جذور التطهير العرقي الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني.. قراءة في كتاب
تاريخ النشر: 12th, December 2023 GMT
الكتاب: التطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني
فعل استعماري استيطاني صهيوني محوري مستمر
الكاتبة: اسلام شحدة العالول
الناشر: مركز الزيتونة للدراسات والنشر، الطبعة الأولى بيروت عام 2023م.
عدد الصفحات 367
أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات كتاباً جديداً بعنوان “التطهير العرقي ضدّ الشعب الفلسطيني: فعل استعماري استيطاني صهيوني محوري ومستمر”، في 386 صفحة من القطع المتوسط، للأستاذة إسلام شحدة العالول.
قدّم الكتاب د. نهاد محمد الشيخ خليل، الأكاديمي والمحاضر في الجامعة الإسلامية بغزة قسم التاريخ، الذي رأى أن إسهام الشباب في بناء السرديات الكبرى المتعلقة بالقضية الوطنية للشعب الفلسطيني هو أكثر ما يبعث الأمل في النفوس، خصوصاً في ظلّ حالة الإحباط التي تعيشها شرائح واسعة من الناس، والضغوط والتحديات التي يفرضها الاحتلال على أبناء الشعب الفلسطيني.
إن عمليات التطهير العرقي المنظم الذي مارسته الحركة الصهيونية قبل عام 1948م، فاقت ما يمكن وصفه بالجرائم الحرب الدولية، فدولة الاحتلال بعد أن تمكنت من مسح 560 قرية فلسطينية عام 1948م، وشردت أكثر من مليون فلسطيني من قراهم ومدنهم، تخوض اليوم حربا على الوجود الفلسطيني، عبر الحرب الديمغرافية، لتقليص عدد الشعب الفلسطيني؛ فأرنون سوفر حذر دولة الاحتلال في أكثر من مؤتمر من مؤتمرات مركز هرتسيليا بالواقع الديمغرافي الذي تعيشه دولة الاحتلال، كونه يشكل تهديدا للأمن القومي الإسرائيلي في الجليل والمثلث والنقب والقدس، فهي تسابق الزمن لرفع نسبة عدد اليهود في القدس الشرقية، وترغب في ترحيل منطقة المثلث الفلسطيني، وفق ما جاء في صفقة القرن، في الوقت الذي تنشد فيه دولة الاحتلال بأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، ولكنها ديمقراطية بالمفهوم العنصري، فمعظم الحروب التي خاضتها إسرائيل بعد حرب النكبة الفلسطينية عام 1948، كان هدفها تهجير أكبر عدد ممكن من الشعب الفلسطيني ومحو أي أمل في تحقيق حلم العودة الذي أقرته الشرائع والقوانين الدولية وفق لقرار 194 القاضي بحق عودة اللاجئين لديارهم وممتلكاتهم.
ولتمزيق الشعب الفلسطيني وسلبه ما تبقى من أرضه، وتشتيته بصورة أكبر شنت حرب عام 1967م العسكرية، التي تزامنت مع خطة إسرائيلية هدفها إضعاف الشعب الفلسطيني، وتشير الكاتبة: "استخدمت دولة الاحتلال سياسات متعددة، ومتطورة وفق الأحداث؛ بهدف تحويل الفلسطينيين من حضور قوي مكثف على أرضهم إلى مركزين داخل معازل متفرقة لا ارتباط بينها، في مقدمة لاجتثاثهم من أرضهم ونفيهم مفرقين أشتاتاً في العالم؛ ولذلك فقد تبنت الحكومات الصهيونية المتلاحقة مصطلحاً مراوغاً للتهجير القسري، أسمته الهجرة الطوعي، الذي يعني نهب الأرض والموارد، وسد سبل العيش أمام الفلسطينيين، بحيث يدفعون إلى الهجرة بالتدريج من دون حاجة إلى القيام بعمل عنيف مباشر ضدهم" ص24.
مع تعدد المجازر الإسرائيلية وآلة القمع، سطر الصمود الفلسطيني أروع مشاهد البطولة والكرامة العربية، فلم تستطع إسرائيل بمجازرها وعتادها العسكري، أن تطفئ شعلة المقاومة الفلسطينية في جنين أو نابلس أو القدس أو قطاع غزة، بل إن الإرهاب الإسرائيلي أعاد للمقاومة الفلسطينية وهجها في الداخل الفلسطيني، في صورة لم يشهد لها التاريخ الفلسطيني مثيلا عام 2021م، كيف لا وصاحب الأرض يستميت دفاعاً عن وطنه، في ظل صراع صفري مع المنظمات الصهيونية العنصرية على الوجود، القائم على إما نحن وإما هم، ففلسطين ستبقى جامعة الكل الفلسطيني على الرغم من ضعف إمكانياته مقارنة بالترسانة العسكرية الإٍسرائيلية.
تذكر الكاتبة أن هدف وضع هذه الدراسة جاء لـ"توضيح الأفكار باستخدام المخططات التوضيحية والصور الأرشيفية والخرائط، لأن الإيقاع البصري أثناء القراءة يساهم بشكل أفضل في إيصال المعلومة" ص27، فهي تطرح الموضوع وتدعمه بالصورة والخريطة والتحليل، والإضاءات، وتضيف جاء الكتاب ليوضح أن التطهير العرقي هو الوصف الدقيق لما حصل عام 1948م، خاصة مع وجود تعريف محدد له وفق القانون الدولي، وأن مصطلح النكبة وبعدها النكسة هو مصطلح مضلل وفيه إخفاء لحجم الجريمة.
