مع بداية الحرب الروسية الأوكرانية، أيقن «فلادمير بوتين» أن بلاده لديها ميزة لا يمكن تقديرها بأي ثمن، وهي «الوقت».

إن حجم روسيا الهائل وعدد سكانها والاقتصاد الروسي القوي، إلى جانب القبضة الحديدية للرئيس «بوتين» على سياسة بلاده، تجعل من الحرب الروسية على أوكرانيا تستمر لأسابيع ولأشهر، بل إلى سنوات، دون المساس بسياسة روسيا ولا المساس بالحكومة في موسكو.

وجاء الدعم الغربي لأوكرانيا بسرعة كبيرة مع بداية الحرب، وكان الهدف من هذا الدعم العسكري -المتمثل في التسليح- أن تُلحق أوكرنيا بروسيا سلسلة من الهزائم ما يؤدي إلى رضوخ الروس وبالتالي إرغام «بوتين» على الجلوس في طاولة المفاوضات.

إلا أنه وبعد 20 شهرًا من الحرب الروسية الأوكرانية، اشتعلت في الساحة العالمية حربٌ أخرى، أنحت بالتركيز العالمي من روسيا وأوكرانيا لتتجه الأنظار العالمية والغربية إلى جهة أخرى.

لقد أصبحت حرب غزة، والتي يُرَّجح أن المؤرخين سيسمونها بحرب أكتوبر الثانية -وكانت الأولى قبل 50 عاما أي في عام 1973- أصبحت تمثل فرصة سانحة لروسيا، حيث ستستعيد مكانتها الأخلاقية العالمية، مقارنة بما تقوم به إسرائيل في حق المدنيين في غزة، وكما ستعزز روسيا مكانتها في دول الجنوب العالمي، وتغير علاقتها مع دول الشرق الأوسط.

تم تناول هذا الأمر بشكل موسع، وصوَّر كثير من الباحثين بأن الدعم غير المحدود من الولايات المتحدة ودول أخرى لإسرائيل، هي بمثابة هدية لموسكو.

وقد صوَّر الكرملين وأنصاره السياسيين والإعلاميين بشكل متكرر حجم التناقض بين موقف الولايات المتحدة الأمريكية من الحرب في روسيا، الموقف الذي اقترن بالتهديدات والعقوبات ضد روسيا، وبين موقف الولايات المتحدة من الحرب في غزة واستجابتها ودعمها للهجمات الإسرائيلية على غزة.

موقف أمريكا به تناقض صارخ وكبير، وقد يتناسب مع السرد الروسي، حيث ترى روسيا بأن «القوى العظمى» تتصرف بشكل مختلف عما ينبغي، عوضا عن أنها لا تطبق القواعد على نفسها، وتطرح روسيا تساؤلا: لماذا يجب أن تنطبق القواعد عليها، وهي ترى أن هناك خطرًا عليها من أوكرانيا؟

هذا مبرر كبير وواضح لروسيا، التي اتُهمت مرارا بأنها فقدت مكانتها الأخلاقية في حربها ضد أوكرانيا، واليوم قد تستعيد روسيا مكانتها العالية بين دول الجنوب العالمي.

ولاحظ المحللون بأن المقترح الذي قدمته روسيا للأمم المتحدة بعد مرور 10 أيام من الحرب على غزة، والذي أسهم بوقف إطلاق النار، ولو بصورة مؤقتة، أنه كان فشلا دبلوماسيا، ولكن بصورة جزئية فقط.

والحقيقة، قد فشل المقترح، رغم تأييد الصين له، مع رفض بعض حلفاء الولايات المتحدة مثل المملكة المتحدة وفرنسا، ولكن نُقل المقترح إلى محكمة الرأي العام في الجنوب العالمي، ومفاد القضية أن الأمم المتحدة متحيزة لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها.

هذه القضية تغير من الصورة العامة لما يحدث في العالم من اضطرابات، أكثر مما تغير في الساحة السياسية التي لها تأثيرات بكل تأكيد، ولكن حرب غزة فعلا غيرت الكثير ومنها علاقة روسيا دول الشرق الأوسط.

وعلى مستوى العلاقات الروسية الإسرائيلية، فقد حاولت روسيا الحفاظ على تلك العلاقات العملية مع إسرائيل لسنوات، وخلال وجودها القوي في سوريا حاولت أن تكون قوة وسيطة، مما سمح لإسرائيل أن تقوم بعمليات قصف على مواقع سورية، ومنح إيران بالمقابل مجالا للتحرك في سوريا.

