تفتك الحرب بالسودانيات والسودانيين قتلا ونهبا وإغتصابا وتشريدا وجوعا ومرضا وغيرها مما لا يحصى من المآسي. الموقف الغالب لدى قوى ثورة ديسمبر هو وقف الحرب، وفي ظل تجريد الحرب والمطاردة الأمنية من الطرفين المتحاربين (الجيش تحت سيطرة الإسلاميين والدعم السريع) لجزء كبير من قوى الثورة كلجان المقاومة من أدوات عملها السياسية كالمواكب السلمية والإضرابات، يتبقى الجزء الفاعل حاليا من قوى الثورة هو تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم).


في سعي تقدم نحو إيقاف الحرب واستعادة مسار التحول المدني الديمقراطي، يجب عليها أن لا تورط السودانيين والسودانيات في تقديم تنازلات غير محسوبة، أو تستجيب لضغوط أو إبتزاز من طرفي الحرب أو الأطراف الإقليمية والدولية، حتى لا ينتج سلاما هشا أو واقعا تتربص فيه القوى التى تحمل السلاح بالسلطة، فيدفع الشعب السوداني الثمن بتجدد الحرب مرة أخرى أو بإنتاج نظام قمعي مستبد ولصوصي، وتكتيك الضغط والإبتزاز بإيقاف القتل وحقن الدماء قد تم تجريبه من قبل، وكان من مبررات توقيع الوثيقة الدستورية، فشاركت الأطراف العسكرية في السلطة، ومن ثم تربصت بشركائها المدنيين حتى انقضت على السلطة بالكامل في إنقلاب ٢٥ أكتوبر. الطرفان الأساسيان المتحاربان على السلطة حاليا هم الاسلاميون عبر استخدام الجيش ضد الدعم السريع، ومع تطاول الحرب يسعى كل طرف لإدخال مكونات جديدة للكسب العسكري والسياسي في صراعهم حول السلطة، وبوسائل كاذبة خبيثة ومخيفة تخدم فقط سعيهم نحو السلطة وستؤدي لتمزق البلد، من هذه الوسائل التعصب القبلي والمناطقي، استعادة كرامة الجيش والوطن، التخلص من دولة ٥٦، تحقيق الديمقراطية، وغيرها. ومع استبعاد فرضية تحقيق طرف إنتصارا ساحقا، على الأقل في المستقبل القريب، بحكم الوقائع على الأرض، يبقى إيقاف الحرب هو الطريق الذي سيذهب إليه الطرفين عندما يضعفان أو ييأسان مهما طال الزمن. الوضع الحالي هو أن الطرفين لا يمكن الوثوق بهما للوصول لإيقاف الحرب واستعادة التحول المدني الديمقراطي وفق قناعة وبإرادة حقيقية، عدم الثقة هذا يأتي من كون الاسلاميين والدعم السريع هما جسمان سلطويان استحواذيان بحكم بنيتهم، فهم قد وصلا للسلطة بقوة السلاح، واستخدما السلطة والسلاح للاستحواذ على موارد البلاد، فبالتالي هذه هي طريقتهم وما يعرفانه عن السلطة. الإسلاميون كذلك ممانعون لإيقاف الحرب ربما لقناعتهم أن هذه حرب بقاء بالنسبة لهم، والجزء المهني في الجيش، إن كان له صوت في القيادة، فهو واقع تحت سيطرة القيادات الإسلامية وقد تورط برفع سقف المطلوب من الجيش، بالوعود بالتخلص من الدعم السريع تماما، أو يرى في الحرب فرصة للتخلص من الدعم السريع واستعادة شرف الجيش بالفهم العسكري في دول العالم الثالث وغيرها من الدوافع، أما الدعم السريع فرغم ما يبديه من مرونة فهو يرى بأن سيطرته الواسعة على معظم ولايتي الخرطوم ودارفور وأجزاء من كردفان تتيح له هامش مناورة في التفاوض، بغرض