فتوى تعززها.. هكذا تتسع مقاطعة داعمي إسرائيل بإندونيسيا
تاريخ النشر: 12th, December 2023 GMT
جاكرتا- تحمل مسيرات التضامن في إندونيسيا كغيرها من دول العالم، رسائل عديدة تنعكس على سلوك المتضامنين، في مقدمتها مقاطعة الشركات ذات العلاقة بإسرائيل، أو التي أعلنت صراحة عن أي أشكال الدعم أو التعاطف داخل إسرائيل.
وتتوسع دائرة المقاطعة خلال الشهرين الماضيين بشكل لافت في إندونيسيا ذات أكبر سوق في العالم الإسلام، التي تقدّر هيئة الإحصاء الإندونيسية بلوغ عدد سكانها هذا العام 278.
فتوى حفزت المقاطعة
لم تكن حملات المقاطعة قد ظهرت جلية بين الإندونيسيين، حتى أصدر مجلس العلماء الإندونيسي الشهر الماضي الفتوى رقم 83 لعام 2023، التي باتت المنطلق الفقهي لحملة المقاطعة بين الجمهور.
توجب الفتوى -التي جاءت في 9 صفحات- بتوجيه أموال الزكوات والصدقات لدعم كفاح الشعب الفلسطيني لنيل استقلاله في وجه العدوان الإسرائيلي، وتحرّم أي دعم لإسرائيل أو أي طرف يدعمها، حتى ولو بالرأي أو التأثير لشراء منتجات تدعمها، وفقا لنص الفتوى.
كما صدرت فتاوى داعمة، منها الصادرة عن هيئة بحث المسائل التابعة لجمعية نهضة العلماء في جاوا الغربية، رأت المقاطعة فرض كفاية تضامنا مع أهل غزة، وإضعافا لاقتصاد الاحتلال، ومن له علاقة به.
لم يصدر مجلس العلماء الإندونيسي أي قوائم لشركات لمقاطعتها، فقد انتشرت أكثر من قائمة للمنتجات التي يُدعى إلى مقاطعتها عن ناشطين ومغردين، وليس من أي جهة رسمية أو مؤسسة معينة، وتحّدث أمين لجنة الفتوى بمجلس العلماء الإندونيسي مفتاح الهدى قائلا، إن مجلسه ليس مفوضا بإصدار مثل تلك القوائم.
وأيّد نائب رئيس مجلس الشعب الاستشاري الدكتور هدايت نور وحيد فتوى مجلس العلماء الإندونيسي، واقترح أن يقر تشريع خاص بمقاطعة المنتجات الإسرائيلية، في ظل ارتكابها لجرائم بحق الشعب الفلسطيني، لتكون أساسا قانونيا للمقاطعة، ولتأكيد موقف إندونيسيا تجاه فلسطين والاحتلال.
ودعا نور وحيد إلى تأسيس هيئة معنية بهذا الأمر تجمع المعلومات، وتكون مرجعا معلوماتيا لكل ما له علاقة بالمقاطعة، وبمن تجب مقاطعته حسب العلاقة بإسرائيل وعدوانها، ونشاطات تلك الشركات في داخل البلاد.
نور وحيد اقترح إقرار تشريع خاص بمقاطعة المنتجات الإسرائيلية (الجزيرة) شركات تشتكيوبدأت بعض الشركات تشعر بأثر حملة المقاطعة، وتحدث رئيس "جمعية تجار بيع التجزئة في إندونيسيا" روي ماندي عن تأثر بعض المنتجات ذات العلاقة بإسرائيل، بنسب تتفاوت ما بين 40-45%، وينخفض أثر المقاطعة في منتجات أخرى إلى ما بين 15-20%. معبّرا عن أمله بأن لا تطول فترة المقاطعة لأكثر من 3 أشهر؛ لأن ذلك سيؤثر في المصانع والمحال والعاملين فيها.