واليوم قد غيرت حرب غزة مجريات الأحداث، فبعد مرور أسبوعين على 7 أكتوبر، اليومُ الذي بدأ فيه اندلاع الحرب، رحبت روسيا بوفد من حماس الذي ذهبوا إلى موسكو، وظاهريا بدا الأمر أنه مناقشة لحماية المواطنين الروس في المنطقة.

كان من الممكن أن يتم هذا النقاش دون زيارة رسمية، ولوحظ أن نائب وزير الخارجية الإيرانية كان في روسيا في الوقت ذاته، ولكن هذا قد يبدوا أن روسيا تسعى لتسهيل الاتفاق والتخطيط بين الجانبين، ومنذ ذلك الحين توترت العلاقات أكثر بين روسيا وإسرائيل، ووجه مبعوثو الولايات المتحدة اتهامات قوية لكلا البلدين.

إن أمر توتر العلاقات بين روسيا وإسرائيل، وابتعاد إسرائيل عن روسيا يمثل قوة لها، حيث ستتلقى الدعم السياسي من جميع أنحاء العالم الإسلامي، وهذا الأمر سيصعب على الدول العربية وتركيا من دعم أوكرانيا علانية.

إن دعم الرئيس الأوكراني الصريح لإسرائيل، وصمته جراء دمار غزة، لن يكون مرحبا به من جامعة الدول العربية في القمة المقبلة، وهذا بمثابة سوء تقدير من «زيلينسكي»، ما ستستفيد روسيا منه.

وهذا يعني أن العلاقة الروسية التركية ستكون أكثر قريبا، وقبل فترة طويلة من الحرب الأوكرانية، كان البلدان يطوفان وهما حذران من بعضهما في سوريا، وأدى الصراع الأوكراني لحدوث موازنة في العلاقات الروسية التركية، واليوم أدت حرب غزة إلى توثيق تلك العلاقات بشكل أكبر.

وفعلا وجهت كل من روسيا وتركيا انتقادات قوية لكل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية التي تدعمها بشدة، وكلا البلدين -روسيا وتركيا- يرون أن حرب غزة فرصة لهما، فتركيا سترى أنها تمثل القيادة الأخلاقية للشرق الأوسط، وروسيا ترى أنها ستتفوق على الصين بقيادة الجنوب العالمي.

فعلا، صنعت الحرب في غزة فرصةً لروسيا، لتتجاوز اتهاماتها بالحرب الأوكرانية ولتبني علاقات أكثر مع الشرق الأوسط.

في الغالب هناك مبالغات في تقدير مدى عودة روسيا للشرق الأوسط، ولكن من الواضح أن روسيا، التي تريد فرض نفسها كقوة في الجنوب العالمي، لا تهتم بما حصلت عليه الدول العربية والأفريقية من دعم خلال الحرب الباردة، وتمارس روسيا اليوم ما يعرف بـ «دبلوماسية الفراغ» وتسارع لسد الفراغات التي سببتها أمريكا من خلال طعنها بما ترا بأنه «غير شرعي» أو تقوم بدعم الجماعات المهمشة.

ويمكننا رؤية سعي روسيا لذلك من خلال ترحيبها بحماس في موسكو، بالطريقة ذاتها التي تعاونت به مع عملاء «فاغنر» في الحكومات في أفريقيا، أو الطريقة التي قامت بها روسيا بدعم الحكومة السورية ضد الجماعات المسلحة.

واليوم ينطبق ذلك على ما يحدث في حرب غزة، والذي قد تكون جاءت في الوقت الصحيح بالنسبة لبوتين، ومع الدعم الغربي لإسرائيل، الدعم غير المحدود وغير المشروط، فإن روسيا تغوص مرة أخرى في سياسة الشرق الأوسط، كان الأمر فقط مسألة «وقت».

