الصين.. كذبة اخترعها الغرب وصدقها العالم
تاريخ النشر: 12th, December 2023 GMT
في يوم 25 ديسمبر(كانون الأول) 1991 أعلن مجلس السوفييت الأعلى للاتحاد السوفييتي الاعتراف باستقلال الجمهوريات السوفييتية السابقة، وفي الساعة 7:32 مساء بتوقيت موسكو تم إنزال علم الاتحاد السوفييتي عن مبنى الكرملين.
بعد 32 عاماً فشلت روسيا، التي تحولت إلى قوة معزولة، في أن تكون جزءا من الكيان الغربي، مما دفعها إلى اختيار الحلول العسكرية.
اليوم هناك إمكانية أن يتكرر ما حصل لروسيا مع الصين التي تواجه حربا تجارية من الولايات المتحدة تفقدها أسس نفوذها الاقتصادي الجديد لتصبح أكثر خطورة وحرصا على تأكيد "عظمتها" من خلال مغامرات عسكرية تتضاءل بالمقارنة معها مغامرات فلاديمير بوتين.
لقد فشل الغرب في احتواء روسيا، فهل يفشل في احتواء الصين؟
نقطة التشابه الوحيدة بين الاتحاد السوفييتي والصين هي الأيديولوجيا الشيوعية، مع ضرورة التنويه هنا أيضا إلى الخلافات بين النموذجين. أحد أسباب انهيار الاتحاد السوفييتي هو فشله على الصعيد الاقتصادي.
ما إن انهار الاتحاد السوفييتي حتى تبينت هشاشة وضعه الاقتصادي، بعيدا عن التكنولوجيا العسكرية، التي ثبت أيضاً أنها لم تكن بكفاءة التكنولوجيا الأمريكية في أكثر من مناسبة، لم يساهم الاتحاد السوفييتي بأي منتج يمكن الإشادة به.
في أفضل مراحله لم يتجاوز حجم الناتج المحلي الإجمالي لروسيا ناتج بلد مثل إيطاليا، وها هي مغامرتها العسكرية في أوكرانيا تثبت أن قوتها الاقتصادية وهم كاذب، وأن كل ما تستطيع فعله هو الدخول في مغامرات ستؤدي إلى المزيد من ضعضعة وضعها الاقتصادي.
تفكك الاتحاد السوفييتي كان المرحلة الأولى لانهيار روسيا، يمكن الآن التنبؤ بانهيار آخر، سيضع نهاية لأحلام العظمة الوطنية الروسية التي فقدتها منذ عام 1917 مع سقوط روسيا القيصرية بأيدي البلاشفة.
للوهلة الأولى تبدو الصين في وضع أفضل بكثير مما هو عليه الوضع في روسيا، ولكن نظرة متأنية سرعان ما تكشف عن تشابه بين الحالتين. حتى هذه اللحظة لم تكن الصين أكثر من ورشة اختارتها الشركات الأجنبية لتصنيع منتجاتها. ومع تنامي النزعة الوطنية وعودة الدولة إلى الحضور بقوة، تخاطر الصين بفقدان مصدرها الوحيد للقوة الاقتصادية القائم على السوق المفتوح على الاقتصاد العالمي.
وكما يقول المحلل الأمريكي جون أوستن، مدير مركز ميتشجان الاقتصادي وزميل غير مقيم في مؤسسة بروكنغز ومجلس شيكاغو للشؤون الدولية، في تقرير نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الأمريكية إن "الصين تحاول تأكيد نموذجها الخاص بالعظمة الوطنية لمواجهة الحرب التجارية التي أعلنتها الولايات المتحدة ضدها".
يرى أوستن في توجه حكومة بكين إلى دول الجنوب والبحث عن تحالفات جديدة خطوة تهدف من ورائها إلى "هدم النظام الدولي الذي صاغته الولايات المتحدة وحلفاؤها بعد الحرب العالمية الثانية، وهو نظام دولي مفتوح قائم على قواعد جلب الرخاء للعديد من الدول بما في ذلك الصين بمجرد أن تبنته بكين".
حتى وقت قريب تركزت التوقعات والنبوءات على أن الصعود الاقتصادي للصين سيطغى على الاقتصاد الأمريكي، وأن الصين ستزيح الولايات المتحدة جانبا لتتبوأ المرتبة الأولى عالميا.
مثل هذه النبوءات كانت مبررة. ولكن، مع دخول عوامل جديدة بدأت المبررات تتساقط، ومعها تراجع توجه المستثمرين وقل اهتمام الشركات الغربية بالصين.
