جريدة الوطن:
2024-07-09@16:03:36 GMT

ضغط الصحراء

تاريخ النشر: 12th, December 2023 GMT

ضغط الصحراء

تكمن الصحاري على جبروت مهول، وهو عبارة عن قوَّة عظيمة تصعب مقاومتها: وتتجسَّد هذه القوَّة على شكلَيْنِ متوازيَيْنِ: (1) فيزيائي، و(2) واعتباري.
أمَّا قوَّة الصحراء الفيزيائيَّة فتتجسَّد في زحفها، ضاغطة على المساحات الخضراء والغنَّاء، حيث يكثر تساقط الماء، مزنًا وسقيا. ولكن مع وجود الماء والنَّبات، تبقى المساحات الخضراء المأهولة القريبة من الصحراء مُهدَّدةً بضغط الصحراء فيزياويًّا.

وهذا هو ما يطلق عَلَيْه المختصون اصطلاح «التصحر» Desertification، إذ تلد الصحراء الكثبان الرمليَّة المُخيفة والقادرة على الحركة وضمِّ وإخفاء الإنسان والحيوان، بل وحتَّى القلاع الَّتي ابتناها الإنسان على حدود الصحراء لِتقيَه شرور هجمات أبناء الصحراء الَّتي لا تتوقف عَبْرَ التاريخ، طمعًا بالماء والخضرة والوَجْه الحسَن والاستقرار الَّذي تفتقد حياة الصحراء إليه.
وأمَّا قوَّة الصحراء الاعتباريَّة فتتجسَّد فيما أشرنا إليه عَبْرَ هجمات سكَّان الصحاري على بقاع الاستقرار البَشَري الخضراء الَّتي تحتضن وتضمُّ نمطًا مختلفًا تمامًا من الحياة البَشَريَّة والمُجتمعات المتحضِّرة. والحقُّ، يميط التاريخ لنَا حقيقة أنَّه على تخوم الصحراء في وادي الرافدَيْن الأخضر ظهرت مملكة المناذرة وعاصمتها «الحيرة»، درعًا يقي بقيَّة بلاد النهرَيْن العظيمَيْنِ، دجلة والفرات، غزوات القبائل الصحراويَّة. وتنطبق ذات الحال على مملكة الغساسنة الَّتي خدمت درعًا لحماية الحياة المرفَّهة والمستقرَّة في بلاد الشَّام الخضراء.
بَيْدَ أنَّ ضغط الصحراء يبقى قويًّا ومتواصلًا بلا توقُّف برغم محاولات الإنسان المستقرِّ ردعه ومقاومته، بدليل سيادة قِيَم البداوة الصحراويَّة في المُدُن والحواضر المُحادِدة للصحراء، وهي قِيَم وعادات الثَّأر والضيافة والكرَم، ناهيك عن قِيَم غسل العار، وممارسات الغزو والغارات.
والحقُّ، فإنَّ ما جاء في أعلاه هو من أهمِّ مظاهر ازدواجيَّة الحياة العربيَّة الحضاريَّة المعاصِرة، بغَضِّ النظر عن استيراد أعلى ناطحات السَّحاب واستزراعها في مُدُننا الَّتي تبقى دائمًا عرضةً لـ»مغازي» الصحراويِّين الَّتي لا تنقطع: من هبوب العواصف الرمليَّة الصفراء، إلى الارتجاع والارتكان لعادات الصحراء وإنسانها البسيط والخشِن والصلب.
لذا، يعاني هذا الإنسان الَّذي يَقودُ سيارات الكاديلاك والمرسيدس صباحًا، ويرتكن إلى وسادته في مضايف ودواوين الأصحاب مساءً، أقول يعاني من انفصام وازدواجيَّة، هما محصِّلة الصَّدمة الحضاريَّة والشَّرخ بَيْنَ ثقافة الصحراء من ناحية، وثقافة المدينة من الناحية الثَّانية.

أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: ة الصحراء

إقرأ أيضاً:

حملة مكبرة لإزالة الإشغالات والباعة الجائلين في بنها

تفقد المهندس أيمن عطية محافظ القليوبية، أعمال الحملة المكبرة التي أجريت لإزالة الإشغالات والباعة الجائلين في منطقة عزبة السوق، حيث تم إلزام الباعة الجائلين بالانتقال إلى الباكيات المخصصة لهم، مع التأكيد على عدم العودة مرة أخرى.
 

وأكد " عطية " أن الرصيف والشارع حق للمواطن، وأنه لن يتم السماح بأي تعديات أو إشغالات عليه بأي شكل من الأشكال، شدد على التعامل بكل حزم مع هذا الملف حتى تعود الأمور إلى نصابها الصحيح، تيسيرًا على المواطنين وحرصًا على المظهر الحضاري للشوارع.

وتفقد البر الشرقي للرياح التوفيقي بعد تطويره وتحويله إلى كورنيش حضاري ومتنفس جديد لأهالي مدينة بنها، يضم الكورنيش 25 كشكًا حضاريًا تم تأجيرها للشباب لفتح فرص عمل جديدة.

 

تأتي هذه الخطوات في إطار جهود محافظة القليوبية لتوفير أماكن ترفيهية مناسبة للمواطنين، وتحسين المظهر الحضاري للمدينة، وخلق فرص عمل جديدة للشباب.

مقالات مشابهة

  • الحاج مصبح الصحاري حاكماً للعراق (1)
  • إصابة 9 أشخاص في حادث سير بالمنيا
  • محافظ قنا يتابع الموقف التنفيذى لعدد من المشروعات الخدمية قيد الإنشاء
  • إصابة 4 أشخاص في حادث بطريق مصر الإسكندرية الصحراوي
  • حملة مكبرة لإزالة الإشغالات والباعة الجائلين في بنها
  • مصرع وإصابة 10 آخرين في انقلاب ميكروباص على طريق القاهرة إسكندرية الصحراوي
  • في ظاهرة نادرة.. أكثر الصحاري جفافا على الأرض تزهر
  • الهجرة.. الفكرة الدينية والاستنهاض الحضاري للأمة الإسلامية (1)
  • جهاز التنسيق الحضاري يدرج اسم مديحة كامل ضمن مشروع «عاش هنا»
  • محافظة القاهرة: مشروع «معا» يستعيد الوجه الحضاري للعاصمة