قال الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، إن القادة الدينيين وزعماء الأديان والعلماء والدعاة والمرشدين تقع على عاتقهم مسؤوليات كبيرة في مجال نشر القيم الأخلاقية والروحية التي دعت إليها الأديان السماوية، من أجل وقف العنف والحروب والاعتداءات على الآمنين والمستضعفين.

 

وأضاف مفتي الجمهورية، في الكلمة الرئيسية التي ألقاها في فعاليات أعمال المنتدى الإسلامي العالمي التاسع عشر الذي يعقد في العاصمة الروسية موسكو، أن ما يحدث في مدينة غزة الفلسطينية من قتل وتهجير للأطفال والنساء والمواطنين الفلسطينيين أمر تستهجنه الفطرة الإنسانية والقيم والأخلاق الدينية التي دعت إلى المحبة والسلام والتراحم، مؤكدًا أن ما يحدث من عنف انتقامي ممنهج من الجانب الإسرائيلي أمر يجب التصدي له إذا ما أردنا أن يعم السلام المنطقة.

وجدد المفتي نداءه الإنساني إلى قادة الأديان وعقلاء العالم والمنظمات الدولية ألا يصموا آذانهم عن الهمجية الإسرائيلية، وأن يضغطوا لوقف تهجير الفلسطينيين من أراضيهم وإدخال المزيد من المساعدات الإنسانية العاجلة إلى قطاع غزة إحياءً للضمير الإنساني وحفظًا لأرواح الأبرياء.

العدوان على غزة

وأوضح شوقي علام أن هذه القيم الروحية والأخلاقية هي الجديرة بنشر الأمن وتعزيز السلام والحد من الصراعات والقضاء على العنف والإرهاب، وهي الجديرة أيضًا بإعادة العالم إلى حالة من السكينة والهدوء والرخاء والخروج من حالة التوترات والصراعات التي نشهدها اليوم والتي تدمي القلوب وتؤثر على العلاقات الدولية.

وأضاف مفتي الجمهورية أن هذه الغاية السامية؛ أعني نشر القيم الروحية والأخلاقية تتطلب من قادة الأديان وزعمائه أن يتعاونوا فيما بينهم وأن يتباحثوا بشكل مستمر بغية الوصول إلى مشروع عمل عالمي مشترك يعزز القيم الأخلاقية والروحية بين أبناء العالم كله.

وأشار المفتي إلى أن الإسلام قد عزز نشر قيم التعاون والتواصل بين كافة الشعوب بغضِّ النظر عن الدين أو اللغة أو اللون أو العرق وصرح القرآن الكريم بذلك، فقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]، وقال تعالى أيضًا: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} [الروم: 22]، فالله تعالى خلقنا مختلفين لغة ومختلفين جنسًا ومختلفين أصولًا وأعراقًا؛ أي انحدرنا من أعراق وأوطان كثيرة، ومختلفين أيضًا من جهة اللون، ومختلفين في أوجه كثيرة من الكيفيات التي خلق الله الناس عليها بحكمته البالغة.

وأضاف أن الله تعالى بيَّن لنا أن هذا الاختلاف هو آية من آيات الله تعالى وأمر معجز يدل على كمال خلقه واتساع وطلاقة قدرته وتمام إرادته، وأن هذا الاختلاف غايته عند ذوي العقول الراشدة هو التعارف والتبادل المعرفي، ونفهم من هذا أن التنوع الشديد محفز لنا جميعًا إلى أن يتعرف كل منا على الآخر ثقافة وفكرًا، ويشجعنا على أن يستفيد بعضنا من بعض على مستويات كثيرة مما أنتجته العقول البشرية المختلفة فهذه المعارف والثقافات المنفردة لكل شعب، هي في حقيقتها مِلك خالص للبشرية كلها تستفيد منه وتنتفع به وتطوره لكي تستفيد الشعوب الأخرى منه. 

الأديان جميعًا تدعو إلى الفضيلة

وتابع مفتي الجمهورية: «نحن نستطيع أن نجزم بأن الأديان جميعًا تدعو إلى الفضيلة وإلى مكارم الأخلاق وإلى القيم الروحية ودعم السلام، وإذا رأينا إنسانًا يمارس العنف والإرهاب أو العنصرية أو الإبادة الجماعية أو التطهير العرقي أو التهجير باسم الدين فلنعلم يقينًا أنه يمارس الدين بطريقة خاطئة وفهم عنصري معوج».