أوّل هذه العوامل هو اليد العاملة الشابة الآخذة في التراجع، بسبب النمو الاقتصادي السريع مع التحول إلى اقتصاد السوق، وهو ما أدى إلى زيادة الطلب على العمالة الماهرة والمؤهلة في قطاعات مثل التكنولوجيا والابتكار، وترافق ذلك مع انخفاض حاد في معدل الخصوبة وزيادة في متوسط العمر.
العامل الثاني هو الأتمتة وحلول الروبوتات محل الجهد البشري في المصانع وفي تقديم الخدمات، والتفوق الأمريكي في ابتكار الرقائق السريعة والذكاء الاصطناعي.
لسنوات طويلة سمعنا عن الاتحاد السوفييتي بوصفه قوة معادلة لقوة الولايات المتحدة إلى أن تهاوى وتفكك. ويبدو اليوم جليا أن التنين الصيني، كما هو الدب الروسي، كذبة اخترعها الغرب وصدقها العالم.
هناك عوامل عديدة أدت إلى فشل روسيا في الانتقال من الاقتصاد الاشتراكي المركزي إلى اقتصاد السوق الرأسمالي، وهو ما أدى إلى تفاقم الفقر وانتشار البطالة والفساد والتضخم، إضافة إلى العقوبات والضغوط الدولية التي فرضتها عليها الدول الغربية بسبب سياساتها الخارجية والداخلية.
ورغم ضعفه الاقتصادي واعتماده الزائد على النفط والغاز كمصدر رئيسي للدخل تسبب الدب الروسي الجريح في خلق أزمات عالمية طالت دول العالم، نذكر منها الاستيلاء على شبه جزيرة القرم عام 2014، وتدخله في سوريا عام 2015، وغزوه أوكرانيا في 24 فبراير 2022، إلى جانب تصديره المرتزقة إلى مناطق ملتهبة في العالم.
من المؤكد أن باستطاعة الغرب الرأسمالي اليوم أن يدفع الاقتصاد الصيني إلى الانهيار، ولكن بأي ثمن؟
هل ستقبل الصين بالهزيمة وتنكفئ على نفسها، أم تختار سقوطا مدويا يكون شعارها فيه "عليّ وعلى أعدائي"؟
على عكس الاتحاد السوفييتي، ليس في الصين ما يتفكك، فهي ليست مجموعة كيانات، وتحالفات بكين مع دول أخرى لم تتم بالإكراه بل هي تحالفات أملتها الضرورة، على عكس مجموعة دول أوروبا الشرقية، التي لم تنس يوما انتماءها إلى أوروبا.
أي محاولة لعزل الصين ودفعها إلى الانهيار ستقسم العالم.
في عيد ميلاده المئوي وقبل وفاته بأشهر اختار عطار التقارب الصيني هنري كيسنجر زيارة بكين. جميع الأطراف ادعت أن زيارة "الثعلب العجوز" إلى الصين مبنية على علاقات صداقة تربطه بأطراف صينية. ولكن يجب ألّا ننسى أن الزيارة جاءت بعد تحذير لكيسنجر جاء فيه أن "حرباً بين واشنطن وبكين يمكن أن تسقط الحضارة، إن لم تدمرها بالكامل".
تجنب الحرب يتطلب توازناً دقيقاً كما يقول أوستن الذي يضيف "علينا أن نقول للصين: نرحب بنهضتكم كأمة عظيمة وثقافة وشعب عظيم. ليس لدينا رغبة في إبقائكم محبطين. لكننا لا نقبل الإكراه السياسي والاقتصادي للدول والشعوب الأخرى، وأعمال القوة العسكرية".
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل مونديال الأندية الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الصين الاتحاد السوفییتی الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
سور الصين العظيم أكبر مشروع معماري قديم في العالم
حصن عسكري شيده الصينيون القدماء منذ أزيد من ألفي عام لحماية الحدود الشمالية في العصور الإمبراطورية المبكرة. بدأ بناؤه في القرن السابع قبل الميلاد واستمر تطويره حتى القرن السابع عشر الميلادي، ليصبح أكبر مشروع معماري قديم في العالم.
امتد السور أكثر من 21 ألف كيلومتر عبر مناطق متعددة في شمال الصين، وكان مشروعا دفاعيا ضخما، لكنه فشل في صد هجمات الغزاة عدة مرات في أول مائة عام من بنائه.
