التدابير الاحترازية.. بين الردع العام والحماية الاجتماعية
تاريخ النشر: 12th, December 2023 GMT
هدى بنت ناصر الفورية **
الوسيلة الأولى التي أقرتها التشريعات الجزائية لمُكافحة الجريمة هي العقوبة بأنواعها، والتي يتم من خلالها تحقيق الأهداف المتمثلة في الردع العام للمجتمع والردع الخاص للمتهم وتحقيق العدالة، إلّا أن التشريعات الحديثة تطورت في مواجهة الجريمة، وذلك بوضع تدابير احترازية غايتها الحفاظ على المجتمع من خطورة إجرامية محتملة مستقبلًا أو بعلاج المحكوم عليه بخلاف العقوبة التي تقوم على الأساس الأخلاقي القائم على حرية الاختيار والمسؤولية عن الفعل والإمتناع عنه، وذلك حاصله افتراض أن الجاني يتمتع بالتمييز أو الإدراك وحرية الاختيار وبارتكابه الجريمة مع توافر المسؤولية يستحق العقوبة.
ويختص التدبير الاحترازي بعدة خصائص أهمها أنه يقرر لمواجهة الخطورة الإجرامية وأنه محدد في القانون؛ سواء من حيث النوع أم المدة وأنه يصدر بحكم قضائي والخاصية الأخيرة أن التدبير الاحترازي لا يرتبط بالمسؤولية الجزائية التي تقوم على حرية الاختيار. وقد تباينت التشريعات بالأخذ بهذه الصورة كوسيلة أخرى تعتمد إلى جانب العقوبة فمنهم من أخذ بها بشكل صريح وأفرد لها نصوصًا خاصة ومنهم من أخذ جزءًا منها في صورة اكتنفها الغموض والإبهام، وهذا الأخير هو المسار الذي اتخذه المُشرِّع العُماني في قانون الجزاء الصادر بالمرسوم السلطاني (7/ 2018)؛ حيث لم يفرد القانون نصوصًا خاصة تحت مسمى التدابير الاحترازية، إنما أخذ بها كصورة غير مباشرة تحت العقوبات الفرعية (التبعية أو التكميلية)، ولم ترد التدابير الاحترازية بصورة صريحة إلا في بعض القوانين الجزائية الخاصة كقانون مساءلة الأحداث (30/ 2008) وقانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية (17/ 1999).
وللتدابير الاحترازية أهمية واسعة في حماية المجتمع، فهي من الأمور الأساسية التي ينص عليها القانون لحفظ الأمن والسلامة العامة. وتتضمن هذه التدابير العديد من الإجراءات القانونية التي تسهم في حماية المجتمع والوقاية من الجرائم، نستعرض أهمية هذه التدابير في النقاط التالية:
1- حماية المجتمع: وذلك في سبيل حمايته من الجرائم، حيث تساهم هذه التدابير في منع المتهمين او المعرضين للجنوح من القيام بأعمال إجرامية، وبالتالي تحسين مستوى الأمن والسلامة في المجتمع.
2- تفادي مخاطر الإفلات من العقاب: تمنع التدابير الاحترازية المتهمين الذين يشتبه في أنهم خطر على المجتمع من الإفلات من العقاب، حيث تتضمن هذه التدابير وضع المتهمين تحت المراقبة أو وضعهم في حجز احترازي، وبالتالي تضمن تحقيق العدالة وتطبيق القانون.
3- ضمان الأمن العام: تسهم التدابير الاحترازية في هذا الجانب في ضمان الأمن العام ومنع حدوث اضطرابات أو نزاعات أخرى ضمن المجتمع، حيث تقلل من احتمال وقوع جرائم أخرى في المستقبل، وتضمن توفير بيئة آمنة للمجتمع.
4- تعزيز النظام القانوني: يعد اللجوء إلى التدابير الاحترازية جزءًا من السياسة الجزائية للدولة، وذلك بتعزيزها للنظام القانوني؛ حيث يؤدي استخدامها بالشكل صحيح إلى تحسين النظام الجزائي وزيادة الثقة في العدالة.
5- توفير الوقت والجهد: فهو وسيلة سريعة وفعالة للتعامل مع المتهمين الخطرين على المجتمع؛ حيث توفر هذه التدابير الوقت والجهد للأجهزة المختصة في الحفاظ على الأمن والسلامة العامة.
وتؤثر التدابير الاحترازية بصورة إيجابية على المجتمع، بحيث تضمن حماية المجتمع من الخطورة الإجرامية، وتعمل على علاج وإصلاح المجرمين أو المعرضين للجنوح، وتحد من ظاهرة التكرار والعودة. وبذلك يمكن القول إن التدابير الاحترازية تعد أداة فعالة تساهم في ضمان استقرار المجتمع وسلامته.
