السودان: عقوبات جديدة مشكوك في فاعليتها

فيصل محمد صالح

عادت التساؤلات مرة أخرى عن جدوى وتأثير العقوبات الأميركية على الأوضاع السياسية في السودان، البلاد التي تشهد حرباً منذ ثمانية أشهر من دون مؤشرات على قرب توقفها. وهناك شكوك كثيرة حول ما إذا كانت العقوبات الأخيرة ستؤثر على حالة الحرب، وتساهم في نقل البلاد لمرحلة أفضل.

فقد فرضت الحكومة الأميركية عقوبات جديدة على ثلاثة من كبار رموز النظام السابق لتورطهم في الحرب الجارية الآن بالسودان، واتهمتهم بأنهم شاركوا في أنشطة تقوض الأمن والسلام والاستقرار في السودان. الثلاثة الموصوفون بهذا الاتهام لم يكونوا كلهم في نفس الصف، حيث شملت العقوبات الفريق صلاح قوش والفريق محمد عطا المولى، رئيسي جهاز الأمن والمخابرات السابقين، اللذين وصفا بأنهما عملا على إعادة عناصر من النظام السابق للسلطة وعلى تقويض الجهود الرامية لإنشاء حكومة مدنية، والثالث هو طه عثمان الحسين المدير السابق لمكتب الرئيس السابق عمر البشير، وهو متهم بتوريد السلاح لقوات الدعم السريع.

وهذه هي القائمة الثالثة للعقوبات الأميركية، حيث شملت القائمة الأولى شركات ومؤسسات مملوكة للجيش ومنها منظومة الصناعات الدفاعية، وأخرى مملوكة لـ«الدعم السريع» وعائلة دقلو، ثم صدرت عقوبات على عبد الرحيم دقلو شقيق حميدتي ونائبه في قيادة «الدعم السريع»، وضمت قائمة ثالثة علي كرتي الأمين العام للحركة الإسلامية ورجل الأعمال عبد الباسط حمزة، وهو أيضاً من رموز النظام السابق و«المؤتمر الوطني».

العقوبات الأميركية على السودان وبعض قياداته ليست أمراً جديداً، فقد خبرتها هذه البلاد من قبل عدة مرات، كان أولها في بداية التسعينات، حين ظهرت رغبة الترابي – البشير في قيادة الأصولية الإسلامية العالمية، في ذلك الوقت، وقاما بجعل البلاد قبلة لرموز المتطرفين الإسلاميين من كل دول العالم، وتم فرض العقوبات الأميركية تحت قوانين مكافحة الإرهاب، وتشديدها أكثر من مرة بعد عدد من العمليات الإرهابية.

ثم جاءت الحزمة الثانية من العقوبات في بداية الألفية الجديدة بعد اندلاع القتال في دارفور، وتدهور الأوضاع الإنسانية، وما صاحب ذلك من تزايد الانتهاكات بحق السكان المدنيين. أوجدت هذه العقوبات المزدوجة على البلاد حصاراً محكماً، ثم زاد على ذلك مجلس الأمن الدولي ففرض عقوبات مماثلة على الحكومة السودانية.

وقد تأثر الاقتصاد السوداني بشكل كبير، وتسببت هذه العقوبات القاسية في تعطيل بعض القطاعات الاقتصادية والصناعية والخدمية بسبب عدم توافر قطع الغيار، وتوقفت المساعدات الأجنبية المباشرة من الدول الغربية، كما تأثر القطاع المصرفي بشكل كبير بعد تعطل عمليات التجارة الخارجية وتحويلات البنوك الأجنبية.

فهل تشكل العقوبات الجديدة ضغطاً مماثلاً قد ينتج عنه توقعات أفضل من العقوبات السابقة…؟

هذه العقوبات الجديدة في مجملها فردية، تقع على أفراد وشركات، ولا تقع، حتى الآن على الأقل، على المؤسسة العسكرية أو الدولة، ولهذا سيكون تأثيرها ضعيفاً. ويقتصر نطاق هذه العقوبات على التعامل مع المؤسسات الأميركية، ومعظم هؤلاء الأفراد والشركات ليس لهم تعامل، في الغالب، مع مؤسسات أميركية، سواء كانت شركات أو مصارف أو جهات حكومية، وتدور معظم حركتهم وحركة أموالهم في الشرق الأوسط وبعض الدول الآسيوية. ولهذا لن تؤثر العقوبات الأميركية عليهم أو على أعمالهم.

في حالة العقوبات السابقة فقد امتد نطاقها إلى كل الشركات والمؤسسات المصرفية التي تتعامل مع الاقتصاد الأميركي، واضطرت شركات وبنوك أوروبية وشرق أوسطية للالتزام بالعقوبات حتى لا تتعرض لحرمانها من التعامل مع المؤسسات الأميركية أو تتعرض لعقوبات قاسية. فقد اضطر بنك «بي إن بي باريبا» الفرنسي لدفع غرامة ضخمة قدرت بنحو ثمانية مليارات دولار للحكومة الأميركية عام 2014، لأنه خرق العقوبات الأميركية على الحكومة السودانية ودخل في تعامل مالي معها.

وقد أوقفت معظم المؤسسات المالية والمصرفية والشركات الكبرى في أوروبا والشرق الأوسط التعاملات مع الحكومة والشركات والمصارف السودانية في تلك الفترة. وكان تأثير ذلك قاسياً جداً على الاقتصاد السوداني، وحتى على الأفراد العاديين بسبب توقف حركة التحويلات المالية مع دول العالم، وتعذر الحصول على بعض التقنيات الحديثة الضرورية لكثير من الشركات وقطع الغيار المهمة.

