البشر يرسلون سجلات تعريفية بالأرض للكائنات الفضائية
تاريخ النشر: 12th, December 2023 GMT
حملت مركبة Voyager الفضائية لمحة عن الرغبات الأعمق لدى البشرية: السجلات الذهبية.
وكانت سجلات Voyager الذهبية بمثابة رسالة في زجاجة إلى أي كائنات ذكية أخرى قد تعثر عليها.
وتحتوي السجلات الذهبية على أصوات وصور تلخص جوانب الحياة على الأرض. إنها كبسولة زمنية تحتوي على أصوات طبيعية لطقس الأرض والحياة البرية، وتحدث البشر بـ 55 لغة مختلفة.
وتركت مهمة Voyager النظام الشمسي وراءها الآن، انطلاقا في الفضاء بين النجوم.
لكن هذا لا يعني أن الجهد ضاع. في الواقع، يفكر بعض الأشخاص بالفعل فيما يمكننا وضعه على الرسالة التالية في زجاجة (MIAB) التي نرسلها إلى الكون الواسع.
وفي مقال بحثي نُشر في مجلة AGU Earth and Space Science، قام فريق من الباحثين بالتحقيق في الشكل الذي يجب أن تبدو عليه MIAB.
وكتب الباحثون: "لا تقدم هذه السجلات لمحة سريعة عن الأرض والحضارة الإنسانية فحسب، بل تمثل أيضا رغبتنا في إقامة اتصال مع الحضارات الفضائية المتقدمة. هدفنا هو مشاركة معرفتنا الجماعية وعواطفنا وابتكاراتنا وتطلعاتنا بطريقة توفر فهما عالميا، ولكن ذو صلة بالسياق، للمجتمع البشري، وتطور الحياة على الأرض، وآمالنا واهتماماتنا بشأن المستقبل".
وتوضح المقالة بعض الأسباب المنطقية لإرسال المزيد من مركبات MIAB إلى الفضاء، وأنواع المصير التي تنتظرها، بما في ذلك الانجراف إلى الأبد عبر الفضاء الفارغ. ثم انتقل الباحثون إلى السؤال المركزي: ما الذي يجب أن نضعه في كبسولة الزمن؟.
إقرأ المزيدوكتبوا أن بعض محتوى السجل الأصلي كان مدروسا جيدا بحيث يمكن تعديله واستخدامه مرة أخرى إذا تم تحديثه ليعكس التكنولوجيا والأوقات الحالية.
لكن بعض المحتوى والرسائل تحتوي على عيوب وصعوبات تحتاج إلى تصحيح.
ويقترح الفريق رسالة من جزأين: لفافة تحتوي على صور بسيطة توضح معلومات أساسية عن الإنسانية والأرض، وكمبيوتر صغير يمكن أن يحتوي على كميات هائلة من المعلومات الرقمية.
وبالنسبة للمستلم المتقدم، أحد الأشياء الرئيسية هو إخباره أين نحن في هذه المجرة الشاسعة والكون. ويمكن القيام بذلك من خلال صورة لبعض الأجسام الأكثر سطوعا في المجرة وموقعنا بالنسبة إليها.
ونظرا لطبيعة الكون المتغيرة، فإن تفسيرنا للمكان الذي أتينا منه يعتمد على معرفة المتلقي بموعد الإطلاق.
ويوضح الباحثون: "بشكل عام، نظرا لتطور البنية التحتية في المجرة، من المهم تحديد التصميم ووقت الإطلاق لخريطة الموقع المقترحة. وإلا، على الرغم من أن الحياة المستقبلية قد تنجح في فك شفرة الخريطة، إلا أنها لن تدرك بالضرورة الجدول الزمني للوجود البشري، ونتيجة لذلك، لن تكون قادرة على إظهار السيناريو المجري في وقت محدد في الماضي".
وهذه الورقة البحثية هي الأولى في سلسلة تناقش ما يجب أن يحدث في السجلات الذهبية الجديدة.
ويعتقد الباحثون أننا يجب أن نظهر لأي مستلم التاريخ الطويل للحياة على الأرض. ويجب أن نظهر بعض الكآبة، مثل حروبنا الرهيبة. ولكن يجب أن نظهر انتصاراتنا.
