اللغة في خدمة المذبحة.. كيف يؤصل الخطاب الصهيوني لإبادة الفلسطينيين؟
تاريخ النشر: 12th, December 2023 GMT
"لماذا -قل لي- يسمون المصريين مصريين، والسوريين سوريين، واللبنانيين لبنانيين، ولا يسمونهم عربا، هل نحن وحدنا العرب؟ نحن فلسطينيون يا سيدي، قلت له، فقال: مجرد أحلام يقظة".
(رواية "باب الشمس"، إلياس خوري)
في واحد من أشهر تصريحاتها، وأكثرها إثارة للجدل، قالت رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة غولدا مائير في حوار مع صحيفة "صنداي تايمز" في يونيو/حزيران عام 1969: "لم يكن هناك ما يُسمى بالفلسطينيين.
تكرر الخطاب نفسه من غولدا مائير أكثر من مرة، ففي مقابلة عام 1970 تساءلت (1): "متى وُلد الفلسطينيون؟ ماذا كانت كل هذه المنطقة قبل الحرب العالمية الأولى عندما فرضت بريطانيا الانتداب على فلسطين؟ ماذا كانت فلسطين إذن؟ كانت فلسطين آنذاك المنطقة الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط والحدود العراقية، شرق وغرب الضفة كانت فلسطين. أنا فلسطينية، حملت جوازَ سفر فلسطينيا بين عامي 1921-1948، لم يكن هناك شيء في هذه المنطقة يُدعى اليهود والعرب والفلسطينيين، كان هناك فقط يهود وعرب"، وهو الخطاب الذي تكرر أيضا في مقابلتها عام 1972 مع صحيفة "نيويورك تايمز" حين سُئلت عن هذه التصريحات فكررت: " قلت إنه لم تكن هناك قط أمة فلسطينية" (2).
نزع الإنسانية عبر اللغةيُعَدُّ هذا التصريح واحدا من أبرز التصريحات الكاشفة عن جوهر خطاب الصهيونية، فعدم الاعتراف بوجود فلسطين بوصفها أمة أو شعبا قبل قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي يعني انتفاء المسؤولية الأخلاقية عن الكيان المحتل، إذ لا يمكن أن تقتل أو تهجِّر أو تدمر أراضي ومساكن شعب لم يكن موجودا من الأساس، وهو ما يجعل تأكيد الهوية الفلسطينية بمنزلة تحدٍّ للصهيونية على المستويين الفكري والسياسي كليهما.
لم تكن تصريحات غولدا مائير تلك حالة استثنائية أو خطابا فرديا عارضا، فعلى مدار عقود طويلة من الصراع رأينا كيف بُني الخطاب الإسرائيلي السياسي والعسكري على نزع الإنسانية عن الشعب الفلسطيني، سواء عبر إنكار وجوده، أو إنكار إنسانيته أو كليهما معا، فهو إما شعب "غير موجود" من الأساس، وإما شعب أقل تحضرا ويستحق الموت. مثلا في مطلع الثمانينيات، وصف مناحم بيغن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق الفلسطينيين بأنهم "وحوش تمشي على قدمين"، وهي اللغة نفسها التي استخدمها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق رافائيل إيتان في حديثه عام 1983 أمام البرلمان الإسرائيلي حين وصف العرب بأنهم "صراصير مُخدرة في زجاجة" (3).
تتكرر هذه اللغة في الخطاب الإسرائيلي باستمرار، وبنمط واضح لا يمكن أن نغفله، ففي عام 2013 وصف نائب وزير الدفاع الإسرائيلي السابق إيلي بن دهان في مقابلة الفلسطينيين بأنهم "كالحيوانات بالنسبة لي، هم ليسوا بشرا" (4). هذه الأوصاف نفسها التي تكررت، وبعبارات متطابقة تقريبا، على ألسنة المسؤولين الحاليين في دولة الاحتلال، وأبرزهم وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الذي وصف سكان غزة بأنهم "حيوانات بشرية"، ما يمنحه الحق ببساطة أن يحاصرهم ويمنع عنهم الكهرباء والماء والطعام والوقود. وقد وردت اللغة العنصرية ذاتها على لسان بنيامين نتنياهو الذي وصف المقاومة الفلسطينية بأنها "وحوش بشرية تحتفل بقتل النساء والأطفال وكبار السن".