وأضاف  أنه ما نزلت الرسالات السماوية وما جاءت الأديان من عند الله وما بعثت الرسل إلا بالسلام والأمن ونشر قيم الرحمة والإخاء، وفي شريعة الإسلام ندعو الله تعالى باسمه السلام، فمن أسماء الله الحسنى في الإسلام اسم الله السلام الذي يفيض بالأمن والسلام والرحمة والخير على مخلوقاته جميعًا، والله تعالى سمى دار الثواب في الآخرة وهي الجنة بدار السلام، فالسلام والأمن من أهم القيم التي دعت إليها الأديان السماوية جميعًا.

وأكد  أننا نحتاج إلى تفعيل هذه القيم وإدخالها ضمن برامج عملية قابلة للتطبيق بين الشعوب، فالأخلاق والقيم تمثل في حقيقتها جسور التواصل وحلقات الوصل بين الحضارات والشعوب وكل حضارة عملت على نشر القيم والأخلاق والعلوم والمعارف وما ينفع الإنسانية عاشت في وجدان الناس فما ينفع الناس يمكث في الأرض، وما يؤذي الناس ويضرهم يسقط من ذاكرة التاريخ ويفنى ولا يبقى له ذكر.

وقال مفتي الجمهورية: «إن العالم كله ينتظر من دعاة الأديان وقادة الرأي والفكر أن يعملوا على نشر قيم السلام والأمن، وإننا في دار الإفتاء المصرية انطلاقًا من حضارتنا المصرية المعروفة في التاريخ كله أنها حضارة خير وسلام، وانطلاقًا من ديننا الإسلامي دين الخير والأمن والسلام على أتم الاستعداد أن نمد يد التعاون مع جميع المؤسسات الدينية في العالم من أجل أن يعم السلام ربوع العالم».

وأضاف: دار الإفتاء المصرية بذلت عبر تاريخها الطويل جهودًا كبيرة في تفنيد ومحاربة الفكر الإرهابي المتطرف ومقاومة تيارات العنف والإرهاب بمشاريع توعوية فكرية تصحح المفاهيم والرد على الشبهات التي تطلقها تلك الجماعات الإرهابية وتبرز وتظهر حقائق الإسلام السمحة ومقاصده التي تدعو إلى التسامح ونبذ العنف.

وفي ختام كلمته توجه المفتي بالشكر والتقدير للدولة الروسية رئيسًا وحكومة وشعبًا، داعيًا الله أن يكلل جهود منظمي هذا المؤتمر الهام بالنجاح والتوفيق وأن يجنب شعوب العالم كله شر العنف والصراع وأن يتجلى علينا برحمته ورضاه.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الإفتاء دار الإفتاء العدوان على غزة مفتي الجمهورية شوقي علام مفتی الجمهوریة الله تعالى جمیع ا

إقرأ أيضاً:

حلقة إقليمية تستعرض البرامج التنفيذية لإعداد ميثاق العالم الإسلامي للذكاء الاصطناعي

انطلقت أعمال حلقة العمل الإقليمية الأولى لميثاق العالم الإسلامي للذكاء الاصطناعي في منطقتي آسيا والشرق الأوسط التي تُنظّمها جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بالتعاون مع منظمة العالم الإسلامي للتربية والثقافة والعلوم (الايسيسكو) بالشراكة مع وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات على مدار يومين بمشاركة خبراء ومختصين في مجال التكنولوجيا وممثلي الشركات المساهمة في تطوير الذكاء الاصطناعي.

وتستعرض أعمال حلقة العمل التي جاءت برعاية معالي الدكتور خميس بن سيف الجابري رئيس وحدة ومتابعة تنفيذ رؤية عمان 2040، أخلاقيات الذكاء الاصطناعي واستخدامه، وتبادل الرؤى ووجهات النظر حول الذكاء الاصطناعي في آسيا والشرق الأوسط وإعداد الخطط والبرامج التنفيذية والمبادرات الاستراتيجية التي تقودها منظمة الإيسيسكو لإعداد ميثاق أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في العالم الإسلامي تنفيذا لقرار المجلس التنفيذي للإيسيسكو في دورته الثالثة والأربعين، المنعقد في ديسمبر 2022 في المملكة المغربية، حيث أسندت الدول الأعضاء بالإجماع مهمة صياغة ميثاق العالم الإسلامي للذكاء الاصطناعي إلى الإدارة العامة للمنظمة.

