ما هي دروس تجربة ثورة ديسمبر؟ (2/2).. بفلم : تاج السر عثمان
تاريخ النشر: 12th, December 2023 GMT
١
كيف جرت محاولة المخطط لاجهاض الثورة؟
مخطط قطع الطريق أمام الثورة بدأ بانقلاب اللجنة الأمنية في 11 أبريل 2019، في اطار سيناريو " الهبوط الناعم" الذي كان معلوما منذ تقرير المبعوث الأمريكي برينستون ليمان بعنوان " الطريق الي الحوار الوطني في السودان" بتاريخ 13 أغسطس 2013 ،الذي أشار فيه الي ضرورة طرح حوار واسع يشارك فيه حتى الإسلامويين بهدف تكوين حكومة ممثلة لقاعدة واسعة، كان ذلك بعد نهوض الحركة الجماهيرية وترنح نظام الانقاذ وخوف أمريكا من قيام ثورة شعبية نؤدي لتغيير جذري في البلاد، وينتج عنها نظام ديمقراطي يهدد مصالحها وحلفاءها الدوليين والاقليميين في المنطقة ، وبهدف الاستمرار في نفس سياسة التبعية مع تغييرات شكلية في الحكام .
و بعد أن قامت الثورة اختطفتها قوي "الهبوط الناعم" التي تحالفت مع انقلاب اللجنة الأمنية الذي استخدم المجلس العسكري بعده تكتيكات ومناورات وخداع ، وعنف وحشي أمام القيادة العامة ، كما حدث في أحداث 8 رمضان ومجزرة القيادة العامة في 29 رمضان التي كانت جريمة ضد الانسانية ، لا زالت المعركة تدور حول الاسراع في إعلان نتيجة التحقيق في المجزرة والقصاص للشهداء ومتابعة المفقودين ، فكيف كانت الخطوات التي جرت لاجهاض الثورة؟ .
بعد مجزرة فض الاعتصام تدخلت محاور اقليمية ودولية للتوقيع علي الوثيقة الدستورية التي هيمن فيها العسكر علي السلطة ، وبعدها انقلب العسكر علي الوثيقة الدستورية ، واختطفوا ملف السلام من مجلس الوزراء ، ووقعوا علي اتفاق جوبا الجزئي القائم علي المحاصصات والمسارات، والذي يهد وحدة البلاد ، والذي كان انقلابا كاملا علي الوثيقة الدستورية ، وتعلو بنوده عليها .
كل ذلك بهدف تكرار تجارب الانتقال الفاشلة كما في الديمقراطية الأولي والثانية والثالثة ، والحلقة الجهنمية بالانقلابات العسكرية ومصادرة الديمقراطية.
٢
كما رصدنا تراكم المقاومة الجماهيرية حنى موكب 6 أبريل 2019 ، منذ الانفجارالجماهيري بعد الزيادات في المحروقات والخبز . الخ ، والذي بدأ من الدمازين في 13 ديسمبر 2018 ، وبشكل اقوي في مدينة عطبرة، وبعدها استمرت المواكب والوقفات الاحتجاجية والعرائض والمذكرات حتى موكب 6 أبريل الذي كان نقطة تحول مهمة في ثورة ديسمبر ، أدي للاعتصام أمام القيادة العامة، ولسقوط البشير ونائبه ابنعوف في 11 أبريل 2019 بعد انقلاب اللجنة الأمنية الذي قطع الطريق أمام وصول الثورة لأهدافها ، استخدام المجلس العسكري تكتيكات ومناورات وخداع ، وعنف وحشي ضد الاعتصام أمام القيادة العامة ، كما حدث في أحداث 8 رمضان ومجزرة القيادة العامة في 29 رمضان التي كانت جريمة ضد الانسانية ، لا زالت المعركة تدور حول كشف نتائجها بعد تكوين لجنة نبيل أديب والقصاص للشهداء ومتابعة المفقودين، ما أوضحنا في الحلقات السابقة.
