الجزيرة:
2024-09-07@00:31:20 GMT

العوامل الحاسمة لتحقيق الانتصار في غزة

تاريخ النشر: 12th, December 2023 GMT

العوامل الحاسمة لتحقيق الانتصار في غزة

يومًا بعد يوم؛ يتأكد للقاصي والداني، أن حرب الإبادة الجماعية التي يقوم بها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، هي حرب أميركية بالدرجة الأولى، وأن الولايات المتحدة توشك أن تصرّح بأن عدم تحقيق الحرب أهدافَها، هو بمثابة هزيمة كبرى لها لا تقل عن هزيمتها في فيتنام وأفغانستان.

ولم يعد العالم بحاجة إلى أدلة وبراهين أكثر من ذلك، على أن الإدارة الأميركية، تتقاسم المسؤولية مع الكيان الصهيوني؛ عن كافة النتائج والآثار التي خلفتها وتخلفها هذه الحرب في قطاع غزة؛ بزعم "محاربة الإرهاب مع احترام القانون الدولي والإنساني".

ومهما تأخر يوم الحساب، فإن المؤكد أن التحالف الصهيو-أميركي لن ينجو من لعنة غزة القادمة. لقد صمد قطاع غزة بشعبه ومقاومته في وجه الحرب الصهيو-أميركية؛ صمودًا أسطوريًا، على مدى الشهرَين الماضيَين، ويبدو أنه لا يفصله عن النصر القادم في هذه الحرب سوى نهاية الشهر الثالث، بفعل العوامل الحاسمة التي يمتلكها، ولم يستطع الدمار أن ينتزعها منه، فما هي هذه العوامل الحاسمة؟

إن الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني في قطاع غزة أفشل المخطط الصهيو-أميركي بتفريغ قطاع غزة وضمه إلى الكيان الصهيوني، وإن استمرار هذا الصمود هو العامل الحاسم الأول في دحر العدوان

تحدثنا في المقال السابق عن التحدي الذي تواجهه حركة حماس في مواجهة أهداف التحالف الصهيو-أميركي، القاضية بالقضاء على حماس، وضمان ألا يشكّل قطاع غزة تهديدًا للكيان الصهيوني في المستقبل، وتحرير الأسرى والمختطفين، في ضوء انسداد الأفق السياسي، والعجز العربي والإسلامي والدولي، والارتفاع المتزايد لتكلفة الحرب، وخاصة في صفوف الأطفال والنساء والمدنيين، والنتائج النهائية الخطيرة المتوقعة على مستقبل قطاع غزة.

استعرضت عددًا من المقترحات التي قد تساعد حماس على مواجهة هذا التحدي في المجال السياسي، والتي يبدو بعضها عبثيا يصعب عليها القيام به، مثل تبنّي حل الدولة الواحدة للشعبين: الفلسطيني واليهودي، رغم قدرة هذا الطرح الهائلة على إحداث انقلاب شامل في القضية الفلسطينية والصراع العربي- الصهيوني، بل والمشروع الصهيوني برمته.

ونظرًا لتسارع التطورات الميدانية والسياسية، نقصر حديثنا- في المجالين: العسكري والشعبي- على العوامل الحاسمة التي تمتلكها حماس في هذين المجالَين، والتي قد تكون قادرة بها على مواجهة التحدّي وتحقيق النصر.

الصمود الأسطوري

يعتبر الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، هو العامل الأكبر في مواجهة حرب الإبادة الجماعية التي يشنها التحالف الصهيو-أميركي منذ أكثر من شهرين، وإفشال مخططاته في تفريغ قطاع غزة وضمه للكيان الصهيوني.

وقد تجلّى هذا الصمود فيما يأتي:

مواجهة آلة الدمار الصهيو-أميركيّة بصدور عارية، وهم يعلمون تمامًا أن هذه المواجهة تعني تدمير منازلهم فوق رؤوسهم ورؤوس نسائهم وأطفالهم، خصوصًا بعد أن رأوها عيانًا في منازل وأسر جيرانهم. وقد شاهدنا في حروب عديدة كيف هُرع السكان المدنيون منذ الساعات الأولى للحرب إلى مغادرة بلادهم؛ هربًا من ويلات الحرب. عدم الانصياع كليًا لتعليمات الكيان الصهيوني الخاصة بالخروج إلى الجنوب باتجاه الأماكن التي وصفها بأنها آمنة، إلا أن الأخطاء العملياتية لقوات الكيان الصهيوني ضد النازحين؛ عزّزت مقولة: (لا يوجد مكان آمن في قطاع غزة)، وزادت من إصرارهم على البقاء في منازلهم رغم الأهوال المرعبة التي تنتظرهم. لم يتّجه السكان النازحون- من مناطقهم تحت وطأة الدمار المتواصل- إلى الحدود؛ هربًا من الموت، وإنما انتقلوا في الغالب؛ إلى أماكن الإيواء الذاتية كالمدارس والمستشفيات، أو إلى منازل الأقارب التي يعتقد أنها أكثر أمنًا، وكثيرًا ما كان هذا النزوح لملاقاة مصيرهم. لم يخرج سكان قطاع غزة للتظاهر ضد حماس وفصائل المقاومة المسلحة، بل كانت العبارات المتكررة على ألسنة من دُمرت منازلهم واستشهد أحبابهم، مليئةً بالإيمان والاحتساب والتضامن مع المقاومة؛ من أجل دحر الاحتلال. لم يقتصر الصمود والثبات على تحمل القصف والدمار فحسب، بل أيضًا تحمل الجوع والعطش، والنزيف والجراح المفتوحة والأشلاء، ونقص الدواء والماء والملبس، وضيق المأوى، والقنص، والانفجارات التي تنزع القلوب من صدورها، وركام الدمار، والجثث التي لا تجد مكانًا تدفن فيه، وغير ذلك من جوانب القسوة والرعب والمآسي التي تعجز عن تحملها الجبال الشمّاء.

إن هذا الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وهذا الالتفاف حول حماس والمقاومة؛ لأكبر ردّ على الأكاذيب التي تطلقها أجهزة الدعاية الصهيو-أميركية ضد حماس والمقاومة، وأنها تحتمي بالمدنيين وتمنع نزوحهم إلى الأماكن الآمنة.

هذا الالتفاف حول المقاومة والتضامن معها، يبدو ذلك طبيعيًا جدًا عندما نعرف أن من بين كل 10 شباب في قطاع غزة، يوجد شابٌ واحد على الأقل منخرطٌ في صفوف المقاومة، ولا تكاد توجد أسرة في قطاع غزة ليس لها ابن أو قريب في صفوف المقاومة.

إن هذا الصمود أفشل المخطط الصهيو-أميركي بتفريغ قطاع غزة وضمه إلى الكيان الصهيوني. وإن استمرار هذا الصمود هو العامل الحاسم الأول في دحر العدوان.

من المتوقع بسبب استمرار صمود الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ونجاح المقاومة في تحويل قطاع غزة إلى مصيدة كبرى لقوات الاحتلال الصهيوني؛ أن يكون الشهر الجاري هو الشهر الأخير للحرب، وأن يشهد النصف الثاني منه انتصار المقاومة

المصيدة الكبرى

أما العامل الثاني الأكثر حسمًا في معركة المواجهة ضد حرب الإبادة الصهيو-أميركية في قطاع غزة؛ فهو مواصلة التركيز على إسقاط أكبر عدد ممكن من ضباط وجنود الاحتلال الصهيوني بين قتيل ومعاق إعاقة دائمة.

لقد أذهلت حماس وفصائل المقاومة المسلحة في قطاع غزة العالم، ببسالتها وبطولتها ومهاراتها القتالية في معاركها ضد التحالف الصهيو-أميركي الذي يلاحقها من البر والبحر والجو، حيث لم تكن إسرائيل تتوقع أن يسقط من قواتها هذا العدد من القتلى والجرحى، أو أن تنجح المقاومة في تدمير هذا العدد الضخم من الدبابات والآليات العسكرية المتفوقة. وهو ما يصيب قيادة جيش الاحتلال بالتخبط والجنون والفزع، من هول ما يجري في ميدان المعركة، ومن هول النتائج المترتبة عليه؛ داخل المجتمع الصهيوني والجيش والمؤسسة الصهيونية وحلفائها في العالم.

إن تتابع قوافل النعوش والمعاقين من قطاع غزة إلى الكيان الصهيوني، سيزيد من حشد الرأي العام الصهيوني وأحزاب اليسار ويسار الوسط من أجل المطالبة بإيقاف الحرب.

وستتحول الحشود المتضامنة مع أسر المختطفين والأسرى إلى مظاهرات كبيرة تطالب بالإيقاف الفوري لإطلاق النار، وإجبار قيادة الحرب الصهيو-أميركية على إيقاف الحرب، والعودة إلى المربع الأول، مربع التفاوض مع حماس عن طريق الوسطاء. وهذا يعني انهيار جميع الخطط التي يتحدث عنها التحالف الصهيو-أميركي وحلفاؤُه لما بعد حركة حماس في قطاع غزة.