المفارقة أن هذا النمط ذاته من "حيونة" فئة ما من البشر، بل وإنكار وجودها بالكلية، تكرر مرارا عبر التاريخ بوصفه مبررا للاستعمار والغزو، ولإضفاء الشرعية على عمليات الإبادة العِرقية، وأقرب الأمثلة على ذلك الخطاب الاستعماري الغربي القائم على تصنيفات عِرقية يسود فيها العِرق الأبيض، ويصبح له الحق في الأراضي الممتدة عبر أفريقيا وآسيا والأميركتين، متجاهلا وجود سكان الأراضي الأصليين.
العلم المشوّه في خدمة الاستعمارالمفارقة الأهم أن هذا الخطاب لم يظل معلقا هكذا في الفراغ، بل بحث عن جذور "علمية" واجتماعية مصطنعة بغية ترسيخ نفسه. في كتابه "الصهيونية من وجهة نظر ضحاياها"، يطرح المفكر الفلسطيني البارز إدوارد سعيد نظرة على العلوم الاجتماعية بوصفها أداة من أدوات الإمبريالية، تطورت تحت ظروف تاريخية معينة، ومكَّنت الإمبريالية الأوروبية في القرن التاسع عشر من إعادة تشكيل العالم، فيما أشار إليه بـ"تشوه العلم".
يناقش سعيد في كتابه كيف تطورت هذه المفاهيم العِرقية الاستعمارية انطلاقا من مبادئ علم اللغة ونظريات اللغويين الألمان مثل ماكس مولر وفريدريش شليجل في تصنيف اللغات، وهي المفاهيم التي انتقلت إلى العلوم الإثنية وتوسعت لإنتاج تصنيفات عِرقية يسود فيها العِرق الأبيض (من وجهة نظر العلم) على بقية الأعراق. وبحلول منتصف القرن التاسع عشر، ساهمت هذه الاعتقادات العلمية الزائفة في تعزيز الاعتقاد بأن على الأوروبيين أن يحكموا غير الأوروبيين، لتصبح الأراضي التي يسكنها أولئك الذين اعتُبروا من الأعراق الأدنى متاحة أمام المستعمر الأبيض (5).
(مواقع التواصل)يوضح إدوارد سعيد في كتابه كيف تبنَّى ثيودور هرتزل مؤسس الفكر الصهيوني هذا المنظور الإمبريالي في النظر إلى الفلسطينيين بوصفهم "سكانا" أدنى منزلة، وهو المنظور الذي امتد إلى العلاقة بالأرض. فقد نظر المستعمر الأوروبي إلى السكان الأصليين لأفريقيا أو آسيا أو الأميركتين باعتبارهم شعوبا همجية وأقل تحضرا، لا تجيد زراعة الأرض أو استغلال مواردها بطريقة فعالة وفقا للمعايير الغربية، مقارنة بالرجل الأبيض/الأوروبي المتحضر الذي يملك الاستحقاق اللازم -بناء على هذه المفاهيم- لحرمان الشعوب الأصلية من أراضيها.
ومن المنطلق الأوروبي الإمبريالي نفسه، رأت الصهيونية فلسطين أرضا "فارغة" يسكنها شعب أدنى. ويظهر ذلك في وصف حاييم وايزمان، أحد أبرز مفكري الصهيونية ومؤسسيها، لفلسطين بالقول: "يبدو أن الله غطى تربة فلسطين بالصخور والمستنقعات والرمل بحيث إن جمالها الحقيقي يمكن أن يُظهره فقط أولئك الذين يحبونها ويكرّسون حياتهم لشفاء جروحها"، قاصدا الصهاينة بالقطع (6).
