لجريدة عمان:
2024-11-03@14:44:55 GMT

«ليلة ذي دوران»

تاريخ النشر: 12th, December 2023 GMT

«ليلة ذي دوران»

تبدو كتب السيرة، سواء أكانت ذاتية أم غيرية، كأنها تنطلق، أو على الأقل تتماشى مع التقليد السقراطي المتمثل في «اعرف نفسك»؛ لأنها تسمح للكاتب بالعودة إلى أصوله وإعادة اكتشاف طفولته ومحاولة فهم الصدمات التي تَعَرض لها في حياته؛ بمعنى آخر، تتيح له أن يعرف نفسه بشكل أفضل. قبل قرون أوضح الفيلسوف الفرنسي مونتين أنه كتب «المقالات» لغرض «محلي وخاص» بينما وجد الكاتب ستاندال أن أعمال السيرة الذاتية تتوافق مع نهجه الأناني.

قبل فترة، قرأت العديد من السِيّر، الذاتية أو الغيرية وبعضها إعادة قراءة. لكن في ذلك كله، لا أعرف ما الذي شدّني إلى ذلك، بمعنى لم أفهم الرغبة الداخلية التي أخذتني إلى هناك. كانت القائمة طويلة إلى حدّ ما، منها بالعربية مثل: «الخبز الحافي» لمحمد شكري و«أوراق شخصية» للطيفة الزيات، و«السيرة الطائرة» لإبراهيم نصر الله، و«رحلة جبلية، رحلة صعبة» لفدوى طوقان و«الجمر والرماد» لهشام شرابي، و«وقفة قبل المنحدر» لعلاء الديب، و«رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر» لعبدالوهاب المسيري وغيرها، ومنها بالفرنسية: «الحجاب الأسود» (1991) لآني دوبيري (التي تعود فيها إلى الحقبة التي سبقت موت والديها بحادث) وشارل جولييت (1995) «أشلاء» (الذي يبحث من خلالها عن والدته التي لم يعرفها مطلقا). ويمكن أيضا للاستبطان بعد ذلك أن يأخذ بُعدًا تحليليًّا نفسيًّا، كما هي الحال مع ميشيل ليريس في «عصر الإنسان» (1939)، التي كتبها بالتوازي مع تحليله النفسي. سارتر، من جانبه، يسترجع طفولته ليزيل الغموض عنها بشكل أفضل ويفهم أصول تجربته.

لا ترتبط كتابة السيرة الذاتية بالضرورة بصدمة نفسية، ولكن يمكن أيضا أن تكون مدفوعة بالرغبة في إعادة اكتشاف الجنّة المفقودة، جنّة الطفولة. يصف روسو في اعترافاته (1770) السعادة المرتبطة بالبراءة في سنواته الأولى، مثلما كتب في الوقت عينه للآخرين، أي كتب «مرافعة» ضد الاتهامات (غير العادلة) التي وجهت إليه. يمكن أيضا أن يكتب المرء من أجل أن يترك أثرا وراءه و«يتحدى الموت» وكأنه عبر مذكراته وسيرته يريد أن يشيّد نصبا تذكاريا من وراء القبر ينقله إلى الأبد. أو على الأقل أن يترك «شهادة» ما عن عصره وحقبته.

يمكن لنا أن نتحدث مطولا عن «أهداف» كتابة السيرة؛ لكن ماذا لو طرحنا سؤالا معاكسا: هل كل السيّر تكشف غموض الكائن؟ ألا تفضل بعض الحيوات أن تحتفظ ببعض أسرارها، أو ربما نجدها تواريها إلى الأبد، من دون أن يرشح عنها أي تفصيل من التفاصيل. لو تمعنّا جيدا في هذا الأمر، لوجدنا أنه لا يشكل سوى دليل فعليّ على غناها -غنى هذه الحياة- وعلى تعقيدات تشعباتها.

