بشكل مفاجئ للرأي العام العالمي، والعربي على وجه الخصوص، طفا اسم دُويلة غويانا على سطح أخبار أميركا الجنوبية، مصحوبًا بمؤشرات اجتياح عسكري في الأفق، أعلنته جارتها الغربية فنزويلا، التي لوّحت بنيّتها ضمَّ منطقة إيسيكيبو المتنازع عليها مع غويانا.

ونظرًا للزخم الذي فرضه الخبر، عرّج مجلس الأمن، الجمعة الماضية، على الموضوع في قائمة نقاشاته.

لكن في الحقيقة، ورغم الجعجعة التي أثارتها تهديدات فنزويلا، واستنفار غويانا، مستأسدة بلندن وواشنطن، يقول بعض المحللين: إننا لن نرى طحينًا، ومن المرجّح أن يكون الأمر، مجرد خُطة سياسية من الرئيس مادورو، فرضتها الانتخابات الرئاسية القادمة.

نزاع تاريخي

قبل التعرّف على النزاع التاريخي بين فنزويلا وجارتها الشرقية غويانا، ومدى وجاهة حجج كل طرف في إثبات ملكيته لمنطقة إيسيكيبو، الواقعة بينهما، من الضروري التعرف على جغرافيّة المنطقة.

تمثل دويلة غويانا البريطانية- كما تُعرّف- مع سورينامي وغويانا الفرنسية، ثلاث دويلات صغيرة، تقع بالترتيب في شمال شرقي نصف القارة الأميركي الجنوبي، وتداولت على ثلاثتها قوى استعمارية، بعد الغزو الإسباني، من أهمها: هولندا، وفرنسا، والسويد، والمملكة المتحدة بالنسبة لغويانا موضوع حديثنا، والمعروفة بثرواتها المعدنية والزراعية سابقًا، والنفطية مؤخرًا. مع العلم أن غويانا، تندرج حاليًا مع بلدان أخرى تحت مجموعة "دول الكومنولث"، الناطقة بالإنجليزية.

أمّا بالنسبة لمنطقة إيسيكيبو، محلّ النزاع بين فنزويلا وغويانا البريطانية، فيأتي اسمها من اسم أطول نهر في غويانا، يصب في المحيط الأطلسي شمالًا، ويشقّ البلاد بشكل عمودي، ليجعل ثُلثَ مساحتها يقع شرقه، وثلثَيها يقعان غربه، وهذه المنطقة الأخيرة هي المساحة التي مثّلت موضوع الخلاف في ملكيتها منذ قرون، وتجددت الآن.

تعتبر فنزويلا المنطقة امتدادًا لمساحتها، منذ 1777 م؛ امتثالًا للحدود التي رسمها الحُكم الإسباني في تلك الفترة.

في المقابل، تعتبرها غويانا ملكها، استنادًا للحدود التي رسمها البريطانيون، بعد أن توغلوا في منطقة الإيسيكيبو واستغلوا ثرواتها المنجمية الطائلة، وفرضوا الحدود الحالية، أثناء انشغال فنزويلا في بداية القرن التاسع عشر بالتحرر من الحكم الإسباني.

وتجدد النزاع مع اكتشاف البريطانيين مناجم ذهب وفضة في المنطقة، لكن التحكيم الدولي، أفضى إلى إصدار حكم لفائدة الجانب البريطاني، يُعرف بقرار "باريس للتحكيم الدولي" في 1899م.

غير أن فنزويلا في 1949 م، حصلت على وثائق تثبت انصياع أحد أعضاء المحكمة الخمسة- والذي يعتبر المحايد الوحيد- للتصويت لصالح الجانب البريطاني، وهو ما أدى إلى لجوء فنزويلا للأمم المتحدة. واستمر النزاع السلمي بين الجانبين، دون جدوى، حتى استقلال غويانا في 1966 م، عندما تمسّكت بملكيتها للإيسيكيبو، على اعتبار أن المفاوضات كانت مع البريطانيين.

وفي الحقيقة، لم تُفلح محاولات الحكومات الفنزويلية المتعاقبة- باستثناء حكومة الزعيم الراحل تشافيز التي كانت منشغلة بأهداف توسّعية أيديولوجية مختلفة تمامًا- في حلحلة موقف غويانا، التي اشتد ساعدها في المعركة، مع استمرار اكتشاف موارد طبيعية في المنطقة، بشكل كبير، على غرار الألماس ومزيد من الذهب والفضة في أدغال الإيسيكيبو.

