بالحل أم بالحرب؟.. معضلة الليطاني وعودة سكان شمال إسرائيل إلى قراهم
تاريخ النشر: 12th, December 2023 GMT
تعهد وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، بدفع حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، سواء بالوسائل الدبلوماسية أو العسكرية، وذلك خلال اجتماعه قبل أيام برؤساء المجالس المحلية الواقعة في شمال إسرائيل، بحسب ما ذكر الإعلام الإسرائيلي.
غالانت شدد على أن الأولوية لترتيب سياسي دولي يضمن إخراج حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني، استناداً إلى قرار الأمم المتحدة رقم 1701، لكن إذا لم ينجح الخيار الأول، فإن إسرائيل ستتصرف بكل ما تملك من وسائل لتحقيقه عبر إجراءات عسكرية، مؤكداً أن سكان المناطق الشمالية التي أخليت عقب بدء حزب الله هجماته على إسرائيل، لن يعودوا إلى قراهم قبل ذلك.
تعهد غالانت جاء نتيجة ما تشهده المنطقة الحدودية في جنوب لبنان من تصعيد عسكري متفاقم، منذ اعلان إسرائيل الحرب في غزة رداً على الهجوم غير المسبوق الذي شنته حركة حماس، في السابع من أكتوبر، حيث ينفذ حزب الله عمليات يومية ضد أهداف عسكرية إسرائيلية قرب الحدود، واضعاً ذلك في إطار مساندة قطاع غزة، وترد إسرائيل بقصف مناطق حدودية مستهدفة ما تصفه بتحركات مسلحي حزب الله وبنى تحتية له قرب الحدود.
وتعليقاً على تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي، بأن إسرائيل منفتحة على إمكانية التوصل إلى اتفاق مع حزب الله، إذا تضمن منطقة آمنة على الحدود وضمانات، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر رداً على سؤال للحرة " لن أعلق بشكل محدد على ذلك التقرير أو على هذا الاقتراح لكنني سأقول إن أحد أهدافنا منذ بداية هذا الصراع كان منعه من التوسع وهذا يشمل بالطبع اتساعه إلى شمال إسرائيل وإلى لبنان".
وأضاف ميلر "لقد أجرينا محادثات بشأن ذلك مع الحكومة الإسرائيلية وشجعناها فقالوا إننا لا نريد بشدة أن نرى الصراع يتسع. وقد أجرينا محادثات مع شركاء آخرين في المنطقة. وسندعم الخطوات التي من شأنها تحقيق هذا الهدف".
وعما إذا كانت الولايات المتحدة على علم بأي إنذار قد وجهته إسرائيل إلى الحكومة اللبنانية بهذا الشأن قال ميلر "لست على علم".
رهان.. محط نقض
الأنظار في لبنان متجهة إلى التطورات على الجبهة الجنوبية، وسط ترقب وخشية اللبنانيين من انزلاقها في طوفان النار خلف الحدود، في حال لم تفلح المساعي الدبلوماسية بقبول حزب الله الابتعاد عن الحدود، في حين ينقسم الخبراء العسكريون بشأن استعداد كل من إسرائيل والحزب للحرب الشاملة.
العميد المتقاعد ناجي ملاعب يستبعد "انفجار" الجبهة اللبنانية الإسرائيلية، ويرى أن "عدم تحقيق إسرائيل حتى الآن لأي من الأهداف التي وضعتها في حربها على غزة، إضافة إلى انشغالها في الضفة الغربية وفرزها لعدد كبير من قواتها هناك، والجهد الذي تبذله في إيلات لاصطياد الصواريخ الموجهة إليها من اليمن، كل ذلك يستنزف قدراتها ويعيق فتحها لجبهة جنوب لبنان".
واعتبر ملاعب في حديث لموقع "الحرة" أن "التهديد الذي يقوده غالانت هدفه استثمار الضغط الدولي دبلوماسياً على لبنان كي يحقق ما تطلبه إسرائيل من دون حرب".