هذه المعطيات تجعل من أولويات حماس في الأيام القليلة القادمة، تحويلَ قطاع غزة إلى مصيدة كبرى لقوات الكيان الصهيوني وآلياته، بصورة مضاعفة عما كانت عليه الحال في الأيام السابقة، بحيث تجبر التحالف الصهيو-أميركي على الإذعان لمطالب العالم بإيقاف القتال.

لم يبقَ أمام التحالف الصهيو-أميركي الكثير ليحققه في حرب الإبادة الجماعية التي يقوم بها في قطاع غزة، ولن يحصد في الأيام القادمة سوى المزيد من الدمار والمآسي في صفوف المدنيين الفلسطينيين الصامدين المصرّين على الانتصار مهما بلغت التضحيات.

ومن المتوقع بسبب استمرار هذا الصمود، ونجاح المقاومة في تحويل قطاع غزة إلى مصيدة كبرى لقوات الاحتلال الصهيوني؛ أن يكون الشهر الثالث (الجاري) هو الشهر الأخير للحرب، وأن يشهد النصف الثاني منه إيقاف الحرب، ليس بطلب من مجلس الأمن أو استجابة لمناشدات المنظمات الدولية والإقليمية، وإنما بسبب تزايد الضغط داخل التحالف الصهيو-أميركي، وهو ما يعني فشله في تحقيق أهدافه وانتصار المقاومة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الفلسطینی فی قطاع غزة الکیان الصهیونی الصمود الأسطوری قطاع غزة إلى حرب الإبادة هذا الصمود فی صفوف حماس فی

إقرأ أيضاً:

مقدمة في الحرب النفسية بين سياسات العدو الصهيوني واستراتيجيات المقاومة.. قاموس المقاومة (42)

تحدثنا في المقال السابق عن مقدمات للغزو المعنوي والحضاري، وفي هذا المقال نؤكد على الاستراتيجيات والأدوات لمفاهيم تترافق كمنظومة ضمن ما أشرنا إليه آنفا من منظومات التطبيع واستراتيجيات العدو.

ويبدو لنا أن مفهوم الحرب النفسية وعملياتها قد اختطها الكيان الصهيوني حتى قبل وجوده، ضمن عمليات متتابعة لخلق حالة من الترويع والتهجير الممنهج والمنظم، وهو ما أتاح له من بعد ذلك -وبمساعدة دول غربية- في استمرار هذه السياسة وتطويرها، ذلك أن مفهوم الحرب النفسية وارتباطه بالغزو المعنوي يقوم على قاعدة مهمة؛ أن للحرب أشكالا كثيرة ومداخل متنوعة، وأن هذه المداخل تسهم في تكاملها في معالم النصر أو الهزيمة.

فمفهوم الحرب النفسية يقوم على قاعدة اختلاق لبعض المعلومات أو تهميش بعضها أو التهويل من غيرها في محاولة للنيل من الخصم، وفي حقيقة الأمر أن الحروب النفسية ضمن مثل هذا الصراع الحضاري المصيري الممتد تتطلب التعامل مع أساليب العدو الصهيوني وعمليات الحروب النفسية؛ التي تتسم بخصائص جوهرية تجعل من الضروري القيام بتأسيس أجهزة معلوماتية في سياق هذا الشعار الأساسي "اعرف عدوك". هذه المعرفة لا تطلب لذاتها ولكنها تبتغى لمقاصدها، وفي هذا السياق يمكن النظر في المقابل ليس فقط لأساليب العدو الصهيوني، ولكن بالتعرف على جملة الاستراتيجيات والاستجابات المناسبة لحركة المقاومة في الأمة، والانخراط في التعامل مع شأن الحروب النفسية، هادفة إلى تقوية إرادة المقاومة في الأمة وتخذيل العدو والفت في عضده وإضعافه.

مفهوم الحرب النفسية وعملياتها قد اختطها الكيان الصهيوني حتى قبل وجوده، ضمن عمليات متتابعة لخلق حالة من الترويع والتهجير الممنهج والمنظم، وهو ما أتاح له من بعد ذلك -وبمساعدة دول غربية- في استمرار هذه السياسة وتطويرها
إن المسائل التي تتعلق بالتدافع في ميدان الحروب النفسية لهو أمر جوهري للحفاظ على مقاومة الأمة وتأسيس مداخل فاعليتها، وهي أيضا تؤدي إلى مقاومة حال الوهن، وواقع الهوان في الأمة بما يمنع تلك الهزيمة النفسية قبل خوض الحروب في الميدان أو في أثنائها، أو حتى فيما بعدها.