استمر تراكم المقاومة الجماهيرية بعد مجزرة فض الاعتصام، مثل : الإضراب العام الذي دعت له " قوى الحرية والتغيير" يومي الثلاثاء 28 مايو والأربعاء 29 مايو 2019 ، الذي أكد أن الجماهير ما زالت قابضة علي جمر الثورة ، والسير بها قدما حتى قيام الحكم المدني الديمقراطي، وبعد الاضراب العام جاءت مواكب 30 يونيو و13 يوليو وساحة "الحرية" هادرة ، والتي أكدت أن جذوة الثورة متقدة ، و لا بديل غير تسليم السلطة للمدنيين ، والفصاص للشهداء من مرتكبي مجزرة فض الاعتصام ، وتكوين لجنة التحقيق المستقلة الدولية.
من سمات تجربة ثورة ديسمبر التصدي لتآمر القوي المضادة للثورة وعلي رأسها فلول النظام البائد من المؤتمر الوطني وامتداده داخل الحكومة والخدمة المدنية والقوات النظامية، ومؤسساته وشركاته الرأسمالية الطفيلية موجوده ، والتي تعمل بنشاط في تخريب الاقتصاد وتدهور مستوي المعيشة، ، فمازالت عملية تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989، واسترداد أموال وممتلكات الشعب المنهوبة تسير ببطء، فما استردته لجنة التمكين يمثل قطرة في جبل الجليد، اضافة للبطء في محاسبة رموز النظام البائد الذين ارتكبوا جرائم الابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية ، فما قام انقلاب اللجنة الأمنية الا لحماية تلك المصالح ، وايجاد مخرج لهم من المحاكمات ، فضلا عن عدم تسليم البشير ومن معه للمحكمة الجنائية الدولية، والدعوات للمصالحة مع الإسلامويين، ونسيان مجزرة فض الاعتصام !!!.
- كما برزت فكرة المصالحة مع الاسلامويين لتصفية الثورة رغم مخططهم لتصفية الثورة ، ودور انقلاب اللجنة الأمنية في قطع الطريق أمام الثورة لحماية مصالح الرأسمالية الطفيلية العسكرية والمدنية، وابرام اتفاق جوبا الذي يهدد وحدة البلاد والقائم علي المحاصصات والمسارات الذي تجاهل الشرق وقضاياه ، مما أدي لتأجيج الفتنة القبلية في الشرق ، كما يحدث الآن ، فقد أغلق شباب المجلس الأعلى لنظارات البجا مداخل ومخارج محطة الحاويات ومنطقة الكشف الجمركي في “دما دما” بميناء بورتسودان عصر أمس الجمعة بجانب إغلاق الطريق القومي بعدد من مناطق شرق السودان وإغلاق الطريق القاري الرابط بين مصر والسودان في منطقة اوسيف، مع استثناء عبور السيارات الخاصة والبصات السفرية (الراكوبة، 18 /9 / 2021) ، للمطالبة بالغاء مسار الشرق، كما استمر الاغلاق الذي شمل الميناء الذي وجد استنكارا واسعا محليا وعالميا باعتباره جريمة ضد الانسانية بقطع التموين والدواء عن المواطنين..
مما يتطلب الغاء المسارات والمحاصصات ،و الحل الشامل والعادل الذي يحقق التنمية المتوازنة وتوفير خدمات التعليم والصحة والأمن وحل كل المليشيات وجيوش الحركات وقيام الجيش القومي المهني الموحد ، وعودة النازحين لقراهم وحواكيرهم وتعويضهم العادل ، وتسليم البشير ومن معه للمحكمة الجنائية الدولية، وتوفير خدمات المياه والكهرباء والرعاية البيطرية.
وقبل ذلك كان قد أغلق محتجون بغرب كردفان مطار بليلة كما تم منع المهندسين الخروج لاداء أعمالهم.
لتحقيق مطالبهم بتعويضات لصالحهم في أرض لمعسكر شركة “بترو انرجي” والذي تم إنشائه في وقت سابق، مما أدي للتردي الأمني بحقول البترول.
كل ذلك يعكس ضعف الحكومة وتجاهلها لمطالب المواطنين، وفشلها في حفظ الأمن ، والحل الشامل والعادل لقضايا الشرق والغرب ومنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، واللجؤ لمنهج النظام البائد في الحلول الجزئية التي تفتت وحدة البلاد ، وتؤدي لتحقيق هدف الفلول في تصفية الثورة والانقلاب عليها.
