أحمد النومي يكتب: خنق اسرائيل
تاريخ النشر: 12th, December 2023 GMT
حرب الممرات أحد إفرازات حرب غزة بعد أن هددت جماعة الحوثيين بضرب السفن المتجهة لإسرائيل طالما لم تدخل المساعدات الإنسانية للقطاع بالقدر الكافى ، ولم تقتصر هجمات الحوثيين على استهداف السفن التي تملكها أو تشغلها شركات إسرائيلية، وانما التهديد يشمل جميع السفن المارة في البحر الأحمر ومن أي جنسية ومتجهة إلى إسرائيل.
ضرب إسرائيل ملاحيا وخنقها تجاريا هو الكابوس المخيف الذي يخشاه قادة إسرائيل ،فقد تجرعوا مرارته علقما" ابان حرب اكتوبر، حينما تم اغلاق مضيق باب" المندب ، أحد أكثر الممرات البحرية اهمية في العالم، فنحو 10% من حجم التجارة البحرية الدولية تمر فيه سنوياً من خلال مرور نحو 21 ألف سفينة،كما تمر عبره 6 ملايين برميل من النفط يومياً،ما يوازي خُمس الاستهلاك العالمي من النفط.
التقديرات تشير إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي سيتكبد خسائر فادحة جراء هذا القرار الحوثي ، لاسيما وان اسرائيل تعتمد بنسبة كبيرة فى تجارتها الخارجية على البحر الأحمر وباب المندب وقناة السويس ،خصوصا مع دول آسيوية مثل الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية بقيمة 50 مليار دولار، وحسب التقديرات فإن خسائر إسرائيل من استهداف السفن حتى الآن تجاوزت 3 مليارات دولار، بينما من المرجح أن يتضاعف الرقم إلى أكثر من 6.5 مليارات دولار نتيجة القرار الجديد للحوثيين .
اسرائيل لا تملك رفاهية اختيار بدائل لهذا الخنق التجارى ،فحركة الشحن الجوية مقيدة في ظل استمرار الحرب في غزه ، وهو ما يعني ارتفاع التكاليف بشكل أكبر، وهو ما سينعكس سلباً على تجارة إسرائيل الخارجية، كما ان إسرائيل تواجه صعوبة بالغة في إقناع شركات الطيران العالمية باستئناف رحلاتها إلى تل ابيب، حيث تتمسك الشركات بالحصول على ضمانات من الحكومة الإسرائيلية للتعويض عن أي أضرار قد تتعرض لها.
الخسائر الإسرائيلية لن تقتصر على التجارة الخارجية بل ستطال المواطن الإسرائيلي، فاسعار السلع ستصعد إلى مستويات قياسية بسبب ارتفاع تكاليف تغيير السفن مساراتها من البحر الأحمر إلى طريق رأس الرجاء الصالح، فضلا عن ارتفاع تكاليف التأمين على البضائع نتيجة ارتفاع تكاليف نقل السلع لإسرائيل بعد الزيادة الطارئة في تكاليف تأمينها، كما أن هناك خسائر تقدر بملايين الدولارات نتيجة تردد شركات عاملة في مجال الشحن التجاري ورفض البعض الآخر التعامل التجاري مع إسرائيل، خشية استهداف سفنهم في البحر الأحمر.