أما فيما يتعلق بحزب الله، يقول ملاعب "كما رُسُم آفاق التدخل العسكري للمحور الذي تقوده إيران، رسم أمين عام حزب الله حسن نصر الله دور الحزب بمساندة غزة، وطالما أن الأحداث هناك مشتعلة ستبقى جبهة جنوب لبنان كذلك، وهو ما أكد عليه نصر الله بالقول إن الكلمة للميدان، أي إذا وسّعت إسرائيل ضرباتها كماً ونوعاً سيقوم الحزب بذات الأمر، وهو ما أستبعده في الوقت الحالي".
وعلى عكس ملاعب، يرى العميد المتقاعد خليل الحلو أن الرهان على عدم استعداد إسرائيل فتح جبهة ثانية " رهان خاطئ"، شارحاً لموقع "الحرة" أن "إسرائيل قبل 7 أكتوبر تختلف عما بعده، فقبل هذا التاريخ لم تكن متحمسة لخوض حروب في أي مكان، ولكن بعد الهجوم الذي تعرضت له وإعلانها الحرب على غزة، لا شيء يمكن أن يردعها عن فتح جبهة مع لبنان، وهي قادرة على ذلك".
وقبل أيام، أشار الناطق الرسمي باسم "اليونيفيل"، أندريا تيننتي، إلى أنه "بعد أكثر من شهرين من القصف النشط على طول الخط الأزرق، تتزايد احتمالات حدوث خطأ في التقدير يمكن أن يؤدي إلى نزاع أوسع"، مؤكداً أن "استعادة الاستقرار عبر القنوات الدبلوماسية يمثل أولوية لضمان سلامة جميع المدنيين الذين يعيشون بالقرب من الخط الأزرق، وكذلك سلامة حفظة السلام".
كلام تيننتي جاء بعد تعرضّ برج مراقبة داخل موقع لليونيفيل، بالقرب من منطقة إبل القمح في جنوب لبنان لقصف، أدى إلى أضرار في هيكل البرج، من دون وقوع إصابات، حيث لفت إلى أن "مصدر إطلاق النار قيد التحقيق"، مشدداً على أن "أولوية اليونيفيل تظلّ منصبة على منع التصعيد، وحماية أرواح المدنيين، وضمان سلامة وأمن حفظة السلام".
مفتاح التصعيد
تطالب إسرائيل بتفعيل القرار 1701 الذي تبناه مجلس الأمن الدولي بالإجماع في العام 2006، وأنهى حرباً استمرت 33 يوماً بينها وبين حزب الله، وينص القرار على وقف كامل للعمليات القتالية، وإيجاد منطقة بين الخط الأزرق (الفاصل بين لبنان وإسرائيل) ونهر الليطاني، خالية من المسلحين والمعدات الحربية والأسلحة، ما عدا تلك التابعة للقوات المسلحة اللبنانية وقوات يونيفيل.
ومنذ بدء التصعيد بين حزب الله وإسرائيل، دعت جهات محلية ودولية عدة، أبرزها واشنطن، إلى ضرورة تنفيذ هذا القرار، مما يعني، كما يقول ملاعب "خروج حزب الله من الميدان، وهو ما لا يستطيع أن يطلبه لبنان الرسمي منه طالما لدينا أراض محتلة".
ويضيف "كاد الجهد الفرنسي الذي تنقل بين لبنان وتل أبيب بحضور الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين المقبول من الطرفين، أن يثمر بالتوصل إلى صيغة لترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل".
ويشرح ملاعب "يعترض لبنان على خمس نقاط متعلقة بالخط الأزرق الذي رسمته الأمم المتحدة عام 2000، من أصل 13 نقطة، وحل ذلك ليس بالأمر الصعب بوساطة هوكشتاين".
ويتابع "حزب الله يطالب بانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وبمنطقة آمنة في الجليل شمال إسرائيل تحققها قوات اليونيفيل إسوة بالمنطقة الآمنة التي تطالب بها إسرائيل، عندها يصبح الانتشار العسكري للطرفين بعيداً عن الحدود، وهذا ما لا توافق عليه إسرائيل".