وطالبت "غرفة تجارة وصناعة إندونيسيا" على لسان رئيسها التنفيذي يوكي نوغراهاوان حنفي، الحكومة إلى أن تقوم بدور يخفف أثر المقاطعة؛ لأنها في نظره أثرت في القطاعات الصناعية والعمال، مشيرا إلى أن غرفة التجارة والصناعة تركز في اهتماماتها على تعزيز النمو الاقتصادي المحلي، ولا تتدخل في القضايا الجيوسياسية على حد قوله.
وقالت الأمينة العامة "لرابطة موردي الأسواق الإندونيسية الحديثة" أسوتي ليمان سودي، إن الشركات التي واجهت المقاطعة هي شركات ذات طابع إنتاجي وتشغيلي محلي، ولا علاقة لها بإسرائيل، مشيرة إلى إمكانية تأثر تجارة التجزئة بنسبة 50% إذا استمرت حملات المقاطعة لوقت أطول.
وأكد رئيس "رابطة تجار التجزئة ومستأجري مراكز التسوق الإندونيسية" بوديهارجو إدوانشاه، أن المقاطعة أثرت في قطاع التجزئة بنسب تتراوح ما بين 10-40%، معبرا عن قلقه من تأثر المنتجات المحلية الصنع، وأثر ذلك في الاقتصاد الإندونيسي.
وبالخطاب نفسه جاءت تصريحات رئيسة "جمعية رجال الأعمال الإندونيسيين" شينتا كامداني، وعبّرت فيها عن تعاطفها مع منتجات محلية الصنع واجهت مقاطعة الجمهور، رغم أنه لا علاقة لها بإسرائيل، وأن ذلك أثّر في التجار في الأسواق وإمكانية أن تؤدي إلى تسريح عمال في شركات تأثرت بالمقاطعة، بينما قاطعها المستهلكون لعلاقاتها بشركات وعلامات تجارية عالمية، انتشرت أسماؤها في قوائم المقاطعة في وسائل التواصل الاجتماعي.
فرصة لعلامات تجارية محلية
لكن وخلافا لوجهات نظر رجال الأعمال تلك، فإن تجارا آخرين يرون في مقاطعة علامات تجارية ومنتجات ذات علاقة بشركات عالمية عملاقة متعددة الجنسيات، منافع لتعزيز العلامات التجارية والمنتجات المحلية البديلة، وممن يرى ذلك المسؤول في وزارة التعاونيات والأعمال المتوسطة والصغيرة كوكو هاريونو، فتلك فرصة للمنتج المحلي ليقدم للمستهلك البديل الوطني.
ويرى الباحث في هيئة التصنيف المالي الإندونيسي سوهيندارتو، بأن المقاطعة قد تؤدي إلى تسريح موظفين في شركات، لكنها -أيضا- تعني توجّه المستهلك نحو منتجات وخدمات بديلة، ليؤدي ذلك إلى تصاعد إنتاج وتوسع شركات أخرى.
ويقول نائب الرئيس الإندونيسي الأسبق ورئيس جمعية الصليب الأحمر الإندونيسي يوسف كالا، إنه على المواطنين أن يتحلوا بالحكمة في سلوك مقاطعتهم، حتى لا يؤثر ذلك سلبا في المنتجات المحلية الصنع، محذّرا من خلق إشكالات جراء سلوك استهلاكي غير رشيد بمقاطعة منتجات لا تستحق الامتناع من شرائها.
ومن المفارقات أن محلات جيكو -وهي إحدى العلامات التجارية الإندونيسية- تأثرت سلبا؛ نظرا لأن اسمها يبدو غربيا، حيث قاطعها بعض الزبائن خطأ، رغم أن أصحابها إندونيسيون أسسوا عملهم في 2005، ولها 344 فرعا في إندونيسيا ودول جوارها، وقد أزاحت محالا مشابهة أميركية عن الريادة في السوق المحلية.