ويتضمن القانون أمثلة لتوقيع التدابير الاحترازية، مثل إيداع المشتبه به في السجن على ذمة التحقيق، وحجز أمواله أو ممتلكاته إذا كانت مرتبطة بجريمة معينة. ويمكن أيضًا فرض منع السفر على المشتبه به أو استدعاء شهود للإدلاء بأقوالهم أمام القضاء.
وفيما يلي بعض مما أوردته القوانين الجزائية المكملة:
1- الإيداع في مصحة للأمراض العقلية؛ حيث نصت الفقرة الثانية من قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية (17/ 1999) على أنه: "يجوز للمحكمة بدلًا من توقيع العقوبة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة أن تأمر بإيداع من يثبت إدمانه تعاطي المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية إحدى المصحات التي تنشأ لهذا الغرض أو معالجته في إحدى العيادات المتخصصة في المعالجة النفسية والاجتماعية والتردد عليها، وفقا للبرنامج الذي يقرره الطبيب النفسي، أو الاختصاصي الاجتماعي في العيادة. ولا يجوز أن يودع في المصحة من سبق الأمر بإيداعه فيها مرتين تنفيذا لحكم سابق، أو لم يمض على خروجه منها أكثر من (5) خمس سنوات".
2- الإيداع في دور إصلاح الأحداث. وقد حسم قانون مساءلة الأحداث الصادر بالمرسوم السلطاني (30/ 2008) على أن تكييف الجزاءات المقررة لمواجهة الأحداث هي عبارة عن تدابير احترازية فنصت المادة (14) من القانون على "تطبق في شأن الأحداث الخاضعين لهذا القانون، التدابير والعقوبات المنصوص عليها في هذا الفصل وفقا لأحكامه".
وذكر القانون تدابير الإصلاح في المادة (20) التي نصت على أن "تدابير الإصلاح هي:
الإيداع في دار إصلاح الأحداث. الوضع تحت الاختبار القضائي.ج- الإلحاق بالتدريب المهني.
د- الإلزام بواجبات معينة.
هـ - الإيداع في مؤسسة صحية.
ومن المهم أن نُعرِّج على تعريف الحدث الذي عرفته المادة الأولى من قانون سالف الذكر بأنه هو "كل ذكر أو أنثى لم يكمل الثامنة عشرة من العمر". وعرفت ذات المادة من هو الحدث الجانح بنصها على أنه "كل من بلغ التاسعة ولم يكمل الثامنة عشرة وارتكب فعلًا يعاقب عليه القانون".
3- منع الإقامة: ورد النص على منع الإقامة كتدبير احترازي في المادة (66) من قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية حيث نصت المادة على: "تحكم المحكمة المختصة باتخاذ واحد، أو أكثر من التدابير الآتية على من أدين بإحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، أو اتهم لأسباب جدية أكثر من مرة في إحدى الجرائم المنصوص عليها فيه، أو برئ لأسباب شكلية مع وجود دلائل تشير إلى تورطه في إحدى هذه الجرائم:...2- تحديد الإقامة في جهة معينة 3- منع الإقامة في جهة معينة".
ويتضح مما سبق أن المُشرِّع العُماني في قانون الجزاء لم يتبن استقلالية ذِكْر التدابير الاحترازية وتفريد نصوص خاصة، وأخذًا بالاتجاهات الحديثة في السياسة العقابية وتنوع الجزاءات التي تحقق الغاية المرجوة المتمثلة في الإصلاح والتأهيل، نرى أهمية العمل على دراسة التدابير الاحترازية الموجودة في القوانين المكملة، وأخذها كصورة ثانية للجزاء في قانون الجزاء، لما لها من أثر عدم الاعتماد على العقوبة فقط في تقرير الجزاء.
على ضوء ذلك.. فإن التدابير الاحترازية تمثل أهمية كبيرة في حفظ الأمن والسلامة العامة، وتساهم في منع وتفادي الجرائم، وتوفير بيئة آمنة للمجتمع. ويتوجب أن يتم استخدام هذه التدابير بحذر وتحت إشراف الأجهزة المختصة، وذلك لتحقيق العدالة والحفاظ على حقوق المتهمين، وفي نفس الوقت ضمان حماية المجتمع والأمن العام.
