
أين يكمن الخلل حتى تم رفض مقترح القانون؟الخلل بداية يكمن في الاختلاف بين النص الذي صوت عليه مجلس الشيوخ والذي تم التوافق على رفضه الاثنين. وهذا يعود إلى الاختلاف في موازين القوى بين مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية. في هذه الأخيرة، الجناح اليساري للغالبية الرئاسية والنواب اليساريين (من الحزب الاشتراكي والخضر والشيوعي وفرنسا الأبية) ألغوا في الفترة من 27 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 2 ديسمبر/كانون الأول مجمل الإجراءات التي كان مجلس الشيوخ قد أدخلها. وهذا ما يفسر التباين في النصوص.
وكان أوليفييه مارليكس، رئيس كتلة الجمهوريين، قد قال بعد الرفض "نطلب من رئيس الجمهورية مراجعة النسخة التي تسلمها (...) والحكومة ملزمة بالعودة إلى نص مجلس الشيوخ المشدد".
أوليفييه مارليكس
"Cela n'a rien à voir avec M. Darmanin. C'est vraiment un choix politique", affirme @oliviermarleix. "Le gouvernement, s'il veut reprendre ce texte, est obligé de partir de la version durcie par le Sénat, et ça ça nous va très bien."#PJLimmigration #DirectAN pic.twitter.com/8XDo2kGKv6
— LCP (@LCP) December 11, 2023هذا الرفض يهز صورة دارمانان و"يقوض رأسماله السياسي"
يعزو برونو كوتريس، المختص في السياسة في مركز (CEVIPOF) المختص في الأبحاث والعلوم السياسية، الأمر إلى إنه "من الصعب للغاية التوصل إلى توافق بالآراء بشأن الهجرة، فهي نقطة خلاف رئيسية بين اليمين واليسار"، ويكشف هذا النوع من المواضيع "التناقضات في حزب الرئيس ماكرون". أما بالنسبة لدارمانان، الذي كان يأمل في تحقيق انتصار بتمرير القانون كما فعل قدوته الرئيس السابق ساركوزي في عهده، فإن رفض تمرير المشروع يعد فشلا سياسيا. وبما أن رئيسة الوزراء إليزابيت بورن هي التي طلبت منه الحصول على الأغلبية، فإنه يعلم أن رفض المشروع يكاد يكون أكثر ضرراً من اللجوء إلى المادة 49.3 من الدستور -التي تم اعتمادها سابقا في ملف تعديل قوانين التقاعد لاعتماد النص.
لكن هذا الرفض لقانون الهجرة في الجمعية الوطنية محرج قبل كل شيء للسلطة التنفيذية ككل، وخاصة لإليزابيت بورن، التي تخاطر، إذا كانت تنوي اعتماد هذا النص على الرغم من كل شيء، بالاضطرار إلى استخدام المادة 49.3 مرة أخرى خلال عام ونصف. وهذا كاف لإثارة مشاكل سياسية خطيرة، وخاصة بعد استخدامه المثير للجدال في الربيع بشأن تعديل نظام التقاعد.
المصدر: فرانس24
كلمات دلالية: الحرب بين حماس وإسرائيل قمة المناخ 28 الحرب في أوكرانيا ريبورتاج مشروع قانون الهجرة البرلمان الفرنسي قانون الهجرة غير الشرعية عمال الحرب بين حماس وإسرائيل غزة حماس إسرائيل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني الجزائر مصر المغرب السعودية تونس العراق الأردن لبنان تركيا مجلس الشیوخ
إقرأ أيضاً:
التعاون ومواجهة الهجرة.. أجندة ماكرون في زيارته الأفريقية
توجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى منطقة المحيط الهندي الأفريقية، حيث زار عددا من الأقاليم الفرنسية مثل مايوت ولا ريونيون، بالإضافة إلى مدغشقر، قبل أن يُعلن إلغاء زيارته إلى موريشيوس لحضور جنازة البابا فرنسيس.
الهجرة غير النظامية من أفريقيابدأ ماكرون زيارته إلى مايوت، الأرض الفرنسية في جزر القمر، حيث أشرف على إطلاق عملية أمنية تحت اسم "الجدار الحديدي" لمكافحة الهجرة غير النظامية.
تُعد مايوت من الأقاليم الفرنسية الأكثر تأثرا بتدفقات المهاجرين غير القانونيين، الذين في غالبيتهم يأتون من الدول الأفريقية المجاورة.
بناء على ذلك، اتخذت الحكومة الفرنسية إجراءات مشددة للتصدي لهذه القضية. وصرح ماكرون بأن فرنسا لن تتسامح مع تدفق المهاجرين غير القانونيين، مشددا على أن عملية "الجدار الحديدي" تهدف إلى حماية سيادة الدولة الفرنسية على أراضيها.
كما دعا إلى تعزيز التعاون مع الدول الأفريقية لمكافحة هذه الظاهرة، مؤكدا أن هذه المشكلة ليست مقتصرة على فرنسا وحدها، بل هي قضية إقليمية تتطلب استجابة جماعية.
تعزيز مكانة فرنساكذلك توجه ماكرون بعد ذلك إلى جزيرة لا ريونيون، الإقليم الفرنسي في أقصى شرق أفريقيا على المحيط الهندي، حيث ركز على تعزيز مكانة فرنسا في المنطقة في مواجهة الطموحات الإقليمية المتزايدة من قبل بعض الدول الكبرى.
إعلانوأكد في خطابه أن فرنسا لن تسمح لأي قوى إقليمية أو دولية بالتعدي على مصالحها في هذه المنطقة الإستراتيجية التي تضم العديد من البلدان الأفريقية على ضفاف المحيط الهندي.
زيارة مدغشقرواصل ماكرون جولته في مدغشقر، التي تُعد واحدة من أبرز الدول الأفريقية في منطقة المحيط الهندي.
ومن المقرر أن يلتقي رئيس مدغشقر لمناقشة سبل تعزيز التعاون بين البلدين في مجالات الأمن، والتجارة، وحماية البيئة.
كما يُنتظر أن يؤكد التزام باريس بتقديم الدعم الكامل لحكومة مدغشقر في مواجهة التحديات البيئية الناجمة عن تغير المناخ، إضافة إلى تعزيز الأمن البحري في المحيط الهندي.
وقد أوضح الرئيس الفرنسي طموحه في تعزيز النفوذ الفرنسي في المحيط الهندي كجزء من إستراتيجية بلاده المستمرة في منطقتي المحيط الهندي والهادي.
كما يرى ماكرون أن المحيط الهندي يمثل سوقا رئيسيا لفرنسا يجب ألا يُغفل.
إلغاء زيارة موريشيوسوكان من المفترض أن يزور ماكرون موريشيوس يوم الجمعة في ختام جولته الأفريقية، لكنه ألغاها لحضور جنازة البابا فرنسيس في الفاتيكان.
ومع ذلك، من المتوقع أن يلتقي رئيس وزراء موريشيوس في قمة لجنة المحيط الهندي التي ستُعقد في مدغشقر يومي الأربعاء والخميس.
ويرى مراقبون أن جولة ماكرون في المحيط الهندي لم تكن مجرد زيارة دبلوماسية تقليدية، بل كانت فرصة لإعادة تأكيد دور فرنسا في منطقة حيوية تشهد تنافسا دوليا متزايدا على النفوذ.
من مايوت إلى مدغشقر، مرورا بلا ريونيون، سعى الرئيس الفرنسي إلى إرسال رسائل قوية بشأن التزام بلاده بحماية مصالحها، وتعزيز التعاون مع حلفائها الإقليميين، وعلى رأسهم الدول الأفريقية.