الخرطوم/ عادل عبد الرحيم / الأناضول مع دخول المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شهرها الرابع، تستمر الاشتباكات بين الطرفين بالأسلحة الثقيلة والخفيفة والقصف المدفعي وقصف الطيران في العاصمة الخرطوم وولايات كردفان (جنوب) و دارفور (غرب)، مع غياب تام لحل الأزمة في الأفق المنظور. وفي 15 أبريل/ نيسان الماضي، اندلعت في عدد من مدن السودان اشتباكات واسعة بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، و”الدعم السريع بقادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، خلَّفت أكثر من 3 آلاف قتيل أغلبهم مدنيون، وما يزيد على 2.
8 مليون نازح ولاجئ داخل وخارج إحدى أفقر دول العالم، بحسب وزارة الصحة والأمم المتحدة. وفي ظل أصرار الطرفين على تحقيق الانتصار وإيمان كل منهما بقدرته على سحق الطرف الآخر، تبدو مسألة إيجاد حل للأزمة بعيدة المنال، كما أن غياب إرادة الطرفين لتحقيق وقف دائم لإطلاق النار يعقد المشهد أكثر، حسبما يراه مراقبون. وفي ظل غياب رؤية واضحة لمستقبل المعارك في السودان، تستعرض الأناضول عدة سيناريوهات محتملة لما سيؤول إليه الصراع على المدى القريب. ** السيناريو الأسوأ يحمل استمرار
الحرب لفترة أطول تعقيدات كبيرة قد تؤدي إلى انهيار الدولة، حيث يرى مراقبون أن “الحروب حاليا لا تحسم سريعا، كما حدث في عدة دول، آخرها الحرب الروسية الأوكرانية” التي مازالت مستمرة منذ 24 فبراير/ شباط 2022. وعليه، يبقى سيناريو استمرار الحرب وتوسعها إلى مناطق أخرى ودخول أطراف أخرى فيها، أحد سيناريوهات الأزمة السودانية. ويعد هذا السيناريو هو الأسوأ، حيث لا منتصر فيه، مع توسع المعارك إلى مناطق أخرى فر إليها نحو 2.2 مليون نازح داخلي، ما يمثل أساسا لتحول الصراع إلى حرب أهلية في بلد هش يعاني من نزاعات قبلية بين مكوناته شرقا وغربا وجنوبا. وخلال الأعوام الأخيرة، اشتعل الصراع القبلي في عدة مناطق بالسودان شرقا وغربا، راح ضحيته المئات وأدى إلى نزوح عشرات الآلاف. وفي 9 يوليو/ تموز الجاري، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في بيان، إن “السودان على شفا حرب أهلية واسعة النطاق، مع استمرار الاشتباكات العنيفة بين طرفي النزاع بلا هوادة”. كما أن طول مدة المعارك في الخرطوم يمكن أن يدفع بقوات الدعم السريع إلى محاولة تشتيت جهود الجيش السوداني، بفتح بؤر للحرب في ولايات تعد آمنة نسبيا، خاصة في ولايات الجزيرة (وسط) والنيل الأبيض (جنوب) ونهر النيل (شمال). ويعد هذا السيناريو ممكنا في ظل حضور الجيش في 18 ولاية سودانية بأعداد تقدر بالآلاف في معسكرات تتوزع بمعظم مدن البلاد، يقابله انتشار لقوات الدعم السريع، التي تخوض بالفعل قتالا بجانب الخرطوم في ولايات منطقة كردفان (شمال وغرب و جنوب)، وولايات دارفور الخمسة (شمال وشرق وغرب ووسط وجنوب). وبحسب تقديرات غير رسمية، يبلغ عدد أفراد الجيش السوداني حوالي 105 آلاف جندي فاعل، ونحو 85 ألف جندي في قوات الاحتياط، فيما تقدر قوات الدعم السريع بأكثر من 100 ألف مقاتل. ** سيناريو الانتصار انتصار الجيش في الخرطوم لا يعني أن المعركة ستنتهي، بل من المحتمل أن يكون ذلك بداية لزحف الحرب إلى أطراف البلاد، عطفا على تجارب سابقة من القتال بين الجيش وحركات التمرد في الولايات الطرفية شرقا وغربا وجنوبا، خلال 40 عاما مضت. ويرى متابعون أن انتصار الجيش على “الدعم السريع” في الخرطوم سيدفع الأخيرة إلى التوجه بقوة إلى دارفور التي تعتبر مركز تأسيسها عام 2013، وخبرت المعارك في ذات الإقليم حينما كانت تحارب مع الجيش السوداني ضد الحركات المسلحة آنذاك. وتمثل دارفور أهمية كبرى لـ”الدعم السريع”، حيث تتشكل معظم قواتها من عناصر تنتسب لقبائل الإقليم، وهو الاتهام الذي ظلت تنفيه حكومة الخرطوم سابقا باستمرار. وينفيه أيضا “حميدتي” الذي أكد في عدة مناسبات