لجريدة عمان:
2025-01-18@08:16:42 GMT

لماذا يخوض الاقتصاديون حربا حول اللامساواة؟

تاريخ النشر: 12th, December 2023 GMT

حسبَ قولٍ سائد، النزاعاتُ الأكاديمية تتَّسم بقدر كبير من الشراسة بالضبط لأن قضاياها قليلة الأهمية، لكن الرهان أعلى في معركة علمية تدور رحاها حول اللامساواة.

أشاع بحث أعدَّه توماس بيكيتي وايمانويل سايز وجابرييل زوكمان فكرة تصاعد اللامساواة في الدخل بالولايات المتحدة. وأجرى اقتصاديون آخرون أبحاثًا واسعة استنادًا إلى النتائج التي توصل لها هؤلاء الاقتصاديون الفرنسيون الثلاثة فيما تعهد الساسة بالقضاء على (التفاوت الحاد في الدخل) من خلال ضرائب وإنفاق أعلى.

وتبدو عبارة «اللامساواة في تصاعد» لمعظم الناس أمرًا واضحًا لا يحتاج إلى دليل.

لكن آخرين أثاروا شكوكا حول النتائج التي توصل لها هؤلاء الباحثون خصوصا جيرالد اوتن الذي يعمل بوزارة الخزانة الأمريكية وديفيد سبلينتر المسؤول باللجنة المشتركة للضرائب بالكونجرس.

سبق أن حللنا (في الإيكونومست) بحثهما عام 2019 كجزء من موضوع الغلاف. إنه يعدل منهجية بيكيتي وزميليه ويتوصل إلى نتيجة مختلفة جدا. فوفقًا لهما اللامساواة في الدخل بعد حساب الضريبة بالكاد ارتفعت في الولايات المتحدة منذ أعوام الستينيات.

في الأيام القليلة الماضية قبلت مجلة الاقتصاد السياسي نشر ورقتهما. وهي إحدى الدوريات المرموقة في هذا الاختصاص المعرفي. لكن ذلك لم يضع نهاية للجدل. ففي الحقيقة يتمسك كل جانب بموقفه. قال بيكيتي للإيكونومست «لا اعتقد أن إنكار اللامساواة (بعد إنكار التغير المناخي) مسار واعد جدا يمكن اتباعه». ويضيف سايز «ظلت تنهال علينا جوائز كثيرة من المؤسسة العلمية لمساهماتنا الأكاديمية في هذا الموضوع بالذات».

ويعتقد آخرون أن ورقة مجلة الاقتصاد السياسي كسبت المعركة. يقول تايلور كوين الأستاذ بجامعة جورج ميسون عن الورقة إنها «تبدو بوضوح صحيحة بالنسبة لي». ويقول جيمس هيكمان الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد والأستاذ بجامعة شيكاغو «بحث بيكيتي وسايز غير دقيق ودوافعه سياسية».

ربما تعتقدون أن تحليل اتجاهات اللامساواة في الدخل سيكون واضحًا ومباشرًا. أفلا يجد الباحثون في الإقرارات الضريبية للناس كل ما يريدون معرفته؟

لكن رغم فائدة هذه الإقرارات من الممكن أن تضلل. فالأمريكيون الذين لديهم حصص في شركة أو استثمارات كثيرا ما يواجهون متاعب في تقدير دخولهم. الآن تخيلوا محاولة تقدير دخول ملايين الناس خلال عدة عقود مع وضع اعتبار في الوقت نفسه للتعديلات التي تحدث في قانون الضريبة. ثم سيلزم أيضا حساب نسبة الدخل القومي التي لا ترد في الإقرارات الضريبية (وهي تتراوح بين 30% إلى 40%) بما في ذلك بعض الفوائد التي تقدمها الجهات المخدِّمة وبرامج الرفاه الحكومية. واقع الحال، خيارات الباحثين المنهجية لها آثار هائلة على نتائج أبحاثهم.

وجه الباحثان أوتن وسبلينتر جزءًا كبيرا من اهتمامهم إلى الأثر المشوه لإصلاح ضريبي مهم في عام 1986. قبل استحداثه استخدم أثرياء عديدون المخابئ الضريبية التي سمحت لهم بتسجيل دخل أقل في إقراراتهم الضريبية وبالتالي سداد ضريبة أقل لدائرة الإيرادات الداخلية. ( المخبأ أو الملجأ الضريبي استراتيجية أو وسيلة استثمارية مشروعة تهدف إلى تقليل أو تأجيل الالتزامات الضريبية. وهو يختلف عن الملاذ الضريبي الذي يعني بلدا يقدم تسهيلات ضريبية جاذبة- المترجم).