ورغم التعديلات والتوسيعات المتكررة التي أجرتها السلالات الحاكمة المتعاقبة، فقد ظل السور مرتبطا بفكرة أول إمبراطور للصين الموحدة.
مع مرور الزمن فقد سور الصين أهميته العسكرية والإستراتيجية، لكنه تحول إلى رمز ثقافي ومعلم يجتذب ملايين الزوار سنويا.
في عام 1987 تم إدراجه ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، ليصبح شاهدا على التاريخ الهندسي والمعماري للصين الممتد عبر القرون العشرين الماضية.
تغنى بالسور شعراء الصين مئات السنين، ووردت إشارة رمزية إليه في النشيد الوطني الصيني المعروف بـ"مسيرة المتطوعين"، والذي كُتب عام 1935. أُطلقت عليه عدة ألقاب، مثل "التنين الطائر"، فيما وصفه الرحالة الإيطالي ماركو بولو بـ "أعجوبة الشرق"، وكان يُعتقد أنه أحد عجائب الدنيا السبع القديمة.
لكن خلف هذا الإنجاز المعماري يقف تاريخ طويل من التضحيات، إذ يُقال إن "كل حجر منه كلف حياة إنسان"، ليصبح رموا يجسد قوة الصين القديمة.
وبفضل مكانته التاريخية، أصبح السور مرادفا للصين ورمزا لثقافتها، ولا يزال اليوم موضوعا للبحوث الأثرية والدراسات التاريخية.
إعلان الموقع والامتدادسور الصين العظيم حصن حدودي ذو طابع عسكري دفاعي، يتألف في الواقع من هياكل مختلفة تم بناؤها على مدى مئات السنين، وعلى امتداد طرق متعددة، من قبل سلالات حاكمة مختلفة.
يُعرف في اللغة الصينية باسم "تشانغ تشنغ"، أي "السور الطويل"، ويُشار إليه أيضا باسم "سور وانلي العظيم"، ويمتد عبر شمال الصين من مقاطعة لياونينغ شرقا إلى قانسو غربا.
لا يُعرف الطول الإجمالي لسور الصين العظيم بدقة، لكن التقدير الرسمي الحديث الذي يشير إلى أنه 21 ألفا و196 كيلومترا (13173 ميلا) هو الأكثر شمولا حتى الآن. وقد تم تحديد هذا القياس الرسمي الأول من قبل الإدارة الوطنية للتراث الثقافي في الصين في يونيو/حزيران 2012.
يصل ارتفاع بعض أجزاء السور إلى 8 أمتار، بينما يمر في بعض المناطق عبر جبال يصل ارتفاعها إلى 975 مترا فوق مستوى سطح البحر. يتراوح ارتفاعه في الأجزاء الظاهرة منه ما بين 6 و7 أمتار، وعرضه بين 4 و5 أمتار.
يجتاز السور 15 مقاطعة ومنطقة ذاتية الحكم وبلدية في الصين، بناء على مسح أثري شامل أجرته الدولة بالتعاون مع إدارة المسح ورسم الخرائط، بدأ منذ عام 2007.
وكان قياس سابق أُجري عام 2008، قد قدّر طول السور بـ8850 كيلومترا (5500 ميل)، لكنه اقتصر على الهياكل التي بُنيت في عهد أسرة مينغ.
وتُعد مقاطعة شانشي الأكثر احتواء على أجزاء من السور، إذ يبلغ امتداده فيها أكثر من 1800 كيلومتر، وفقا لنتائج المسح الوطني لموارده.
شُيّد السور بأمر من أباطرة صينيين مختلفين. وبدأت مراحله الأولى في جنوب غرب وجنوب شرق الصين، ثم تواصل بناؤه ليصل إلى أقصى الشمال.
في الشرق يمر عبر سلسلة جبلية تُعرف بالحدود المنغولية المرتفعة، بينما يمتد في الغرب عبر هضاب وعلى طول الحدود الصحراوية.
إعلانواكتشف الباحث البريطاني ويليام ليندسي وفريقه قسما جديدا من سور الصين العظيم شمال الحدود الصينية-المنغولية، وهو أول اكتشاف لقسم من السور يمتد خارج الحدود الصينية الحالية.
كان يُعتقد أن هذا الجزء ضائع منذ ألف عام، وتمت الإشارة إليه في الخرائط باسم "جدار جنكيز خان". لكن فريق ليندسي أعاد تصنيفه جزءا من السور بعد دراسته في صحراء جوبي. وأكد أنه امتداد للتحصينات الدفاعية الصينية القديمة.