تمهيد مفاهيمي
تناولت الكاتبة في الفصل الأول تمهيدا مفاهيميا للاستعمار والتطهير العرقي في السياق الفلسطيني، فمراجعة التاريخ الإنساني تبين أن الفعل الاستعماري سمة منتشرة ومتكررة، منذ الإمبراطورية الرومانية ، إلا أن الممارسات الاستعمارية التي قادتها القارة الأوروبية كانت أكثر اجراماً وتأثيراً، عبر إحداث تبديل ديمغرافي حينا، وإعادة بناء استعمار اقتصادي في البلدان المستعمرة حينا أخر، بما يتوافق مع مصالح القوى المستعمرة، فمازالت دول عربية عديدة تعاني من اقتصاد يتسم بالتبعية الاقتصادية للدول التي سبقت وأن استعمرتها، فالاستعمار الاقتصادي وكذلك الاجتماعي والثقافي، يعد الأسهل على الدول المستعمرة من الاستعمار العسكري، فعقد الاتفاقات الاقتصادية أو الثقافية الثنائية قد لا تكون واضحة لعموم الشعب، فهما بوابة التحكم في الدول النامية خاصة كالهند، أما الاستعمار الصهيوني فتشير" إن الاستعمار الصهيوني لفلسطين بنية وعملية مستمرة وليس حدثاً منفصلاً...
ومازال النهج الاستعماري الصهيوني مستمر دون توقف، فعمليات الاقتلاع ومصادرة الأراضي وترحيل الفلسطينيين، وسياسات الفصل العنصري مكونات راسخة للمشروع الاستعماري الاستيطاني، أي أن فكرة المشروع الصهيوني ترتكز على محو الفلسطينيين من فلسطين، واستبدالهم بالمهاجرين اليهود، ولا يستقيم هذا المشروع من غير الاستحواذ على الأرض التي تشكل أهم رأس مال مادي يمتلكه الفلسطيني" ص39 .
مر الاستعمار الاستيطاني الإحلالي بتحولات مهمة، بعد عملية التطهير العرقي خلال حرب عام 1948م، فما بين النكبة ونكسة عام 1967م، حاولت دولة الاحتلال إخضاع السكان الأصلانيين عبر استخدام التطهير العرقي، واستغلت فلسطيني عام 1948م كعمالة رخيصة تم حصرهم في أفقر الاحياء، بأدنى الخدمات بعد الاستيلاء على مواردهم التي تساعدهم على العيش دون الاعتماد على دولة الاحتلال، ومع كل ذلك يغيب توصيف الاستعمار الصهيوني عن المؤرخون الجدد لفلسطين المحتلة عام 1948م، حيث ان الاستعمار الصهيوني يبدأ لديهم باحتلال عام 1967م، أي عندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث نظروا إليها باعتبارها المتروبول، أي الدولة الأم، وإلى المستوطنين في الضفة الغربية بمنزلة مبعوثيها!!.
تنبه الكاتبة بالقول: "يشرعن بعض المثقفين الغربيين لإسرائيل صفة الديمقراطية بمنح الفلسطينيين الجنسية الإسرائيلية ما يعني نفي الصفة الاستعمارية عنها...وعلى أنها ممارسات دولاتية إسرائيلية منصفة، تنفي عن إسرائيل صفة دولة استعمارية، وتنفي أيضا وقوع الفلسطينيين تحت الشرط الاستعماري" ص47 ، ففرض الجنسية الإسرائيلية لم تكن مبادرة إسرائيلية ولكنها جاءت استجابة للمطالب الدولية لقبول خطة الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرار التقسيم، ولم يكن هناك أي اعتراض من الأحزاب الصهيونية على منحهم الجنسية؛ كون عددهم لم يزد عن 160 ألف فلسطيني، ولا يشكلون ثقل سياسي وديمغرافي على الحكومة الإسرائيلية بعكس الواقع اليوم فهم يشكلون أكثر من 20% من المجتمع الصهيوني، ويمثلون تهديداً ديمغرافياً مقلق لدولة الاحتلال، جعل بعض قادتها يطرحون العديد من المشاريع التهويدية للجليل والنقب، وبروز أصوات صهيونية يمينية للتخلص من المثلث الفلسطيني بشرياً، أي بعد سلبهم أراضيهم وقراهم، وضمهم لأراضي السلطة الفلسطينية دون أراضيهم.
