تكمن الصحاري على جبروت مهول، وهو عبارة عن قوَّة عظيمة تصعب مقاومتها: وتتجسَّد هذه القوَّة على شكلَيْنِ متوازيَيْنِ: (1) فيزيائي، و(2) واعتباري.
أمَّا قوَّة الصحراء الفيزيائيَّة فتتجسَّد في زحفها، ضاغطة على المساحات الخضراء والغنَّاء، حيث يكثر تساقط الماء، مزنًا وسقيا. ولكن مع وجود الماء والنَّبات، تبقى المساحات الخضراء المأهولة القريبة من الصحراء مُهدَّدةً بضغط الصحراء فيزياويًّا.
وأمَّا قوَّة الصحراء الاعتباريَّة فتتجسَّد فيما أشرنا إليه عَبْرَ هجمات سكَّان الصحاري على بقاع الاستقرار البَشَري الخضراء الَّتي تحتضن وتضمُّ نمطًا مختلفًا تمامًا من الحياة البَشَريَّة والمُجتمعات المتحضِّرة. والحقُّ، يميط التاريخ لنَا حقيقة أنَّه على تخوم الصحراء في وادي الرافدَيْن الأخضر ظهرت مملكة المناذرة وعاصمتها «الحيرة»، درعًا يقي بقيَّة بلاد النهرَيْن العظيمَيْنِ، دجلة والفرات، غزوات القبائل الصحراويَّة. وتنطبق ذات الحال على مملكة الغساسنة الَّتي خدمت درعًا لحماية الحياة المرفَّهة والمستقرَّة في بلاد الشَّام الخضراء.
بَيْدَ أنَّ ضغط الصحراء يبقى قويًّا ومتواصلًا بلا توقُّف برغم محاولات الإنسان المستقرِّ ردعه ومقاومته، بدليل سيادة قِيَم البداوة الصحراويَّة في المُدُن والحواضر المُحادِدة للصحراء، وهي قِيَم وعادات الثَّأر والضيافة والكرَم، ناهيك عن قِيَم غسل العار، وممارسات الغزو والغارات.
والحقُّ، فإنَّ ما جاء في أعلاه هو من أهمِّ مظاهر ازدواجيَّة الحياة العربيَّة الحضاريَّة المعاصِرة، بغَضِّ النظر عن استيراد أعلى ناطحات السَّحاب واستزراعها في مُدُننا الَّتي تبقى دائمًا عرضةً لـ»مغازي» الصحراويِّين الَّتي لا تنقطع: من هبوب العواصف الرمليَّة الصفراء، إلى الارتجاع والارتكان لعادات الصحراء وإنسانها البسيط والخشِن والصلب.
لذا، يعاني هذا الإنسان الَّذي يَقودُ سيارات الكاديلاك والمرسيدس صباحًا، ويرتكن إلى وسادته في مضايف ودواوين الأصحاب مساءً، أقول يعاني من انفصام وازدواجيَّة، هما محصِّلة الصَّدمة الحضاريَّة والشَّرخ بَيْنَ ثقافة الصحراء من ناحية، وثقافة المدينة من الناحية الثَّانية.
أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: ة الصحراء
إقرأ أيضاً:
النيابة العامة بانزكان تدخل على خط مواجهات بين مغاربة وافارقة من جنوب الصحراء
على إثر تعرض أحد الأشخاص من أصول إفريقية للضرب والجرح ومحاولة السرقة من طرف شخصين تم فتح بحث من قبل الدرك الملكي بالقليعة تحت إشراف النيابة العامة المختصة وتم نقل المصاب على وجه السرعة لتلقي العلاجات الضرورية نظرا لتعرضه لإصابة على مستوى الرأس.
وفي نفس اليوم حوالي الساعة 12 زوالا اندلعت أحداث شغب قام بها حوالي 150 شخصا من أصول إفريقية قاموا بالولوج لقارعة الطريق وعرقلة حركة السير بها وعملوا على التراشق بالحجارة مع أشخاص آخرين كما تم خلال هذه الأحداث رشق منازل الساكنة ومستعملي الطريق وعناصر القوات العمومية..
ولقد أسفرت التحريات والأبحاث التي قامت بها عناصر الشرطة القضائية عن ايقاف شخصين فيما لا زالت الأبحاث جارية لايقاف باقي المتورطين وترتيب ما يجب قانونا .