استعادة شرعية بالأمر الواقع فشرعيته القليلة المكتسبة بفعل دعاويه السابقة في دعم التحول الديمقراطي قد دمرت في أذهان كثير من الشعب بفعل الإنتهاكات، بالإضافة لتحقيقه لشعبية في مناطق حواضنه الإجتماعيه بناءا على الاستقطاب الذي أجج بالحرب والمكاسب التي حققها أفراده بالإنتصار كما يدعون وبالمكاسب التي حققت بالنهب فأصبح عنده شارع كما قال قائده من قبل "نحن برضو عندنا شارع"، وهذه مواقف تكتيكية بحتة من الطرفين وليست قناعة بوقف الحرب سواء لمصلحتهم أو لمصلحة الوطن والمواطن.
الواضح أن الطرفين لم يصلا بعد لقناعة وإرادة حقيقية لوقف الحرب، فيجب على تقدم الحذر من الوصول لإتفاق سياسي مفخخ بمسوغات وقف القتل والدمار رغم نبلها ومنطقيتها، فإنتاج إتفاق يعيد الطرفين المتحاربين للسلطة أو يشرعن لهما دون الإصلاحات المطلوبة، التي تعيد بناء جيش قومي مهني واحد، وتستعيد موارد الشعب الإقتصادية التي حصل عليها الطرفان بالسلاح لصالح الشعب، لن يصمد أمام الأطماع السلطوية للإسلاميين والدعم السريع. هذه الأطماع السلطوية للطرفين متجذرة في بنية وتركيبة الطرفين، وتتمظهر في خطابهما والتكتيكات المتبعة في التفاوض. الإسلاميون لهم قناعة بأنهم أصحاب الحق الإلهي في الحكم لتحقيق جنة الله في الأرض وفق قناعاتهم، وهذه القناعات أسهب الكثيرون في دراستها، واستراتيجيتهم هي الوصول للسلطة عبر الحرب للتخلص من كل الخصوم، وتكتيكهم في ذلك هو شراء الوقت بوسائل مختلفة، كمحاولة فتح منابر متعددة للتفاوض، التنصل من الاتفاقات، وخطابات قيادات الجيش المتناقضة. أما الدعم السريع فيصر على خطاب مموج بدعم الثورة و ظلم الإسلاميين للشعب السوداني، ولكنه في نفس الوقت لا يبدي أسفا حقيقيا أو حتى كاذبا تجاه ضحاياه من المدنيين، فمثلا برر قائده الإنتهاكات بأنها من متفلتين وهو تبرير لا يصمد أمام إدعاءاته هو نفسه بالسيطرة، وفي مرة أخرى بررها بقوله "العمارة والقطية واحد" بمعنى أن الظلم الذي حدث في الخرطوم وغيرها يمكن تبريره بحدوثه سابقا في أقاليم السودان، وهو بالطبع تبرير غير منطقي، فالذي يحارب من أجل الديمقراطية يكون تخطيطه التنمية وأن يحول القطية إلى مسكن أفضل، وليس بتدمير العمارة لتتساوى مع القطية. خطاب الطرفين وتكتيكاتهم المتبعة تدل بوضوح على أن هدفهم حتى الآن هو السلطة ولا شئ غير السلطة. من جانب آخر، الطرفان لا يهمهم الموت والدمار في سبيل السلطة، ولم يصلا بعد لمرحلة أن تتشكل مخاوف من المحاسبة تؤثر على قرارهما بإيقاف الحرب مقابل خروج آمن أو إتفاق، بل قد لا يعتبران أنفسهما مرتكبي إنتهاكات ويعدانها أمورا تافهة في سبيل الهدف الأسمى وهو السلطة لكليهما، كما أن كل طرف يلقي باللوم على الآخر وهو على قناعة بأن السبب هو الطرف الآخر. على تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية الحذر في سعيها نحو إيقاف الحرب واستعادة مسار التحول الديمقراطي، وهي بدون شك مهمة عسيرة ومعقدة، فالطريق إلى جهنم معبد بالنوايا الحسنة.