ثروات متدفقة

لكن ومع بداية اكتشاف غويانا كميات خيالية من النفط والغاز في مياه الإيسيكيبو الإقليمية- على المحيط الأطلسي، في 2015 م – فقد لجأت، بشكل أحادي، إلى محكمة العدل الدولية، وتعاقدت على إثر ذلك مع شركة أميركية نفطية، وبدأت في التنقيب عن النفط مع شركات أجنبية أخرى.

وقد تزامن ذلك مع الأزمة الاقتصادية التي مرت بها فنزويلا، وشدة وطأة الحصار الأميركي عليها، وهو ما دفع الرئيس مادورو، في ذلك الوقت، إلى التنديد لدى الأمم المتحدة بعدم مشروعية عمليات التنقيب التي تقوم بها غويانا، لكن ذلك لم يغير شيئًا من الواقع، واستمر الأمر على ما هو عليه.

ومن الواضح أن الإحباط من الموقف الدولي، الذي تعيشه حكومة فنزويلا، جعل ردة فعلها تشهد تصعيدًا ملحوظًا في الأسبوعين الأخيرين، حيث قام الرئيس مادورو بدعوة شعبه إلى التصويت على استفتاء يوم الأحد قبل الماضي، وافق من خلاله 95% من المصوتين على ضمّ الإيسيكيبو لفنزويلا.

كما أمر الرئيس بتغيير خريطة البلاد في كل الإدارات والمناهج الدراسية، وبدْء منح تراخيص استغلال النفط والغاز واستخراج المعادن لشركة النفط الحكومية الفنزويلية، إضافة إلى حشد قوات عسكرية خاصة بهدف الانتشار في المنطقة. وهو ما اعتبره رئيس غويانا عرفان علي، (المسلم الديانة) تهديدًا مباشرًا لسيادة بلده واستقلالها.

غضب شعبي

في الحقيقة، هناك سياقات لهذه التطورات، تستحق الذكر من أجل توضيح المشهد في الجانبين. فاقتصاد غويانا شهد قفزة نوعية مع اكتشاف النفط في المياه الإقليمية لمنطقة الإيسيكيبو، ما جعل ناتجها المحلي الإجمالي يصل إلى 58% السنة الماضية. كما من المنتظر أن يصل إنتاجها من النفط في 2027 م، إلى حجم إنتاج فنزويلا الحالي، علمًا أن عدد سكانها لا يتخطى 800 ألف نسمة. وتحسبًا لهذه المرحلة من التوتر، كشفت مصادر أميركية، أنّ غويانا تُسارع في التنسيق مع واشنطن لتركيز قاعدة عسكرية أميركية في منطقة الإيسيكيبو، وهو ما دفع حكومة فنزويلا إلى تقديم شكوى لدى الأمم المتحدة منذ شهرَين.

أمّا فيما يخصّ السياق الفنزويلي الداخلي، فيبدو أنَّ حكومة الرئيس مادورو، واعية بصعوبة تحقيق نتيجة الاستفتاء، من خلال مظلة الحماية التي وفرتها الإدارة الأميركية ونظيرتها البريطانية لغويانا.

لكن مستجدات المشهد الانتخابي في صفوف المعارضة، جعلت الرئيس مادورو يحرّك ورقة الذود عن السيادة، لمغازلة الشعور الوطني لدى الرأي العام، واستمالتهم لدعمه وحكومته من أجل الدفاع عن حقوق البلد من الثروة الخيالية التي تفرّدت بها غويانا، جورًا.

تجدر الإشارة إلى أن الزعيم الراحل تشافيز، حكم فنزويلا من 1999 م إلى 2013 م، وخلفه مباشرة، رفيقه الرئيس الحالي مادورو، الذي ينوي الترشح لفترة ثالثة في أكتوبر/ تشرين الأول القادم.

ورغم ما شهده الرئيس مادورو من مضايقات من المعارضة في المحطات الانتخابية السابقة، فإنه ورموز حزبه تمكنوا من التمسك بالسلطة ودحر المعارضة، لاسيما في 2019 م.

لكن الغضب الشعبي المتنامي مؤخرًا، وتوصّل المعارضة للاتفاق على ماريا كورينا ماتشادو، كمرشحة وحيدة تواجه الرئيس مادورو في 2024 م، جعلا تحريك ورقة ضمّ الإيسيكيبو- التي لا يختلف عليها فنزويليان اثنان- ضرورةً للالتفاف حول حكومة قائمة وقوية، ما يستبعد المغامرة بالتصويت لتولي المعارضة زمام الحكم.