٣
الحركات المسلحة وثورة ديسمبر
بعد ثورة ديسمبر وقعت بعض الحركات في الجبهة الثورية اتفاق (جوبا) مع اللجنة الأمنية، والتي تحولت لمحاصصات ومسارات تهدد وحدة البلاد كما هو الحال في الشرق والشمال الرافض للمسارات ، وتنسف الأمن بالسماح بتعدد الجيوش مع مليشيات الدعم السريع السريع التي أدت للمزيد من تدهور الأمن في دارفور وبقية المدن من خلال تكرار حالات انتهاك حق الحياة، بدلا من الاسراع في الترتيبات الأمنية بحل كل جيوش الحركات والدعم السريع وقيام الجيش القومي المهني الموحد .
كما تراجعت الحركات الموقعة علي اتفاق جوبا مع قوي "الهبوط الناعم" في "قوي الحرية والتغيير" عن المواثيق التي وقعت عليها مثل: "إعلان نداء السودان لإعادة هيكلة الدولة السودانية"، "إعلان الحرية والتغيير"، وشاركوا في مجلس الشراكة ، والحكومة التي انبثقت عنها التي سارت في سياسات النظام البائد . وتآمر الحركات ( مناوي ، جبريل ،أردول ، هجو . الخ) مع العسكر في قاعة الصداقة السبت 2 / 10 بهدف الانقلاب العسكري علي الثورة ، وضد الحكم المدني الديمقراطي..
أوضحت احداث الشرق خطورة اتفاق جوبا الجزئي الذي قام علي المحاصصات والمسارات وأهمل قضايا التنمية المتوازنة بين مناطق السودان المختلفة ومن ضمنها الشرق الذي يشهد حاليا توترا السبب الرئيسي فيه سلطة الشراكة الراهنة، فقد كرّست اتفاقية جوبا ّ الانقلاب الكامل علي "الوثيقة الدستورية"، ولم تتم اجازتها بطريقة دستورية ، أي بثلثي التشريعي كما في الدستور، بل تعلو بنود الاتفاق علي "الوثيقة الدستورية " نفسها، كما قامت علي منهج السلام الذي حذرنا منه ، والذي قاد لهذا الاتفاق الشائه الذي لن يحقق السلام المستدام، بل سيزيد الحرب اشتعالا قد يؤدي لتمزيق وحدة البلاد، مالم يتم تصحيح منهج السلام ليكون شاملا وعادلا وبمشاركة الجميع، اضافة للسير في الحلول الجزئية والمسارات التي تشكل خطورة علي وحدة البلاد، والتي رفضها أصحاب المصلحة أنفسهم ومنهم أبناء الشرق ، والسير في منهج النظام البائد في اختزال السلام في محاصصات دون التركيز علي قضايا مجتمعات مناطق الحرب من تعليم وتنمية وصحة وإعادة تعمير، وخدمات المياه والكهرباء وحماية البيئة، وتوفير الخدمات للرحل و الخدمات البيطرية، وتمّ إعادة إنتاج الحرب وفصل الجنوب، من المهم الوقوف سدا منيعا لعدم تكرار تلك التجارب.
اتفاق جوبا امتداد لمنهج النظام البائد الذي وقع اتفاقات كثيرة مع قوي المعارضة والحركات المسلحة، وكان من الممكن أن تفتح الطريق لمخرج من الأزمة، ولكنه تميز بنقض العهود والمواثيق ، وافرغ الاتفاقات التي وقعّها من مضامينها، وحولها إلي مناصب ومقاعد في السلطة والمجالس التشريعية القومية والولائية تحت هيمنة المؤتمر الوطني مثل:
الاتفاقات مع مجموعة الهندي من الاتحادي، جيبوتي مع الأمة والتي أدت إلي انشقاق حزبي الأمة والاتحادي، مجموعة السلام من الداخل التي انشقت من الحركة الشعبية، اتفاقية نيفاشا والتي كانت نتائجها كارثية أدت الي تمزيق وحدة السودان، بعدم تنفيذ جوهرها الذي يتلخص في : التحول الديمقراطي وتحسين الأحوال المعيشية ، وقيام انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية بحيث تجعل كفة الوحدة هي الراجحة في النهاية، وكانت النتيجة انفصال الجنوب، اتفاق القاهرة مع التجمع الوطني الديمقراطي، اتفاق ابوجا مع مجموعة مناوي، الانفاق مع جبهة الشرق، اتفاق التراضي الوطني مع حزب الأمة، اتفاق نافع – عقار، اتفاق الدوحة، حوار الوثبة الأخير الذي تحول لمحاصصة ومناصب.