اسرائيل لا تنزف دما فقط بقتل العديد من جنودها بل تنزف إقتصاديا، وبخلاف خسائر قطاع التجارة الخارجية هناك خسائر اخرى، فقد تجاوزت "فاتورة" الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، سقف التقديرات الأولية لها؛ لتصل إلى 191 مليار شيكل، وذلك بعد أن كانت التقديرات الأولية لها لا تتعدى 163 مليار شيكل ،وطلبت وزارة المالية الاسرائيلية من الكنيست، تعزيز موازنة الحرب على بنحو 26 مليار شيكل بصورة عاجلة ، فى حين بلغ تقديرات حجم عجز الموازنة العامة الاسرائيلية على هذا النحو، نسبة 3.7 % من الناتج المحلى الكلى لإسرائيل بنهاية العام الجاري، بعد أن كانت التقديرات الأولية قبل انطلاق العمليات العسكرية الإسرائيلية فى قطاع غزة؛ لتلك النسبة لا تتعدى 1.1 % بنهاية العام الجارى، وتتوقع وزارة المالية الاسرائيلية عجزا قيمته 12 مليار شيكل فى إيرادات الدولة السيادية من الضرائب بنهاية العام الجاري، بعد أن كان التقدير الأولى لهذا العجز يقف عن حدود 10 مليارات شيكل، فضلا عن ترك ما لا يقل عن 750 ألف إسرائيلى لوظائفهم نتيجة الانضمام لقوات الجيش وهى خسارة اخرى للاقتصاد الاسرائيلى باعتبارهم ايد عاملة ودافعى ضرائب فى ذات الوقت و يشكلون نسبة 18 % من قوة العمل فى إسرائيل،بخلاف خسائر قطاع السياحة نتيجة لقرارات الحكومة الإسرائيلية تسكين المستوطنين اللذين تم إجلاؤهم من مستوطنات غلاف غزة ومستوطنات شمال اسرائيل و البالغ عددهم 18 الف مستوطن إلى الفنادق مقابل مدفوعات نقديه تدفعها الدولة تصل إلى 410 شيكلات، مقابل إقامة كل بالغ من المستوطنين، يتم اجلاؤه وتسكينه فى الفنادق الآمنة وتدفع الحكومة أيضا 205 شيكلات لغير البالغين، وشغل الغرف التى كانت تخصص لأفواج السياح الغربيين فى فترة الكريسماس وأعياد الميلاد ومواسم الحج المسيحى إلى المناطق المقدسة فى إسرائيل.
ويتوقع بنك إسرائيل المركزى أنه فى حالة استمرار الحرب على غزة حتى نهاية العام القادم (2024)، فسوف يتراجع معدل نمو الاقتصاد الإسرائيلى إلى نسبة 2 % فقط بنهاية العام الجارى وإلى نسبة 6ر1 % بنهاية العام القادم.
تهديد الحوثيين ينذر بصراع اشمل فى البحر الأحمر ويضع التجارة العالمية امام مخاطر جمة، ولعل تصريحات المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية باتريك رايدر، بان واشنطن تجري مباحثات من أجل تأسيس "قوة مهام بحرية" دولية تتشكل من 38 دولة ضد هجمات الحوثيين، ترجمة للمخاطر المقبلة ،كما أن احتجاز الحوثيين الشهر الماضي سفينة "جالاكسي ليدر" الإسرائيلية، واستهداف ثلاثة سفن تجارية بعدها، وإجبار العديد من السفن على تغيير مساراتها، تشير إلى تزايد حجم التهديدات، الامر الذي يضع الولايات المتحدة وحلفائها ودول أخرى في المنطقة فى مرمى النيران إزاء التهديدات التي تمس الملاحةهناك ،فالصراع في البحر الاحمر ينذر بمواجهة ساخنة بين ايران الداعمة للحوثيين وامريكا حليفة اسرائيل فى حال تدخل الولايات المتحدة بفرض سيطرتها بالقوة فى البحر الأحمر وضرب مواقع للحوثيين.
الحرب المجنونة فى غزة ستحرق اطراف إقليمية ودولية مالم تتوقف، وتهديد الحوثيين يمثل نقلة نوعية في الصراع، والتجارة الدولية مهددة بشكل كبير، وارتفاع تكاليف الشحن والتامين التجارى ستكوى الجميع، الامر الذي سينعكس على الاسواق المحلية،فهل من رشيد يطفئ النيران المشتعلة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: ارتفاع تکالیف البحر الأحمر بنهایة العام ملیار شیکل بعد أن
إقرأ أيضاً:
معهد أمريكي: كيف تحول الحوثيين من ظاهرة محلية إلى مشكلة عالمية؟ (ترجمة خاصة)
سلط معهد أمريكي الضوء على المخاطر المترتبة على إهمال منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي غير المستقرة في ظل الهجمات المتصاعدة التي تشنها جماعة الحوثي على سفن الشحن الدولية على مدى أكثر من عام.