ويرى أستاذ الاقتصاد الإسلامي في جامعة المحمدية بمدينة مالانغ عارف لقمان حكيم، أن مقاطعة المنتجات الإسرائيلية سلوك استنكاري واعتراضي، مشيرا إلى أن في ذلك فرصة للحكومة لدعم المنتج المحلي وتطويره، لتسد حاجات المستهلكين اليومية.
وينبه الباحث في معهد إنديف لتنمية الاقتصاد والتمويل بإندونيسيا أحمد فيري فردوس، إلى أهمية توجيه حملة المقاطعة لتكون حكيمة وعميقة لتؤدي أثرها، مشيرا إلى أن مقاطعة الشركات التي لا علاقة لها بإسرائيل بأي شكل من الأشكال، ستؤثر سلبا في الأيدي العاملة المحلية.
كما طالب معروف أمين، نائب الرئيس الإندونيسي، بأن تكون هناك جهة ذات صلاحية تحدد الشركات التي تدعم إسرائيل حتى لا تتأثر شركات لا علاقة بها.
وفي هذا السياق أكد وزير التجارة الإندونيسي ذو الكفل حسن بأن حكومته لن تتخذ أي إجراء بخصوص المقاطعة، ولن تصدر قائمة للشركات ذات العلاقة بذلك، مشيرا إلى أن ذلك يُعدّ حراكا مجتمعيا، وللمواطنين حقهم ورأيهم، وأن الحكومة تتحمل واجب التقنين في التعاملات التجارية فقط.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی إندونیسیا مشیرا إلى أن لا علاقة
إقرأ أيضاً:
فهمي هويدي: مؤسف أن تكون المصالحة مع إسرائيل أسرع من تلك التي بين دول عربية
وفي حديثه، تناول هويدي نشأته ومواقف شكلت رؤيته النقدية، إضافة إلى انعكاسات الأحداث والتحولات السياسية على مسيرته الصحفية، وطرح رؤيته حول العلاقة بين الدول العربية من جهة وإيران وتركيا من جهة أخرى.
وأكد هويدي أن هاتين الدولتين، بعمقهما الحضاري وقوتهما الإقليمية، يمكن أن تكونا شريكتين طبيعيتين للعرب إذا ما تأسست العلاقة بينهما على أسس المصالح المتبادلة لا منطق الهيمنة.
ويرى هويدي أن الأزمات التي شهدتها المنطقة خلال العقد الماضي أثبتت أهمية خلق توافقات إقليمية فاعلة لتحقيق الاستقرار والحد من التدخلات الأجنبية.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4بروفيسور يهودي: التعاطف مع إسرائيل يماثل التعاطف مع ألمانيا النازيةlist 2 of 4غزة والتعاون النووي أبرز عناوينه.. طهران تستضيف الحوار العربي الإيرانيlist 3 of 4المفكر محمد العوا: لم أتمن عدم اندلاع ثورة يوليو 1952list 4 of 4المفكر العوا: 7 أكتوبر أولى خطوات تحرير فلسطين وأكون سعيدا إذا شهدتهend of listوأعرب هويدي عن أسفه لأن عمليات المصالحة مع إسرائيل أصبحت أسرع وأكثر فعالية مقارنة بالمصالحات بين الدول العربية أو بينها وبين دول إسلامية وإقليمية أخرى.
وانطلق هويدي في الحلقة من تقييم السياسات العربية التي يرى أنها تفتقر في كثير من الأحيان إلى الاستقلالية في اتخاذ القرار، مما يجعلها عرضة للضغوط والتأثيرات الخارجية، خاصة من قوى دولية تسعى لفرض أجنداتها في المنطقة.
وأشار هويدي إلى أن الدول العربية لم تبنِ حتى اليوم إستراتيجية سياسية أو أمنية مستقلة رغم كل التحديات التي تواجهها، مؤكدا أن توجيه العلاقات العربية مع دول الجوار الإقليمي، يجب أن يخضع لرؤية تحقق مصالحها بالأساس.
