نوافذ :اللغة الإعلامية والتلاعب بالكلمات
تاريخ النشر: 12th, December 2023 GMT
ashuily.com
بدأ الإنسان الأول استخدام اللغة المنطوقة بعد أن طور مهاراته في التواصل مع المجتمع من حوله من خلال فهم الأشياء المحيطة به واستخداماتها وطرق الاستفادة منها ثم محاولة وصف كل ذلك باستخدام لغة الإشارة للدلالة على الشيء في محاولة لإيصال فكرة ما يريد، ثم تطورت وسيلته في إيصال أفكاره إلى استدعاء مخيلته في رسم ونقش ما يحيط به أو ما يتخيله من الواقع المحيط به وعلاقته بمن حوله حتى قاده ذلك إلى الكلمة الواصفة والدالة على ما توافق عليه هو ومن معه من البشر المحيطين به، ويحيل اللغويون كلمة «اللغة الأم» إلى أن اللغة في الأصل بدأت مع همهمات الأمهات لأطفالهن تطورت بعد ذلك إلى حروف وعبارات تم تدوينها وكتابتها، ويرجع علماء الآثار أولى صور الكتابات السومرية الموضوعة في ٣٥٠٠ سنة قبل الميلاد تلتها اللغة الهيروغليفية المصرية التي تعود إلى ٣٠٠٠ قبل الميلاد، تناسلت بعدها اللغات إلى ألسن متعددة وكتابات متفرقة حتى وصلت في يومنا هذا إلى أكثر من ٧٠٠٠ لغة مختلفة حول العالم لا يزال البشر يستخدمونها بمثابة طريقة للتواصل والتفاهم وفقا لأطلس العالم للغات الذي قامت اليونسكو بإطلاقه لحماية التنوع اللغوي في العالم، ووفقًا لترتيب المتحدثين بتلك اللغات فان لغة المندارين الصينية هي أكثر اللغات تحدثا في العالم تليها الإسبانية فالانجليزية فالهندية فالعربية في المرتبة الخامسة.
قد أكون أطلت في الحديث عن جذر اللغة واشتقاقها لكنها كما يقول الشعراء هي مقدمة طللية لا بد منها في الوقوف على الأطلال أولا ثم الوصول إلى الغاية التي تسبر غور اللغة وطرق استخداماتها في لغة أحاديث التواصل اليومية «لغة الشارع» كما يصنفها البعض واللغة العلمية الصرفة «لغة العلوم» ولغة الآداب المكتوبة واللغة الإعلامية التي يسميها البعض باللغة البيضاء أو اللغة الثالثة والتي هي تمازج وتلاقح بين اللغة الرصينة والعامية تمتاز بالبساطة وسهولة الفهم فيمكن لعالم اللغويات الصرفة أن يقرأها ويتلذذ بجزالة ألفاظها وفي الوقت ذاته يمكن للإنسان البسيط غير المتمكن من نواصي اللغة من فهمها واستيعاب معناها، وهذا ما يحسب للغة الإعلامية كونها لغة استطاعت مخاطبة الجميع قراء ومستمعين ومشاهدين دون الحاجة إلى التقعر أو التشدد في الألفاظ والمصطلحات.
في أديباتنا الإعلامية نتعلم عن استخدامات اللغة إعلاميا وكيف تؤثر في السياسة الإعلامية للوسيلة كونها نسقا وأداة رئيسة في تمرير الخطابات وجذب الجمهور المتلقي للرسالة وتسهيل إيصال الأفكار والمعلومات والأخبار بسهولة ويسر، فضلا عن الامتياز الذي تضفيه اللغة إلى الوسيلة الإعلامية وتحدد هويتها وشخصيتها ومكانتها مقارنة بوسائل إعلامية أخرى فيمكن من خلال لغة محددة المصطلحات والتعريفات والاستخدامات من تمييز وسيلة عن أخرى، ويمكن ببساطة القول: إن هذا هو أسلوب الصحيفة في تقديم الأخبار وكتابتها وهذا أسلوب مذيعي ومقدمي النشرات الإخبارية في القناة التلفزيونية دون الحاجة إلى التعرض ورؤية هوية وشعار الوسيلة الإعلامية فاللغة المستخدمة في تلك الوسيلة هي بمثابة الهوية لها.