وكتبوا: "يندرج ضمن هذا الوصف إنجازاتنا العلمية، مثل تقسيم الذرة واستكشاف الفضاء، إلى جانب أمثلة لمجموعة واسعة من الثقافات والمعرفة التي تشكل النسيج البشري المعقد".
وأوضحوا أن البشرية في مرحلة تطور حيث يمكن بسهولة تخيل كيفية انقراضنا. وتعد خطط الوصول إلى المستقبل وإلى الذكاءات الأخرى جزءا هاما يساعدنا على مواجهة مستقبلنا الغامض.
المصدر: ساينس ألرت
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: اكتشافات الفضاء بحوث مجرات یجب أن
إقرأ أيضاً:
الإنسانُ
كنتُ طوال هذه المدّة أفكِّرُ فـي هذا الكائن الغريب العجيب الموجود على وجه الأرض، الإنسان، فلسفـيّا وعلميّا ودينيّا وأخلاقيًّا. وبدأتُ بمفارقة كبرى بين الإنسان والبشر، ذلك أنّ الإنسان فـي وجه من وجوه التصوُّر القرآني هو الصورة المتطوِّرة للبشر، فالبشر لفظًا، هو الكيانُ الجثماني، الحيوانيّ، قبل أن تُداخله الرّوح وقبل التكليف، وهو لفظ راجعٌ إلى ما يُجريه العرب وسْمًا لظاهر بشرة البشر، فهو بشرٌ لأنّه -وفقًا للسان العرب- دالٌّ على «ظاهر الجلد»، والبشرة أعلى جلدة الوجه، والجسد من الإنسان، ويعنى به اللَّون والرقّة، ومنه اشتقت مباشرة الرجل المرأة لتضامِّ أبشارهما.
والبشرة والبشر: ظاهر جلد الإنسان، وفـي الحديث: لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم»، فخارج الإنسان ممّا يتكوَّن منه مِن هيكلٍ هو البشر، أمّا لفظة الإنسان، فهي حاملة للهيكل والرّوح والعقل، قال تعالى: «إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إنَّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ»، فالخلْقُ الأوَّل، صناعةً من طينٍ قبل الاستواء، هو خلق البشر، وأمّا الاستواء والنفخُ فإنّه يُحوّلُ هذا الهيْكل إلى إنسانٍ، عاقلٍ، مُكَلَّف، حاملٍ لأمانةٍ. البشريَّة إذن أعرَقُ وأقْدَمُ من الإنسانيَّة، وأعْلقُ بالحيوانيّة، وبالوجود الجثمانيِّ الهيكليّ فحسبُ.
هذا التطوُّر من البشريّة إلى الإنسانيّة حاملٌ لأبعادٍ ومعانٍ، ذلك أنّ التمايز بين الكائنين بيّن وجليٌّ فـي القرآن الكريم، فالسياقاتُ التي وردت فـيها لفظة «بشر» تدلُّ على الهيئة والشكل والقالب الذي اتّخذه الإنسان، ولذلك فقد استعمل اللّه عز وجلّ سمة البشريّة فـي التعبير عن بداية خلق آدم عليه السّلام، يقول: «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ» (الحجر: 28)، ويقول فـي السّياق ذاته، بيانًا لرفض إبليس السّجود لبشرٍ من الطّين: «قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ» (الحجر: 33)، ونساءُ امرأة العزيز فـي موقف خروج يوسف عليهن انبهرن بالجثمان والشكل، ولم يكنَّ على درايةٍ بالإنسان، ولذلك وسمنه بالبشريَّة، يقول تعالى: «فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ» (يوسف: 31)، ولعلّ الصّورة الأجلى والأبين فـي تجسُّد الملك لمريم وهي بمحرابها منعزلةً، إذ اتَّخذ الملَك صورة البشر هيئةً وجسْمًَا، وبقي الفارق حاصلًا بين الإنسان والملك، يقول تعالى: «فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا» (مريم: 