وصفت إحدى المواطنات الفلسطينيات معاناتها واضطرارها أن تعطي أطفالها مياها مالحة بينما يبحث زوجها عن الطعام بقولها: "لو أسقطوا علينا قنبلة نووية لكان أكثر راحة لنا من هذه الحياة".

نقلت ذلك صحيفة "نيويورك تايمز" في مقال لها حمل عنوان "مرسوم إخلاء غزة يترك سكانها في حيرة من أمرهم"، قام بكتابته كل من يارا بيومي ولورين ليثيربي وإياد أو حويلة من القدس ولندن والقاهرة، ونشرته الجريدة اليوم الثلاثاء 12 ديسمبر.

وجاء في المقال:

تميز أعضاء مجموعة "الواتساب" من مواطني غزة بهواتف محمولة صالحة للعمل وطريقة للتواصل مع بعضهم البعض لتجنب الضربات الإسرائيلية القاتلة. إلا أن مقتطفات من محادثاتهم حول مدينة خان يونس الجنوبية المحاصرة تظهر إصابتهم بالذهول من تحذيرات الإخلاء الإسرائيلية المتناقضة أحيانا، والتي وصفوها بأنها "مربكة".

"كيف يمكن معرفة المربعات المعرضة للتهديد؟ من أين تحصل على الأخبار"، اقرأ أحد تلك المقتطفات التي تابعتها "نيويورك تايمز": "هل المربع 49 تحت التهديد؟".

إقرأ المزيد الحكومة الإسرائيلية: نريد تحويل غزة إلى جنة (فيديو)

"يا رفاق، من فهم الخريطة فليوضحها لنا".

بالنسبة لعدد من سكان غزة ممن ليس لديهم هواتف محمولة، يمكن الاعتماد عليها أو إمكانية الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي، فإن خيارات الحصول على معلومات دقيقة للتنقل بين أوامر الإخلاء الإسرائيلية أكثر صعوبة، لا سيما وأن الجيش الإسرائيلي كثف هجومه الذي يستهدف مقاتلي "حماس" هذا الشهر في جنوب غزة.

وقد مارست الولايات المتحدة ضغوطا على إسرائيل لتغيير طبيعة حملتها في الجنوب لضمان تقليل الخسائر في صفوف المدنيين، وعدم تدمير البنية التحتية، والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية. وتقول إسرائيل إنها تعالج المخاوف الإنسانية، مشيرة إلى التوجيهات التي كانت تصدرها لسكان غزة، ولكن على أرض الواقع، حيث يمكن أن يعني التحول الخاطئ الفرق بين الحياة والموت، فلا يزال هناك ارتباك واسع النطاق.

ومنذ انتهاء وقف القتال وبدء التركيز على جنوب غزة، نشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، العقيد أفيخاي أدرعي سلسلة من الخرائط باللغة العربية على وسائل التواصل الاجتماعي توضح المناطق التي يجب على الناس مغادرتها بسبب الخطر، مصحوبة بنص حول المربعات السكنية التي يجب إخلاؤها.

وقد قام الجيش الإسرائيلي بدوره بإسقاط منشورات باللغة العربية، من بين وسائل أخرى، في مناطق مختلفة تنصح المدنيين بالإخلاء، فيما قالت الولايات المتحدة، أقرب حلفاء إسرائيل، إن الخرائط تمثل تحسنا من جانب إسرائيل فيما يتعلق بحماية المدنيين.

ولكن، سرعان ما أصبح من الواضح أن سكان غزة يجدون صعوبة في فهم أوامر الإخلاء، فشبكات الاتصال غير الموثوقة والمتقطعة في غزة جعلت من الصعب وصول السكان إلى الخرائط والتعليمات المتوفرة على الإنترنت. كما أن الكهرباء في القطاع شحيحة، ما يجعل من الصعب الإبقاء على الهواتف المحمولة مشحونة، بينما يقول بعض سكان غزة إنهم لم يروا حتى هذه الخرائط.

وفي أحد المنشورات بتاريخ 2 ديسمبر، على سبيل المثال، نشرت إسرائيل خريطة سلطت الضوء على المنطقة الواقعة شرقي خان يونس المتاخمة لإسرائيل، ووجهت المقيمين في المنطقة الموضحة بالانتقال جنوبا إلى رفح. ومع ذلك، فإن نص المنشور يشير إلى تجمعات سكنية سيتم إجلاؤها، والتي لم تظهر على أي خريطة في نفس المنشور، وبعضها كان على الجانب الآخر من غزة، على الساحل.

إقرأ المزيد بوتين يُخرج بلدان الشرق الأوسط من دائرة نفوذ الولايات المتحدة

وفي منشور بتاريخ 3 ديسمبر، طلبت الخريطة التي تحتوي على أمر الإخلاء لسكان غزة في عشرات الكتل المحددة بالمغادرة، إلا أن النص، الذي يتعارض مع الأمر، أغفل العديد منها. على سبيل المثال، تم تحديد المربعات 55 و99 و103-106 للإخلاء على الخريطة ولكن ليس في النص.