فيصل اليافعي كاتب سياسي عمل سابقا في الجارديان وهيئة الإذاعة البريطانية

ترجمة خاصة لجريدة $ نقلا عن آسيا تاميز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الجنوب العالمی الشرق الأوسط الحرب فی من الحرب حرب غزة فی غزة

إقرأ أيضاً:

كاسيو الشرق الأوسط وأفريقيا تحتفل بمرور 50 عامًا من الابتكار

جدة  – البلاد

أعلنت شركة كاسيو الشرق الأوسط وأفريقيا FZE ، التابعة الإقليمية لشركة كاسيو للكمبيوتر المحدودة، بالتعاون مع شركة محمود صالح ابار وشركاه التجارية، الموزع الحصري لمنتجات كاسيو في المملكة العربية السعودية، عن تنظيم سلسلة من الفعاليات الخاصة في جدة في 2 يوليو والرياض في 4 يوليو للاحتفال بالذكرى الخمسين لعمل كاسيو في مجال الساعات. تهدف هذه الفعاليات إلى تكريم تاريخ طويل من الابتكار والتعاون مع تحديد المرحلة لتحقيق نجاحات مستقبلية.

تعزز هذه المبادرة التزام كاسيو بالسوق السعودي وتهدف إلى تعزيز شبكة التوزيع، مما يضمن أن أحدث الابتكارات في تكنولوجيا الساعات تكون متاحة في جميع أنحاء المنطقة.

وقال السيد تاكاشي سيميا، المدير العام لشركة كاسيو الشرق الأوسط وأفريقيا: “إن الاحتفال بمرور 50 عامًا على عمل كاسيو في مجال الساعات هو شهادة على الالتزام بالابتكار والجودة والتميز. هذه الفعاليات في جدة والرياض ليست مجرد أعمال تجارية؛ بل هي احتفال بالرحلة والشراكات القوية. هناك حماس لمشاركة أحدث المنتجات والاستراتيجيات التسويقية، وتعزيز الالتزام بالسوق السعودي مع هذه الذكرى الخمسين.”

وأضاف السيد محمود الجبشة، المدير العام الأول لشركة كاسيو الشرق الأوسط وأفريقيا: “إن الاحتفال بمرور 50 عامًا على عمل كاسيو في مجال الساعات هو لحظة فخر لنا جميعًا. هذه الفعاليات هي تكريم للروح الابتكارية والمرونة التي حددت مسار كاسيو على مر العقود. نتطلع إلى مشاركة هذا الاحتفال مع شركائنا الموقرين واستكشاف كيفية مواصلة تحقيق إنجازات كبيرة معًا.”

وأكد السيد أيمن كامل توفيق، مدير كاسيو بشركة ابار، على أهمية هذه المناسبة قائلاً: “إن هذه الذكرى الخمسين هي علامة فارقة مهمة لكاسيو وشهادة على شراكتنا الدائمة الممتدة إلى عقود خلت منذ العام 1975 ميلادية والتي أثمرت بحمدالله عن تحقيق انجازات انعكست ايجابا على تطوير وتعزيز أعمال منتجات كاسيو الإليكترونية التي تتمتع بالإصالة والابتكار. إنها فرصة للتفكير في إنجازاتنا والتطلع إلى مستقبل مليء بالابتكار والتعاون. نحن ملتزمون بالاحتفال بهذا المعلم مع وكلائنا ومواصلة إرث التميز الذي تمثله كاسيو.”

تعد الفعاليات في جدة والرياض نقاطًا محورية لكاسيو وشركائها، وتهدف إلى تعزيز الروابط، ومشاركة الأفكار الاستراتيجية، ودفع رؤية مشتركة لتحقيق النجاح في المنطقة مع الاحتفال بالذكرى الخمسين لعمل كاسيو في مجال الساعات.

مقالات مشابهة

  • رئيس وزراء الهند يتوجه إلى موسكو لبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية
  • الاستخبارات الروسية تُحبط عملية تهريب قاذفة "تو 22 إم 3" إلى خارج البلاد
  • دفاعات روسيا: إسقاط مسيرتين أوكرانيتين فوق مقاطعتي "بيلجورود" و"فورونيج"
  • التبادل التجاري بين روسيا وأمريكا يسجل أعلى مستوى له منذ مايو 2023
  • النفط يتراجع مع توترات الشرق الأوسط
  • كاسيو الشرق الأوسط وأفريقيا تحتفل بمرور 50 عامًا من الابتكار
  • وزير الداخلية السوداني يتهم "الدعم السريع" بالإفراج عن إرهابيين مسجونين
  • ماذا بعد نسف أول أوهام الشرق الأوسط القديم؟ (1)
  • أهم التحديات التي تواجه حكومة ستارمر الجديدة في الشرق الأوسط
  • بيسكوف يستبعد تغير السياسة البريطانية تجاه العلاقات مع روسيا