إطار للمذبحةلقد شاهدنا أصداء هذا الاستعارات اللغوية العِرقية الاستعمارية في خطابات السياسيين والإعلاميين الإسرائيليين، وهي استعارات اختلطت بتبريرات مشوهة لجرائم الحرب الشنيعة التي تقوم بها دولة الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة. صُمِّمت هذه التبريرات لتجاوز القيود التي يفرضها القانون الدولي على آلة القتل الإسرائيلية، مثل مسألة التفرقة بين المقاتلين والمدنيين. على سبيل المثال، يشير غيورا آيلاند، وهو رئيس سابق لمجلس الأمن القومي ويعمل حاليا مستشارا لوزير الدفاع يوآف غالانت، إلى أن نساء غزة "جميعهن أمهات أو أخوات أو زوجات قتلة حماس، وهم جزء من البنية التحتية التي تدعم المنظمة"، مضيفا أن "على إسرائيل أن تستخدم نقص الوقود والماء لإجبار قادة حماس العسكريين على الاستسلام في جنوب غزة، عندما لا يكون لديهم وقود ولا ماء، وعندما تصل الأوبئة إليهم أيضا"، ومؤكدا أن "العدو ليس فقط مقاتلي حماس المسلحين، ولكن أيضا جميع المسؤولين المدنيين، بمَن فيهم مديرو المستشفيات ومديرو المدارس، وجميع سكان غزة" (7).
تستخدم قوات الاحتلال مزيجا من الاستعارات الاستعمارية والتبريرات المتحايلة على القانون كي تشوه الحقيقة وتبرر مقتل ما يزيد على 18 ألف إنسان أغلبهم من الأطفال والنساء، وسجن آلاف الفلسطينيين على أساس أنهم بشر من "منزلة أقل"، وربما ليسوا بشرا على الإطلاق. في تقريرها (8) عن اتفاقية تبادل الأسرى الأخيرة بين حماس وإسرائيل، استخدمت جريدة "تايمز أوف إسرائيل" عبارة تكشف بوضوح عن هذه البنية اللغوية/الفكرية: "ستفرج إسرائيل عن 150 سجينا أمنيا فلسطينيا (مراهقا وأنثى) خلال وقف إطلاق النار لمدة أربعة أيام مقابل 50 (امرأة وطفلا) إسرائيليا تحتجزهم حماس في غزة منذ 7 أكتوبر". طبقا لقاموس كامبريدج فإن لفظة "أنثى" (female) المستخدمة في وصف أسرى الجانب الفلسطيني بالإمكان استخدامها سواء كانت الأنثى أنثى إنسان أو حيوان أو نبات، أما لفظة "امرأة" (woman) فهي لا تُستخدم سوى للتعبير عن أنثى الإنسان.
ينسحب هذا الخطاب أيضا على الضحايا، فبينما قدم الإعلام قتلى عملية "طوفان الأقصى" من الجانب الإسرائيلي باعتبارهم بشرا لهم قصص تستحق الرواية بوصفها مآسي تراجيدية محزنة، يقدم الخطاب الإعلامي الإسرائيلي والغربي شهداء الفلسطينيين الذين يتجاوز عددهم قتلى الاحتلال أضعافا مضاعفة باعتبارهم أرقاما لا تستحق التوقف لأكثر من سطر في خبر عابر.
لقد برزت اللغة في سياق الحرب على غزة بوصفها إطارا أساسيا للمذبحة، يكشف عن بنية الفكر الاستعماري، ويؤصِّل لأعماله العسكرية ومذابحه ويبررها، ويكشف عن عقيدة راسخة ربما يمتد عمرها لأطول من عمر دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهي عقيدة تنظر إلى الآخر بوصفه كائنا أقل إنسانية، بل إنها ربما تنفي وجوده من الأساس.
____________________________________
المصادر:
Golda Meir: I’m a Palestinian, from 1921 to 1948 I carried a Palestinian passport A talk with Golda Meir ‘Human Animals’: this sordid language gives Israel a ‘Licence to Kill’ نائب وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد: الفلسطينيون “حيوانات” – تايمز أوف إسرائيل الصهيونية من وجهة نظر ضحاياها: إدوارد سعيد ترجمة د. فؤاد عبد المطلب التجربة والخطأ: سيرة ذاتية: حاييم وايزمان. ترجمة: وديع البستاني Influential Israeli national security leader makes the case for genocide in Gaza – Mondoweiss Palestinian just convicted of stabbing her neighbor may be freed in Hamas dealالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دولة الاحتلال لم یکن
إقرأ أيضاً:
تحليل خطاب نعيم قاسم.. صمود المقاومة والتأكيد على النصر ودغدغة المشاعر العربية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
حمل خطاب نعيم قاسم الأمين العام لحزب الله في لبنان خلال كلمته المسجلة التي بثها إعلاميًا مساء يوم 27 يناير 2025، عنوان "سردية وجرد حساب"، وباستخدام منهج تحليل الخطاب اللساني والرسمي لتحليل خطاب قاسم نجده مقسم إلى ست نقاط رئيسية:
1- ماذا واجهنا: استعرض العدوان الإسرائيلي على لبنان وتفوقه العسكري مقابل قوة المقاومة.