وسبق أن وافق حزب الله، كما يقول الحلو على القرار 1701 "قبل أن يخرقه بإعادة انتشاره في جنوب الليطاني بشكل كامل، كما خرقته إسرائيل، ومن مصلحة الحزب ولبنان تطبيق القرار لنزع فتيل الحرب من أرضنا، مما يعني إخلاء الحزب لجميع مواقعه في الجنوب وتسليمها للجيش اللبناني لتجنيب البلد كارثة كبيرة، وهذا أمر سهل تقنياً" ويضيف "إذا تسلحت إسرائيل بالقرار وطبقته بالقوة لا أعتقد أن هناك دولة واحدة في العالم ستعترض على ما تقوم به".
يذكر أنه ليس لحزب الله أي وجود عسكري مرئي في المنطقة الحدودية اللبنانية، لكنه بنى مخابئ وأنفاقاً يتحرك عناصره فيها، بعضها عابر للحدود، وقد أعلنت إسرائيل في نهاية 2018، تدمير أنفاق اتهمت الحزب بحفرها عبر الحدود.
والسؤال الرئيسي كما يقول الحلو "هل يريد حزب الله فعلاً تطبيق القرار أو الاستمرار بمساندة غزة من بوابة الجبهة اللبنانية الإسرائيلية كما أعلن".
لكن عملياً "مفتاح توتر الوضع في المنطقة بيد إيران"، بحسب ملاعب "وإذا لم تصل إلى ما تريده يمكن أن توتر الوضع في لبنان كما تفعل في العراق واليمن، فسلاح حزب الله وأمواله منها وكذلك قراره وباعتراف أمينه العام".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: شمال إسرائیل جنوب لبنان حزب الله
إقرأ أيضاً:
“حزب الله” يضيِّقُ خيارات العدو.. الهزيمةُ بالحرب أَو بالاتّفاق
يمانيون../
شهد هذا الأسبوعُ أكبرَ تصعيدٍ للعمليات العسكرية من جانب حزب الله ضد العدوّ الصهيوني، منذ بدء معركة (طُـوفَان الأقصى).
وقد جاء ذلك متزامنًا مع حديثٍ واسعٍ من جانب إعلام العدوّ وشركائه عن اقترابِ التوصل إلى اتّفاق مع لبنان؛ الأمر الذي حمل دلالات عديدة مهمة كان أبرزها التأكيد على ما وضّحه سماحة الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم حول انفصال مسارِ المفاوضات عن مسار الميدان، والتأكيد على أن الكلمةَ الفصل هي للأخير؛ وهو ما يعني انسداد أفق الخداع والتحايل أمام العدوّ ورعاته الذين تعودوا على استخدام المفاوضات دائمًا كورقة تكتيكية.
بحسب ما تفيد العديد من وسائل الإعلام والمصادر القريبة من المقاومة، فَــإنَّ حزب الله كان قد تجاوب في وقت سابق مع اتّفاق تهدئةٍ يُفترَضُ أن يمهِّدَ لوقف إطلاق النار في جبهتَي لبنان وغزة، لكن العدوّ الصهيوني رفض ذلك الاتّفاق وأقدم على اغتيال سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله، وكبار القادة الجهاديين في حزب الله، ثم توجّـه نحو العملية البرية في جنوب لبنان، وهو ما مثّل محطة مهمة أكّـدت بشكل واضح أن سقف الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى أية اتّفاقات هو سقفٌ منخفِضٌ، وقابلٌ للانهيار في أية لحظة؛ لأَنَّه مرهونٌ في النهاية بقرار نتنياهو المُصِرِّ دائمًا على استمرار الحرب، وبالتالي فَــإنَّ المفاوضات تصبح مُجَـرّد خطوة تكتيكية في إطار الحرب، وهو ما حدث أكثرَ من مرة خلال العام الماضي فيما يتعلَّقُ بغزة.