الاحتلال مارس التطهير العرقي فكرا وفعلا
مارست الحركة الصهيونية التطهير العرقي فكراً وفعلاً خلال الفترة 1947 ـ 1949م، حينما بثت الشائعات الزائفة بأن أرض فلسطين أرض خالية، و أن من يسكنها لم يشكلوا شعب ذو حضارة، ووصفهم هرتزل بأنهم سلسلة من الرعاة واللصوص، كما أطلق عليهم حاييم وايزمن لقب كوشيم أو الزنوج الذي لا قيم لهم بحسب وصفه، في حين اعترف جابوتنسكي بوجود الشعب الفلسطيني الذي لا يمكنه ان يتنازل عن حقوقه، وهذا ما أدركته الحركة الصهيونية جيداً منذ أول عملية تطهير عرقي تمت في قرية الجعوانة عام 1886م، ورفضت الكاتبة وصف التهجير القسري للفلسطينيين بأنه عملية ترانسفير "يعتبر مصطلح الترانسفير مصطلح مضلل لما ترنو له الصهيونية من تهجير قسري للفلسطينيين؛ للاستيلاء على أراضيهم، ومسح اسم فلسطين من الوجود، لأن كل الخطابات الصهيونية أخفوا حقيقة ما سيقومون به من عمليات تطهير عرقي لأراضي فلسطين، وصدروا للإعلام والعالم أن العملية هي فقط ترانسفير، أي نقل للفلسطينيين من أرض إلى أرض أخرى ضمن حدود وطنهم الأكبر الوطن العربي" ص55
ما يميز هذه الدراسة أنها في ردها على الرواية الصهيونية لم تستخدم الأدلة اللفظية والواقعية، ولكنها استخدمت الصورة الحية للحياة الثقافية والحضارية لفلسطين المحتلة.. وأكدت في كل فصل من فصول الدراسة أن التطهير العرقي الإسرائيلي يمارس ضد الشعب الفلسطيني حتى اليوم بكل حذافيره، السياسية والدينية والاقتصادية والعسكرية والحضارية والثقافية.وحين لم يلبي قرار التقسيم الأطماع الصهيونية، ولم يرضي طموحاتهم راحت المنظمات العسكرية تفرض قرار التقسيم الذي ترتأيه المستند على نظرية التطهير العرقي، واستخدمت المنظمات العسكرية "كشتيرن والبلماخ والهاغاناة" مصطلح التنظيف في عمليات الطرد والتشريد للشعب الفلسطيني، وراحت تنفذ الإرهاب الصهيوني مستهدفة الساحل الفلسطيني في المدن الرئيسة يافا، حيفا، القدس ولم يسلم الريف الفلسطيني أيضا من الغارات والتفجيرات بالتزامن مع تدمير البيوت والمجازر الهادفة إلى ترويع الفلسطينيين، وحملهم على الرحيل بحسب الخطة"ج"، التي أفضت لتهجير أكثر من 30 ألف فلسطيني، لتستعد الحركة الصهيونية بعدها لتنفيذ خطة دالت التي تم تنفيذها في نيسان عام 1948م، عندما تنامي إليها التوجه نحو إقرار التقسيم: "مع وجود مؤشرات على أن الدعم الأمريكي لقرار التقسيم أخذ يضعف، قررت القيادة الصهيونية التسريع في تنفيذ الخطة دال، وتحديد المنطقة الإضافية المنوي ضمها إلى الدولة اليهودية الممنوحة للهم وفق قرار التقسيم، وبالتالي وضع العالم أمام حقائق منتهية، قبل أن يتم اتخاذ أي قرار جديد من شأنه أن يلغي الشرعية الدولية عن الدولة اليهودية "، وقضت الخطة إلى توسيع حدود الدولة اليهودية لأبعد ما يكون من حدود التقسيم، عبر نسف وحرق وتدمير القرى العربية وطرد الفلسطينيون إلى خارج أراضيهم وحدود الدولة اليهودية المرغوبة، وهي سياسية صهيونية قامت على استراتيجية أكبر مساحة من الأرض مع أقل عدد من الفلسطينيين، ومن هنا تم احتلال المواقع الفلسطينية المرتفعة، والضغط الاقتصادي على الفلسطينيين، واحتلال قواعد الفلسطينيين في المناطق الريفية والحضرية، وبذلك مثلت خطة دالت حرب شاملة على الكل الفلسطيني بأحيائها الحضرية، وقراها الزراعية وبات الجميع تحت الاستهداف المنظم من المنظمات الإرهابية الصهيونية"، ص87.
أفضت الحرب لسلب أكثر من 78% من مساحة فلسطين، وإخلاء خمسة مدن فلسطينية بصورة تامة حيث جرى تفريغها من أهالها، وتشريد نحو 800.000 ألف فلسطيني، نصفهم إلى خارج فلسطين، ولم تنج من الدمار والترحيل سوى مدينة الناصرة، وتم ذلك بأوامر من ديفيد بن غوريون؛ خشية من اغضاب الفاتيكان والعالم المسيحي، وتم تدمير المشهد الفلسطيني بمجمله، وتضيف العالول حول تدمير المركز المديني الفلسطيني:" أفضى دمار المدن إلى تشتت غالبية أفراد طبقة المثقفين الناشئة، وخروج قادة المجتمع، وانهيار البنية الطبقية، وأدى تدمير المركز المديني الفلسطيني إلى إعاقة مسارات التطور والحداثة التي كانت آخذه بالتطور... وتركت أثراً مباشراً على حاضر الفلسطينيين ومستقبلهم، فضاع خلال عمليات النهب والتدمير جزء كبير من الإرث الثقافي الفلسطيني المكتوب" ص 113.
حق العودة مقدس
تؤكد الكاتبة أن فشل عملية توطين اليهود في القرى العربية المهجرة أدى إلى تسريع عمليات هدم القرى الفلسطينية، وبحسب الدكتور سلمان أبو ستة "كان الإسراع في قرار التدمير لتفادي الضغط الدولي من أجمل السماح بعودة اللاجئين"، وتم ذلك عبر التخلص من ركام القرى المهدمة، ومن ثم تدمير القرى الواقعة على امتداد الطريق بين يافا والقدس، وخلال خمسة عشر عام بعد النكبة تم مسح 410قرية من أصل 560 قرية فلسطينية تم تهجيرها، دمرت بشكل كامل، في حين قدر عدد القرى التي تم البناء الاستيطاني عليها نحو93 موقع فقط، تم التوسع العمراني الاحتلالي عليها. ص161.
ومن هنا جاء طرح الدكتور سلمان أبو ستة بإمكانية تحقيق حق العودة باعتباره حق مقدس وممكن، لفراغ القرى الفلسطينية حتى اليوم، وهو ما جاء في كتابه حق العودة حق مقدس وقانوني وممكن.