2- مصارحة مع الناس: بتوضيح أسباب الخسائر والرد على تساؤلات جمهور المقاومة.
3- حديث عن وقف إطلاق النار: بتفسير أسباب قبول الحزب وقف إطلاق النار وشروطه.
4- مواجهة الحملة المضادة ضد حزب الله: بالرد على الانتقادات الداخلية والخارجية.
5- ماذا بعد انتهاء مهلة الانسحاب الإسرائيلي: لتأكيد رفض تمديد الاحتلال وضرورة الانسحاب الفوري (يعكس ذلك أن الكلمة سجلت قبل موافقة لبنان على تمديد المهلة).
6- حديث عن الرئاسة والحكومة: للتأكيد على دور الحزب في تحقيق التوافق الوطني وإعادة الإعمار.
أولًا: الأسلوب البلاغياستخدم الخطاب عبارات قوية مليئة بالشحنة العاطفية مثل "النصر"، "التضحيات"، و"الشهداء"، واعتمد على مزيج من التعابير الدينية والوطنية، مما يعزز الترابط بين العقيدة والجمهور المستهدف، موظفًا آيات قرآنية مثل "ألا إن نصر الله قريب"، لتعزيز ثقة الجمهور واستحضار البعد الإيماني.
ثانيًا: تكرار الكلماتكلمة "نصر" تم تكرارها 10 مرات في سياقات مختلفة، في كلمة مدتها 50 دقيقة، أي بمعدل مرتين كل 10 دقائق؛ لتعزيز الشعور بالنصر وتعميق الفكرة لدى المستمعين.
كما يهدف التكرار لإيصال رسائل متعددة، منها:
تثبيت الشعور بأن المقاومة حققت إنجازات ميدانية وسياسية.
مواجهة الحملة الإعلامية المضادة التي حاولت التقليل من إنجازات المقاومة.
التأكيد على أن "النصر" ليس فقط عسكريًا، بل هو صمود وإرادة واستمرارية.
استخدام ثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة" للتأكيد على أنها الأساس لتحقيق النصر وحماية الوطن.
ركز الخطاب على استعراض عدد من التحديات التي واجهتها المقاومة، سواء كانت عسكرية أو سياسية، وكذلك التضحيات التي قدمتها، وكانت التحديات مثل إبراز تفوق المقاومة بإيمانها وإرادتها رغم التفوق العسكري الإسرائيلي.
أما التضحيات فقد أشار الأمين العام لحزب الله في خطابه إلى حجم التضحيات التي قدمتها المقاومة، من شهداء وقيادات، كما تم التركيز على دور الشعب اللبناني الداعم للمقاومة، وذكر عددًا من الإنجازات مثل وقف العدوان الإسرائيلي، وإفشال المخططات الداخلية والخارجية لإنهاء المقاومة، وتحقيق تماسك داخلي بين مختلف مكونات الشعب اللبناني، واستعادة الأرض، والإفراج عن الأسرى.
وأشار إلى أن المقاومة ليست مجرد قوة عسكرية بل خيار عقائدي وسياسي وإنساني، مما يعزز شرعيتها أمام جمهورها وأمام العالم.
يعكس الخطاب رغبة المقاومة في تقديم صورة "المنتصر" بالرغم من التحديات، ويُظهر ارتباطًا قويًا بين المقاومة وداعميها الإقليميين، خاصة إيران. كما يؤكد على ضرورة استمرار المقاومة كعنصر أساسي في حماية لبنان وسيادته.
كما يعكس أيضًا نبرة تفاؤل وتأكيد على الإنجازات بالرغم من التحديات، ويعزز صورة المقاومة كقوة فاعلة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. وتكرار كلمة "نصر" يُظهر أهمية التركيز على الإنجازات لإحباط الدعاية المضادة وتعزيز الثقة بين جمهور المقاومة.