وفي المنشورات من ديسمبر 2 و3، تم نشر آخر خرائط جنوب غزة المتاحة على حساب موقع X الخاص بالعقيد أفيخاي أدرعي قبل أن ينشر خريطة جديدة في 9 ديسمبر، والتي أظهرت منطقة صغيرة وسط خان يونس للإخلاء. وعلى تلك الخريطة كان المربع 103 هو التناقض الوحيد بين نص المنشور والخريطة.

وعندما طلب منه توضيح أي أجزاء من غزة كانت تخضع لأوامر الإخلاء، وجه الجيش الإسرائيلي "التايمز" إلى حساب العقيد أفيخاي أدرعي على وسائل التواصل الاجتماعي.

وقال الجيش الإسرائيلي لصحيفة "التايمز"، عندما سئل عن التناقصات، إن الخرائط الموجودة في منشورات وسائل التواصل الاجتماعي كانت تهدف إلى توفير "رسومات توجيهية عامة"، فيما تقول إسرائيل إنها تتخذ احتياطياتها في معركتها ضد إرهابيي حماس للحد من الخسائر في صفوف المدنيين، وتصورها كجزء مؤسف ولكن لا مفر منه من الحرب.

وحتى عندما يتمكن سكان غزة من الوصول إلى المناطق التي صنفتها إسرائيل على أنها آمنة، فإن الخطر في كثير من الأحيان لم ينته بعد.

وقال المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" جيمس إلدار، إن "العائلات تدرك أن مثل هذه المناطق لا توفر الأمان فيما يتعلق بالخدمات المنقذة للحياة، مثل المياه والصرف الصحي، فهم يعلمون أنهم في خطر عندما ينتقلون، ويعرفون أن المواقع تتغير، وهم يعلمون أنه قد تم في الماضي ضرب ما يسمى بالمناطق الآمنة، لذا فهم مرتبكون وخائفون ويتعرضون للهجوم بشكل دائم.

إقرأ المزيد حول الوضع الراهن على الجبهة الأوكرانية واحتمالات الهجوم الروسي

يوم الأربعاء الماضي، تعرضت منطقة الشابورة في رفح، جنوب مدينة غزة على الحدود مع مصر، لهجوم، على الرغم من التحذيرات العسكرية الإسرائيلية أن سكان غزة يمكنهم الاحتماء بأمان هناك. وفي بيان حول الهجوم، قال الجيش الإسرائيلي إنه ضمن جهوده لتفكيك القدرات العسكرية والإدارية لـ "حماس"، وزعم أنه "اتخذ احتياطات معقولة للتخفيف من الأضرار التي تلحق بالمدنيين".

وقالت الوكالة الإسرائيلية التي تشرف على السياسة في الأراضي الفلسطينية COGAT إنها تستخدم أساليب مختلفة للتواصل مع سكان غزة، وأين يحتاجون إلى الإخلاء.

وقال رئيس التنسيق والاتصال ومنسق أعمال الحكومة في المناطق، الكولونيل موشيه تيترو: "نحن أيضا نراقب بشكل مستمر لمعرفة ما إذا كان تحذيرنا المسبق فعالا، ونرى ما إذا كانت الرسائل قد تم استلامها أم لا، ولكن أيضا ما إذا كان الأشخاص يتصرفون فعلا وفقا للرسالة".

"لكن الأمر لا يتعلق فقط بإعطاء التحذيرات"، على حد تعبيره، إذ أمرت إسرائيل بإخلاء أكثر من نصف قطاع غزة في الأسبوع الأول من الحرب، فيما قالت الأمم المتحدة إن ما يقرب من 1.9 مليون شخص أو أكثر من 80% من سكان غزة نزحوا، وقتل أكثر من 15 ألف فلسطيني، بحسب السلطات الفلسطينية في غزة.

ومع تكدس سكان غزة في مناطق أصغر، أصبحت الملاجئ مكتظة للغاية لدرجة أن مئات الأشخاص يضطرون إلى تقاسم مرحاض واحد. وحذرت الأمم المتحدة من أنه في رفح "لم يعد هناك مكان فارغ ليأوي إليه الناس، ولا حتى في الجنوب والمناطق المفتوحة الأخرى".

وتقول مايسه الجرار وهي أم لخمسة أطفال تبلغ من العمر 32 عاما إنها اضطرت وأسرتها للفرار من مدينة غزة إلى خان يونس في بداية الحرب. وتقول الآن إن القوات الإسرائيلية حذرتهم للبحث عن مكان آخر. وتابعت: "لقد تركوا منشورات. والناس مرعوبون".

وقالت: نحن لا نعرف حتى في أي منطقة نحن، وفي أي حي. لا نعرف أي منطقة وأي مربع. لقد ذهب زوجي إلى رفح ليبحث عن مكان لنا، لكن الأمر كله مثير للاشمئزاز، حيث يضطر الناس لقضاء حاجتهم في الشوارع. الرائحة كريهة والمرض ينتشر".