أن “الدعم السريع قوات قومية عناصرها من كل أنحاء السودان”. ** سيناريو حرب الولايات في حال انهيار الجيش في الخرطوم وسيطرة “الدعم السريع” على العاصمة، سيكون سيناريو حرب الولايات هو السائد. وبحسب مراقبين، سيترك سقوط الخرطوم قوات الجيش في ولايات البلاد الـ18 أمام خيارين؛ إما التسليم للدعم السريع أو خوض حرب أوسع في الولايات. في حال رفض وحدات الجيش في الولايات الانصياع للمسيطر على العاصمة، حينها ستكون ولايات البلاد الأخرى في الشمال والشرق والوسط ساحة لمعركة أوسع، لأن “الدعم السريع” ستحاول اخضاعها بالقوة. ويتكون تنظيم الجيش السوداني من 5 قيادات إقليمية؛ هي القيادة المركزية في الخرطوم والشرقية في القضارف والغربية في الفاشر والوسطى في الأُبيّض والشمالية في شندي. ** سيناريو التقسيم يعد تقسيم السودان أحد السيناريوهات المطروحة لمآلات الحرب الحالية، خاصة في ظل واقع معقد في بلد شهد حروب استمرت 40 عاما في جنوبه وغربه وشرقه. وخيار التقسيم وارد، خاصة وأنه تحقق في انفصال جنوب السودان عام 2011 بعد حرب استمرت عشرين عاما مع الشمال. كما أن الحرب بين الجيش و”الدعم السريع” قد تغري أطرافا كثيرة بأن يكون التقسيم هو الحل لإنهاء الحرب الدائرة منذ سنوات في ولايات دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق. وما يزيد من احتمالية هذا السيناريو هو وجود حركات مسلحة تسيطر على أراضٍ واسعة، مثل “الحركة الشعبية” التي تقاتل في جنوب كردفان (جنوب) والنيل الأزرق (جنوب شرق)، وحركة “تحرير السودان” بقيادة عبد الواحد محمد نور، التي تقاتل في دارفور منذ 2003. وهاتان الحركتان لم تشاركا في مفاوضات السلام التي أدت إلى توقيع اتفاق سلام في جوبا بين حركات مسلحة والخرطوم في أكتوبر/ تشرين الأول 2020. ** سيناريو الضغط الإقليمي والدولي يعتمد هذا السيناريو على قيام المجتمع الدولي والاتحاد الإفريقي ودول الجوار بالضغط على طرفي الصراع في السودان للجلوس إلى طاولة التفاوض وإيقاف القتال. وعلى مدى الأسابيع الماضية، قادت السعودية مبادرة بالتعاون مع الولايات المتحدة محاولات عديدة لرأب الصدع بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”، ونجحت في إتمام أكثر من هدنة عقب استضافة اجتماعات للمتنازعين بمدينة جدة غربي المملكة، لكنها اخفقت في أحداث إيقاف القتال بشكل دائم. ومن المبادرات الاقليمية أيضا، تبرز مبادرة المنظمة الحكومية الدولية للتنمية في شرق إفريقيا “إيغاد” التي أعلنت في 12 يونيو/ حزيران المنصرم تشكيل لجنة رباعية لبحث إنهاء القتال ومعالجة الأزمة في السودان. إلا أن المبادرة لم تنجح بعد في عقد اجتماعات مباشرة بين طرفي الصراع، خاصة مع اعتراض الحكومة السودانية على رئاسة كينيا للجنة الرباعية التي تضم جنوب السودان وجيبوتي والصومال. وفي 10 يوليو الجاري، انسحب وفد الجيش السوداني من اجتماع اللجنة الرباعية في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، اعتراضا على رئاسة كينيا للجنة ومطالبا بتغييرها. و”ايغاد” منظمة حكومية إفريقية شبه إقليمية تأسست عام 1969، تتخذ من جيوتي مقرا لها، وتضم أيضا كلا من إثيوبيا وكينيا وأوغندا والصومال وإريتريا والسودان وجنوب السودان. ** الضغط الشعبي يمثل الحراك الشعبي لإيقاف الحرب إحدى أدوات الضغط على طرفي الصراع لإيقاف الحرب، وهو ما يتطلب جهدا سياسيا وشعبيا واسعا لرفض استمرار الحرب في الخرطوم وامتدادها إلى بقية ولايات البلاد. ومن الممكن ممارسة الضغط الشعبي بالتظاهر والاعتصامات في الولايات الآمنة، ما يتطلب إجماعا شعبيا داخل الولايات أولا، ثم التحرك بشكل أوسع للضغط على الجيش و”الدعم السريع” لدفعهما إلى للتفاوض وإيقاف الحرب. وربما يكون ما شهدته مدن بورتسودان ومدني والقضارف من وقفات احتجاجية خلال الأسابيع الماضية، شرارة حراك شعبي للمطالبة بوقف الحرب.
