محاكم التفتيش في أمريكا ودعوى مناهضة السامية
تاريخ النشر: 12th, December 2023 GMT
عبد النبي العكري
من أهم تداعيات حرب الإبادة الصهيونية على الشعب الفلسطيني في غزَّة وفلسطين المحتلة والانحياز الأمريكي للكيان المحتل إلى حد كونه شريكًا في هذه الحرب هو انفجار التظاهرات الاحتجاجية في أهم الجامعات الأمريكية من هارفارد شرقًا حتى بيركلي غربًا، مُستعيدة الحركة الاحتجاجية ضد حرب فيتنام في ستينيات القرن الماضي.
لقد أحدثت هذه الاحتجاجات بما يتخللها من فضح الطبيعة العنصرية الإجرامية للكيان الصهيوني والشراكة اللاخلاقية للولايات المتحدة وطبيعة حرب الإبادة المشينة من ناحية ومناصرة الشعب الفلسطيني في مقاومته المشروعة لحرب الإبادة الصهيونية والتحالف الغربي بقيادة أمريكا من ناحية أخرى، نقطة تحول في مواقف النخب الأمريكية والجمهور الأمريكي، ليس فقط تجاه الموقف من الكيان الصهيوني بل تجاه اللوبي الصهيوني في أمريكا وطبيعة النظام الأمريكي القائم على الظلم في الداخل والعدوان في الخارج والتحالف مع قوى الشر وفي مقدمتها الكيان الصهيوني.
إنها مرحلة جديدة تطرح فيها النخب الطلابية في أهم الجامعات الأمريكية والتي يتخرج فيها الكوادر التي تمد مختلف المؤسسات الأمريكية في الدولة والقطاع الخاص والمجتمع والأكاديمية وغيرها رؤية جذرية للنظام الأمريكي القائم وضرورة مناهضته وطرح البديل الإنساني لذلك.
من هنا فقد أثارت هذه المظاهرات والاجتماعات والنقاشات الاحتجاجية في الجامعات الأمريكية قلق الدولة العميقة والمؤسسات التي تستند عليها الدولة الأمريكية والنظام الأمريكي بما في ذلك المسؤولين في الحكومة والكونجرس بمجلسه وقيادات الحزبين الديمقراطي والجمهوري وقادة الشركات الكبرى وأقطاب الإعلام (الميديا) وبالطبع القيادات الصهيونية المتنفده واللوبي المؤيد لإسرائيل وفي مقدمته منظمه "إيباك".
ومن لأهم ساحات هذا الصراع ماجري في الكونجرس الأمريكي من استجواب خطير من قبل لجنة التعليم والعمل في مجلس النواب والذي يسيطر عليه وعلى اللجنة الحزب الجمهوري، لروساء ثلاث من أهم الجامعات الأمريكية وهي جامعة هارفارد ومعهد ماساشوستس للتكنولوجيا "إم.آي.تي" وجامعة بنسلفانيا في تعاملها مع الاحتجاجات الطلابية التي شهدتها هذه الجامعات وغيرها متلازمة مع الحرب الإسرائيلية الأمريكية على الشعب الفلسطيني (حرب غزَّة) منذ 7 أكتوبر 2023، والمستمرة حتى الان.
حظيت جلسة الاستماع من قبل لجنة التربية والعمل والتي ترأسها فرجينيا فوكس (من الحزب الجمهوري)، التي تحولت إلى استجواب في مبنى الكونجرس يوم الثلاثاء بتاريخ 5-12-2023 والذي قادته إيليزا ستونيك عضوة مجلس النواب (عن الحزب الجمهوري) والمعروفة بتأييدها لدونالد ترامب وإسرائيل، بتغطية إعلامية وسياسية هائلة شاركت فيها قيادات الطبقة السياسية والشركات الكبرى والإعلام والأكاديميا. هذا الاستجواب مثّل سابقة خطيرة في تاريخ أمريكا ونظامها السياسي؛ اذ إنه تدخل فاضح من قبل المؤسسة التشريعية في تسيير جامعات مرموقة يُفترض أنها مستقلة في ادارة شؤونها وتصرفها تجاه طلابها، وكان ذلك بمثابة تهديد خطير لحرية التعبير والتفكير في مراكز الأكاديمية المرموقة. وطغى في هذا الاستجواب ما اعتبر من شعارات رددها المحتجون أو لافتات مرفوعة تعتبر معادية للسامية ومنها عباره "الانتفاضة" أو "فلسطين حرة من النهر إلى البحر"، وهي دعوة لإزالة دولة إسرائيل وإبادة اليهود. وبالطبع هذه إسقاطات غير صحيحة ومفتعلة.