لا تملك الحياة أبطالا حقيقيين من دون هذا الغموض «القليل»، من دون هذه «الثقوب السوداء» التي تلفها. فهذه السمة العامة لا تشذ عنها حياة الكُتّاب بل ربما كانت أحد مكوناتها. فأسطورة أرتور رامبو مثلًا لم تكن كما هي عليه اليوم، لولا، ربما، تلك اللايقينيات «البيوغرافية» التي فتحت أمامنا أجنحة المتخيّل. كيف كانت فعلا نشاطات ذلك «الرجل العابر بنعال من ريح»، الحقيقية، في هرر، وكيف كانت غرامياته وبقية أحداث يومه؟ هل استمر في الكتابة أم توقف فعلا؟ هذه الأسئلة التي بقيت حتى اليوم بلا أجوبة محدّدة، صرف عليها العديد من الكتّاب أفكارهم ونظرياتهم. فهم لم يأتوا أبدًا بأشياء ملموسة، بل زادوا الغموض غموضا أو جعلوه أكثر سحرا، لدرجة أن الواحد منّا يتساءل عمّا إذا كان وجود كاتب ما، مهما؛ لأنه يخفي أشياء أكثر ممّا يبوح بها... بالتأكيد، نجد أن كتّاب السير الذاتية، هم أول المشتبهين بذلك. ألم يزيدوا في ضياعنا، في توجيهنا إلى أمكنة أخرى؟

في أحد كتبه الجميلة (والذي يحمل عنوان «جان جاك روسو» -1907)، حاول الكاتب والناقد الأدبي الفرنسي جول لوميتر أن يبرهن أن الاتهامات التي اعتبرت أن روسو قد وضع أولاده في ميتم، هي اتهامات باطلة. في واقع الأمر، وبحسب لوميتر، فإن التقارير الطبيّة التي وضعها الطبيب السويسري ترونشان، الذي أشرف على علاج روسو، أظهرت أن هذا الأخير لم يبح بتلك الاعترافات إلا ليخفي واقعا أقسى: عجزه الجنسي وعدم قدرته على التناسل (ممّا شكل في ما بعد مصدرا للنميمة قام بها زميله الفيلسوف والكاتب الفرنسي الآخر فولتير).

أما شاتوبريان، ومن جانب آخر، فلم يفعل شيئا في مذكراته سوى محو حياته العاطفية المضطربة؛ فمن المؤكد أن هذا «الأبيقوري» ذا «المخيلة الكاثوليكية» (مثلما يوصف) قد عاشر بولين دوبومون وجولييت ريكامييه، بيد أنه غيّب بعناية أثر كلّ عشيقاته اللواتي «جرجرهن» وراءه. فهذه الحياة العاطفية، تمتلك سحرا أكبر حين تكون في السرّ. البعض يفشيه، والبعض الآخر يخفيه جيدا. من يعرف حقيقة العلاقات التي ربطت مثلا بين غوته وبيتينا فون أرنيم؟ ومن يعرف اسم تلك الفتاة، التي وجدت صورتها العارية، بين أوراق الكاتب الفرنسي بول ليوتو، بعد وفاته؟ لقد بحث الجميع عن تلك المرأة ذات الشعر الطويل الذي كان يخفي وجهها ولم يعثروا عليها.

ثمة جزء أيضا من الشعر العربي -الذي يمكن قراءته كسيرة فعلية وحقيقية- قد يأخذنا إلى هذا المنحى. وربما تكون الأسئلة التي نطرحها عن الشعر الجاهلي، من تلك الأمثلة البارزة. هل أن ما كتبه امرؤ القيس عن علاقته بابنة عمّه، فاطمة، هي فعلا مثلما تخبرنا بها المعلقة وربما كل المعلقات تملك هذا الجزء من غموضها- أم أنه كان يرغب في تحويل نظرنا عن أشياء أخرى؟ لا بدّ أن السؤال مشروع هنا، مثلما تساءل الأخطل الصغير في القرن العشرين حول عمر بن أبي ربيعة، حين قال في قصيدته «عُمر ونُعم»:

«ليلة ذي دوران، هل كانت كما

حدثت، أم أخيلة وصُورُ

ونُعمُ هل كانت كما صَوَّرتَ، أم

بالغ في تلوينها المصوِّرُ»...