وقدم نعيم قاسم "مصارحة" مع جمهور المقاومة، معترفًا بالخسائر الكبيرة بما في ذلك فقدان قيادات بارزة مثل حسن نصر الله، الأمين العام الأسبق لحزب الله في لبنان، مبررًا هذه الخسائر بظروف استثنائية مثل التفوق التكنولوجي الإسرائيلي والانكشاف الأمني، حيث أكد أن النصر لا يُقاس بالقوة العسكرية وحدها بل بالإيمان والصمود.
وشدد الخطاب على دور المقاومة في حماية لبنان واستعادة السيادة الوطنية، مشيرًا إلى أن استمرار الاحتلال يفرض وجود مقاومة فاعلة.
حمل الخطاب رسائل واضحة للمجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة وفرنسا، بتحميلهم مسؤولية استمرار الاحتلال الإسرائيلي.
كما أن ذكر الخروقات الإسرائيلية و"الضعف الإسرائيلي" قد يكون رسالة للولايات المتحدة والغرب بأن المقاومة ليست مجرد حركة محلية، بل عنصر إقليمي قوي.
وعلى الصعيد الداخلي أظهر دعمًا للرئيس اللبناني جوزيف عون والحكومة الجديدة، مؤكدًا دور حزب الله في تحقيق التوافق الوطني.
استخدم الخطاب لغة حماسية ومشحونة بالعاطفة لتعزيز الروح المعنوية لجمهور المقاومة، تخللته إشارات دينية قوية مثل الاستشهاد بالآيات القرآنية والتأكيد على القيم الحسينية (الطائفية الشيعية)، مما يعكس البعد العقائدي للمقاومة، واعتماد أسلوب التكرار (مثل "سجلوا هذا نصر") لترسيخ فكرة الانتصار في أذهان المستمعين.
ربط الإنجازات بالتضحيات من خلال ارتباط كلمات "الشهادة" و"النصر" له دلالة نفسية عاطفية للربط العاطفي بين المقاومة وحاضنتها الشعبية.
جاء الخطاب في سياق زمني حساس على المستويين المحلي والإقليمي:
إقليميًا: يأتي الخطاب غالبًا في إطار التوترات المستمرة مع الاحتلال الإسرائيلي، خصوصًا مع تصاعد الخطاب الإقليمي حول المقاومة الفلسطينية والوضع في غزة والضفة.
بالإضافة إلى توقيت الخطاب يتزامن مع تطورات إقليمية مرتبطة بالمحور الإيراني (إيران، سوريا، المقاومة اللبنانية) خاصة في ظل الدعم الإيراني المستمر للمقاومة، كما يبرز الخطاب التحالف مع إيران وسوريا، ما يعكس محاولة لتوحيد الجبهة ضد إسرائيل أو أي تهديدات محتملة.
كما يأتي الخطاب بعد عدوان إسرائيلي كبير وخسائر بشرية ومادية للمقاومة، مما استدعى تقديم تفسير شامل للأحداث إقليميًا وإظهار حزب الله حرصه على الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية وتأكيد دوره كمدافع عن السيادة اللبنانية محليًا.
محليًا: يمر لبنان بأزمة اقتصادية خانقة، مع تعثر تشكيل حكومة جديدة أو تحقيق تقدم في الإصلاحات الاقتصادية، كما يحمل الخطاب رسالة تطمين للجمهور المؤيد للمقاومة، مع التركيز على الإنجازات لإبقاء الحاضنة الشعبية صامدة في ظل الظروف الصعبة.
وقد يكون التوقيت مرتبطًا بتطورات سياسية داخلية، مثل مناقشات حول تشكيل الحكومة بعد انتخاب رئيس الجمهورية، كما أن الحديث عن الوحدة الوطنية ودور الدولة يشير إلى محاولة تعزيز صورة حزب الله كجزء من الحل الوطني وليس جزءًا من الأزمة.
وأخيرًا فإن توقيت الخطاب يأتي كجزء من استراتيجية الحفاظ على زخم الدعم الشعبي للمقاومة في ظل التحولات الإقليمية والدولية.