في المسلسل التلفزيوني «رجال مجانين» والذي يتناول مسؤولي شركات الإعلان في أعوام الستينيات ينفق دون دريبر وأقرانه على نمط حياتهم المترف من خلال تسجيل قدر كبير من هذا الإنفاق «الشخصي» في بند مصروفات الشركة، فالإصلاحات التي استُحدثت جعلت مثل هذه الحِيَل أكثر صعوبة، وزادت من حوافز الإقرار بالدخل جزئيا بخفض المعدلات الضريبية. بالنظر فقط إلى الإقرار الضريبي قد يبدو لك أن دريبر صار أكثر ثراء بعد عام 1982 رغم أن دخله الحقيقي ظل باقيا على حاله. لكن بعد تصحيح ذلك سيكون الارتفاع في الدخول العليا أقل إثارة مما قد يبدو لأول وهلة. وفي بعض الأوراق البحثية يحدث ثلث الارتفاع طويل الأجل في اللامساواة عند حوالي عام 1986.

أوتن وسبلينتر أجريا بعض التعديلات (المنهجية) الأخرى. لقد ركز بيكيتي وسايز على «الوحدات الضريبية» وهي العائلات التي تسجل ضرائبها في إقرار وحيد. هذا (التركيز) ينطوي على تحيز بحثي. ففي العقود الأخيرة تراجع الزواج وسط الأمريكيين الأكثر فقرا. نتيجة لذلك يبدو وكأنما هنالك زيادة في حصة ثروة من هم في أعلى سلم الدخل فيما في الواقع تتوزع دخول الأكثر فقرا على المزيد من الوحدات العائلية وتظل دخول العائلات الغنية موحدة. لذلك اتجه الباحثان أوتن وسبلينتر الى تصنيف دخول الأفراد (وليس الوحدات العائلية).

كما أنهما يأخذان في الاعتبار الفوائد التي يقدمها المخدِّمون بما في ذلك التأمين الصحي والذي يقلل حصة من كانوا يشكلون نسبة 1% الأعلى في سلم الدخل في عام 2019 بحوالي نقطة مئوية واحدة. ويضع الباحثان افتراضات مختلفة بشأن تخصيص الإنفاق الحكومي والإبلاغ غير الصحيح بالدخل.

إجمالا، لقد وجدا أن من يشكلون نسبة 1% الأعلى من بين أصحاب الدخول يحصلون بعد الضريبة على حوالي 9% من الدخل القومي مقارنة بنسبة بيكيتي وسايز وزوكمان والتي تبلغ 15% أو نحو ذلك. وفي حين توصل هؤلاء الباحثون الثلاثة إلى أن نصيب أغنى 1% ارتفع بشدة منذ ستينات القرن الماضي لم يجد أوتن وسبلينتر عمليًا أي تغيير.

تشكل ورقتهما مساهمة مهمة. ويذكر جريج كابلان الأستاذ بجامعة شيكاغو الذي حرر الورقة أنها روجعت بواسطة أربعة خبراء تحكيم وخضعت لجولتين من المراجعات أشرف عليها.

الورقة موغلة في التبحر العلمي (وتحتوي على إشراقات من شاكلة «خصمُ الخسارة الصافية القابلة للترحيل من السنة المنتهية للسنة الجديدة محدَّدٌ بنسبة 80% من الدخل المحسوب دون اعتبار لترحيل الخسارة)، ومن الواضح أن مؤلفي الورقة مهووسون بتاريخ قانون الضرائب.

مع ذلك المنهجية التي اعتمدها الباحثان في دراستهما لها مصاعبها الخاصة بها. يقول فويتشيك كوبتشوك أستاذ الاقتصاد بجامعة كولومبيا «اللافت أن كل تعديلاتهما تقريبا تدفع في الاتجاه نفسه، ذلك شيء لا تتوقعه مقدَّما». وبدا أن سبلينتر الذي كان يخاطب حلقة دراسية عام 2021 لم يفكر بعمق في التشوهات المحتملة التي يمكن أن تنشأ عن تدهور الاقتصاد غير الرسمي للولايات المتحدة. فالانتقال التدريجي من المدفوعات النقدية إلى الإيداعات المباشرة يمكن أن يكون قد أجبر من هم أكثر فقرا كعمال النظافة وسائقي الأجرة على تسجيل دخول أكبر في إقراراتهم الضريبية مما يجعلهم ظاهريا أكثر ثراء في حين أنهم في الواقع ليسوا كذلك.

لدى الباحثين الفرنسيين الثلاثة تحفظاتهم أيضا. يحاجج بيكيتي قائلا «أوتن وسبلينتر لكي يتوصلا إلى نتائجهما يفترضان ضمنًا أن دخل العمل ودخل رأس المال ودخل المعاش التقاعدي غير الخاضع للضريبة موزع بعدالة أكبر من الدخل الخاضع للضريبة منذ عام 1980». وفي اعتقاده أن ذلك غير واقعي.