ومن هنا فإننا نؤكد أن الحرب النفسية لا تكون فحسب في الميدان المعقود للقتال، ولا في المسائل والخطاب المعني به، ولكنها تتخطى ذلك لتأسيس كل مصادر المناعة الأساسية في الأمة وتحقيق ما من شأنه تأسيس كل ما يتعلق بالخروج من الأزمة أو المحنة:"وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً" (التوبة: 46). والعدة هنا أمر كما يتعلق بتوفير عدة السلاح في مقام المعركة، فإنه أيضا يتعلق هنا في ميادين الحرب النفسية بتأسيس القدرة واستثمار كافة الإمكانات في حرب نفسية مضادة والنيل من العدو والحفاظ على إنسان الأمة، للقيام بدوره الفعال حضورا وشهودا.

وفي حقيقة الأمر فإن الحروب النفسية لا نغالي إن قلنا إنها تعبير عن حروب الإرادة وغزو النفوس واحتلال العقول والتسلل الثقافي والفكري، ومحاولة تكريس الوهن المعنوي والقيام بالتدليس والتلبيس في حال الغزو المفاهيمي والمصطلحي كما سبقت الإشارة، إنها -الحرب النفسية- واحدة من أهم أدوات الغزو الثقافي والمعنوي والفكري من العدو وممن يدعمه ويسانده.

ونحن الآن في خضم هذه الحرب -طوفان الأقصى- التي قاربت على العام، فإن معارك الحروب النفسية هي من طبيعة دائمة ومستمرة؛ بل إننا يجب أن نؤكد لكل من يهمه الأمر في هذا الشأن أنها ستستمر غالبا حتى بعد أن تضع الحرب أوزارها، وهو ما يتطلب منا استثمار كل الإمكانات في تلك الحرب التي تشكل إسنادا للميدان، وهو ما تجب ملاحظته في أية التغيير القرآنية التي أشارت إلى سنة إلهية ماضية: "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ" (الرعد: 11).

ومن هنا وجب في سياق هذا المفهوم الذي ينال من الإرادة ويمهد لهزائم نفسية؛ أن نتدبر معاني التغيير ما بالقوم والأمة، ومعالم التغيير في الأداء والأدوات، وأصول التغيير بالأنفس في حالتها الجمعية، وبالنفس في ذواتها الفردية؛ إنها بحق معركة النفس الطويل، والانخراط المقاوم الذي يشكل مواجهة حقيقية لكل ما يتعلق بمعاني الإرادة وتمكين الصمود؛ بما يحفظ المقاومة من الانكسار بفعل أي محاولة في ميدان الحرب أو الحروب النفسية خاصة حينما نتعرف على اختلال موازين القوى والقدرات.

إن هذا العمل المذهل المقاوم، والمجاهد، والحاضنة الغزية التي تتحمل فوق ما يطيقه البشر إنما تشكل في حقيقة الأمر ملحمة من ملاحم هذا الزمان، رغم أنف هؤلاء الذين اجتمعوا في محاولة لكسر إرادة المقاومة أو إعلان انكسارها. ستظل المقاومة بذلك رمزا مهما يصمد في ميادين القتال، كما يصمد في ميادين الحروب النفسية، صمودا عزيزا كريما، هكذا تعودنا من أهل غزة العزة، مقاومة وشعبا وحاضنة.

المقاومة الحضارية الشاملة واستراتيجيات المقاومة في مدافعة الحرب النفسية حتى لا تذبل النفوس أو تحتل العقول وتهون الإرادات، بل كان ذلك في شأن الأمة وأحوالها (انتزاع المهابة، قذف الوهن)، ودور الحروب النفسية والحضارية في هذه الصناعة للأمة الغثائية على كثرتها الزائفة التي لا تقوم بأدوارها الدافعة والرافعة والناهضة والشاهدة. والشهود حضور فاعل وهو ضد المغيب والغياب والتغييب، وضد "حب الدنيا الذي تسرب في النفوس حتى أشربوا العجل في قلوبهم" ووصل إلى النخاع؛ فما أنتج إلا خنوعا وخضوعا، فتخلفنا عن روح الجهاد ونفسية المقاومة. نحن في هذا الشأن وهذه الحياة يجب ألا تستغرقنا خطابات التخذيل من باب الواقع الأليم وضغوط تتعلق بأفق الانحطاط الراعي للاستنفار والتحريض على الدافعية والرافعية للأمة نهوضا ومقاومة، تدافعا وقوة وجهادا، والانخراط في الحركة الناهضة على المستوى الإنساني والعالمي.