استغلت دولة الاحتلال الآثار العربية في القرى والمدن الفلسطينية، لدعم الرواية الإسرائيلية المزيفة، وهو ما قامت به الجمعية الإسرائيلية للمسح الأثري التي أسست عام 1964م، فكل ما تم تدميره، أرادت منه دولة الاحتلال إيجاد تاريخ إسرائيلي مزيف، حين ظهر توجه إسرائيلي لمحو أي أدلة أثرية ذات طابع عربي أو إسلامي، بل وإقحام تاريخ يهودي مكانه، فتم تزوير بعض المعالم التي تعود للعصر المملوكي على أنها تعود للعصر الصليبي، وتدمير المدينة القديمة في قيسارية ، وقرية كوكب الهوى، في الوقت الذي تم ترميم الأثار الصليبية، وتحويل المساجد والكنائس في القرى والمدن المهجرة إلى مطاعم أو أندية ليلية، أضف إلى ذلك تهويد أسماء الشوارع والمعالم والمواقع الجغرافية الفلسطينية ص163.
أما عن التطهير العرقي في مرحلة التوسع الصهيوني الإحلالي1967م، فتم خلالها استهداف مخيمات اللجوء في الضفة الغربية وقطاع غزة، فعلى سبيل المثال تم تهجير سكان مخيمات اللاجئين بالقرب من مدينة أريحا فتقول الكاتبة:" عملت قوات الاحتلال فور احتلال منطقة وادي الأردن على طرد وترحيل أكثر من 50 ألف لاجئ فلسطيني، من ثلاث مخيمات للاجئين تحيط بمدينة أريحا، وهي مخيمات عين السلطان والنويعمة وعقبة جبر، طرودوا إلى الضفة الشرقية لنهر الأردن مع أكثر من 50% من المواطنين الريفين الأصليين في وادي الأردن" ص243، فقد أرادت دولة الاحتلال من هذا التهجير تخفيض الكثافة السكانية التي تناقصت من 182 نسمة /كم2 عام 1961، ووصلت نحو 26/ كم 2 فقط عام 1967م، وهذا ما تقوم به اليوم القدس والضفة الغربية عبر التهجير الصامت بالقوانين وممارسات التضييق، والانتهاكات الإسرائيلية.
أما في النقب المحتل التي لم يتبق من أهلها سوى 12% فقط، لم ترغب دولة الاحتلال ببقائهم وراحت تعمل على تهجير بشكل قسري، بجحه أنهم يقيمون في مناطق عسكرية مغلقة وتم " تجميعهم في شمال وشرق مدينة بئر السبع فيما يعرف باسم السياج، التي تشكل 7% فقط من مساحة قضاء بئر السبع"ص295، الذين وصل عددهم نحو ربع مليون فلسطيني، ونحو ثلث سكان منطقة النقب المحتل، ويشكل قضاء بئر السبع اليوم نحو 62% من المساحة التي أقيمت عليها دولة الاحتلال، أقيم فيه نحو 126 بلدة يهودية معترف بها، في الوقت الذي لم تعترف فيه دولة الاحتلال بعشرات القرى العربية وفق المخططات الهيكلية الاستيطانية، بالتالي اعتبرتها قرى غير موجودة، ويأتي هذا في إطار الصراع الديمغرافي والجغرافي الذي تشنه دولة الاحتلال على الشعب الفلسطيني، وهو صراع صامت، ونتائجه أصعب من الصراع العسكري، فهي ترفض ربط تلك القرى بالكهرباء، أو إيصال المياه إليها، وتمنع البناء فيها أو شرق الطرق، أي أنها تمارس التطهير العرقي القسري، ولذلك شكلت وحدة الدورية الخضراء، كوحدة عسكرية مهمتها الضغط على البدو للانتقال الى البلدات المعترف بها وترك قراهم، وتهدم المنازل التي تعتبرها غير قانونية، وتصادر مصدر رزقهم من قطعان وماشية، وأوكلت لوحدة يوأب تنفيذ عملية الهدم في النقب، فدولة الاحتلال تدرك جيداً أن الديمغرافية الفلسطينية في داخل الاحتلال تشكل مشكلة كبرى لها.
وأخيراً على أهمية هذه الدراسة بكل ما تحتويه من تفاصيل، وطرح مغاير، قلة من الباحثين من يجيده، سواء في سلاسة التعابير، وتفكيك المصطلحات الخاصة بالقضية الفلسطينية، وتفنيد الرواية الصهيونية، لم تضع الكاتبة نتائج لدراستها القيمة، فما يميز هذه الدراسة أنها في ردها على الرواية الصهيونية لم تستخدم الأدلة اللفظية والواقعية، ولكنها استخدمت الصورة الحية للحياة الثقافية والحضارية لفلسطين المحتلة.. وأكدت في كل فصل من فصول الدراسة أن التطهير العرقي الإسرائيلي يمارس ضد الشعب الفلسطيني حتى اليوم بكل حذافيره، السياسية والدينية والاقتصادية والعسكرية والحضارية والثقافية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب التطهير العرقي الفلسطيني الاحتلال احتلال فلسطين كتاب تطهير عرقي كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاستعمار الصهیونی ضد الشعب الفلسطینی الحرکة الصهیونیة الدولة الیهودیة التطهیر العرقی دولة الاحتلال الضفة الغربیة هذه الدراسة الدراسة أن أکثر من
إقرأ أيضاً:
القضية الفلسطينية أمام مخاطرالتصفية.. قراءة في كتاب
الكتاب: التقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2022-2023الكاتب:مجموعة من المؤلفين،المحرر: أ. د. محسن محمد صالح.
الناشر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، أغسطس 2024.
548 صفحة من القطع المتوسط.