أما سايز فيبدو أنه قد ضجر قليلا من هذه المعركة العلمية. ويرى أن الباحِثَيْن لم يغيرا أي شيء مهم بعد كل هذه المناقشات المطولة.

لكن كوبتشوك يعتقد أن ورقة مجلة الاقتصاد السياسي إلى جانب الأوراق التي سبقتها «توسِّع من الحدود التي تتموضع داخلها الحقيقة حول اللامساواة».

نتيجة لذلك تبدو الفكرة القائلة بتصاعد اللامساواة أبعد كثيرا من أن تكون حقيقة واضحة بذاتها ولا حاجة لها إلى إثبات.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی الدخل

إقرأ أيضاً:

جمعية خبراء الضرائب: الدولة تواجه تحدي تحلية المياه بالتسهيلات الضريبية

قالت جمعية خبراء الضرائب المصرية إن الدولة وضعت استراتيجية شاملة لتحلية المياه بالاعتماد علي القطاع الخاص، وإن تحلية المياه أصبحت قضية قومية لها أولوية مطلقة لأننا لا نملك رفاهية الوقت وأن نصيب الفرد في مصر أقل من 600 متر مكعب سنويا.

تحلية مياه الشرب

قال المحاسب الضريبي أشرف عبد الغني مؤسس جمعية خبراء الضرائب المصرية إن هناك 3 أسباب رئيسية وراء زيادة استهلاك المياه أولها الزيادة السكانية السريعة حيث من المتوقع أن نصل إلى 175 مليون نسمة بحلول 2050 بالإضافة إلى التغيرات المناخية التي أدت إلي ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة إلي جانب السد الإثيوبي وإن كنا نثق في قدرة القيادة السياسية علي الحفاظ علي حقوق مصر من مياه النيل.

وأوضح عبد الغني أن المشكلة ليست في مياه الشرب لأن 80% من الموارد المائية تذهب للزراعة في حين تبلغ حصة مياه الشرب 10% والنسبة الباقية للأغراض التجارية والصناعية.

وأشار المحاسب الضريبي أشرف عبد الغني إلي أن الدولة وضعت استراتيجية لتحلية المياه تتضمن طرح محطات بإجمالي طاقة 9 ملايين متر مكعب يوميا بحلول عام 2050 وتتضمن الاستراتيجية المقرر تنفيذها على 6 خطط خمسية إنشاء 21 محطة في المرحلة الأولي بتكلفة 3 مليارات دولار.

الاعتماد على القطاع الخاص

وتابع عبد الغني أن إنشاء هذه المحطات سيكون بالاعتماد علي القطاع الخاص لأن وثيقة سياسة ملكية الدولة تنص علي تخارج الدولة بالكامل من مشروعات المياه والصرف الصحي و الزراعي خلال 5 سنوات.

وأكد مؤسس جمعية خبراء الضرائب المصرية أن القطاع الخاص ينتظر ضوابط وتشريعات مشروعات البنية التحتية لمحطات المياه والصرف الصحي لضمان الربحية  وذلك يتطلب تسهيلات ضريبية وبرامج تمويلية طويلة الأجل ستكون بحق الانتفاع لمدة 25 عاما بأسعار مخفضة بالإضافة إلى تشجيع الشركات الأجنبية علي العمل ضمن تحالفات مع الشركات المصرية بما يساهم في تحسين كفاءة تنفيذ المشروعات وإدخال تقنيات حديثة واستدامة التمويل ونقل وتوطين أحدث التقنيات لمحطات تحلية المياه.

مقالات مشابهة

  • جمعية الخبراء: التسهيلات الضريبية للقطاع الخاص استراتيجية لتحلية المياه
  • جمعية الخبراء: «تحلية المياه» أكبر تحد يواجه مصر.. والتسهيلات الضريبية للقطاع الخاص هي الحل
  • تايمز أوف إسرائيل:لأول مرة .. إسرائيل تخسر حرباً
  • «الخبراء»: «تحلية المياه» أكبر تحد يواجه مصر.. والتسهيلات الضريبية للقطاع الخاص هي الحل
  • جمعية خبراء الضرائب: الدولة تواجه تحدي تحلية المياه بالتسهيلات الضريبية
  • آخر فرصة.. كم يوما يتبقى على حجز شقق الإسكان الاجتماعي بالموقع الإلكتروني؟
  • وسام أبو علي يخوض تدريبات منفردة على ملعب التتش
  • السيسي يصدر قرارًا جمهوريًا بشأن التهرب الضريبي -تفاصيل
  • روسكونغرس: الولايات المتحدة ستبدأ حربا تجارية ضد أقرب حلفائها عام 2025
  • شاهد | العدو الإسرائيلي يوقع اتفاقا مع حماس بعد 15 شهر من إعلانه حربا للقضاء عليها