تاريخ سور الصين العظيميعود بناء الأجزاء الأولى مما أصبح يُعرف بـ"سور الصين العظيم" إلى القرن السابع قبل الميلاد، وفقا لأرجح الأقوال، ومع ذلك يرجع بعض الباحثين جذوره إلى فترات أقدم.
ووفقا للسجلات التاريخية الصينية، فقد بدأ السور على شكل جدران منفصلة أقامتها دول متحاربة مختلفة لحماية ممالكها في فترة تُعرف باسم "الممالك المتحاربة" (475-221 ق.م).
وأرست هذه الجدران المبكرة الأسس التي اعتمدتها سلالة تشين لاحقا وربطتها ببعضها البعض في أول سور عظيم مستمر شكّل النواة الأولى لـ"سور الصين العظيم".
بعد أن وحّد الإمبراطور تشين شي هوانغ الصين تحت حكمه، أمر بهدم كافة الأسوار والممرات القديمة التي أنشأها الحكام السابقون، وتعويضه بسور موحّد وضخم لحماية إمبراطوريته وترسيخ سلطته.
تقول الذاكرة الجماعية الصينية إن الجزء الكبير من السور -الذي أنجزه أول أباطرة الصين- قد شُيد بسواعد آلاف وربما ملايين من الجنود والفلاحين والسجناء المحكوم عليهم بالأعمال الشاقة.
وقد توفي عدد كبير من هؤلاء العمال من شدة التعب والإجهاد ودفنوا تحت أو بين الحجارة، وتقول بعض الأساطير الشعبية إن أجزاء من السور انهارت بسبب حادثة شهيرة تتعلق بخادمة سارَت نحو 400 كيلومتر للوصول إلى جثة زوجها الذي لقي حتفه أثناء العمل في البناء.
وخلّد التاريخ ذكرى العمال الذين لقوا حتفهم أثناء بناء السور، حتى أُطلق عليه أحيانا لقب "أطول مقبرة على وجه الأرض" أو "المقبرة الطويلة"، وأصبح لقب "الطاغية الجبار ومُبَدِّد ثروات الوطن" ملازما لذكرى تشين.
إعلانتعرض تشين لانتقادات دائمة بسبب قسوة حكمه، على الرغم من أن سور الصين العظيم لم يُنقذ إمبراطوريته من الانهيار، فبعد عام واحد من وفاته، اندلعت أول انتفاضة في تاريخ الصين، ولم يدم حكم سلالة تشين سوى 15 عاما.
كان السور الأولي الذي بنته أسرة تشين يمتد من لينتاو إلى لياودونغ بطول يزيد عن 10 آلاف لي (وحدة قياس صينية قديمة)، كما أنشئت 12 ولاية على طوله.
لهذا السبب ارتبط السور دائما بحكم تشين باعتباره هو من بدأ المشروع الضخم، الذي أسهم في الشكل النهائي للسور كما يعرف اليوم. ويُقال إن ضريحه يقع تحت أحد أجزاء السور.
كان السور الذي بُني في عهد تشين عبارة عن تحصينات دفاعية محدودة تقع شمالا أبعد من السور الحالي. ولم يتبقَ منه اليوم سوى القليل، لكنه لا يُعتبر موقعا سياحيا شهيرا.
ومنذ عهد أسرة تشين، شهد السور تعديلات وتوسعات بمقاييس مختلفة على يد أكثر من 20 سلالة حاكمة، وفقا للسجلات التاريخية.
وكانت أسرة هان، ثاني إمبراطورية في الصين القديمة، من أبرز من أسهم في توسيع وتحسين السور الذي بُني في عهد تشين، وأقاموا أبراج إنذار تمتد من العاصمة تشانغان (التي تعرف حاليًا باسم شيان).
إضافة إلى ذلك، بدأت الأسرة الحاكمة في بناء سور جديد ربطته بسور تشين، وأقامت على طوله قلاعا صغيرة تُعرف باسم "تشانغ"، ومواقع دفاعية عُرفت باسم "ليه تشنغ" (صفوف من الحصون).
وفي عهد أسرة هان، كان للسور أيضا دور بارز في فتح طرق المواصلات وتعزيز التبادلات الاقتصادية والثقافية بين الصين وبلدان آسيا وأوروبا.
فقد تم افتتاح طريق الحرير الشهير، إذ بُني القسم الغربي من السور على امتداده، مما جعله خطا إستراتيجيا يربط بين الشرق والغرب.