قال سعادة الدكتور سعيد بن حمد الربيعي رئيس جامعة التقنية والعلوم التطبيقية: إن سلطنة عمان مستعدة لجني فوائد الذكاء الاصطناعي وسيتم تمكين الطلبة في هذا المجال إلى جانب إنشاء تقنيات مدعومة بالذكاء الاصطناعي في أماكن مختلفة، وتمثّل حلقة العمل الإقليمية تقدما كبيرا في عملية التشاور القائمة على الميثاق، حيث تأتي لدفع المبادرة إلى الأمام بالشراكة مع جامعة التقنية والعلوم التطبيقية ووزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات بسلطنة عُمان، كما تهدف في جوهرها إلى إعطاء الأولوية للمشاركة الفعالة، فهي تتبنى ثقافة التعاون، وتعترف بالخبرات الجماعية ووجهات النظر المتنوعة بين المشاركين وتعميق الحوار وتيسير التعاون بين جميع أصحاب المصلحة.

وأضاف سعادته قائلا: من خلال دمج الدروس المستفادة والتجارب الناجحة إلى صقل نهجها والمساهمة في إنشاء إطار عمل قوي لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي وحوكمته في منطقتي آسيا والشرق الأوسط، ومن خلال توجيه الحوار حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، تسعى حلقة العمل إلى تعزيز التعاون الإقليمي، وتطوير المبادئ التوجيهية الأخلاقية، وغرس الشعور بالمسؤولية الجماعية بين جميع الأطراف الفاعلة المعنية.

وأوضح سعادته أن الميثاق سيمثّل أهم مخرجات كرسي الإيسيكو لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي الذي أنشئ سنة 2024 م،

وتم تأسيسه للمساهمة في الجهود المبذولة لمعالجة القضايا الأخلاقية التي تنشأ جنبًا إلى جنب مع ظهور تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي من شأنه دعم البحث العلمي والابتكار في هذا المجال وتوطين تقنيات الذكاء الاصطناعي ونشرها في جميع القطاعات وخاصة قطاعات الصناعة والإنتاج مما سيساهم وبشكل فاعل في تعزيز مخرجات البرنامج الوطني للاقتصاد الرقمي والبرنامج التنفيذي للذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة ومخرجات الجامعة في برنامج علم البيانات والذكاء الاصطناعي، تماشياً مع التوجيهات السامية في الإسراع بإعداد التشريعات التي ستساهم في جعل تقنيات الذكاء الاصطناعي أحد الممكّنات والمحفّزات الأساسية للقطاعات الاقتصادية في سلطنة عمان.

من جانبه أكد الدكتور سالم بن محمد المالك، المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) أن حلقة العمل ستشهد مناقشات ثريّة حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وتبادل الرؤى والأفكار بين نُخبة من أبرز خبراء المجال في العالم المتعلقة بأهم المحاور التي يجب أن يتضمنها الميثاق الذي تعمل منظمة الإيسيسكو على صياغته بمشاركة خبراء من دول العالم الإسلامي وخارجه، مشيرا إلى أن حلقة العمل تُعدّ إحدى ثمار التعاون المتميز بين الإيسيسكو وجامعة التقنية والعلوم التطبيقية ووزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات في سلطنة عمان، وباكورة أنشطة كرسي الإيسيسكو لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي بالجامعة.

وتناولت حلقة العمل في اليوم الأول جلسة نقاشية بعنوان «رؤى إقليمية» طُرحت فيها وجهات نظر حول الذكاء الاصطناعي في منطقتي آسيا والشرق الأوسط، فيما تشهد اليوم حلقة تطبيقية بين المجموعات لتقديم مقترحات حول الأخلاقيات والحوكمة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، والعمل بعدها على صياغة وثيقة ميثاق العالم الإسلامي للذكاء الاصطناعي.

مقالات مشابهة

  • أبو ضفيرة: اختارني الله تعالى خليفة في الأرض فعلى البرهان وقيادات الدعم السريع مبايعتي وإيقاف الحرب
  • حان الوقت ليراجع العالم الإسلامي نفسه
  • مصر تدعو الدول الأفريقية إلى مجابهة تحديات السلم والأمن
  • دورة علمية في المنتدى الإسلامي بالشارقة
  • الخبراء يجتمعون في مسقط لإعداد "ميثاق العالم الإسلامي للذكاء الاصطناعي"
  • حلقة إقليمية تستعرض البرامج التنفيذية لإعداد ميثاق العالم الإسلامي للذكاء الاصطناعي
  • القيم المنظمة للاصطفاء والانتخاب للولايات العامة: منظومة القيم والبناء المفاهيمي والدليل السلوكي
  • مستقبل الأمن السيبراني على مائدة المؤتمر العالمي للجوال في شنغهاي
  • 500 مليون دولار وفورات “أدنوك”من تطبيق 30 أداة للذكاء الاصطناعي
  • الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي يدعو لوقف فوري لإطلاق النار بغزة