ولهذا، كان من الطبيعي أن يؤكّـد سماحة الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في خطابه الأخير، وبشكل صريح، أن المقاومة تفصل بين مسارِ المفاوضات ومسار الميدان، وأن المسار الثاني لن ينتظر الأول، وهو ما تجسد بشكل جلي يوم الأحد الماضي عندما نفَّذ حزب الله 51 عملية ضد كيان العدوّ خلال أقلَّ من 24 ساعةً تضمنت عدةَ ضربات على “تل أبيب”، وهي أكبر حصيلة يومية للمقاومة الإسلامية منذ دخولها معركةَ (طُـوفَان الأقصى) في الثامن من أُكتوبر 2023، حَيثُ جاء هذا التصعيدُ الكبير وغير المسبوق في ذروة الضجيج الإعلامي بشأن قُرب التوصل إلى اتّفاقٍ لوقف إطلاق النار بين كيان العدوّ وحزب الله، وهو ما يوجِّهُ رسالةً واضحةً للعدو بأن مُجَـرّد الحديث عن الاتّفاق أَو حتى تكثيف الجهود الدبلوماسية لن يحدث فرقًا على الميدان طالما استمر العدوان، بل إن ذلك لن يقيِّدَ حتى قرارَ المقاومة في رفع درجة العمل العسكري إلى مستوى غير مسبوق إن تطلب الأمر، وبالتالي ليست هناك مساحاتٌ أمام العدوّ لجني أية مكاسبَ تكتيكية من خلال الترويج للاتّفاق، وليس أمامه سوى الموافقة على شروط المقاومة أيًّا كانت.
هذا أَيْـضًا ما أوضحه سماحةُ الشيخ نعيم قاسم في خطابه عندما أكّـد أن الكلمةَ ستكونُ للميدان، وهو ما يضعُ العدوّ في مأزِقٍ كبير؛ لأَنَّ لجوءه إلى الترويج لاتّفاق مع حزب الله، يأتي على وقع تعاظم خسائره الميدانية في جنوب لبنان مع تعاظم ضربات المقاومة على عمق الأراضي المحتلّة، بما في ذلك يافا وحيفا المحتلّتان، في ظل فشل تام في تثبيت أية سيطرة على القرى الحدودية اللبنانية، وهو ما يعني أن الاتّفاق يعتبر “ضرورة” حتمية لا مفر منها، وفشل محاولة استخدام المفاوضات كتكتيك حربي، يعني أنه لا يوجد سوى طريقَينِ فقط: إما الموافقة على شروط المقاومة بشكل واضح، أَو المخاطرة باستمرار الحرب المفتوحة على احتمالات لا تمكنُ السيطرة عليها.
وفيما لا يرجِّحُ الكثيرُ من المراقبين أن تكون لدى العدوّ الإسرائيلي أيةُ جدية في التوصل إلى اتّفاق حقيقي؛ فَــإنَّ استمرار الحرب يبدو النتيجة الأكثر ترجيحًا، وهو ما يمثّل مأزِقًا حقيقيًّا للعدو، فقد برهنت المقاومة الإسلامية هذا الأسبوع بشكل أكثر وضوحًا أنها لا زالت قادرةً على خوض معركة طويلة والذهاب فيها نحو مستويات أعلى وأوسعَ من التصعيد، ولا زالت تمتلكُ خياراتٍ استراتيجيةً متنوعة تشكل كوارثَ حقيقية بالنسبة للعدو الذي لم يعد يمتلك الكثيرَ بالمقابل؛ فقد ذهب بالفعل إلى التصعيد الكبير واستهدف قيادة حزب الله، ودفع بقواته البرية نحو الجنوب تحت غطاء الغارات الجوية، ولم يعد بوسعه سوى تصعيد المجازر، وهو أمر ستقابله المقاومة دائمًا بتصعيد الضربات، خُصُوصًا وأنها قد ثبتَّتْ -وبشكل عملي واضح هذا الأسبوع- المعادلة التي أعلنها سماحةُ الأمين العام لحزب الله، بعنوان “بيروت مقابل وسط تل أبيب”.
ولهذا فَــإنَّ عدمَ تأثُّر مستوى وشدة وكثافة عمليات المقاومة الإسلامية بالضجيج الدبلوماسي والإعلامي حول التوصل إلى اتّفاق وقف إطلاق النار يمثّل نقطةَ اختناق مزعجةً جِـدًّا للعدو الذي يعرف جيِّدًا أن فشلَه في غزةَ سيكون مضاعَفًا عدة مرات في مواجهة حزب الله إذَا استمرت الحرب، كما يعلمُ أن الرضوخَ لشروط المقاومة سيكونُ إعلانَ هزيمة مُــدَوٍّ لن يستطيعَ احتواءَ آثاره وتداعياته على مسار الصراع بأكمله، سواء في هذه المعركة أَو في المستقبل.