انضمت سلالة مينغ (1368م–1644م) في سعيها لإنشاء إمبراطورية قوية إلى جهود بناء وتوطيد سور الصين العظيم.
إعلانوكان نطاق مشروع مينغ واسعا، تجاوز كل ما أنجزته السلالات الملكية السابقة، فأنشأت ما يُسميه الصينيون الآن "سور 10 آلاف لي" أو "الجدار الطويل".
وفي ذروة عهد أسرة مينغ ( القرن 14 إلى القرن الـ17 ميلادي)، تم بناء أرقى امتداد للسور بطول 8851 كيلومترا على مدار نحو 200 عام من حكمها.
يبدأ هذا السور من نهر يالو في الشرق، وينتهي عند جيايويقوان في الغرب. وقد شهد تحسينات على الممرات وقُسّم إلى 9 حاميات، كذا استُخدم لحماية التجارة شمالًا على طول ما أصبح يُعرف لاحقًا باسم "طريق الحرير".
وكانت سلالة مينغ آخر من عمل على تشييد معظم أجزاء سور الصين المتبقية، مما أعطاه الشكل الذي يعرف الآن. ولذلك يُطلق عليه أحيانا اسم "سور مينغ العظيم".
تراجع وترميمفي القرن الـ17، وسعت أسرة تشينغ (المانشو) حكمها إلى منغوليا الداخلية، دون أن تواجه تهديدات كبيرة من الشمال، مما قلل من الأهمية الدفاعية للسور.
وعندما استولت أسرة تشينغ (1644-1912م) على السلطة ووسعت حدود الصين شمالا، فقد السور وظيفته الأصلية حاجزا دفاعيا.
مع تأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 1949، ناهض الرئيس ماو تسي تونغ سور الصين العظيم باعتباره من الرموز الثقافية والتاريخية لفترة ما قبل الثورة.
ويُقال إن ماو اعتبر السور رمزا للأنظمة الإقطاعية القديمة، ووفقا لبعض المصادر التاريخية فقد دعا من المزارعين أخذ أجزاء من السور لاستخدامها في بناء منازلهم.
ورغم مواقفه الرافضة لسور الصين من الناحية الرمزية، فإنه اشتهر عنه قوله "إذا لم تتسلق سور الصين العظيم، فأنت لست رجلا حقيقيا".
أما فترة الثورة الثقافية (1966–1976) فقد شهدت هجوما واسعا على التقاليد الثقافية الصينية القديمة، بما في ذلك التدمير الجزئي للآثار التاريخية، وتعرض السور للإهمال ولحقته بعض الأضرار.
عندما وصل دنغ شياو بينغ إلى السلطة في أواخر السبعينيات من القرن العشرين، بدأ إصلاح السور في إطار رؤية أوسع للحفاظ على التراث والترويج للسياحة في الصين الحديثة.
إعلانوعملت الحكومة الصينية على بناء 3 أجزاء من السور خاصة في المناطق القريبة من بكين وفي مقاطعة كانسو شمال وسط الصين.
ومنذ عام 2009، أعلنت الحكومة الصينية اكتشاف أجزاء جديدة من سور الصين العظيم بالقرب من الحدود مع كوريا الشمالية، بجوار جبال هوشان.
كان الجزء المتنازع عليه يُعرف باسم "جدار لياونينغ"، وهو حاجز دفاعي بسيط بُني في عهد أسرة مينغ لصد الغزوات القادمة من الشمال باتجاه مقاطعة لياونينغ.
وتعرّض سور الصين العظيم للعديد من الانهياراتٍ الجزئية، ثم أعيد بناؤه. ولا يزال يخضع لعمليات ترميمٍ قصد المحافظة عليه معلَما سياحيا.
شهد سور الصين العظيم تطورات هندسية كبيرة عبر القرون، إذ تبنت كل سلالة حاكمة أساليبها الخاصة لتحسينه وتطويره، وجعله تحت السيطرة المباشرة لكبار حكامها.
بُني السور بشكل منفصل لتعزيز تحصيناته، إذ امتد في اتجاهين، أحدهما نحو الجنوب الشرقي والآخر نحو الجنوب الغربي، وتوحدا في أقصى نقطة شمال الصين.
في الجزء الشرقي، شُيدت الأساسات من الغرانيت، وبُنيت الجوانب من الحجر أو الآجر، بينما تم ملء الداخل بالطمي، أما القمة فقد رُصفت بالطوب المثبَّت بالإسمنت الجيري، وفي المقابل كانت الأحجار والآجر نادرة في الجزء الغربي.