يُعدّ التقرير الاستراتيجي الفلسطيني من أهم الدراسات العلمية الشاملة حول القضية الفلسطينية، والتي تصدر بشكل دوري عن مركز الزيتونة؛ حيث أصبح مرجعاً أساسياً للمتخصصين والمهتمين بالشأن الفلسطيني، نظراً لشمولية تغطيته لتطور...فقد جاء إصدارهذا التقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2022 ـ 2023، وهو المجلد الثالث عشر الذي يصدر من السلسلة، في ضوء استمرار معركة طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة منذ 7/10/2023.
ويتألف هذا التقرير من ثمانية فصول وفهرست، في 548 صفحة من القطع المتوسط. وشارك في إعداده إثنا عشر أستاذاً وباحثاً متخصصاً في الشأن الفلسطيني، وراجعه ثلاثة مستشارين، وأشرف على إعداده وقام بتحريره علمياً أ. د. محسن محمد صالح.
حملت سنتا 2022 ـ 2023 مزيداً من التحديات والمخاطر على الصعيد الفلسطيني، خصوصاً مع وجود حكومة صهيونية تمثل أقصى أشكال التطرف اليميني والديني، وتسعى إلى شطب وتصفية الملف الفلسطيني، ومع وجود قيادة فلسطينية ضعيفة لمنظمة التحرير والسلطة في رام الله، تتعاون مع الاحتلال وتطارد المقاومة، وتغلق الأبواب في وجه إصلاح البيت الداخلي الفلسطيني، كما شهدت هاتان السنتان تصاعد موجة التطبيع العربي مع «إسرائيل»، وضمور الموقف الفلسطيني في البيئة الدولية.
جاءت معركة طوفان الأقصى لتعيد الاعتبار العربي والعالمي لقضية فلسطين، وتؤكد استحالة تجاوز الملف الفلسطيني، وتعزّز التفاف الشعب الفلسطيني حول خيار المقاومة، وتعمق فشل مسار التسوية السلمية، كما جاءت لتسقط نظرية الأمن والردع الصهيوني، وتهافت فكرة "الملاذ الآمن" للصهاينة، ولتضع تساؤلات حقيقية حول الدور الوظيفي للكيان الصهيوني ودوره كشرطي للمنطقة وكعصا غليظة للنفوذ الإمبريالي الأمريكي فيها؛ ولتقدّم حالة إلهام غير مسبوقة للأمة وأحرار العالم بإمكانية هزيمة المشروع الصهيوني؛ ولتضع "إسرائيل" في أسوأ وضع عالمي منذ نشأتها، ولتتحوّل إلى كيان منبوذٍ في البيئة الدولية، لقد كانت التضحيات هائلة على المستوى الفلسطيني خصوصاً في قطاع غزة، وظهرت الوحشية والدموية الصهيونية في أقبح صورها؛ غير أن التفاف الحاضنة الشعبية خلف المقاومة كان من أبرز تجليات هذه الحرب.
الوضع الفلسطيني قبل عملية طوفان الأقصى
يعالج الكاتب والباحث في القضايا العربية والإسلامية ساري عرابي في الفصل الأول مجمل مسارات الوضع الفلسطيني الداخلي، من حيث السلطة ومؤسساتها، ومنظمة التحرير الفلسطينية، والفعالية الوطنية في المجال العام، والعلاقات الوطنية البيئية، وأوضاع القوى الحزبية الداخلية، انتهاء بالتنسيق الأمني، في إطار من التحليل لهذه الملفات وسواها مما يندرج في هذا الفصل.
ويرى الكاتب ساري عرابي أنَّ هناك تداخلاً غير مسبوق بين نهاية سنة 2023 مع سنة 2024 ، من جراء اندلاع عملية طوفان الأقصى في 23 أكتوبر 2023، وتداعياتها التي فجرت الحرب بين الكيان الصهيوني وحركة حماس وباقي فصائل محور المقاومة، وجعلت "إسرائيل" أمام امتحان عسير من حيث أمنها وقدرات جيشها وأفق استمرارها في المنطقة، وهو ما انعكس في حرب طاحنة، وُصفت بحرب الإبادة الجماعية المدعومة من قبل الإمبريالية الأمريكية، واتَّسمت بتعمُّد التجويع، ونقلت الموقف من "طوفان الأقصى" إلى الحرب الإسرائيلية على غزة، ومن ثم بات النقاش مع نهايات سنة 2023 ومطالع سنة 2024، حول قضايا كبرى، من قبيل احتمالات تهجير الفلسطينيين من غزة، ومستقبل حركة حماس، ودور السلطة الفلسطينية، مع عودة أطروحة الدولة الفلسطينية لتصعد في الخطاب السياسي الإقليمي والدولي.
هناك تداخلاً غير مسبوق بين نهاية سنة 2023 مع سنة 2024 ، من جراء اندلاع عملية طوفان الأقصى في 23 أكتوبر 2023، وتداعياتها التي فجرت الحرب بين الكيان الصهيوني وحركة حماس وباقي فصائل محور المقاومة، وجعلت "إسرائيل" أمام امتحان عسير من حيث أمنها وقدرات جيشها وأفق استمرارها في المنطقةينقسم الفصل إلى عدد من المحاور، تبدأ بالمحور الذي يناقش السلطة مؤسسات وأداء، مع التركيز على حكومة محمد اشتية من حيث سياقها السياسي وأداؤها العام، بعدما أضحت المؤسسة الفلسطينية بسلطاتها كلها مركزة في مؤسسة الرئاسة، ومن ثمّ سوف يحضر الرئيس الفلسطيني في كلّ الملفات الفلسطينية، بلا استثناء، في الحكومة ومنظمة التحرير وحركة فتح والعلاقات الوطنية الداخلية والتنسيق الأمني.