وقال معهد الشرق الأوسط الأمريكي (MEI) في تحليل ترجمه للعربية "الموقع بوست" إن أزمة وجود الحوثيين في اليمن الذي أحدث حالة من عدم الاستقرار بمنطقة البحر الأحمر والقرن الافريقي خلال أكثر من عام، تتطلب نهجاً استشرافياً لحل مشكلة اليمن من قبل المجتمع الدولي.
ونقل المعهد عن الباحثة ميريت ف. مبروك قولها إن هجمات الحوثيين على الشحن في البحر الأحمر، والتي شلت أحد أكثر الطرق البحرية أهمية في العالم، هي مثال واضح على كيف يمكن لقضية محلية ظاهريًا أن تتحول بسرعة إلى مشكلة عالمية.
وأضافت أن إلقاء نظرة سريعة على الاضطرابات الحالية في البحر الأحمر والقرن الأفريقي قد يدفع المراقبين إلى الاعتقاد بأن المنطقة تغرق فجأة في حالة من الاضطراب.
وأضافت أن الحوثيين في اليمن هم في مركز هذا عدم الاستقرار، حيث كانت الميليشيا المدعومة من إيران تهاجم الشحن على طول أحد أكثر الطرق البحرية أهمية في العالم، احتجاجًا على الهجوم الإسرائيلي على غزة.
وترى أن الصراعات في السودان والصومال وإثيوبيا ــ التي تمر جميعها بمراحل انتقالية هشة من مختلف الأنواع ــ تنتشر إلى ما هو أبعد من حدودها، مما يخلق مجموعة جريئة من الجهات الفاعلة القادرة على تحدي المصالح الغربية وتشكيل تهديد مباشر لها. وتتلقى هذه الجهات الفاعلة الدعم من جهات خارجية. ولكن هذه التطورات لم تحدث فجأة.
وذكرت أنه خلال فترة ولاية الرئيس المنتخب دونالد ترامب السابقة، أصبحت دول الشرق الأوسط، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر وتركيا، متورطة بشكل متزايد في منطقة القرن الأفريقي. مع أراضيها الصالحة للزراعة وموانئها بالإضافة إلى موقعها الحاسم كحلقة وصل بين البحر الأحمر والمحيط الهندي والهادئ والبحر الأبيض المتوسط، كانت المنطقة دائمًا مهمة للغاية بالنسبة لدول الخليج".
غياب الدور الأمريكي
وقالت "بعد عدة سنوات، أصبح الوضع أكثر تعقيدًا. فقد تفككت عملية الانتقال في السودان إلى حرب أهلية مدمرة أسفرت عن مقتل أكثر من 60 ألف شخص وتسببت في أكبر أزمة نزوح في العالم".
وأثار الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال لاستئجار ميناء مقابل اعتراف إثيوبيا بالجمهورية الانفصالية غضب الصومال، التي اقتربت من مصر وإريتريا، مما زاد من إثارة القدر الذي كان يهدد بالفعل بالغليان، حسب الباحثة.
وأوضحت أن الولايات المتحدة ظلت ثابتة في غيابها. لم تعط إدارة بايدن الأولوية للأزمات في منطقة القرن الأفريقي على وجه الخصوص بأي طريقة ذات مغزى؛ وفي حين أنه من السابق لأوانه استخلاص أي رؤى واقعية حول كيفية تعامل إدارة ترامب مع الأمر، فمن غير المرجح أن تكون أكثر انخراطًا. سيكون هذا خطأ.
وأفادت الباحثة ميريت ف. مبروك إننا بحاجة إلى استراتيجية دبلوماسية تضمن عدم تحول بلدان المنطقة إلى مجرد كرات قدم سياسية للقوى الخارجية المتنافسة.
وقالت "لابد أن تركز المساعدات الأميركية على النمو الشامل والحكم الشرعي لدعم نقاط الضعف المتمثلة في الفقر والصراع؛ ولابد من التأكيد على الصلة المباشرة بين المنطقة والتجارة والأمن العالميين. ولا شك أن الاهتمام الدولي بالبحر الأحمر والقرن الأفريقي ليس بالقليل، وإذا لم تتخذ الولايات المتحدة خطوات لضمان مصالحها الأساسية هناك، فإنها تخاطر بالتشرد".