المصدر: رأي اليوم
كلمات دلالية:
قوات الدعم السریع
الجیش السودانی
فی الولایات
المعارک فی
فی السودان
فی الخرطوم
فی ولایات
بین الجیش
الجیش فی
إقرأ أيضاً:
الجزيرة نت تكشف آخر مناطق سيطرة الدعم السريع بالخرطوم
الخرطوم- مع التقدم المتتابع لعمليات الجيش السوداني في محاور القتال المختلفة، وتمكنه مؤخرا من فرض سيطرته بالكامل على مناطق الخرطوم بحري، وشرق النيل، والكدرو، بعد عمليات استمرت زهاء عامين، ما زالت هناك العديد من المناطق الإستراتيجية المهمة بالعاصمة الخرطوم تحت سيطرة قوات الدعم السريع.
ومع اقتراب الحرب في السودان من مرحلة الحسم، حسب قيادات عسكرية رفيعة تحدثت للجزيرة نت، يبرز السؤال عن أهم المناطق التي وُجدت أو تمددت فيها الدعم السريع في فترات سابقة على نطاق ولاية الخرطوم، واستعصى على الجيش فك عقدتها وتحييدها حتى الآن.
مناطق ساخنة
وتكشف الجزيرة نت، من خلال مصادرها الميدانية المطلعة، أهم تلك المناطق الساخنة التي من المرجح أن تشهد معارك ضارية خلال الفترة القادمة. وفيما يلي إضاءات كاشفة لأهم تلك المواقع بالخرطوم الواقعة تحت سيطرة الدعم السريع.
في محيط القصر ووسط الخرطوم
على وقع العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش السوداني، انحسر وجود قوات الدعم السريع بوسط الخرطوم، حيث لا يتجاوز نطاق وجودها محيط منطقة القصر الجمهوري وعددا من البنايات ومقرات المؤسسات الحكومية الواقعة غرب جامعة الخرطوم، بامتداد حتى مسجد الشهيد بمنطقة المقرن.
كذلك تتمركز الدعم السريع في أجزاء من السوق العربي تنتهي جنوبا بارتكازات قوات المدرعات في محطة جاكسون وكبري الحرية، بالإضافة لمثلث الخرطوم 2 و3 ومنطقة العمارات وشارع 61 الذي تتموضع فيه عدد من المقار العسكرية والإدارية.
إعلان
المدينة الرياضية وشرق الخرطوم
وفي شرق الخرطوم، يوجد أكبر تمركز لقوات الدعم السريع بالمدينة الرياضية التي شهدت انطلاق الرصاصة الأولى في بداية الحرب صبيحة 15 أبريل/نيسان 2023، وتحولت بعد ذلك لمستودع كبير لمنهوبات المدنيين، حيث من المتوقع أن تكون نقطة اشتباكات ساخنة خلال معركة الجيش المستمرة لاستعادة ما تبقى من الخرطوم.
جامعة أفريقيا العالمية والأحياء المجاورة
تُعد هذه الجامعة من أهم المؤسسات غير العسكرية التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع. وبعد أن كانت مصدرا لإشعاع علمي أضاء الكثير من الدول الأفريقية ودولا أخرى من خارج القارة، أحالتها القوات لمنطقة خاصة بتجميع وتشوين قواتها.
وهناك أيضا امتداد لوجود هذه القوات بشكل انفرادي في أحياء الأزهري ومايو والأندلس التي ترتبط بالطرق المؤدية لمحلية جبل أولياء، علاوة على المناطق شرق القيادة العامة بري، وأركويت، والمعمورة، وشارع الستين. ويستمر وجودها حتى منطقة سوبا غربا والباقير.