٤
استمرت أساليب النظام البائد في الأكاذيب والمراوغة ونقض العهود والمواثيق ، والأقوال التي لا تتبعها أفعال ، كما اوضحنا سابقا ، في التراجع عن وثيقة " اعلان الحرية والتغيير" من قبل قوي " الهبوط الناعم في ( ق.ح.ت) والتوقيع علي "الوثيقة الدستورية" المعيبة مع اللجنة الأمنية ، وحتى الوثيقة الدستورية لم يتم الالتزام بها ، وتم خرقها، وزاد الخرق اتساعا بالتوقيع علي اتفاق جوبا الجزئي الذي تحول لمحاصصات ومسارات مما يهدد وحدة البلاد كما هو حادث في الشرق حاليا وتعلو بنوده علي الوثيقة الدستورية ، كما أوضحنا بتفصيل سابق ذلك ، و استمرت الأكاذيب والمراوغة كما في الأمثلة التالية :
- بعد تسنمه رئاسة الوزارة في 21 أغسطس 2019 ، أعلن رئيس الوزراء حمدوك في مؤتمر صحفي أنه مع تحقيق شعار حرية – سلام – وعدالة ، ووقف الحرب وتحقيق السلام المستدام ، إصلاح مؤسسات الدولة ومعالجة الفقر ومجانية التعليم والصحة، وحل الأزمة الاقتصادية الطاحنة، بناء اقتصاد قائم علي الإنتاج وليس علي الهبات، معالجة التضخم وتوفير السلع الأساسية ، إعادة هيكلة الجهاز المصرفي، بناء دولة القانون، المشروع الوطني لمعالجة كيف يحكم السودان ، وليس من يحكمه. الخ، طبيعي لا نتوقع حل تركة 30 عاما من الخراب في 9 شهور.
لكن حدث العكس، كما الحال في اقتصادنا القائم علي الهبات ، وتم الخضوع لتوصيات الصندوق والبنك الدوليين في رفع الدعم عن الوقود والخبز والكهرباء والتعليم والصحة ، مما أدي لتزايد الفقر والتضخم والارتفاع الكبير في الاسعار، ولم يتم حتى وضع الأسس لمجتمع يقوم علي الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي ، بل تراجع حمدوك عن توصيات المؤتمر الاقتصادي ، واستبدلها بشروط الصندوق المدمرة لاقتصادنا، والتي جربناها لأكثر من 40 عاما ، وكانت الحصيلة الخراب والفقر، واضافة الي تدهورالأمن وغياب السلام المستدام ، وعدم اصلاح مؤسسات الدولة التي تدهورت بالمحاصصات، ولم يتم إعادة هيكلة النظام المصرفي . الخ ، رغم مرور عامين علي حكومة الفترة الانتقالية بمكونيها العسكري والمدني...
٥
تابعنا مخطط القوي المضادة للثورة (الفلول) للانقلاب عليها بدء من انقلاب اللجنة الأمنية الذي قطع الطريق أمام وصول الثورة لأهدافها ، ومحاولة الانقلاب الثانية في مجزرة فض الاعتصام التي تم التصدي لها بموكب 30 يونيو 2019 ، بعدها تم التوقيع علي "الوثيقة الدستورية" التي جري فيها تقاسم السلطة بين اللجنة الأمنية وقوي "الهبوط الناعم " من قوي الحرية والتغييير ، والتي كرّست هيمنة المكون العسكري علي السلطة ، وحتى "الوثيقة الدستورية" "المعيبة" لم يتم الالتزام بها، بل تم الانقلاب عليها ، وجاء اتفاق جوبا ليكرس الانقلاب الكامل عليها ، بجعل بنوده تعلو عليها ، بهدف اجهاض وتصفية الثورة ، لكن استمرار المقاومة الجماهيرية ، ما زال يشكل حائط الصد لتلك المحاولات، فجذوة الثورة مازالت متقدة ، وجذورها عميقة.