حضر للمناقشة والتي تحولت إلى استجواب كل من د. إيليزابث ماجيل رئيسة جامعة بنسلفانيا، ود. كلودين جي رئيسة جامعة هارفارد، ود. سالي كورنبروث رئيسة معهد ماساشوستس للتكنولوجيا.
عرض رؤساء الجامعات الثلاث الخطوات التي اتخذتها جامعاتهم من إجراءات للتصدي لمعاداة السامية المتصاعدة في الجامعات منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزَّة، وكذلك معاداة الإسلام. هنا تدخلت ستيفنك بربط الهتافات بالانتفاضة التي تعني بالعربية الاحتجاجات السلمية للفلسطينيين مع دعوة مفترضة لإبادة اليهود، مؤكدة وهي تخاطبهم "أنتم تعرفون أن استخدام تعبير الانتفاضة في سياق الصراع العربي الإسرائيلي دعوة للمقاومة العنيفة المسلحة ضد دولة "إسرائيل" بما في ذلك العنف ضد المدنيين وإبادة اليهود". وعندما ووجهت بردهم أن تعبير الشعارات والتعبيرات لا تعد تحرشًا أو تحريضًا، إلّا إذا تحولت إلى سلوك عنيف، عادت ستيفنك إلى اثارة خطر إبادة اليهود.
ألحَّت ستيفنك على سؤال كل من رؤساء الجامعات الثلاثة عمّا إذا كانوا يعتبرون الدعوه لإبادة اليهود خطرًا ويتطلب إجراءات بحق الداعين لها من الطلبة من قبل ادارة الجامعة، وأن ردهم يجب أن يكون نعم أو لا، فيما اعتبر رؤساء الجامعات الثلاثه أن الشعارات التي تتردد في احتجاجات طلبة الجامعات هي في إطار حرية التعبير التي كفلها التعديل الأول للدستور الأمريكي. وقد تكررت المحاججة من قبل ستيفنك ورؤساء الجامعات الثلاثة.
وفي ضوء جلسه الاستجواب هذه قررت لجنة التعليم والعمل بمجلس النواب بعد يوميين، فتح تحقيق بحق الجامعات الثلاث فيما اعتبروه فشلها في التصدي لمعاداة السامية.
وما إن انتهت جلسه الاستجواب، حتى ثارت عاصفة ضد رؤساء الجامعات الثلاث على امتداد الولايات المتحدة تطالب بتجريم الهتافات التي يرددها الطلبة المحتجون وغيرهم المعارضة لحرب الإبادة "الإسرائيلية" ضد الشعب الفلسطيني والاحتلال لأرضه وسياسة الضم والفصل العنصري الإسرائيلية وتأييد حق الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه وبناء دولته، والمطالبه باستقاله رؤساء الحامعات الثلاث.
سارع أندرو بيتس المتحدث باسم البيت الأبيض إلى "استنكار ما اعتبر أنها دعوة لإبادة اليهود"، مُرددًا أطروحات ستيفنك المزعومة. وتبعته في ذلك العديد من القيادات اليهودية والسياسية من الحزبين الديمقراطي- ومنهم حاكم ولاية بنسلفانيا جوش شابيرو- والجمهوري اليميني مرشح الرئاسة وحاكم فلوريدا رون دي سانتوس، والذي ينفذ حملة قمع ضد مؤسسات التعليم العليا في فلوريدا باعتبارها ليبرالية!