وتطرق هويدي إلى مرحلة الربيع العربي، التي اعتبرها محطة مهمة في تاريخ المنطقة، حيث شكّل هذا الحراك حلما جماهيريا ومرحلة كان بإمكانها أن تكون نقطة انطلاق لتحرر الشعوب من الأنظمة الاستبدادية.
اختطاف قسري للربيع العربيويرى هويدي أن هذا الربيع "لم يمت" لكنه جرى اختطافه قسريا، عبر تهميش الحريات وتغييب الدور الفاعل للشعوب، التي إن استردت أنفاسها، على حد تعبير هويدي، ستعود الحياة لهذا الربيع.
وتناول هويدي بشكل موسع معضلات "الإسلام السياسي"، موضحا أن الجماعات الإسلامية التي ظهرت في مشهد الربيع العربي كانت تفتقر إلى الكفاءة السياسية وإلى رؤية عميقة حول كيفية إدارة الدولة وتحقيق تطلعات الشعب في ظل أنظمة قمعية.
وقال إن الحركات الإسلامية تحمل طموحات مشروعة، لكن الفراغ في مشروعها الفكري وإخفاقاتها في تقديم نموذج سياسي قوي أدى إلى عزلتها وتصادمها مع الأنظمة، وأكد هويدي أن هذه الحركات بحاجة إلى مراجعة شاملة لأفكارها، خاصة في ظل السياقات الجديدة والمعقدة في العالم العربي.
ولم يخفِ هويدي انتقاده للنخب الفكرية العربية، موجها إليها اللوم بسبب ما وصفه بانحياز بعض هذه النخب للسلطة وابتعادها عن قضايا الشعوب وهمومها.
وأكد أن المثقف الذي يتماشى مع رغبات الأنظمة يساهم في تكريس واقع التخلف والانحطاط، في حين يجب على المثقف الحقيقي أن يلعب دورا محوريا في النضال من أجل حقوق الإنسان والحريات العامة.
وأشار هويدي إلى أن هناك العديد من المثقفين الذين برروا قمع الحريات السياسية تحت مسميات شتى، مما أسهم في إضعاف الثقة بين الشعب والنخب الفكرية.
الصحافة في البلاد العربيةوفي سياق حديثه عن دور الإعلام في العالم العربي، أبدى هويدي أسفه للوضع الذي وصلت إليه الصحافة التي تعاني من تضييق الرقابة ومحاولات الأنظمة الحاكمة تحويلها إلى أداة من أدوات الدعاية الرسمية.
وذكر هويدي أن حرية الصحافة هي أحد الركائز الأساسية لأي مشروع نهضوي حقيقي، مشيرا إلى أن غياب هذه الحرية يعكس أزمة كبرى في بنية النظام السياسي العربي ويُضعف من قدرته على التطور والازدهار.
ولفت هويدي إلى أن الحكومات العربية تفتقر إلى مشروع موحد يعزز موقفها على الساحة الدولية، داعيا إلى مزيد من التنسيق بين الدول العربية لتكوين جبهة واحدة قادرة على مواجهة التحديات المختلفة.
ويرى هويدي أن الموقف العربي الرسمي قد فشل في دعم القضية الفلسطينية، حيث باتت العديد من الأنظمة تبتعد عن تبني مواقف واضحة وصارمة حيال الاحتلال الإسرائيلي.
ولفت في هذا السياق إلى أن بعض الأنظمة العربية تخلت عن التزاماتها القومية تجاه فلسطين مقابل الحصول على دعم سياسي واقتصادي من الدول الغربية، مما زاد من تعقيد الأوضاع في الأراضي الفلسطينية وأفقدها زخمها السياسي.
ودعا هويدي المثقفين العرب إلى الوقوف بجانب شعوبهم لا إلى جانب السلطة، وأكد أن المثقف الذي يتخلى عن دوره الاجتماعي ويختار الانحياز للنظام الحاكم يلحق ضررا جسيما بالثقافة العربية، وشدد على أن المثقف العربي لا بد أن يظل ثابتا على مبادئه بعيدا عن إغراءات السلطة.
10/11/2024