رصدنا مخطط الفلول للانقلاب الكامل علي الثورة والردة لعودة النظام البائد الشمولي ، كما في تخريب الاقتصاد ، وخلق الفتن القبلية في الشرق والغرب وجنوب وغرب كردفان ، ونسف الأمن في المدن ، وتجريك مواكب الزحف الأخضر التي تم فيها استخدام العنف وتخريب الممتلكات العامة، وقطع الطرق الرئيسية كما جري في طريق شندي – عطبرة ، وطريق بورتسودان .الخ ، باسم كيانات و تجمعات وإدارات أهلية لا وجود لها وسط الجعليين والبجا ،وأهدافها الواضحة في الانقلاب العسكري ، كما في دعوة محمد الأمين ترك لتسليم السلطة للمكون العسكري ، وحل لجنة التمكين. الخ، وحتى المحاولة الانقلابية والتي رفضتها جماهير الثورة كما في موكب الحكم المدني في 30 سبتمبر ، ومهزلة الانقلاب المدني في قاعة الصداقة ، وأحداث الارهاب في جبرة ، والشرق التي الهدف منها نسف الأمن والاتقلاب العسكري وإعلان حالة الطوارئ بتآمر خارجي ، لتعطيل الوصول للحكم المدني الديمقراطي. وحتى الوصول الاعتصام الموز وتدبير انقلاب ٢٥ أكتوبر 2021 الذي وجد مقاومة كبيرة وتم التدخل الإقليمي والدولي لفرض الاتفاق الإطاري الذي فجر الخلاف بين الجيش والدعم السريع حول دمج الدعم السريع في الجيش.. مما أدي لانفجار الحرب اللعينة الهادفة لتصفية الثورة ونهب ثروات البلاد والتفريط في وحدتها وسيادتها الوطنية،
ومازالت الثورة مستمرة حتى تحقيق أهدافها ومهام الفترة الانتقالية.
alsirbabo@yahoo.co.uk
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحریة والتغییر القیادة العامة النظام البائد الهبوط الناعم ضد الانسانیة ثورة دیسمبر وحدة البلاد اتفاق جوبا فی الشرق کما فی
إقرأ أيضاً:
عربي21 ترصد تفاعل المصريين في 25 يناير.. هل تحوّلت لمجرّد ذكرى؟
"لن يرتاح المصريون حتى يستردوا ثورتهم التي اختطفها العسكر" بجُمل ممزوجة بالأمل واليأس، عبّر عدد من المصريين على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، عن آمالهم المُستجدّة بتحقيق أهداف الثورة، على الرغم من توالي السنوات.
واعتاد المصريون، كل عام، منذ تاريخ 25 يناير 2011، أن يتذكّروا هتافاتهم في الشوارع والميادين، أبرزها٬ "الشعب يريد إسقاط النظام"، و"عيش حرية كرامة اجتماعية". فيما لا تزال استفساراتهم تتصدّر المشهد بيوم الذكرى: كيف بات الداعين لإسقاط النظام خلف القضبان؟ ولماذا لم تنجح الثورة في تحقيق أهدافها؟
في هذا التقرير، تبرز "عربي21" ملامح التغيير في مصر بعد سنوات طويلة من ثورة 25 يناير، فيما ترصد أبرز ما يتم تداوله على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، من ذكريات وأماني، وأيضا اعترافات.
منشورات تخلّد الذكرى
روى عدد من المصريين لـ"عربي21" ذكرياتهم في زمن: "الربيع العربي"، وكيف تحدّوا الشرطة بالنزول للشارع، والهتاف باسم الحرّية والعدالة، وعن آمانيهم، آنذاك، بتغيير يلبّي احتياجات الوطن والشعب في آن واحد. فيما تباينت الآراء بينهم.