تحبس الجرار دموعها وتصف البؤس الذي تواجه، بينما تضطر إلى إعطاء أطفالها المياه المالحة، فيما يبحث زوجها يائسا عن الطعام الذي أصبح باهظ الثمن ونادرا بشكل متزايد، في ظل عدم القدرة على العثور على دواء لأطفالها المرضى.

وقالت: نريد أن نعيش حياة كريمة. أتمنى أن يسقطوا علينا قنبلة نووية. أقسم أنها ستكون أكثر راحة من هذه الحياة التي نعيشها".

المصدر: نيويورك تايمز

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب

المصدر: RT Arabic

كلمات دلالية: الحرب على غزة الشرق الأوسط حركة حماس حركة فتح طوفان الأقصى قطاع غزة منظمة التحرير الفلسطينية هجمات إسرائيلية وسائل التواصل الاجتماعی الجیش الإسرائیلی خان یونس سکان غزة

إقرأ أيضاً:

بيانات أممية: انخفاض نسبة سكان غزة الذين نستطيع تقديم مساعدات لهم إلى 29%

كشفت بيانات أممية أن نسبة سكان غزة التي تستطيع المنظمات الأممية تقديم المساعدات لهم وصلت إلى 29% انخفاضا من 70% في أبريل الماضي.

وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك في وقت سابق إن الوضع الإنساني في قطاع غزة أصبح مروعا وصعبا للغاية.

وناشد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إسرائيل لتجنب تفاقم الكارثة الإنسانية في غزّة.

ودعا غوتيرش إسرائيل إلى "تجنب المزيد من الإجراءات التي من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني الكارثي بالفعل في غزّة وعدم تعريض المدنيين للمزيد من المعاناة".

وفي وقت سابق أعلنت الأمم المتحدة أن النساء والأطفال شكلوا قرابة 70% من قتلى الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بين نوفمبر 2023 وأبريل 2024.

ودعا مكتب الأمم المتحدة للإغاثة في حالات الطوارئ مجددا إلى تقديم مساعدات عاجلة للمنشآت الطبية في قطاع غزة المحاصر، وخاصة للمستشفيات في الشمال "حيث تتواتر تقارير عن استمرار الهجمات على المستشفيات هناك وفي محيطها".

وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فإن النداء الذي أطلقه المكتب الثلاثاء هو من أجل توفير الغذاء والمياه التي تشتد الحاجة إليها.

ولا يتوفر في مدينة غزة بشمال القطاع سوى ثلاثة أجهزة تنفس اصطناعي للأطفال الرضع الذين يحتاجون إلى رعاية طبية مكثفة، وفقا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف).

وقال مكتب "أوتشا": إن السلطات الإسرائيلة هدمت 1787 منشأة فلسطينية بين 7 أكتوبر 2023 و15 أكتوبر 2024، منها 800 مسكن مأهول.

وتدهور الوضع في مستشفيات "كمال عدوان" و"العودة" و"المستشفى الإندونيسي" في شمال غزة بشكل كبير منذ يوم الأحد، عندما قال الجيش الإسرائيلي إنه قام بعملية محدودة ضد حركة "حماس" في المنطقة المحيطة بـ "المستشفى الإندونيسي".

كما أفاد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بأن شمال غزة لا يزال محاصرا بشكل شبه كامل.

وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية اليوم الأربعاء ارتفاع حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي على غزة إلى  45،361 قتيلا  و107،803 مصابين منذ السابع من أكتوبر للعام 2023م. 

ويفرض الجيش الإسرائيلي رقابة صارمة على وصول المساعدات الدولية الضرورية لسكان غزة البالغ عددهم 2،4 مليون نسمة وذلك منذ بداية الحرب على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023.

مقالات مشابهة

  • رتيبة النتشة: الأيديولوجية الإسرائيلية ترتكز على استحالة وجود دولة فلسطينية
  • نيويورك تايمز : كاريزما فوزي لقجع جعلت من الكرة المغربية دبلوماسية قائمة بذاتها
  • بيانات أممية: انخفاض نسبة سكان غزة الذين نستطيع تقديم مساعدات لهم إلى 29%
  • نيويورك تايمز: دعم واشنطن لمليشيات محلية بأفغانستان أدى لنجاح طالبان
  • الجيش الإسرائيلي يطلق النار على سكان قرى اقتحمها في مدينة سورية / فيديو
  • نيويورك تايمز: الهند تشوه الحقيقة وهذا ما يحدث فعلا للهندوس ببنغلاديش
  • إسرائيل تنذر سكان «الشجاعية» بإخلاء منازلهم
  • إنسايد أوفر: صفقة بين واشنطن والرياض.. حماية نووية مقابل تمويل إعمار غزة
  • الجيش الإسرائيلي يطالب سكان "الشجاعية" بالإخلاء الفوري
  • دعوى قضائية أمريكية ضد طبيبة في نيويورك وصفت دواء للإجهاض لسيدة في ولاية تكساس التي يحظر فيها ذلك