اللغة هي الهوية سواء أكانت بالإيجاب أم بالسلب، بالمدح أم بالذم فمن خلال اللغة المستخدمة في وسيلة ما يمكن تصنيفها في خانة الصديق أو العدو أو المحايد أو المداهن أو الباهت وكل تلك الأوصاف يمكن تمييزها من اللغة المستخدمة في عناوين وتفاصيل ومصطلحات تلك الوسيلة وهو ما يسمى في الشرع الإعلامي بالسياسة التحريرية التي تتحدد وفق اتجاهات الوسيلة الإعلامية من موضوع ما، فعلى سبيل المثال وتسهيلا على القارئ في إيصال هذه الفكرة فإن مصطلح «إرهابي» و«فدائي» و«قتيل» و«شهيد» هي أمثلة ونماذج يمكن من خلالها التعرف على اتجاهات وسياسة الوسيلة الإعلامية تجاه قضية معينة. فمثلا في القضية الفلسطينية تستخدم وسائل الإعلام المتعاطفة والمتضامنة مع الفلسطينيين مصطلحات «فدائي - شهيد» في حين أن الوسائل المعادية والتي تقف في صف الجانب الإسرائيلي تصف الفلسطيني بأنه: «إرهابي- قاتل» وهكذا يستمر مسلسل استخدامات اللغة في الإعلام حتى يصل إلى ذروته في الكذب والتدليس ودس السم في العسل كما يقال ومحاولة تطويع اللغة وليها كي تطاوع فلسفة وهوية ورسالة الوسيلة الإعلامية.
الحديث طويل جدا عن استخدامات اللغة في وسائل الإعلام وهو ليس بالموضوع الجديد على المتلقي ولا على الرأي العام لكنه يتجدد كل فترة ما بين وقوع كارثة أو فاجعة أو حرب حين تنبري بعض المؤسسات الإعلامية التي لا تحترم المواثيق والأعراف والأخلاقيات الإعلامية ولا تحترم عقلية المتلقي قارئا كان أو مستمعا أو مشاهدا، غير أن مناط ذلك كله ومرده إلى المتلقي ذاته الذي يمكنه في لحظة من لحظات التضليل الإعلامي من اكتشاف أنه قد وقع تحت احتيال إعلامي ممنهج.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
هل يمكن أن يعود حظر الحجاب إلى الجامعات التركية؟
صرح وزير التعليم التركي يوسف تكين، قبل أيام، بأن حظر ارتداء الحجاب قد يعود إلى المدارس والجامعات التركية في حال فاز مرشح حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية القادمة. وأشار تكين في جوابه على سؤال الصحفي التركي آدم متان، حول هذا الاحتمال، إلى أن حزب الشعب الجمهوري تقدم عام 2007 إلى المحكمة الدستورية بطلب إلغاء التعديل المتعلق بحرية ارتداء الحجاب في الجامعات، وقال في طلبه آنذاك إن هذه الخطوة يمكن أن تفتح الباب أمام المطالبة بحرية ارتداء الحجاب في الدوائر الحكومية والشرطة والجيش. ولفت الوزير إلى أن هذا حدث قبل بضع سنوات فقط، وليس قبل زمن طويل.
حزب الشعب الجمهوري يحاول أن يظهر نفسه كحزب يحترم قيم المجتمع المسلم والحريات الشخصية، ويقول إن حظر ارتداء الحجاب لن يعود، إلا أن التجارب السابقة والحالية تؤكد أن عقلية هذا الحزب مثل "الذيل الذي لا ينعدل"، ولا يمكن أن تتغير، مهما قال وفعل قبل الانتخابات لكسب أصوات الناخبين المتدينين. ولعل أقرب مثال لذلك، هو ما قامت به رئيسة بلدية أسكودار في إسطنبول، سِينَمْ دَدَطاشْ، المنتمية إلى حزب الشعب الجمهوري.
الشعب الجمهوري يحاول أن يظهر نفسه كحزب يحترم قيم المجتمع المسلم والحريات الشخصية، ويقول إن حظر ارتداء الحجاب لن يعود، إلا أن التجارب السابقة والحالية تؤكد أن عقلية هذا الحزب مثل "الذيل الذي لا ينعدل"، ولا يمكن أن تتغير، مهما قال وفعل قبل الانتخابات لكسب أصوات الناخبين المتدينين
منطقة أسكودار معروفة بسكانها المتدينين، وكانت تعتبر من قلاع الأحزاب المحافظة، كما أن الرئيس السابق لبلديتها كان منتميا إلى حزب العدالة والتنمية. ولما فازت مرشحة حزب الشعب الجمهوري برئاسة بلدية أسكودار في الانتخابات المحلية الأخيرة، قامت بإلغاء الأيام والساعات المخصصة للنساء في مسبح البلدية، وفرضت الاختلاط على الجميع في استخدام المسبح. كما أحضرت معلمة رقص من أفريقيا في شهر رمضان المبارك لتعليم الفتيات رقصة "توركينغ"، وهي "تدوير إيقاعي للأطراف اللحمية السفلية بقصد الإثارة الجنسية أو الضحك للجمهور المستهدف"، وفقا لــ"الموسوعة الحرة ويكيبيديا".