قد يكون هذا الرأي غير صائب، لكن الأشهر القادمة ستكشف بالتأكيد إن كانت تهديدات الرئيس مادورو جادّة أم لا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الرئیس مادورو وهو ما

إقرأ أيضاً:

مرشح المعارضة يعتزم إعلان نفسه رئيساً لفنزويلا

أكد مرشح أكبر تحالف للمعارضة الفنزويلية، إدموندو غونزاليس أوروتيا، أنه سيتولى منصبه في العاشر من يناير(كانون ثاني) المقبل.

وتبدأ الفترة الرئاسية الجديدة، في يناير المقبل، حيث يصر أوروتيا على فوزه في انتخابات 28 يوليو (تموز) الماضي، على الرغم من النتيجة الرسمية التي منحت الرئيس الحالي نيكولاس مادورو إعادة انتخابه لولاية رئاسية جديدة.

وقال زعيم المعارضة المقيم بالمنفى في إسبانيا منذ سبتمبر (أيلول) خلال اجتماع افتراضي مع نشطاء من الشباب أمس السبت: "نحن نخوض معركة، نحن نحمل صوتنا، صوت جميع الفنزويليين في الخارج".

#EsNoticia ???????? @EdmundoGU: “Mi aspiración es ser recordado como el presidente que reconcilió a los venezolanos”

En un encuentro estudiantil y juvenil celebrado en Madrid con jóvenes de la diáspora, el presidente electo de Venezuela, Edmundo González Urrutia, destacó la… pic.twitter.com/mwQg3AZVLQ

— EVTV (@EVTVMiami) November 21, 2024

كما أشار إلى أن "الدعم يزداد كل يوم"، مؤكداً أن "الجميع مصممون على أنه في العاشر من يناير ستبدأ إعادة بناء فنزويلا".

وقال: "من أجل ذلك، نحن نعتمد على دعم ومساندة كل واحد منكم أينما كنتم".

في هذه الأثناء، قالت زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو (في الاجتماع نفسه) إنها تخطط لتنظيم "احتجاج ضخم" في الأول من ديسمبر(كانون أول) داخل وخارج البلد الكاريبي، دعماً لغونزاليس أوروتيا.

وبعد الانتخابات، ندد حزب المنصة الموحدة الديمقراطية، أكبر تحالف للمعارضة، بفوز مادورو ووصفه بأنه "مزور"، مؤكداً أن مرشحه إدموندو غونزاليس أوروتيا هو الرئيس المنتخب، استناداً إلى 83.5% من النتائج التي يؤكدون أنهم جمعوها من خلال شهود، وهي وثائق تصفها الحكومة بالمزورة.

كاراكاس تستنكر وصف واشنطن لمعارض بـ"رئيس فنزويلا المنتخب" - موقع 24استنكرت حكومة نيكولاس مادورو، اليوم الأربعاء، بدء الإدارة الأمريكية في وصف المعارض إدموندو غونزاليس أوروتيا بـ"الرئيس المنتخب" لفنزويلا، بعد انتخابات 28 يوليو (تموز) الماضي التي حصل فيها الزعيم الشافيزي على ولاية جديدة لا تعترف بها الكثير من الدول.

وعلى غرار مرشح المعارضة، من المنتظر أيضاً أن يؤدي مادورو الذي يحظى بدعم جميع المؤسسات الفنزويلية اليمين الدستورية كرئيس للبلاد في يناير (كانون الثاني)المقبل، في حين رفضت عدة حكومات أجنبية إعادة انتخابه، وتطالب دول أخرى بنشر نتائج مفصلة لتوضيح فوزه المثير للجدل.

مقالات مشابهة

  • مدني القصيم يواصل متابعة الحالة المطرية التي تشهدها المنطقة .. فيديو
  • إلغاء انتخابات بلدية الشويرف بسبب تجاوزات انتخابية
  • مرشح المعارضة يعتزم إعلان نفسه رئيساً لفنزويلا
  • المعارضة في فنزويلا تدعو لمظاهرة ضد مادورو
  • أوكرانيا تخسر أكثر من 40% من الأراضي التي استولت عليها في كورسك
  • الرئيس الكولومبي: هدف حرب الإبادة التي تمارسها “إسرائيل” في غزة منع قيام وطن للفلسطينيين
  • كورسك.. روسيا استعادت 60% من الأراضي التي احتلتها أوكرانيا
  • الرئيس السابق لأرامكو يكشف: الهلال الأول تأسس في الخبر في الخمسينات قبل هلالنا الحالي
  • الجيش الأمريكي يعاني أزمة كبرى.. هجمات ضد قواته بالمنطقة ونقص في ذخيرته
  • فنزويلا تفتح تحقيقاً بتهمة "الخيانة" بحق زعيمة المعارضة