تجري مراجعة سياسات حكومة اشتية في الإطار العام، بالنظر إلى سياقها السياسي وأدائها الاقتصادي، واتجاهاتها الإدارية، وخططها لمواجهة التحديات ذات الصلة، سواء بمعالجة الأزمات الاقتصادية المتصلة، والمرتبطة بنحو ما بالحالة السياسية لتحكّم الاحتلال بأموال المقاصة الفلسطينية، أم بطرق معالجة انعكاسات ذلك في المجال العام، كحراكات النقابات التي يمكن القول إنها كانت أبرز مظاهر الحركة في المجال العام، في ظلّ غلق للمجال العام وَسَمَ حالة السلطة الفلسطينية منذ ما يسمى بالانقسام الفلسطيني.
لقد ظلّ الوضع الفلسطيني في سنتي 2022 و2023 كما السنوات الساقة: متَّسماً بالجمود المطبق، لا سيما في العلاقات الوطنية الداخلية، وفي سياسات السلطة الفلسطينية، مع انسداد الآفاق في الصراع مع الاحتلال، باستثناء تصاعد المقاومة في الضفة الغربية مطالع سنة 2022، ثم عدوانين إسرائيليين على قطاع غزة في آب/ أغسطس 2022، وأيار/ مايو 2023، إلى أن جاءت عملية "طوفان الأقصى" في 7/10/2023، والتي من شأنها بما تبعها من حرب إبادة جماعية إسرائيلية على الفلسطينيين في قطاع غزة أن تُوجِد تحوّلاً جوهرياً في الوضع الفلسطيني الداخلي، إن لم يظهر في المدى القريب، فقد يظهر في المستويين المتوسط والبعيد.
ويناقش الكاتب أزمة السلطة الفلسطينية سياسات السلطة الفلسطينية تزداد ارتباطاً بسياسة الاستسلام العربية، لتصبح عنوان هذه السياسة الاستسلامية، وطليعة الدفاع عنها. فهذه السلطة التي استمدت شرعيتها من اتفاقيات أوسلو، وماترتب عليها من مصادروجود واستمرار، ومن أعطيات سلطوية وأجنبية، مالية ومؤسساتية، ظلت طيلة هذه المرحلة معادية للمقاومة الفلسطينية.
وكانت حكومة محمد اشتية التي أدَّتْ اليمين القانونية أمام الرئيس الفلسطيني محمود عباس في 13/4/2019، وظلت قائمة حتى قمت استقالتها في 26/2/2024، تعبيرًا جليًا عن الانقسام الفلسطيني، لكون رئيسها أولاً عضواً في اللجنة المركزية لحركة فتح، مما يعني أنها حكومة حركة فتح، وليست حكومة فوق حزبية، وثانياً مثّلت إعلاناً رسمياً لنقض سلسلة اتفاقات بين حركتي حماس وفتح، أوّلها "اتفاق الشاطئ" في 23/4/2023، الذي انبثقت عنه حكومة "الوفاق الوطني"، وهي الحكومة التي ترأسها رامي الحمدالله، ثمّ اتفاق القاهرة التالي في 25/9/2014، الذي حدّد مهام حكومة "الوفاق الوطني"، وأنهى الخلاف حول الملفات العالقة، ونظّم آليات حلّ تلك الملفات، ثمّ أخيراً اتفاق القاهرة في 12/10/2017، والذي يفترض أنّه نظم آليات عمل حكومة "الوفاق الوطني" في قطاع غزة، ثم ومنذ "الانقسام الفلسطيني"، وتعطيل المجلس التشريعي في حينه، ثمّ حلّه في 23/12/2018، والحكومة لا تُعرض على المجلس التشريعي للتصويت على الثقة بالحكومة.
يمكن النظر إلى أداء حكومة اشتية بوصفه مركباً من انعدام المؤسسية الذي ركّز السلطة في مؤسسة الرئاسة، في وضع من الانقسام الوطني العميق، وظرف سياسي، يستخدم فيه الاحتلال الصهيوني الورقة المالية أداة تعطيل دائم للفعالية السياسية للسلطة الفلسطينية، ومنها حكومة اشتية، فردّاً على ما صرّحت به السلطة الفلسطينية من تشكيلها فريقين قانونيين محلياً ودولياً، لمتابعة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (General Assembly) إحالة ملف الاحتلال الصهيوني إلى محكمة العدل الدولية (International Court of Justice)، لإصدار فتوى قانونية بشأن الاحتلال ووجودة على "الأراضي الفلسطينية"، قرّرت "إسرائيل" سلسلة من الإجراءات العقابية ضدّ السلطة منها خصومات مالية جديدة، وسحب بطاقة "الشخصية المهمة" من وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي و3 قياديين في فتح، وهي السياسات التي كانت ترى فيها السلطة، وعلى لسان رئيس الحكومة محمد اشتية؛ تقويضاً لها ودفعاً نحو انهيارها، لا سيّما فيما يخصّ الخصومات المالية المستمرة من أموال السلطة.