mkaawadalla@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدعم السریع إیقاف الحرب

إقرأ أيضاً:

ود ابوك فارق الدعم السريع بداية هذه الحرب

من أحاجي الحرب():
○ كتب: Nagi Almahassi
(إنت بعثي ما خجلت إخجل إنا ،، كانت هذه العبارة الحارقة التي جاءت شواظا من نار في وجه وجدي ،،شاشات،،في مناظرة تلفزيونية بُهت فيها وجدي المستعظم حينها بنفخة سلطوية طارئة ..

أحزنني كثيرا ترداد النعاة لوصف ود أبوك بمستشار الدعم السريع ،فمعرفتي بالأخ الصديق المرحوم الدكتور /محمد عبدالله ودأبوك،، بدأت منذ أن كان عضوا فاعلا في الأمانة السياسية للحركة الاسلامية الطلابية لجامعة ام درمان الاسلامية ،نهاية التسعينيات، تحت إمرة الدكتور ،/عاصم إدريس جعفر ،، لم يبارحها فكرا ومعتقدا بل فارقها موقفا ، فإيمانه بقوة المعتقد السياسي للحركة الاسلامية ،، كان موجها كبيرا وضابطا مهما لسلوك ودأبوك في محطاته السياسية الأخرى ، لا سيما وان للحركة رصيد وافر التنظير والتأصيل لقضاياالعدالة الاجتماعية أو حقوق الإنسان، وتلك طبيعة التكوين التي يجهلها العامة ويعتقدون سواها،،والتي أدركها ود أبوك باكرا ،، فحين الفصال داخل الحركة الإسلامية أنحاز ود أبوك المؤتمر الشعبي ،، ثم ما لبس إن إنحاز الى كيان آخر توسم فيه خدمة قضايا عشيرته الأقربين لولايتهم حسب ظنه بالمعروف .

إذكر إذا جاءني زائرا في صحيفة الحياة السياسية ، وهو اللقاء الاول بعد مفارقتنا الجامعة ،، فأجأني :سألت منك ما لقيت ليك خبر ،، جابتني صورتك في الجريدة ،، كان يعتزم حينها زيارة مناطق آبيي وديار المسيرية ،، ثم أختفى عن المشهد ،، وقد دلُتنا إليه هذه المرة صورته في الصحف قياديا بحركة (الإرادة الحرة،) مع الدكتور عبدالرحمن موسى أبكر ،، ثم عاد بعدها الى الخرطوم بعد اتفاقية ابوجا ،، لكنه لم ينقطع عن أخوانه قط ،، وكان مكتبه وسط الخرطوم دي انا عامرا للقاء الأحباب ,

ومع تبدل الأحوال واشتغاله مرة أخرى بالمحاماة ونيله درجتي الماجيتير والدكتوراة ،، ومشاركته الفاعلة في الحوار الوطني .

علاقة ود أبوك بالدعم السريع ،، قبيل الحرب بكثير ،، أولا بسبب أن حميدتي كان يغازل ود الاسلاميين ،، تأبى عليه الجميع وكان ودبوك من القلّة القليلة التي غلّبت خيار الٱنضمام لقائمة مستشاري الهالك. -ولذلك مساحة سنفردها لاحقا – ،، كما انه كان يضع نصب عينيه قضية ابيي وانسانها إبتداءا ،،،

ما اعلمه ان ودابوك فارق الدعم السريع بداية هذه الحرب وموجود ببورتسودان لكن جهة ما أوعزت إليه بأن يعلن إنسلاخه عن الدعم السريع رغم كونه منسلخا قبل ذلك بفترة طويلة بدلالة وجوده آمنا في بورتسودان ،، رحم الله ود أبوك و غفر له وجعل الجنة مثواه وملجأه ،، إنا لله وإنا إليه راجعون

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • معارك عنيفة جنوب الخرطوم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع
  • الجيش السوداني يعلن استعادته مدينة جياد بولاية الجزيرة ليفرض بذلك سيطرته على كامل مدن الولاية التي كانت تحت سيطرة قوات “الدعم السريع”
  • الجيش السوداني يهاجم مواقع الدعم السريع في الخرطوم
  • بيان من الجيش السوداني باستعادة السيطرة على منطقة جديدة من قوات الدعم السريع
  • «القاهرة الإخبارية» اشتباكات عنيفة بين الجيش السوداني والدعم السريع في الفاشر
  • معارك عنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شرقي الخرطوم
  • شاهد بالفيديو.. أهالي “المسعودية” يخرجون في احتفالات صاخبة عقب دخول الجيش منطقتهم والأطفال يبكون بحرقة ويدعون على قوات الدعم السريع بعد الانتهاكات التي مارسوها بالمدينة
  • ود ابوك فارق الدعم السريع بداية هذه الحرب
  • أسباب تقدم الجيش وتراجع قوات الدعم السريع وسط السودان
  • الجيش يضيق الخناق على الدعم السريع ويستعيد مناطق قرب الخرطوم