طموح حوثي لتأكيد نفسه كقوة إقليمية
بدروها الباحثة اليمنية غير المقيمة ندوى الدوسري، قالت إن الحوثيين أظهروا باستمرار قدرتهم على استخدام المفاوضات كآلية للمماطلة والعنف كوسيلة لانتزاع التنازلات من الحكومة اليمنية والسعوديين والمجتمع الدولي. وقد سمح هذا النمط، الذي كان واضحا منذ بداية الحرب، للمجموعة بتأمين مزايا تكتيكية.
ونقل المعهد عن الدوسري قولها "كما تم تقويض خريطة الطريق التي أعلنتها الأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2023 من خلال تصرفات الحوثيين، بما في ذلك الهجمات غير المسبوقة على الشحن في البحر الأحمر وإسرائيل. وقد أدت هذه الأفعال إلى ضربات انتقامية من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإسرائيل، مما زاد من تعقيد الصراع".
وترى أن هجمات الحوثيين، التي وصفت بأنها جزء من "معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس"، تهدف ظاهريا إلى الضغط على إسرائيل بشأن حرب غزة. في الواقع، إنها تعكس طموحات الحوثيين لتأكيد أنفسهم كقوة إقليمية".
وأضافت "داخليا، أسسوا نظاما استبداديا ثيوقراطيا يتميز بالقمع والتلقين المنهجي. وفي إطار تكثيف عمليات التجنيد، أعلن الحوثيون أنهم جندوا 370 ألف مقاتل جديد، وفي صيف عام 2024 وحده، تخرج 1.1 مليون طفل من معسكرات التدريب الإيديولوجية الخاصة بهم. وهذا يؤكد التزامهم بعسكرة المجتمع.
وتابعت الدوسري "خارجيًا، يبرز الحوثيون باعتبارهم الوكيل الإقليمي الأكثر قدرة لإيران، وخاصة في ضوء انهيار نظام الأسد في سوريا والضعف الشديد لحزب الله في لبنان. وتمكنهم قدراتهم العسكرية المتنامية، بما في ذلك الأسلحة المتقدمة التي تزودهم بها إيران، من تهديد الشحن الدولي. كما أنهم يعملون على إنشاء "محور التعطيل" الخاص بهم، وتشكيل تحالفات مع جماعات إرهابية مثل القاعدة في شبه الجزيرة العربية، والشباب في الصومال، وتنظيم الدولة الإسلامية".
وأشارت إلى أن التعاون الناشئ مع روسيا، بما في ذلك تجنيد المقاتلين لأوكرانيا ودعم الهجمات في البحر الأحمر، يسلط الضوء بشكل أكبر على اتصالاتهم العالمية المتوسعة. وهذا لا يضع الحوثيين في موقف التهديد المحلي فحسب، بل وأيضًا كقوة مزعزعة للاستقرار في جميع أنحاء المنطقة الأوسع، مما يقوض المصالح الغربية ويصدر نموذجهم الثوري.
تضيف الدوسري بالقول "لقد شجع عمى المجتمع الدولي عن هذه الحقائق الحوثيين منذ عام 2014 ويستمر في ذلك اليوم، مما يسمح لهم بإعادة تشكيل المشهد الإقليمي بما يتماشى مع طموحاتهم الإيديولوجية".
وللتعامل مع تعقيدات الصراع في اليمن، قالت الدوسري "يتعين على المجتمع الدولي، والآن إدارة ترامب القادمة، أن يتعلموا من أخطاء الماضي. لقد كان صعود الحوثيين إلى السلطة مدفوعًا باستراتيجيات قصيرة الأجل وتفاعلية فشلت في معالجة طموحات الجماعة الأوسع. تقدم هذه اللحظة فرصة للولايات المتحدة لتبني نهج استراتيجي تقدمي يعطي الأولوية للحلول طويلة الأجل على إدارة الأزمات".