تركيا برئاسة رجب طيب أردوغان أزالت العوائق التي وضعت أمام تحفيظ القرآن الكريم وتعليم تلاوته، ومكَّنت الطلاب من حفظ القرآن الكريم كاملا وتلقي العلوم الإسلامية بالتوازي مع مواصلة دراستهم المتوسطة. وإضافةً إلى ذلك، تنظِّم رئاسة الشؤون الدينية دورات صيفية لتعليم الأطفال الصغار تلاوة القرآن الكريم، وهو ما يعارضه حزب الشعب الجمهوري جملة وتفصيلا، بحجة أن النظام العلماني يجب أن لا يلقن الأطفال الصغار أي معلومة متعلقة بالدين ليبقى على مسافة واحدة من جميع الأديان والمذاهب والمعتقدات، ما يعني أن هذه العقلية ستغلق مدارس تحفيظ القرآن الكريم ودورات تعليم تلاوته، إن تمكنت من الفوز في الانتخابات وشكَّلت الحكومة.
رئيس حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزل، في رده على ما قاله وزير التعليم، حاول أن يطمئن الناخبين المتدينين، قائلا إنه هو من سيقف ضد محاولات حظر ارتداء الحجاب في ظل أي حكومة يشكلها حزب الشعب الجمهوري. ولكن مثل هذه التصريحات لا تكفي لإزالة المخاوف، لأن ارتداء الحجاب لم يكن محظورا لوجود قانون أو مادة دستورية، بل كانت القوى المتسلطة على الإرادة الشعبية تحظره بناء على تفسيرها لمبدأ العلمانية، ولا يوجد أي مؤشر يشير إلى تراجع مؤيدي حزب الشعب الجمهوري عن ذاك التفسير المتطرف للعلمانية. مثل هذه التصريحات لا تكفي لإزالة المخاوف، لأن ارتداء الحجاب لم يكن محظورا لوجود قانون أو مادة دستورية، بل كانت القوى المتسلطة على الإرادة الشعبية تحظره بناء على تفسيرها لمبدأ العلمانية، ولا يوجد أي مؤشر يشير إلى تراجع مؤيدي حزب الشعب الجمهوري عن ذاك التفسير المتطرف للعلمانيةبل هناك من يتجرأ منهم على محاولة حظر ارتداء الحجاب في حصته بالجامعة أو شتم الفتيات المحجبات والاعتداء عليهن في الشوارع، رغم وجود حكومة تدافع عن حقوقهن. ومن المتوقع أن يطبق كثير من المسؤولين الموالين للمعارضة، حظر ارتداء الحجاب تلقائيا دون أن ينتظروا قرار الحكومة، لمجرد فوز مرشح حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية.
تركيا تشهد حالة استقطاب غير مسبوق منذ فترة، تغذِّيه المعارضة وفلول تنظيم الكيان الموازي التابع لجماعة غولن. ولضمان استمرار تلك الحالة، يتم شحن الموالين للمعارضة بمشاعر العداء والكراهية تجاه الحكومة والأحزاب المؤيدة لها، من خلال بث الإشاعات والأنباء الكاذبة. ويجعل هذا الوضع الناخبين المؤيدين للمعارضة لا يعترفون أبدا بالخدمات التي تقدمها الحكومة، كما لا يرون الفساد المنتشر في البلديات التي يديرها رؤساء منتمون إلى حزب الشعب الجمهوري، بل ولا يبالون بارتكاب هؤلاء الرؤساء جرائم، مثل اختلاس أموال البلدية أو الابتزاز أو تلقي الرشاوى، ما داموا ينتمون إلى الحزب الذي يؤيدونه، ويعتبرون كافة الاتهامات الموجهة إليهم سياسية مهما كانت مبنية على أدلة دامغة، كما هو الحال في قضية رئيس بلدية إسطنبول المقال أكرم إمام أوغلو.
أوزغور أوزل، بعد انتخابه رئيسا لحزب الشعب الجمهوري، حاول أن يتبنى سياسة تخفيف التوتر بين الحكومة والمعارضة، إلا أن جهوده اصطدمت بجدار عقلية حزبه المترسخة، وسرعان ما عاد إلى لغة التصعيد التي بلغت ذروتها بعد اعتقال إمام أوغلو بتهمة الفساد ودعم الإرهاب. ويسعى حزب الشعب الجمهوري الآن إلى تحريض طلاب المدارس الثانوية ضد الحكومة من أجل تحويلهم إلى حطب يبقي نار الاستقطاب مشتعلة. ومن المؤكد أن هؤلاء الذين يتم شحنهم الآن بكمية كبيرة من مشاعر العداء والكراهية تجاه المواطنين المؤيدين للحكومة، بدعوى أنهم هم من أوصلوا البلاد بأصواتهم إلى الوضع الراهن، سيبحثون عن سبل الانتقام منهم في أول فرصة سيجدونها.
x.com/ismail_yasa