في العصور المبكرة، استُخدم الطين المدكوك والخشب في البناء، وفي عهد مينغ تم استخدام الطوب والحجر، كما جرى توظيف الحجر الجيري والغرانيت في المناطق الجبلية الوعرة، واستُخدم ملاط الأرز اللزج مع الجير المطحون لربط الطوب ومواد البناء الأخرى.
نُقلت كتل الحجارة الضخمة وكميات الجير الكبيرة يدويا أو عبر السلال التي كانت تُحمل على الأكتاف. بينما استُخدمت الحمير لحمل السلال الثقيلة، وربطت كتل الطوب إلى قرون الماعز لنقلها إلى المناطق الجبلية المرتفعة.
إعلاننظرا للتضاريس الجبلية، اعتمد البناؤون تقنية الجدران المتدرجة، كما طُورت بوابات السور باستخدام تقنية الأقواس الحجرية، وبُنيت بعض الأقسام بزوايا منحنية لمنع الأعداء من تسلقها بسهولة.
وفي المناطق التي يتقاطع فيها السور مع الأنهار والبحيرات، أُنشئت جسور حجرية وأرصفة خشبية. وأقيمت حصون عسكرية في مناطق أخرى من أجل تخزين الأسلحة، إلى جانب أنفاق وممرات مائية سرية لنقل الإمدادات والجنود.
وعلى طول السور، بُنيت آلاف الأبراج على مسافات تتراوح من 500 إلى 1000 متر، وكانت تُستخدم للتواصل العسكري عبر إشارات الدخان نهارا وإشارات النار ليلا.
معلم تاريخي وسياحييُعد سور الصين العظيم أحد أعظم المعالم التاريخية في العالم، إذ يمتد تاريخه لأكثر من 2500 عام. وبعد افتتاحه أمام الزوار في عام 1958، أعلنت الحكومة الصينية رسميا في 4 مارس/آذار 1961، إدراج أجزاء منه تحت حماية الدولة باعتبارها "آثارا تاريخية مهمة".
وقد مهد هذا القرار الطريق لإدراج السور ضمن قائمة التراث الثقافي العالمي لليونسكو في ديسمبر/كانون الأول 1987.
كما تم اختياره في 7 يوليو/تموز2007، ضمن عجائب الدنيا السبع الحديثة، التي أعدت قائمتها مؤسسة "عجائب الدنيا السبع الجديدة"، وهو ما عزز مكانته وجعله وجهة سياحية بارزة.
ولتأكيد هذه المكانة أصدرت إدارة التراث الثقافي الصينية في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، القائمة الأولى للأقسام المهمة من السور.
وبينما كان يعتقد في السابق أن السور مرئي من الفضاء، فقد أفاد رواد الفضاء منذ ذلك الحين أنهم غير قادرين على رؤيته من المدار المنخفض.
وقد أطلقت الحكومة الصينية مشاريع ترميم باستخدام مواد حديثة لدعم الأجزاء المتضررة من السور، ومع ذلك لا تزال بعض الأجزاء مهجورة أو في حالة خراب، خاصة في المناطق الصحراوية.
وبحسب المؤرخين ودعاة الحفاظ على التراث، لم يتبقَ سوى نحو 372 كيلومترا من السور في حالة جيدة. وتُعد الجهة الشرقية التي تمتد على بضع كيلومترات، من أفضل الأجزاء المحفوظة حتى اليوم.
وفي دراسة حديثة نُشرت في مجلة "ساينس أدفانس"، توصّل فريق من العلماء إلى أنّ الطبيعة تسهم في حماية سور الصين العظيم.
إعلانووجدت الدراسة أن طبقات "القشور الحيوية" التي تتكون من الكائنات الحية الدقيقة مثل البكتيريا والطحالب، تؤدّي دورا مهما في الحفاظ على استقراره وصموده أمام العوامل البيئية المختلفة.
وعلى الرغم من اختفاء ثلث الهيكل الأصلي من سور الصين العظيم التاريخي وفقا لبعض التقارير، فإنه لا يزال أحد أكثر المواقع زيارة في الصين، إذ يجذب ملايين الزوار سنويا.
وتحتوي منطقة بكين على معظم أجزاء سور الصين الشهيرة، بينما في منغوليا الداخلية أطول ومعظم المواقع.
ويعتبر قطاع بادالينغ -الواقع على مسافة 37 ميلا إلى شمال غرب العاصمة بكين– أفضل المواقع زيارة من حيث القيمة الأثرية والشعبية.