ثمة أسئلة دائمة تأخذنا إلى هذه المناطق من الغموض. وما البحث فيها إلا إضافة غموض فوق غموض. لكن، في العمق... أي أهمية لذلك كلّه؟ فما من حياة، حتى تلك الأشفّ، تبوح بجميع أسرارها. فأيّ شيء أجمل من حياة تنتهي على سرّ، وبخاصة إذا كان هذا السر حبًّا كبيرًا... هل لأن القراءة هي سرنا الأكبر؟

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

مدينة صينية تمنح مكافأة نقدية للأزواج إذا كانت العروس أصغر من 35 عاما

#سواليف

أفادت صحيفة Penpai #الصينية بأن حكومة مدينة #لويليانغ في مقاطعة شانشي بشمال البلاد قررت منح 1.5 ألف يوان (حوالي 210 دولارات) لكل عروس لا يزيد عمرها عن 35 عاما، لتشجيع فرص الحمل

وهذا القرار مرتبط بانخفاض عدد حالات #الزواج ومعدل المواليد، ففي عام 2005 سجلت لويليانغ متوسط ​​13.61 ولادة لكل ألف نسمة، ليتراجع المؤشر إلى 6.6 ولادة فقط بحلول عام 2023.

وقالت الصحيفة: “اعتبارا من 1 يناير 2025، سيحصل كل عروسان في مدينة لويليانغ، ويتزوجان لأول مرة، على مكافأة قدرها 1.5 ألف يوان” على ألا يزيد عمر العروس عن 35 عاما.

مقالات ذات صلة تفسير علمي لمشاكل القلب لدى مرضى “كوفيد طويل الأمد” 2024/11/02

وأضافت الصحيفة أن المبلغ سيدفع للعائلات الشابة إذا كان لدى أحد المتزوجين حديثا على الأقل تصريح إقامة في لويليانغ.

وأوضحت إدارة المدينة أنه تم فرض الحد الأقصى للسن وهو 35 عاما، حتى يكون لدى الأسرة الشابة متسعا من الوقت لإنجاب الأطفال. وفي هذه الحالة، ستتلقى العائلة معونة إضافية قدرها ألفا يوان (نحو 280 دولارا) مقابل الطفل الأول، و5 آلاف يوان (نحو 700 دولار) للطفل الثاني، و8 آلاف يوان (1125 دولارا) للطفل الثالث.
إقرأ المزيد
مقاطعة صينية تقدم
مقاطعة صينية تقدم “مكافأة نقدية” للأزواج إذا كان عمر العروس أقل من 25 عاما

وسبق أن اتخذت مدينتان صينيتان على الأقل إجراءات مماثلة، حيث بلغ حجم المساعدة المالية للزوجين ألف يوان (حوالي 140 دولارا).

وتواجه الصين حاليا تحديات ديموغرافية خطيرة، بما فيها الخلل بين الإناث والذكور وشيخوخة السكان. وكان أحد الأسباب يتمثل في سياسة “عائلة واحدة، طفل واحد” التي تم اعتمادها في الصين في أواخر السبعينيات، والتي بموجبها كان يسمح للعائلات في المدن بإنجاب طفل واحد فقط، وفي القرى طفلين إذا كان الطفل الأول أنثى.

ووفقا لتعداد السكان في الصين للعام 2020، فإن عدد الرجال يفوق عدد النساء بـ 34.9 مليون نسمة. وسجل انخفاض معدلات الزواج في البلاد رقما قياسيا في عام 2022 وهو نحو 6.8 مليون حالة زواج، في أدنى مؤشر منذ 37 عاما.

مقالات مشابهة

  • مدينة صينية تمنح مكافأة نقدية للأزواج إذا كانت العروس أصغر من 35 عاما
  • كيف كانت السينما في زمن وحيد حامد؟ (تقرير)
  • ثلاثة أشخاص ينهون حياتهم ببغداد تزامناً مع ليلة طوارئ ماطرة
  • تقرير: إسرائيل كانت على وشك اعتقال السنوار 5 مرات قبل استشهاده
  • هوكشتاين يعيش حلم ليلة صيف في زمن التشرينين
  • نوستالجيا.. كيف كانت السينما في زمن يوسف شاهين؟
  • 5 مشتبه بهم في قضية وفاة فتاة في تعز: هل كانت جريمة عمد أم حادث مأساوي؟
  • مشجعة إتحادية تدعم فريقها في ليلة زفافها … فيديو
  • ليلة مبهرة.. عمرو دياب يتألق في حفل مهرجان الجونة "صور"
  • ليلة صعبة في النبطية.. هذه آخر المستجدات هناك