هنا تدخلت الشركات الكبرى والتي تمول الجامعات في أمريكا مهددة بقطع تمويل الجامعات التي تعتبرها لا تتصدى لمعاداة السامية؛ حيث قامت إحداها بسحب 100 مليون دولار من التمويل الموجهة لجامعة بنسلفانيا عقابًا لها. وطلب عدد من ممولي الجامعات أن ترسل لهم قوائم بالطلاب المشاركين في الاحتجاجات لحجب الدعم عنهم وعدم التعاقد معهم لتدريبهم وإمكانية تشغيلهم مستقبلًا!!
تزايدت الضغوط على رؤساء الجامعات الثلاث وخصوصًا د.ليز ماجيل رئيسة جامعة بنسلفانيا ودفعها إلى الاستقالة لتجنب إلحاق الضرر بجامعتها وسط حملة هوجاء. لكن ما جرى لها سيتكرر في جامعات أخرى. ومن المقرر أن يجري استجواب 8 جامعات أخرى أمام اللجنة والعدد في تزايد.
وفي ظل هذه الحملة، فقد اتخذت إجراءات ضد حرية التعبير وخصوصا في الجامعات بما فيها الجامعات الثلاث. فقد جرى منع عدد من المظاهرات المؤيدة لفلسطين.
وفي جامعة كولمبيا بنيويورك، جرى سحب الاعتراف بتنظيم طلابي فلسطيني وسحب البعثات من طلاب فلسطينيين لمشاركتهم في احتجاجات مناهضة لإسرائيل. هذا على سبيل المثال لا الحصر.
ما يجري من إجراءات قمعية في الجامعات الأمريكية يتم في ظل سياسات وتشريعات وإجراءات في مختلف نواحي الحياة لتطويع المجتمع ومؤسساته للدولة العميقة والرأسمالية المتوحشة والتيار الإنجيلي المسيحي اليميني المتحالف مع الحركة الصهيونية و"إسرائيل"، على حساب مصلحة الشعب الأمريكي وهامش الحريات والآليات الديمقرطية مع محدوديتها.
قبل أيام، وفي سابقة تاريخية، أقر مجلس النواب باغلبية ساحقه اعتبار مناهضة الصهيونية بمثابة مناهضة للسامية؛ مما يتوجب تجريمها، وبموافقة مجلس الشيوخ المتوقعة يصبح قانونًا فيدراليًا نافذًا.
إن صهينة الولايات المتحدة الأمريكية تجري بوتيرة متسارعة وهي عملية شاملة سترتد عواقبها على الشعب الأمريكي وبالطبع على شعب فلسطين الضحية الأولى، وعلى العرب ثانيًا، وعلى العالم بمن فيهم حلفاء أمريكا، والرابح الوحيد الكيان والحركه الصهيونية.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
التزام حكومي واستجابة سريعة.. مصر تتحرك لحماية طلاب المنح الأمريكية بعد تعليق التمويل
في خطوة تعكس التزام الحكومة بالحفاظ على مستقبل طلابها، أعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، حزمة تدابير عاجلة لمواجهة أزمة تعليق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تمويل برامجها لمدة 90 يوما.
وفي إطار حرص وزارة التعليم العالي والبحث العلمي على المستقبل الأكاديمي لطلاب المنح الدراسية ودعمهم، أكد الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي التزام الوزارة بمساندة أبنائها من طلاب هذه المنح في مختلف الجامعات في مصر، وأكد على التعاون الوثيق بين الوزارة والجامعات بما يخدم مصلحة الطلاب في مواصلة مسيرتهم الأكاديمية، باعتبار أن التعليم ركيزة أساسية لبناء مستقبل مشرق لهم وللوطن.
وصرح الدكتور عادل عبدالغفار المتحدث الرسمي للوزارة، أنه تم عقد اجتماع طارئا للمجلس الأعلى للجامعات بحضور الدكتور مصطفى رفعت أمين المجلس الأعلى للجامعات أعضاء المجلس، والدكتور إيهاب عبدالرحمن وكيل الشؤون الأكاديمية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وذلك بنظام «أونلاين» والذي انتهى إلى ضرورة تذليل أي معوقات تواجه طلاب المنح كالتالي:
التأكيد على مراعاة مستقبل أبنائنا من طلاب المنح في كافة الجامعات المصرية (الحكومية والخاصة والأهلية) التي تندرج تحت إشراف المجلس الأعلى للجامعات من تداعيات هذا القرار المؤقت.