الدعم السريع لا تزال تسيطر على مناطق إستراتيجية بالخرطوم (الجزيرة) حصار قاسٍ
توتي الجزيرة المحاصرة
في جزيرة توتي، التي توجد في موقع إستراتيجي متوسطة مثلث أم درمان والخرطوم والخرطوم بحري، تُحكم قوات الدعم السريع حصارا قاسيا على ما تبقى من سكانها، المشهور عنهم ارتباطهم الشديد بأرضهم الخصيبة حتى في أشد مواسم الفيضانات التي ضربت الجزيرة.
وتتوالى الشكاوى من استخدام القوات لمزارع توتي الخضراء، التي كانت تمد ولاية الخرطوم بخيراتها الوفيرة من الخضروات والفواكه، في أعمال القتال وتوجيه القصف المدفعي العشوائي صوب مدينة أم درمان، مخلفة في كل مرة مزيدا من الضحايا وسط المدنيين.
وفي ظل معاناة كبيرة للحصول على الطعام والشراب والعلاج، أرغمت الدعم السريع كل من أراد الخروج من الجزيرة على دفع مبالغ طائلة، وفقا لإفادات شهود عيان، بينما تستخدم ما تبقى من سكانها دروعا بشرية، وهو ما يصعب مهمة الجيش في التعامل مع الأهداف العسكرية هناك.
إعلان
الريف الجنوبي وجبل أولياء
في الريف الجنوبي لمدينة أم درمان، توجد قوات الدعم السريع في ضاحية الصالحة وحتى تخوم ولاية شمال كردفان، حيث الكثير من القرى والتجمعات.
وتسيطر الدعم السريع على كامل محلية جبل أولياء بما فيها معسكر طيبة الحسناب الذي يعتبر أكبر تمركزات "المليشيا" في الوقت الحالي داخل ولاية الخرطوم، إلى جانب معسكر الاحتياطي المركزي الذي استولت عليه في وقت سابق مع بداية المعارك عام 2023، وما زال تحت سيطرتها حتى الآن.
أجزاء ضيقة
تمركز بمناطق غرب أم درمان
بات وجود الدعم السريع في غرب أم درمان منحصرا في أجزاء ضيقة بمناطق سوق ليبيا وغرب الحارات، وعدد من الحارات بمنطقة أمبدة، حيث يتم منها القصف المدفعي نحو الأحياء الآمنة المأهولة بالسكان في منطقة الثورات بمحلية كرري في أم درمان.
ويشير البعض إلى أن مناطق غربي أم درمان تُطلق منها المسيّرات التي استهدفت عددا من المرافق الخدمية الحيوية في الأيام الماضية، في حين استبعدت مصادر عسكرية تحدثت للجزيرة ذلك، وأكدت أن إطلاقها يأتي من منصات خارج ولاية الخرطوم في دارفور وكردفان، بدليل أن المسيّرات المستخدمة هي إستراتيجية وانتحارية ذات مرور عالٍ وتقطع مسافات بعيدة.
مناطق خارج السيطرة
يثير وجود المناطق المشار إليها تحت سيطرة الدعم السريع في ولاية الخرطوم تساؤلات بشأن مدى استعصائها وصعوبة استعادتها من قبل الجيش، في وقت يرى فيه متابعون لمجرى العمليات العسكرية أن استعادة الجيش لتلك المواقع أصبحت مسألة وقت، رغم احتفاظها بترسانة من الأسلحة.
ويفرض الجيش على هذه المناطق طوقا بما يشبه الحصار من نواحي الشرق والغرب والشمال حتى الجنوب، خاصة في أعقاب تحرير ولاية الجزيرة ومناطق بولاية سنار ومصفاة الجيلي ومناطق بحري وشرق النيل، التي كانت فيها قوات الدعم السريع التي فقدت قدرتها على المناورة والتعويض بفعل تكتيكات الحصار والتطويق والاستنزاف التي يتبعها الجيش.
ويبدو من الناحيتين النظرية والعملية أنه لا توجد مناطق خارج سيطرة الجيش بولاية الخرطوم يصعب عليه استعادتها، لكن طبيعة الأرض، خاصة في المناطق المبنية، وظروف المعارك قد تبطئ أو تسرع من تقدمه لفرض سيطرته الكاملة على العاصمة الخرطوم.
إعلان