هل يقوم «تيك توك» بغسل أدمغة الأطفال بشأن غزة؟
تاريخ النشر: 12th, December 2023 GMT
في مقطع فيديو شهير من مسلسل عائلة سمبسون، يسأل المدير (سكينر) نفسه: «هل أنا منفصل عن الواقع؟» فيجيب بحزم «لا، المشكلة في الأطفال، هم الذين يخطئون.» عندما يبدي الشباب آراءهم، ويشككون في الأمور التي نؤمن بها نحن الكبار فإنّ أسهل شيء يمكننا فعله هو أن نتجاهل وجهات نظرهم، ويصبح أمر التجاهل أسهل عندما يعبر الشباب عن هذه الآراء على منصات التواصل الاجتماعي، إذ يتم رفض تصديق هذه المنصات باعتبارها مكانا غير شرعي يبث معلومات مضللة.
فقد دعت (نيكي هيلي)، المرشحة الرئاسية عن الحزب الجمهوري، إلى حظر تطبيق (تيك توك) تماما، عندما قالت في مناظرة انتخابية الأسبوع الماضي إنه «مقابل كل 30 دقيقة يقضيها شخص ما في مشاهدة (تيك توك)، يصبح كل يوم أكثر معاداة للسامية بنسبة 17٪، وأكثر تأييدا لحماس». وفي الشهر الماضي، قال عضو جمهوري في الكونجرس إن (تيك توك) ما هو إلا «مخدر رقمي»، يقوم بغسل أدمغة الشباب الأميركيين ضد بلادهم وحلفائها، وفي صحيفة التلغراف، قيل لنا إن التطبيق يشكل تهديدًا حقيقيا.
ردت إدارة (تيك توك) على هذه الادعاءات بالقول إن الخوارزميات هي من يتحكم بالمحتوى، وإن التطبيق لا «ينحاز إلى طرف دون آخر» ولكنه ببساطة يقوم بمراجعة الموضوعات التي يبحث عنها المستخدم، وبناء عليها يظهر للمستخدم مزيدا من نفس المحتوى الذي يبحث عنه ويتفاعل معه. ومع بدء سيطرة أخبار إسرائيل وفلسطين وغزة على المشهد العالمي، بدأ المستخدمون بطبيعة الحال في البحث عن المزيد من المحتوى المتعلق بهذا الموضوع، مما أدى إلى ظهور موجة كاملة من مقاطع الفيديو. بعض هذا المحتوى جيد، مثل تفاصيل خريطة غزة، وبعضه ضعيف المصدر ومجرد دعاية من كلا الجانبين، والبعض يدعم طرفا دون آخر. وضمن هذه التفاعلات، هناك آليات دقيقة، مثل تصنيف الدعم حسب موقع المستخدم وعمره. ومع ذلك، تظهر الصورة العامة توجها أكبر بكثير للمحتوى الداعم لفلسطين، فعدد المشاهدات المرتبطة بالهاشتاغات المؤيدة لفلسطين يفوق بشكل كبير عدد تلك المؤيدة لإسرائيل.
إن رفض تطبيق (تيك توك) واتهامه بأنه «غسيل دماغ» لا يعني شطب آراء الملايين من الشباب فحسب، بل أيضا تجاهل وسائل التواصل الاجتماعي بالكامل التي هي ليست رجسا من عمل الشيطان، بل هي طريقة جديدة لتلقي الأخبار والمعلومات. إنّ (تيك توك) هو التطبيق الأكثر تنزيلًا من قبل الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا، والطريقة التي يستخدمون بها التطبيق للتنقل في حياتهم اليومية تعني أنه لم يعد مخصصًا لمقاطع فيديو الرقص فحسب، بل أصبح تدريجيا محرك بحث يلجأ إليه المستخدمون بدلًا من خرائط جوجل. لقد تطور تطبيق (إنستغرام) بالطريقة نفسها، وهذا ما أكده (برابهاكار راغافان)، نائب أول لرئيس شركة جوجل، في اعتراف بانتهاك هذه التطبيقات لمجال شركة جوجل، إنه وفقًا لدراسات جوجل الخاصة، فإن «ما يقرب من 40٪ من الشباب، عندما يبحثون عن مكان لتناول طعام الغداء، فإنهم لا يستعملون خرائط جوجل أو بحث جوجل، بل يذهبون إلى (تيك توك) أو (إنستغرام)».
