• بنت الله جابو ، ذلك الصّوت ، الحاضر في إشراقة الصّباح والسّاهد في غفوة اللّيل، والكامن في أسارير الوجود، ذلك الكيان الّذي يتلقّف قسوتنا ولا يقسو، يحتمل جهالة طفوليّتنا وطيش شبابنا وعنت كُبرنا ، ولا يشتكي !!، يُعاين مرارة اختلافاتنا وخلافاتنا وجهامة عقولنا وغلاظة قلوبنا ولا يتردّد في احتضاننا !!.

• بنت الله جابو، أمّي ووجه لوطني ، فالأمّ الوطن الكيان بكلّه ، يمنحه من ذاته نمو ، ومن عطائه سمو ، فنكُبر وقد نتغرّب او نرحل عنه وننشغل وننسي ، وتظل الأمّ الوطن القويّ بذاته، بضعفه العاطفيّ الّذي لا يتوانى عن العطاء اللّامتناهي، والّذي يتغذّى من رحمة قلبه ويتقوّى بنظرات التّحنان على فلذات أكباده ، وعلي الوطن الجغرافي.

• بنت الله جابو بصوتها المشفق المُتعب تهمس : عمار يا ولدي ” الخرطوم كيفنها ؟ لسه ما قربت ؟ الله يغطيكم ويحفظ البلد”. إنّها الرّسالة الملائكيّة الّتي تنطوي فيها آمال قصائد الرجاء الجميلة، ومواعيد الأحلام وترانيم الصّفاء عند ساعة النّوم الهنيء. إنّها المرأة المثقلة بالصّبر والمعدّة لجهاد عظيم لا تدرك قدسيّته إلّا من حملت في قلبها ما شابه حبّ الله للعالم ، ذاك الحُبّ الّذي ينهمر بقوّة وبوفرة ولا يشحّ، ويتوزّع على الكلّ ولا يحابي الوجوه.

• بنت الله جابو وطني الإنساني ، بوجه وملامح وطني الجغرافي الجريح الطريح الممدد على آسنة رماح العقوق الوطني ، فتشردت بت الله جابو وصُحيباتها ورفيقاتها ومثيلاتها في الأُمومة بين المنافئ والملاجئ ، وهُن يحملنً في دواخلهنً ما تبقي من الكيان وعبق المكان وجميل الزمان ، وتركوا لنا جراحات المباكي الحسرة الألم بفقد الأم الوطن الملاذ ، تُرافقنا أينما تشردنا ونزحنا وحللنا داخل ما تبقي من جغرافيا وطن النزوح والإقامة القهرية علي سفوح الجروح.

• تبدّلت الأيّام، وتقلّبت الأحداث، وخانت قوانا الصًعاب ، وأينما حطّت رحال الأمومة المُشردة المُهجرة قسراً ، تُحطّ حضارات الوطن الأمة الهوية ، وينشدن على مسامع الكون حتّى يتحوّل الوطن شخصاً يتنقّل بين حضارات العالم المنافي الملاجئ .

• بنت الله جابو ، رفعة العطاء في مجّانيّته، وسموّ الحبّ في بذل ذاته ، كانت فينا نُسيمات الرّجاء عندما يفتر فينا الأمل ، ورهبة الجمال عندما تباغتنا دمامة السّنين، وعظمة الخيال ، وقبل أن يستفيق آبناءها علي حقيقة قهر الرجال وعجز حولهم عند تصفعنا بنت الله جابو بطلب حقها الطبيعي وبسيط بصوت رقيق متعب ومريض ” يا اولادي ، رجعوني السودان ، افرشوا علي في بيتي ، وادفنوني مع اهلي” .

•ونحن حولها ، بقهرنا واللاحولنا نُجيبها ” يُمة بنت الله جابو ، بيتك مُحتل من الغاشم المُختل ، مقابر أهلك قيد الأسر والقهر ، من إقترب منها مفقود ، ومن في باطنها آمن مسعود ، حتي المدافن يا يُمة ، اصابها التهجير والتشريد ما بين قارعة الطريق الآمن مؤقتاً الي حين إنتهاء مراسم الدفن ، وأزقة الحواري وامام البيوت ، خُلسة من عيون الكلاب الأدمية النباشة وفوهة البندقية النياشة.

• بنت الله جابو أمي وطني ، حملتني وطن وهن علي وهن ، منذ النّفس الأوّل، تسكب في شراييني ماءه العذب النّضير. من سُنبله يقتات جسدي وفي كنفه تتغذّى روحي. سماؤه غطائي وشمسه سراج دربي مهما تعسّر السّبيل، أفترش ترابه فأحنّ إلى الحضن الأوّل وأرتحل في أحلامي البسيطة أبحث عنه في طيورالخريف العائدة والهاربة من قرّ الشّتاء، لتلقى أمي وطني عشّاً هنيئاً ترقد فيه بسلام فأمي وطني ، سنابل قمح لا يرهقها الشّموخ ولا تثقلها حبّات تقيها لإشباع أفواه أطيار جائعة.

• بت الله جابو أمي وطني، بملامح إمرأة وجدت لتكون أمّاً وأمّة تجمع في ظلّ جناحيها إخوة يتلاقون عند ضفاف الأنهار، يلعبون ويفرحون، ويتنازعون ويحزنون. وعند هتاف الغروب يعودون إلى أحضانها متحابّين، مبتسمين، متناسين أيّ نزاع حتّى لا يتنسّموا إلّا رائحة الوطن كي يحيوا.