ويتطرق الكاتب إلى العلاقات الوطنية البينية والأوضاع الداخلية للفصائل الفلسطينية، فيقول أنها لا تنفك العلاقات الوطنية البينية بين القوى الفلسطينية، ولا حتى الأوضاع الداخلية لكل فصيل منها منفرداً، عن مجمل ملفات الوضع الفلسطيني الداخلي، فالتداخل كبير بين سياسات السلطة الفلسطينية بمؤسساتها المتعددة، وأدوات استدعاء منظمة التحرير وتوظيفها، كما مر في الملفات السابقة كلها، وكذلك التنسيق الأمني كما سيأتي، وبين العلاقات الوطنية البينية والأوضاع الداخلية للفصائل الفلسطينية. ومن ثم فإنّ الجمود الذي اتسمت به الحالة الوطنية الفلسطينية في تلك الملفات كلها، إذ بقيت على حالها، مع جهود ظاهرة لنخبة مثلث (المنظمة. السلطة، فتح) لحصار أي فعالية عامة تسعى لكسر الجمود وتنشيط النضال الفلسطيني سوف ينعكس بالضرورة جموداً على العلاقات الوطنية الداخلية.
التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال
من أهم سمات السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس التنسيق الأمني مع الحكومة الصهيونية من أجل ملاحقة المقاومين الفلسطينيين في الضفة الغربية. فقد استمرت حكومة بينيت لابيد من 2021/6/13 وحتى 2022/12/29، وأولت هذه الحكومة اهتماماً خاصاً من خلال وزير الحرب الصهيوني حينها بني جانتس Benny Gantz بالتواصل والتنسيق المستمر ذي الطابع الأمني والاقتصادي مع السلطة الفلسطينية بلا أي أفق سياسي. يُذكرنا ذلك بسلسلة القرارات التي اتخذتها مؤسسات متعددة في منظمة التحرير بوقف التنسيق الأمني، دون التزام بذلك.
ظلّ الوضع الفلسطيني في سنتي 2022 و2023 كما السنوات الساقة: متَّسماً بالجمود المطبق، لا سيما في العلاقات الوطنية الداخلية، وفي سياسات السلطة الفلسطينية، مع انسداد الآفاق في الصراع مع الاحتلال، باستثناء تصاعد المقاومة في الضفة الغربية مطالع سنة 2022، ثم عدوانين إسرائيليين على قطاع غزة في آب/ أغسطس 2022، وأيار/ مايو 2023، إلى أن جاءت عملية "طوفان الأقصى" في 7/10/2023..ويحسن وصل الأمر بإعلان الرئيس عباس في 2020/5/19 انسحاب منظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين من جميع الاتفاقات والتفاهمات مع الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية، ومن جميع الالتزامات المترتبة على تلك التفاهمات والاتفاقات، بما فيها الأمنية وهو موقف بدا خطابياً في أثناء توتر العلاقة بين السلطة الفلسطينية وإدارة ترامب، إلا أن قيادة السلطة أعلنت تراجعها عنه في 2020/11/17، على لسان حسين الشيخ رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية في السلطة الفلسطينية، الذي قال إن مسار العلاقة مع "إسرائيل" سيعود كما كان لتدخل السلطة الفلسطينية بهذا المسار من العلاقة مع حكومة بينيت ـ لابيد، وبما يفسره تصريح لوزير الخارجية الإسرائيلي في حينه يائير لابيد Yair Lapid بقوله: "إن 90% من العلاقات مع السلطة الفلسطينية تتعلق بالتنسيق الأمني.
وهو أمر يتفق مع الرؤية الأمنية التي عبر عنها جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) (Israeli Security Agency - ISA (Shabak على لسان رئيسه في حينه نداف أرغمان Nadav Argaman بقوله: "إن استقرار السلطة الفلسطينية، هو مصلحة إسرائيلية لضمان استمرار التنسيق الأمني ولتبقى إسرائيل بعيدة عن إدارة وتمويل احتياجات ملايين الفلسطينيين". ومن ثم استكملت السلطة هذا المسار طوال سنة 2022 الذي أدارته حكومة بينيت ـ لابيد، دون أن يكون لقرار المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في شباط / فبراير 2022 بوقف التنسيق الأمني مفاعيل واقعية، بل إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس صرح مع نهايات 2022 أن الاتفاقيات مع إسرائيل قائمة ولا تراجع عنها.
وبالرغم من أن الاقتحامات الإسرائيلية لمراكز المدن الفلسطينية، كانت تفضي إلى ارتقاء العديد من الشهداء، فإن الاجتماعات ذات الطابع الأمني بين قيادة السلطة ومستويات أمنية صهيونية لم تتوقف، فقد أرجعت كتائب شهداء الأقصى ـ لواء نضال العامودي، قدرة الاحتلال على الوصول إلى مقاتليها في نابلس إلى التنسيق الأمني، وذلك بينما تحدثت المصادر الإعلامية عن لقاء جمع حسين الشيخ برئيسة مكتب وزير الأمن الإسرائيلي، معيان إسرائيلي Maayan Israeli، ومنسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، غسان عليان Ghassan Alyan ولقاء آخر جمعه في تل أبيب بوزير الأمن الداخلي في حكومة الاحتلال عومير بارليف Omer Barley. وتفيد هذه المصادر بأنه كان من ضمن أهداف هذه الاجتماعات منع التصعيد في شهر رمضان في المسجد الأقصى، إلى درجة أن المصادر الإعلامية الإسرائيلية زعمت أن الرئيس عباس أمر نشطاء حركة فتح بالقدس بالوقوف في وجه أي تصعيد في المسجد الأقصى ولو بأجسادهم. وذلك بينما مثل شهر رمضان سنة 2022، تحدياً كبيراً للمخططات الإسرائيلية تجاه المسجد الأقصى، ولا سيما مخططات أحزاب الصهيونية الدينية مع تزامن عيد الفصح اليهودي مع شهر رمضان المبارك، فقد امتدت اقتحامات قوات الاحتلال ومستوطنيه للمسجد الأقصى طوال الشهر، كان بعضها عنيفاً كما في اقتحام يوم 2022/4/15 وأدت إلى أكثر من 160 إصابة واعتقال أكثر من 400 فلسطيني.