إن تجاهل هذه الوسائل يفترض أيضًا أن جميع المعلومات الموجودة على (تيك توك) هي معلومات سيئة، موضوعة لهدف ضار، ويمكن التلاعب بها بشكل كبير. والحقيقة هي أن التقارير الإخبارية حول غزة من وسائل الإعلام الرئيسية يتم قصها ونشرها بشكل متكرر على تطبيق تيك توك، مما يوسع نافذة أهميتها وتلقيها. خلال الأيام القليلة الماضية، كان المقطع الأكثر مشاهدة على حساب (تيك توك) التابع لشبكة (سي إن إن)، والذي يتابعه أكثر من 3 ملايين شخص، هو استضافة أحد مذيعي الأخبار (جيك تابر) لكبير مستشاري بنيامين نتنياهو (مارك ريجيف)، لتحميله تبعات مقتل عائلة أحد منتجي قناة (سي إن إن) في غزة جراء الغارات الجوية الإسرائيلية. وعلى حساب (تيك توك) التابع لصحيفة (ذَ غارديان)، كان الفيديو الأكثر مشاهدة خلال الأسابيع الستة الماضية، مع أكثر من 7 ملايين مشاهدة، لمتظاهر يقاطع وزير الخارجية الأمريكي (أنتوني بلينكن)، ويدعو إلى وقف إطلاق النار.
وكما هو الحال مع معظم حالات الذعر الأخلاقي، فإنّ أمورا كثيرة ليست بجديدة. إن وسائل التواصل الاجتماعي معرضة للتلاعب، ولكن الشباب الأصغر سنا ينجذبون دائما إلى الصراعات التي يمكن أن تشكل رمزا لهم، وغالبا ما تكون ردة فعلهم ضد المصالح الحكومية المهيمنة، وعكس قناعات الأجيال الأكبر سنا منهم. والجديد هو أن هناك ببساطة المزيد من هؤلاء الشباب يوجدون في المكان نفسه، مئات الملايين منهم، مع إمكانية الوصول إلى أشخاص آخرين من بلدان مختلفة، حيث يمكنهم تزويد بعضهم البعض بالمعلومات والتفاعلات التي قد يكون من المستحيل الوصول إليها في أي مساحة واقعية، وملء فراغ لا يمكن ملؤه من خلال وسائل الإعلام الرئيسية، والتي، على أي حال، لا يعدها الكثير من هؤلاء الأشخاص مصدرا لمعلوماتهم.
والجديد أيضًا هو ما يبدو وكأنه إغلاق نافذة عن عصر كامل من إدارة الرأي العام في السياسة الخارجية بشكل عام، وفي الشرق الأوسط بشكل خاص. بالنسبة لشخص يبلغ من العمر 18 عاما اليوم، يعتبر الحادي عشر من سبتمبر حدثا تاريخيا عابرا، مجردا تماما من خطاب «صراع الحضارات» الأخلاقي والأيديولوجي الذي هيمن على العالم بعد وقوعه. إن تجارب هؤلاء الشباب الأخيرة فيما يتعلق بالسياسة الداخلية لكل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، تظهر تقلبات سياسية كبيرة، وقادة غير مستقرين، وجائحة كشفت العجز والفساد في الطبقة السياسية، ففي الولايات المتحدة، التاريخ الحديث (وربما حتى المستقبل القريب) هو تاريخ (دونالد ترامب) ومخالفاته القانونية والشخصية العديدة، وأول انتخابات يكون الأكبر سنًا مؤهلًا للترشح فيها، وبلغت ذروة هذه التجارب باقتحام مبنى الكابيتول بتشجيع من الرئيس المنتهية ولايته. في المملكة المتحدة، تلك التجارب تتعلق بسياسة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والتي أدت إلى سلسلة سريعة متتابعة من رؤساء الوزراء، وآخرهم ،آسف، أقصد الذي قبل الأخير، ذلك الذي يركب حافلة الحزب، بينما كان الشعب في حالة إغلاق صعب، بالإضافة إلى تعطل الحياة المدرسية والجامعية بطرقٍ لم ندرك أسبابها بالكامل بعد.