وقال جمال، ذو38 عاما: "كنت في أوج شبابي، وقمّة طموحاتي بغد أجمل، لكن لا سامح الله الثورة المضادة التي اختطفت ثورة يناير المجيدة، التي كانت في طريقها لتحقيق أهدافها".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "مرّت السنوات، وكل شيء تغيّر، حتّى أنا، ولكن مصر لا تزال بحاجة لثورة حقيقية غير مسروقة"، مردفا: "في كل يوم تتكشف حقائق كل المتآمرين الخائنين للوطن والشعب".
ومن الاعترافات التي خطّت من أنامل شباب نزلوا بـ25 يناير، كتب سعيد البطوطي، على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "فيسيوك": "ما أطلقوا عليه "ثورة" كان محركها الفساد وسوء الإدارة وانتهاكات حقوق الإنسان وشلة رجال الأعمال المحيطين بجمال مبارك، علاوة على الـ 70 مليار دولار اللي سرقها حسني مبارك وقام بتهريبها خارج البلاد .. الخ مما قيل في هذا الوقت".
وتابع البطوطي: "كان الكثيرون منا مصدق ما قيل، بل وكان الناس منتظرين الـ 70 مليار دولار بتوع حسني مبارك في البنوك السويسرية علشان يأخذوا نصيبهم"، مردفا: "لكن بمرور الوقت اتضح لنا جميعا أن الموضوع كله على بعضه كان مؤامرة دبرها شياطين بمساعدة أطراف خارجية وداخلية للخلاص من حسني مبارك وخلاص".
وأضاف: "ماذا حدث بعد ذلك؟ عك وعك وعك ثم عك.... وحسني مبارك رفض الفرار أو الذهاب لأي دولة من الدول التي عرضت عليه استضافته، وقال: "لن أخرج من مصر وسأموت وأدفن فيها"، وتم إهانته وحبسه، ثم برأه القضاء من الاتهامات التي وجهت له".
واسترسل: "كما تلاحظون مثلي: حسني مبارك وأولاده المحكمة برأتهم، وغير ممنوعون من السفر، وبالرغم من ذلك لم يسافر أحد منهم لكي يستمتع ويهيص بالمليارات التي هربها، بل أن حسني مبارك مات ودفن في مصر، وأولاده لم يسافروا ويعيشون الآن عيشة طبيعية بين الناس في مصر!!!!".
"على الجانب الآخر، الذين نراهم بأعيننا بيسافروا وبيهيصوا ببذخ مفزع هم نجوم المجتمع الآن" تابع البطوطي، مبرزا: "إلى حسني مبارك في قبره؛ أعترف أنني كنت أحد المغفلين، وبالرغم من معارضتي لبعض الأمور في عهدك، إلا أنني لا أشك في نزاهتك ووطنيتك وما قمت به من أجل بلدك وأهلها، وأدعوا لك من قلبي بالرحمة وأن يسكنك الله الفردوس الأعلى من الجنة".
من جهته كتب شاب يُدعى أحمد جمال، على حسابه بـ"فيسبوك": "زي انهارده من 14 سنه وكإن الراجل ده سافر بينا عبر الزمن لما قال الجمله الاوضح في الجانب المظلم من ثورة 25 يناير"، فيما أرفق منشوره بصورة رجل مسن يحمل لافتة كُتب عليها: "اللي فات ظلم واللي جاي ظلمات".
وكتبت فايزة الهنداوي: "لا عمري ندمت ولا هندم على المشاركة في ثورة 25 يناير .. يناير شهر البشاير"، فيما سارع الكثير من المصريين في نشر صور ومقاطع فيديو، وأيضا بث ذكرياتهم على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، لتخليد الذكرى، وجعلها حيّة لا تُنسى.
حملات استباقية واعتقالات
بشكل سنوي، قبيل حلول ذكرى 25 يناير، تشنّ وزارة الداخلية برفقة الأمن الوطني، حملات استباقية يتخلّلها القبض على عدد من المتظاهرين من الشوارع؛ خاصّة المتواجدين بميدان التحرير، الذي بات معروفا باسم: "ميدان الثورة" بقلب العاصمة المصرية القاهرة.
وقالت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، عبر بيان صحفي، الأحد، إن: "الناشط المصري في تيك توك، تعرض للاختفاء القسري"، في إشارة إلى محمد أحمد علام، المعروف بلقب: "ريفالدو"، إذ نشر فيديو مداهمة القوات الأمنية منزله في العاصمة القاهرة.