بيان وزير الخارجية الأميركي الأخير، الذي صدر قبل يومين، والذي اتهم فيه قيادات في الجيش السوداني بارتكاب جرائم حرب، كما اتهم قوات الدعم السريع بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي، يشي بأن واشنطن تنوي تمديد العقوبات لقيادات الطرفين، الجيش و«الدعم السريع»، كما اشتدت مطالبات قيادات وأعضاء الكونغرس بخطوات في هذا الاتجاه.

لكن يبدو أن هذه العقوبات لن تكون ذات تأثير كبير، إلا إذا استطاعت الحكومة الأميركية تمريرها عبر مجلس الأمن الدولي، وهذا أمر مستبعد، أو إقناع حلفائها في أوروبا والشرق الأوسط بالالتزام بها، عندها سيكون لها تأثير كبير على حركة وتعامل الأشخاص الذين صدرت في حقهم هذه العقوبات.

 

الوسومالأمريكية الجيش الدعم السريع العقوبات جدوى

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الأمريكية الجيش الدعم السريع العقوبات جدوى

إقرأ أيضاً:

المبعوث الأميركي للسودان: الدعم السريع متورطة في تطهير عرقي وجرائم ضد الإنسانية

قال المبعوث الأميركي إلى السودان توم بيرييلو إن واشنطن رصدت عمليات تطهير عرقي وجرائم ضد الإنسانية تورطت فيها قوات الدعم السريع.

وأكد بيرييلو في مقابلة مع الجزيرة -مساء الجمعة- أن بلاده "تقف ضد قوات الدعم السريع"، مشيرا إلى أهمية وجود مؤسسات وطنية في السودان تحت قيادة حكومة مدنية.

وأضاف أن الولايات المتحدة تقود الجهود لردع تدفق الأسلحة إلى السودان وفرض عقوبات على الأفراد والكيانات التي تستفيد من ذلك، بالتعاون مع شركائها وحلفائها الأوروبيين.

وأوضح  المبعوث الأميركي أن العمل جار منذ شهور لزيادة المساعدات الإنسانية للسودان، وأن الولايات المتحدة شاركت في جهود المفاوضات ووقف إطلاق النار، بالتعاون مع الجانب السعودي.

السودان يعاني من حرب خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل وما يزيد على 14 مليون نازح ولاجئ (الفرنسية) استهداف مستشفى بالخرطوم

من جانبها، قالت منظمة "أطباء بلا حدود"، مساء الجمعة، إن قوات الدعم السريع استهدفت مستشفى "بشائر" جنوبي العاصمة السودانية الخرطوم، بإطلاق جنودها الرصاص داخل المستشفى، يوم الأربعاء الماضي.

وجاء في بيان المنظمة الدولية: "أطلق المهاجمون النار داخل قسم الطوارئ، وهددوا الطاقم الطبي بشكل مباشر، وعطلوا الرعاية المنقذة للحياة بشكل خطير".

وأضافت "ندين بشدة التوغل العنيف لقوات الدعم السريع في غرفة الطوارئ بمستشفى بشائر التعليمي في جنوب الخرطوم، الأربعاء".

ودعت المنظمة، قوات الدعم السريع، إلى "احترام حياد المرافق الطبية وسلامة العاملين في مجال الرعاية الصحية".

إعلان

وفي البيان، قال رئيس بعثة أطباء بلا حدود في السودان صامويل ديفيد ثيودور "دخل العديد من جنود قوات الدعم السريع غرف الطوارئ وبدأ بعضهم في إطلاق النار على العاملين الطبيين، وهددوا المرضى وموظفي أطباء بلا حدود ووزارة الصحة"، مضيفا أنه "لحسن الحظ، لم يصب أحد بأذى".

وشدد على أن "الهجمات ضد المرافق الطبية والعاملين الصحيين غير مقبولة".

وأكد ثيودور، أنه "يجب أن تظل المستشفيات أماكن آمنة وخالية من العنف والترهيب، ولا يجوز تهديد حياة الموظفين أثناء تقديم الرعاية".

وأشار البيان إلى أن مستشفى بشائر التعليمي، يعد "أحد آخر المرافق الصحية العاملة في جنوب الخرطوم وسط الصراع المستمر، حيث حافظ موظفو أطباء بلا حدود بلا كلل على الأنشطة المنقذة للحياة في ظل ظروف صعبة للغاية".

ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل وما يزيد على 14 مليون نازح ولاجئ، وفق تقديرات الأمم المتحدة والسلطات المحلية.

وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب بما يجنب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع الملايين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18.

مقالات مشابهة

  • المبعوث الأميركي للسودان: الدعم السريع متورطة في تطهير عرقي وجرائم ضد الإنسانية
  • الخزانة الأميركية تفرض عقوبات على محافظ البنك المركزي وشبكات مالية
  • قوات الدعم السريع تعتزم التعاون مع حكومة جديدة وتثير مخاوف بتقسيم السودان
  • السودان يطلب من الولايات المتحدة الضغط على الإمارات بشأن الدعم السريع
  • واشنطن تعيد تقييم مزاعم الإمارات حول عدم تسليح الدعم السريع
  • بينهم محافظ مركزي صنعاء.. عقوبات أمريكية جديدة على قيادات وكيانات حوثية
  • الخرطوم تستنكر عقوبات أوروبية على قائد استخبارات الجيش
  • إدارة بايدن تدرس إعلان ما يجري في السودان إبادة جماعية وفرض عقوبات على حميدتي وميليشيا الدعم السريع
  • مقتل عشرة مدنيين في هجوم لقوات الدعم السريع في غرب السودان
  • المملكة المتحدة تفرض عقوبات جديدة على أسطول الظل الروسي