يمكنك أن تختلف مع الآراء السياسية للشباب وتشكك في كيفية تشكيل هذه الآراء على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن رفض النظر في الطريقة التي قام بها العالم غير المتصل بالإنترنت، الذي يبدو ظاهريًا أنه واقعي، بطرد هؤلاء الشباب بعيدًا، هو أن تكون مثل المدير (سكينر) الذي تساءل أيضا: «هل رأسي مدفون في الرمال؟»، فأجاب: «لا، لقد أصبح العالم مظلما».
نسرين مالك كاتبة عمود في الجارديان.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التواصل الاجتماعی تیک توک
إقرأ أيضاً:
مشروع Taara من جوجل.. ثورة في الإنترنت عبر أشعة الضوء
تخيل مستقبلًا تُنقل فيه إشارات الإنترنت بسرعات فائقة عبر أشعة الضوء بدلًا من الكابلات التقليدية.
تسعى شركة جوجل لتحقيق هذا الحلم من خلال مشروعها السري "Taara"، الذي يجري تطويره داخل مختبر الأبحاث والتطوير "X" التابع لها.
وفقًا لـ ماهش كريشناسوامي المدير العام للمشروع، فقد خضعت شريحة Taara للاختبار على مدار 7 سنوات، ونجحت في تقديم خدمة إنترنت بسرعات مماثلة للألياف الضوئية، مما يفتح الباب أمام توصيل الإنترنت إلى المناطق النائية التي يصعب أو يكلف إيصال الكابلات إليها.
تقنية متطورة.. إنترنت بسرعة الضوءفي إعلانها الأخير، كشفت جوجل عن الجيل الجديد من شريحة Taara، والذي يتميز بتقليل التعقيد والتكلفة مقارنة بالإصدار الأول، المعروف بـ Taara Lightbridge.
اعتمد الجيل الأول على مرايا وأجهزة استشعار وحركات ميكانيكية لتوجيه الضوء، بينما يستخدم الجيل الجديد برمجيات ذكية لتتبع وتصحيح مسار الشعاع الضوئي دون الحاجة إلى أجزاء ميكانيكية ضخمة.
وبفضل هذا التطور، انخفض حجم المكون الأساسي من حجم إشارة المرور إلى حجم ظفر الإصبع، وهو ما يمثل قفزة تكنولوجية قد تجعل الإنترنت الضوئي حقيقة ملموسة يستخدمها الملايين حول العالم.
يعمل النظام على مبدأ بسيط ولكنه دقيق للغاية؛ فعند تلاقي شعاعين من الضوء، تتشكل بينهما رابطة اتصال آمنة لنقل البيانات. يحتوي كل شريحة من الجيل الجديد على مئات من مصادر الضوء، بينما تتولى البرمجيات توجيه الشعاع وضمان وصوله إلى الوجهة الصحيحة.
سرعات فائقة في دقائق بدلًا من شهورعلى عكس كابلات الألياف الضوئية التي تتطلب مدًّا تحت الأرض لنقل البيانات، تعتمد Taara على حزمة ضوء غير مرئية يمكنها إرسال البيانات بسرعة تصل إلى 20 جيجابايت في الثانية ولمسافة تصل إلى 12.43 ميل (حوالي 20 كيلومترًا).
الأهم من ذلك أن إعداد النظام لا يتطلب سوى بضع ساعات فقط، مقارنةً بالأيام أو الأشهر التي تستغرقها عمليات تركيب الألياف الضوئية التقليدية.
تطبيقات مستقبلية بلا حدودترى جوجل أن "Taara" يمكن أن تكون حلاً اقتصاديًا لتوسيع خدمات الإنترنت إلى المناطق المحرومة، كما يمكن استخدامها في تكنولوجيا المركبات الذاتية القيادة لنقل البيانات بسرعة أعلى من أي وقت مضى. يقول كريشناسوامي: “الإمكانيات لا حدود لها، تمامًا كضوء نفسه”.
موعد الإطلاق.. وما بعدهمن المتوقع أن يتم طرح شريحة Taara رسميًا في عام 2026، وتدعو جوجل الباحثين والمبتكرين لاستكشاف تطبيقات جديدة لهذه التقنية عبر التواصل مع فريق المشروع عبر البريد الإلكتروني: [email protected].