17)، والدلائل عديدة على هذا التمايز بين البشر والإنسان فـي القرآن، لا يتّسع لها هذا المقام، ولكن يُمكن الإشارة إلى أنَّ إجراء لفظة الإنسان واستعمالها يُقرَن دومًا بالتكليف، وبدخول المشاعر إلى البشر ذاته، وإلى العصيان والإيمان، وكلّ ما له صلة بالشعور الإنساني من جهة وبتحمُّل الأمانة وهي اكتساب العقل والرّوح من جهة ثانية «وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (يونس: 12). هذا وجهٌ يدعو إلى التدبُّر والتفكُّر، خاصَّة فـي وجود نظريَّات علميّة مستندة إلى حفريَّات واكتشاف علميّ لبقايَا بشرٍ أوّل، مهَّدت لظهور الإنسان العاقل هومو سابينس الذي يردُّنا العلم إليه، مع وجودِ ممكن لبشرٍ سابقين، وهذا لا يتعارض البتّة مع الخطاب القرآني، بل إن تمعنّا هذا الإشكال لوجدنا أنّ القرآن سبَّاق لإظهار الفارق بين الإنسان العاقل والبشر، أو من اتّخذ هيْئة الإنسان دون أن يكون له الإدراك ودون أن يكون مُكلَّفًا، فاللّه قد مايز كما سبق أن ذكرنا بين الإنسان (وهو ما يُمكن أن يُصطلَح عليه فـي لغة العلم اليوم بالإنسان العاقل) والبشر، وهو متَّخذٌ الشكل فحسب، بل إنّ مفهوم الإنسان المنتصب Homo erectus يُمكن أن يُدرَك فـي مفهوم خَلْقي وهو الاستواء، وفـي كلّ الحالات فإنّ القرآن قد أقرّ أنَّ الإنسان فـي معناه الآدميّ قد خُلق عبر مراحل وتطوّرَ تدريجيًّا، يقول عزّ وجلّ: «وقد خلقكم أطوارًا» (نوح 14)، وهذا يقودنا إلى فكرةٍ تُعالجها الفلسفة اليوم بعمق، وتعيد طرح مفهوم الإنسان، بعيدًا عن الإشكالات الأخلاقية والوجوديّة التي طُرحت بعمق فـي ستينيّات القرن العشرين.
اليوم بأدواتنا اللّسانيّة والذهنيّة والعلميّة يُمكن أن نُوجِد تصوُّرًا لأبينا الأوّل دون تنافُرٍ مع الدّين، ودون رفضٍ للعلم وللحفريّات، وأعتقد أنّ مخنق الدّرس ماثلٌ فـي الفاصل الفارق بين الإنسان المكلّف العاقل، الذي مرجعه آدم ويسمّيه العلم هومو سابينس Homo sapiens والإنسان فاقد التكليف، أو البشر، فالكائنات البشريّة السابقة للإنسان العاقل مثل Homo erectus وNeanderthals، يُمكن أن تمثّل نواةً أولى لبشرٍ، ويُمكن أن تُشكِّل تأويلًا لقوله: «وإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ، قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ» (البقرة 30)، وهو بابٌ حمَّالُ أوجه، على الباحثين فـي الخطاب القرآني إحياء تأويله. هذا على مستوى التطوّر الجثماني والإدراكي للكائن الذي يُمثِّل محور هذا الكون، وهو الإنسان، الذي خُصِّصت له نظريّات فلسفـيّة لفهم عمقه، وكُرِّست له نظريّات علميّة لإدراك جيناته والبحث عن أصوله، وبدايات خلْقه، تبقى أخلاقُه، ولا أحبّ أن أعود إلى فـيلسوف الأخلاق نيتشة ونحن على أبواب فتْحةٍ فـي العلم والتكنولوجيا قد تُنْهي البشريّة القديمة.
أخلاقُ الإنسان وسلوكه هي الإشكال سواء امتلك ذرةً من العقل والإدراك أو امتلك بحرًا، الإنسانُ القاتل، الباحث عن الدَّمار، المنصرف إلى أكْل لحم أخيه الإنسان، هل تطوّر وانصقل وتهذَّب؟