نموذج التصهين هو نتاج لحرب نفسية صهيونية تحت أغطية التطبيع والدعاية، وهو ما يفرض ضرورة إنشاء جهاز دعائي ودعوي لإسناد القضية العادلة لأمتنا. ويجب أن يكون العلماء والنخب المثقفة في وعي تام أن الحرب النفسية لا تستهدف النفوس الفردية، ولكنها تستهدف "القوم" الجمعي في الأمة، في نفسية الجماعات والأمم
إن حربا تجعل من النفوس ميدانها، هي معركة طويلة ومتواصلة، معركة النفس الطويل، والعمل المؤثر الكبير، هذه المعركة والمتابعة لها والانتصار فيها هو استكمال للطوفان مآلا وتـأثيرا وفاعلية. إن رسم مسارات فاعلة لترشيد حال الأمة في فعلها وفاعليتها ولا تترك للعمل العشوائي أو المتناثر، بل لا بد أن تتراكم الجهود وترشد وتسدد لعمل مؤثر. إن من حفظ النفس أن تقوم بأدوار مهمة في دفع الحروب النفسية القاصدة لغزو النفوس وتوهين الإرادة، وتسرب الهزيمة إلى داخلها بمداخلها المتعددة والمتنوعة. إن الفعل الإحيائي ضمن عمل منظم وبأساليب منظومية عمل غاية في الأهمية، والاستجابة الفاعلة والواعية والداعية، يتطلب دورا إحيائيا: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ" (الأنفال: 24)؛ الحياة الكريمة ونفوس العزة والكرامة وعقول الحرية والتحرير، إنها في كل الأحوال معركة إحياء النفوس في ميدان حروب تستهدف النفوس "الحرب النفسية"، ذلك أن المدد النفسي الناهض في معركة المقاومة ليس بالأمر الهين.

إن نموذج التصهين هو نتاج لحرب نفسية صهيونية تحت أغطية التطبيع والدعاية، وهو ما يفرض ضرورة إنشاء جهاز دعائي ودعوي لإسناد القضية العادلة لأمتنا. ويجب أن يكون العلماء والنخب المثقفة في وعي تام أن الحرب النفسية لا تستهدف النفوس الفردية، ولكنها تستهدف "القوم" الجمعي في الأمة، في نفسية الجماعات والأمم.

إن الأمر المتعلق بالقابليات هو الذي يمكّن للمقولات الزائفة ضمن منظومات الحرب النفسية والدعاية، ضمن تسللات وفعل التخفي وضمن حالة حربائية متلونة. ومن ثم فإنه ضمن صناعة الوعي البصير الراصد بعمق والتفاعل بقوة مع الواقع والترشيد والتسديد للفعل المؤثر ضمن الوعي الممتد الذي يصب في كيان الأمة وعافيتها؛ كان النداء الحركي النبوي "بشروا ولا تنفروا"، بشروا واستنفروا، إنه "نفير الأمة" لإسناد مقاومتها والسير في طريق نهوضها، "بشروا" و"تنفروا" لأن البشارة جزء لا يتجزأ من عمليات الاستنفار العام والنفير العام في عملية المقاومة الحضارية، فيدفع القوى الناهضة والعمل الإيجابي المؤثر والفاعل ويجعل الأمل مشفوعا بالعمل، إنه سؤال التغيير لا يزال يعلمنا أن المقاومة لا بد وأن تكون على مستوى القوم، وعلى مستوى الذات والنفس الفردية والجماعة (الأنفس) وعلى كل مستوى حضاري بالحضور المقدر والفاعل.

x.com/Saif_abdelfatah

مقالات مشابهة

  • يزبك: المقاومة اللبنانية فرضت معادلة الردع على العدو الصهيوني
  • حزب الله يستهدف عدة مواقع للعدو الصهيوني
  • لجان المقاومة في فلسطين تنعى شهداء طوباس وتتوعد العدو الصهيوني بالرد
  • خبير: صمود المقاومة في غزة سيعزز فرص تسوية الصراع العربي-الصهيوني
  • خبير: صمود المقاومة في غزة سيعزز من فرص تسوية الصراع العربي ـ الصهيوني
  • الاحتلال يوسع عدوانه على الضفة بقصف المنازل.. وعدوان غزة يدخل يومه الـ335
  • الإجرام الصهيوني والرد المنتظر
  • حمدان: بعض أسرى الاحتلال قتلوا في القصف الإسرائيلي وآخرون بنيران جيشهم
  • حزب الله يستهدف موقع “السماقة الصهيوني” بالأسلحة الصاروخية
  • مقدمة في الحرب النفسية بين سياسات العدو الصهيوني واستراتيجيات المقاومة.. قاموس المقاومة (42)