** باحثة ماجستير في تخصص القانون الجزائي بجامعة السلطان قابوس
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
"اعرفي حقك".. ندوة بكلية الخدمة الاجتماعية جامعة الفيوم
شهد الدكتور أحمد حسني عميد كلية الخدمة الاجتماعية، بجامعة الفيوم، ندوة (اعرفي حقك) والتي حاضر خلالها الدكتورة نهير الشوشاني، مدير وحدة مناهضة العنف ضد المرأة بالجامعة، بحضور الدكتورة نادية عبد العزيز حجازي، وكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، والدكتورة هبة عبد الوهاب، مدير الوحدة بالكلية، وعدد من أعضاء هيئة التدريس والطلاب، وذلك اليوم الأربعاء، بالكلية.
وذلك تحت رعاية الدكتور ياسر مجدي حتاته رئيس جامعة الفيوم، وإشراف الدكتور عاصم العيسوي نائب رئيس الجامعة لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة والمشرف علي قطاع التعليم والطلاب.
أكد الدكتور أحمد حسني، أن كلية الخدمة الاجتماعية حريصة على مناقشة كافة القضايا لرفع الوعي المجتمعي لدى الطلاب، وخاصة فيما يتعلق بظاهرة العنف ضد المرأة التي باتت تهدد جميع أفراد المجتمع، وكذلك أهمية الحفاظ على الحقوق والتعريف بالإجراءات القانونية السليمة للمطالبة بها، مشيرًا إلى أن وحدة مناهضة العنف ضد المرأة بجامعة الفيوم لها دور فعال في مواجهة الأفكار المغلوطة والقيم الدخيلة على المجتمع الجامعي.
وتابعت الدتورة نادية حجازي، أن الندوة تمت بالتعاون مع وحدة مناهضة العنف ضد المرأة بجامعة الفيوم ومع المجلس القومي للمرأة، بهدف تعريف الطلبة والطالبات بحقوقهم والحفاظ عليها، والقواعد المتبعة في مثل هذه الحالات مؤكدة أن العنف ضد المرأة أصبح له أشكال مختلفة مما يستلزم من جميع الهيئات والجهات التكاتف والقيام بمسؤلياتهم، بهدف القضاء على هذه الظاهرة.
وخلال الندوة تناولت الدكتورة نهير الشوشاني، التعريف بوحدة مناهضة العنف ضد المرأة بالجامعة ودورها وأنشطتها وأهدافها والخدمات التي تقدمها للفتيات والسيدات المنتسبات لجامعة الفيوم، وذلك من خلال الندوات التوعوية والتثقيفية، أو عن طريق استقبال الشكاوى بشكل رسمي أو غير رسمي، وكذلك مناقشة ما يتم اتخاذه من الإجراءات القانونية، مع التاكيد على مبدأ السرية والجدية، بالإضافة إلى استعراض اللقاءات داخل حرم الجامعة أو خارجها للوصول إلى مجتمع آمن لكل أفراد المجتمع.
كما تم خلال الندوة تناول أوجه التعاون مع المجلس القومي للمرأة فيما يتعلق بتعرض المنتسبات للجامعة لأي شكل من أشكال العنف والتحرش من خارج الحرم الجامعي وما يوفره الخط الساخن (١٥١١٥) للمجلس من خدمات قانونية لهن، وكذلك الخدمات التي يقدمها الخط الساخن ١٦٠٠٠ لنجدة الطفل.
ووجهت الدكتورة نهير الشوشاني، بضرورة أن يقوم كل فرد بدور فعال وحقيقي لمواجهة الظواهر والعادات السلبية التي يعاني منها المجتمع بما يشمل مشكلات الابتزاز الالكتروني للمرأة والزواج المبكر والحرمان من الإرث والعنف المصاحب لحالات الطلاق والنفقة.
وتابعت الدكتورة هبة عبد الوهاب أن الرجل والمرأة هما أهم أعمدة قيام المجتمع، مما يستلزم وعي جميع الأفراد بما عليهم من واجبات وما لهم من حقوق مع أهمية قيام المؤسسات المعنية بواجباتها المنوطة بها، بهدف مناقشة الظواهر السلبية ووضع الحلول اللازمة حيث إن السكوت أمام ما يمارس من أشكال العنف يعتبر جريمة في حد ذاته، موضحة الخدمات التي تقدمها وحدة مناهضة العنف ضد المرأة بكلية الخدمة الاجتماعية سواء للطلبة والطالبات والأنشطة التطوعية التي يقوم بها الطلاب لتحقيق الأهداف التعريفية للوحدة.
جامعة الفيوم: ختام مهرجان أمير الشعراء الحادي عشر 0edf1bc0-7445-4248-9dec-031b3c970703 6eb61cad-8176-470c-8761-3582367b1b50 15b4b661-1a01-4b69-87f4-853b1677f4ab 76ef226a-790e-4ad5-81bc-844ab0e6b8c5 3665ebef-910e-4e93-aa01-bc55622b28f4 8674edf0-1a00-45cb-bbbc-3bc564476926