وفيما أعربت الشبكة الحقوقية عن "مخاوفها على حياته"، أبرزت أنه اعتقل عقب محاولات عدّة لم يتمكن فيها جهاز الأمن الوطني من اعتقاله. بالقول: "رغم مرور أكثر من 24 ساعة على اعتقاله تعسفيا، لم يتم عرضه على أي جهة تحقيق رسمية حتى الآن".
وبتاريخ 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، اعتُقل الخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق. وجُدّد حبسه قبل أيام، فيما أعلن في التاسع من الشهر الحالي، عن إضرابه عن الطعام.
كذلك، اعتقل بتاريخ 7 يناير الحالي، "اليوتيوبر" أحمد أبو اليزيد. بتهمة: "قبض الدولار من جهة خارجية"، بسبب الأموال التي يحصل عليها من موقع "يوتيوب" لقاء المحتوى الذي يبثه على قناته.
مركز الثورة بالصدارة
رصدت "عربي21" جملة منشورات وتغريدات جابت مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، يعود بها المصريون بذاكرتهم لسنوات إلى الوراء، ويتحدّثون عن الثورة بكامل من الحنين، متذكرين الأماكن التي ظلّت أيقونات للثورة، وكذا عن الشعارات والأغاني التي كانوا يصدحون بها.
البداية من قلب ميدان التحرير، إذ تجمّعت جُل رموز الحركة الوطنية المصرية من جميع التيارات السياسية والحزبية والمستقلة، قبل أربعة عشر سنة، ومنه كانت تُعلن أبرز التصريحات والمطالب، على لسان جُملة شخصيات سياسية، آنذاك، ما جعله مركز الثورة الأول.
ما جعل الميدان يتصدّر المشهد السياسي بمصر، أنّه شهد ثورة 1919 الشعبية، بقيادة الزعيم سعد زغلول، وهي الثورة التي تُعتبر أهم الثورات الشعبية في تاريخ مصر الحديث. فضلا عن كونه يطل على شوارع عديدة، عايشت إيقاع الاحتجاجات والاشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن، بأحداث يناير، منها: شارع محمد محمود، وشارع طلعت حرب، وشارع القصر العيني.
أيضا، بالقرب من الميدان، كان جسر قصر النيل في شارع التحرير المؤدي للميدان مكانا مهما للمتظاهرين، وكذا لقوات الأمن التي كانت تقف بمُنتصف الجسر لمنع المحتجين من الوصول إلى ميدان التحرير.
وعلى بعد خطوات قليلة من ميدان التحرير، يتواجد ميدان عبد المنعم رياض، الذي كان شاهدا كذلك على جُملة من الأحداث التي ظلّت راسخة في الذّاكرة العربية من الثورة المصرية، أهمّها ما عرف باسم: "موقعة الجمل".
إلى ذلك، اليوم السبت، يعيش المصريون على إيقاع الذكرى الرابعة عشر لثورة 25 يناير، التي أطاحت بنظام الرئيس حسني مبارك، في حالة من الترقّب والخيبة وبصيص خافت من الأمل، في ظل قلّة الدعوات على شبكات التواصل الاجتماعي، للنزوح للتظاهر، وسط تشديد أمني تحسبا لأي تطورات، وذلك على خلاف بما كان يجري بالسنوات الماضية، حيث كانت الدعوات للنزول سيدة المشهد.
وأطاحت ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011 بالرئيس الراحل حسني مبارك، عقب ثلاثة عقود في السلطة، وبعد 18 يوما من الثورة والاعتصام في ميدان التحرير وترديد الشعارات؛ على خلفية ما يصفه المصريون أنفسهم بـ"تفشي الفقر والفساد والظلم على امتداد عقود".
تجدر الإشارة إلى أن اندلاع ثورة كانون الثاني/ يناير تزامنت مع عيد الشرطة المصرية الـ70، وكان ذلك أحد أبرز الأسباب التي أدّت لقيام الثورة، إثر ممارسات الشرطة وتحكّمها بالمشهد السياسي في عهد مبارك.