• الأمّ ملاك ينشده الله للخليقة حتّى يتذكّر أبداً أنّ السّلام لا يزهو إلّا بالبذل والعطاء، وأنّ الحُبّ لا ينمو إلّا إذا منح بوفرة ومجّانيّة، وأنّ الامّحاء سرّ العظمة وسرّ الحبّ الّذي لا يفنى. والوطن أمّ ، زرعه الله في جنّة مشرقة، على أطرافها أنهار تفيض الدّموع لننهل منها بهاء الرّوح ونقائها، وفي وسطها أغصان عدّة، متفرّعة ومتفرّقة لكنّها ملتحمة بجذع واحد، حتّى نتجرّع أبداً معنى الكرامة .

ذهبت أمي أخيراً بعد أن أسلمت روحها ، وإستسلمت لقضاء وقدرية عدم درايتها بأي أرض تموت، وأن تموت وتدفن رُفاتها في غير أرض أهلها وملامحها وصفاتها، لسان حالها حال المُتنبئ:

يـا مَـن نُعيتُ عَلـى بُعـدٍ بِمَجلِسِهِ
كُــلٌّ بِمـا زَعَــمَ الناعــونَ مُرتَهَــنُ
كَم قَد قُتِلتُ وَكَم قَد مُتُّ عِندَكُمُ
ثُمَّ اِنتَفَضتُ فَزالَ القَبـرُ وَ الكَفَـنُ
قد كانَ شاهَدَ دَفني قَبلَ قَولِهِـمِ
جَماعَةٌ ثُمَّ ماتـوا قَبلَ مَن دَفَنـوا
مـا كُـلُّ مـا يَتَمَنّى المَـرءُ يُـدرِكُهُ
تَجري الرِياحُ بِما لاتَشتَهي السُفُنُ

فيا أمي مع السلامة فى رحاب الله المجيد ، نلتقيك بإذنه بدارك الجديد ، في علائك الأبدي السعيد لدي مليكٍ عزيزٍ مقتدر و شديد ، من بعد كامل الرضا والتسليم إنا لله وإنا إليه راجعون.

خلاصة قولي ومنتهاه :

• دعواتكم لأُمي الوالدة عائشة الله جابو محمود العركي بالرحمة والمغفرة والعتق من النار ، وللوطن الأمن والآمان والسلامة وإخماد النار.

المصدر: نبض السودان

كلمات دلالية: أمي السلامة العركي عمار مع يكتب

إقرأ أيضاً:

أمير الرياض: التوجيه الملكي الكريم بتسمية ميادين الرياض بأئمة وملوك الدولة السعودية ترسيخ لإرثهم في تأسيس هذه الدولة المباركة

رفع صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز آل سعود، أمير منطقة الرياض، باسمه ونيابة عن أهالي منطقة الرياض الشكر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وإلى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظهما الله- بمناسبة التوجيه الكريم بإطلاق أسماء أئمة وملوك الدولة السعودية على 15 ميدانًا بمدينة الرياض، تزامنًا مع احتفاء المملكة العربية السعودية بيوم التأسيس.
وأكد سموه، أن هذا التوجيه الكريم من خادم الحرمين الشريفين بناءً على ما رفعه سمو ولي العهد -حفظهما الله- يأتي ترسيخًا لإرث ومكانة أئمة وملوك الدولة السعودية منذ تأسيسها، وجهودهم العظيمة في تأسيس وتوحيد هذه الدولة المباركة، مشيرًا سموه إلى تزامن ذلك مع الاحتفاء بذكرى يوم التأسيس وما يمثله هذا اليوم من أصالة وعمق تاريخي للمملكة، وما تحقق في هذا الوطن منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى، وحتى هذا العهد الزاهر بقيادة سيدي خادم الحرمين الشريفين يعضده سمو ولي العهد – حفظهما الله -.
وأضاف سموه أن اهتمام القيادة الرشيدة بتاريخ هذا الوطن الغالي هو انعكاس لقيم ومبادئ الوفاء لأئمة الدولة السعودية وأسمى المعاني الخالدة، وترسيخ لقيم الوحدة الوطنية منقطعة النظير، وعراقة تاريخ الدولة السعودية سياسيًا وثقافيًا وحضاريًا منذ أكثر من ثلاثة قرون.
وسأل سموه الله سبحانه أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، وأن يديم على هذا الوطن أمنه ورخاءه واستقراره.

مقالات مشابهة

  • «الوطن» تكرم الزميل محمد مسعد.. و«عمار»: رمز كبير نتعلم منه ورائد الصورة «الحلوة»
  • جلالة السلطان يعود إلى أرض الوطن .. عاجل
  • “منطقة مكة المكرمة” تحتفي “بيوم التأسيس”
  • نائب أمير الرياض: تسمية ميادين الرياض بأئمة وملوك الدولة السعودية احتفاء بتاريخ نفخر بكل ما تحقق فيه من إنجازات
  • أمير الرياض: التوجيه الملكي الكريم بتسمية ميادين الرياض بأئمة وملوك الدولة السعودية ترسيخ لإرثهم في تأسيس هذه الدولة المباركة
  • وكيل جامعة الأمير سطام للشؤون التعليمية والأكاديمية في يوم التأسيس نستذكر إنجازات الوطن
  • مولانا احمد ابراهيم الطاهر يكتب: الجمهورية السودانية الثانية
  • أمير المنطقة الشرقية: ذكرى يوم التأسيس مناسبة خالدة تعزز الانتماء للوطن وقيادته
  • الشيخ كمال الخطيب يكتب .. إلهي، سيدي ومولاي
  • إلى رحمة الله صوت الوطن وشاعر القوات المسلحة