تضع هذه المعادلة الإسرائيلية السلطة الفلسطينية في وضع معقد، فالأوساط الأكثر تعاطياً معها، كالمؤسسة الأمنية، تتسم بالتطرف وعدم التسامح في القضايا الأمنية الاستراتيجية أو في معالجة الإلحاح الأمني الذي تعجز السلطة عن معالجته بنحو فوري. وذلك بينما تستمر "إسرائيل" في إطلاق عملية مفتوحة لتصفية حالة المقاومة بالضفة الغربية أسمتها كاسر الأمواج Break water ودفعت بها منذ 2022/3/31، بعد سلسلة العمليات النوعية التي شهدها شهر آذار / مارس وأفضت إلى مقتل 11 إسرائيلياً وإصابة 27 آخرين.
أدت هذه الترتيبات إلى محاولة السلطة الفلسطينية تفكيك التشكيلات المسلحة المقاومة في شمالي الضفة الغربية، وبدت السلطة ناجحة في هذا الجهد إزاء تشكيل "عرين الأسود" الذي تمركز في مدينة نابلس. إذ اتخذ هذا الجهد صوراً ناعمة بإقناع عناصر من التشكيل بتسليم أنفسهم للأجهزة الأمنية للسلطة وصوراً أخرى خشنة كاعتقال بعض أهم قيادات التشكيل لا سيما المحسوبين منهم على حركة حماس وأشهرهم مصعب اشتية الأمر الذي امتد في مصادمات مع الجماهير وعموم الناس في مدينة نابلس: بينما تكفل الاحتلال باغتيال العديد من مقاومي التشكيل.
كان التجسيد الأوضح لاستمرار التنسيق الأمني، والخطط الأمريكية الرامية إلى تطوير هذا التنسيق في قمة العقبة الأمنية، التي جمعت في 2023/2/26 في العقبة بالأردن إلى جانب السلطة كلاً من الاحتلال والولايات المتحدة والأردن ومصر، ثم قمة شرم الشيخ بمصر التي جاءت في الشهر التالي في 2023/3/19 بين الأطراف نفسها ولاستكمال تفاهمات قمة العقبةوهذا جعل من آليات التعامل مع تشكيل عرين الأسود" نموذجاً لاختبار إمكانية استنساخه إزاء عموم حالة المقاومة وتشكيلاتها في شمالي الضفة الغربية، ولا سيما في مخيم جنين. فقد أفادت مصادر عن تجهيز السلطة الفلسطينية لخطة لاحتواء التشكيلات المسلحة في مخيم جنين ، وأنها بالفعل منعت عدداً من العمليات التي كانت تخطط لها حركة الجهاد الإسلامي ضد الاحتلال الإسرائيلي. وهكذا، انتهت سنة 2022 بأكثر من 500 اعتقال واستدعاء سياسي من السلطة الفلسطينية لنشطاء فصائل المقاومة في الضفة الغربية.
وبالرغم من هذا التحوّل الإسرائيلي العملي نحو ضم الضفة الغربية، وتصريحات نتنياهو المستمرة المعادية للسلطة الفلسطينية والتي يتهمها فيها بأنها "لا تقوم بدورها الأمني" وتعهده باستمرار المسؤولية الأمنية الإسرائيلية عن الضفة، فإن المصادر تحدثت عن اتصالات مبكرة، ثمّ مستمرّة، ذات طابع سرّي، بين السلطة الفلسطينية وحكومة نتنياهو، وتشييد قناة اتصال سرية بين مكتب نتنياهو وقيادات في السلطة، بدأت بمبادرة من السلطة برسالة بعثها أمين سرّ اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ إلى مكتب نتنياهو عبر الإدارة الأمريكية في الأسابيع التي سبقت تنصيب حكومة نتنياهو السادسة، مفادها أنه "على الرغم من الخلافات العميقة، إلا أن السلطة الفلسطينية مستعدة للعمل مع رئيس الحكومة الجديدة". وقد عيّن نتنياهو مستشارة للأمن القومي تساحي هنغبي (Tzachi Hanegbi)، مسؤولاً عن الملف الفلسطيني، وفوضه بإجراء المحادثات التي تناولت في الأسابيع الأولى من عملية تنصيب الحكومة، عبر اتصالات منتظمة، محاولة منع التصعيد"، وقد أسفرت هذه المحادثات عن لقاءات فعلية جمعت الشيخ بهنغبي، وأثمرت عن تأجيل التصويت في مجلس الأمن الدولي على قرار مناهض للاستيطان في الضفة. 303
لقد كان التجسيد الأوضح لاستمرار التنسيق الأمني، والخطط الأمريكية الرامية إلى تطوير هذا التنسيق في قمة العقبة الأمنية، التي جمعت في 2023/2/26 في العقبة بالأردن إلى جانب السلطة كلاً من الاحتلال والولايات المتحدة والأردن ومصر، ثم قمة شرم الشيخ بمصر التي جاءت في الشهر التالي في 2023/3/19 بين الأطراف نفسها ولاستكمال تفاهمات قمة العقبة، والتي يبدو أنها تركزت في خطة أمنية أمريكية يشرف عليها الجنرال الأمريكي مايكل فينزل وتقترح تدريب القوات الفلسطينية للسيطرة على منطقتي جنين ونابلس. وفي هذا الإطار فإن 5 آلاف عنصر أمني فلسطيني يخدمون في جهاز الأمن الوطني، سيجري تدريبهم في قواعد تدريبية في الأردن. وسيخضعون لبرنامج تدريبي خاص بإشراف أمريكي .