وفي هذا الصدد، سوف تلتزم الجامعات بكافة المخصصات والمصروفات الدراسية التي كانت تخصصها الوكالة الأمريكية لأبنائنا الطلاب حتي انتهاء الفصل الدراسي الثاني، كما ستظل الوزارة والجامعات ملتزمة بدعم هؤلاء الطلاب لمواجهة أي تحديات مستقبلية .
هذا، وأحيط المجلس علما بقيام الجامعة الأمريكية بتحمل نفقات الطلاب المصريين المسجلين بالمنحة (200 طالب) خلال الفصل الدراسي الثاني، مع استمرار التنسيق مستقبلا مع الوزارة في هذا الشأن.
كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وجه ميزانية البيت الأبيض بوقف المساعدات والقروض والمنح اعتبارا من اليوم الثلاثاء، وهو ما تسبب في إرسال الجامعات رسائل إلكترونية للطلاب الحاصلين على المنح الدراسية بالوقف المؤقت للمنح.
إشادات بقرار الحكومة وتحمل المصروفاتوفي هذا السياق أكدت المحامية والخبيرة في الشأن القانوني والتشريعي، الدكتورة رحاب التحيوي، أن قرار الحكومة بتحمل الجامعات المصرية مصروفات الطلاب الملتحقين بالمنح الدراسية المقدمة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية يعكس اهتمام الدولة العميق بمصلحة الطلاب وحرصها على استقرارهم الأكاديمي
وأشارت التحيوي لـ صدى البلد إلى أن الجامعات المصرية أظهرت تعاون وسرعة استجابة في التعامل مع الأزمة، ما يعكس وعيها الكبير بأهمية الحفاظ على المسار التعليمي للطلاب وعدم تعريض مستقبلهم لأي مخاطر نتيجة تعليق تمويل برامج المنح لمدة 90 يومًا.
وأعربت الخبيرة القانونية عن تقديرها الكبير للتحرك الفوري الذي قام به المجلس الأعلى للجامعات، مؤكدة أن هذا القرار جاء في الوقت المناسب لحماية مصالح الطلاب، لا سيما أن نظام الدراسة في الجامعات الحكومية ضمن المنحة الأمريكية يعتمد على نظام الساعات المعتمدة، وهو ما يجعل الاستمرارية في سداد المصروفات أمرا ضروريا لعدم تعطل مسيرتهم التعليمية.
كما شددت على ضرورة استمرار التعاون بين الجامعات المختلفة لضمان سرعة إنهاء الأزمة بشكل كامل، مشيدة بالتزام المؤسسات التعليمية المصرية بدعم الطلاب وتحمل مسؤوليتها في هذه الفترة الحرجة.
وأشادت النائبة حنان يشار، عضو لجنة التعليم بمجلس النواب، بالإجراءات السريعة التي اتخذتها الحكومة لحل أزمة الطلاب المتضررين من تعليق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تمويل برامجها لمدة 90 يوما.
وأكدت يشار في تصريحات خاصة لـ صدى البلد أن تدخل المجلس الأعلى للجامعات، برئاسة وزير التعليم العالي، جاء في وقت حاسم ويعكس حرص الدولة على دعم طلابها وضمان استمرار مسيرتهم الأكاديمية دون أي عوائق مالية.
وأضافت النائبة أن التزام الجامعات المصرية، سواء الحكومية أو الخاصة أو الأهلية، بتغطية المصروفات الدراسية والمخصصات المالية للطلاب المتضررين حتى نهاية الفصل الدراسي الثاني، يعد خطوة هامة تعكس التزام الدولة بحماية حقوق الطلاب وتعزيز استقرارهم الأكاديمي.
وأكدت أن هذه المبادرة تظهر وعي الحكومة بأهمية توفير الدعم اللازم للطلاب في مثل هذه الأزمات.
كما اعتبرت النائبة أن هذا التحرك السريع يعكس استجابة الحكومة الفورية للأزمات التعليمية، مشددة على ضرورة استمرار التعاون بين جميع المؤسسات التعليمية لضمان عدم تأثر أي طالب بأي مستجدات مستقبلية.