الصين.. كذبة اخترعها الغرب وصدقها العالم
تاريخ النشر: 12th, December 2023 GMT
في يوم 25 ديسمبر(كانون الأول) 1991 أعلن مجلس السوفييت الأعلى للاتحاد السوفييتي الاعتراف باستقلال الجمهوريات السوفييتية السابقة، وفي الساعة 7:32 مساء بتوقيت موسكو تم إنزال علم الاتحاد السوفييتي عن مبنى الكرملين.
بعد 32 عاماً فشلت روسيا، التي تحولت إلى قوة معزولة، في أن تكون جزءا من الكيان الغربي، مما دفعها إلى اختيار الحلول العسكرية.
اليوم هناك إمكانية أن يتكرر ما حصل لروسيا مع الصين التي تواجه حربا تجارية من الولايات المتحدة تفقدها أسس نفوذها الاقتصادي الجديد لتصبح أكثر خطورة وحرصا على تأكيد "عظمتها" من خلال مغامرات عسكرية تتضاءل بالمقارنة معها مغامرات فلاديمير بوتين.
لقد فشل الغرب في احتواء روسيا، فهل يفشل في احتواء الصين؟
نقطة التشابه الوحيدة بين الاتحاد السوفييتي والصين هي الأيديولوجيا الشيوعية، مع ضرورة التنويه هنا أيضا إلى الخلافات بين النموذجين. أحد أسباب انهيار الاتحاد السوفييتي هو فشله على الصعيد الاقتصادي.
ما إن انهار الاتحاد السوفييتي حتى تبينت هشاشة وضعه الاقتصادي، بعيدا عن التكنولوجيا العسكرية، التي ثبت أيضاً أنها لم تكن بكفاءة التكنولوجيا الأمريكية في أكثر من مناسبة، لم يساهم الاتحاد السوفييتي بأي منتج يمكن الإشادة به.
في أفضل مراحله لم يتجاوز حجم الناتج المحلي الإجمالي لروسيا ناتج بلد مثل إيطاليا، وها هي مغامرتها العسكرية في أوكرانيا تثبت أن قوتها الاقتصادية وهم كاذب، وأن كل ما تستطيع فعله هو الدخول في مغامرات ستؤدي إلى المزيد من ضعضعة وضعها الاقتصادي.
تفكك الاتحاد السوفييتي كان المرحلة الأولى لانهيار روسيا، يمكن الآن التنبؤ بانهيار آخر، سيضع نهاية لأحلام العظمة الوطنية الروسية التي فقدتها منذ عام 1917 مع سقوط روسيا القيصرية بأيدي البلاشفة.
للوهلة الأولى تبدو الصين في وضع أفضل بكثير مما هو عليه الوضع في روسيا، ولكن نظرة متأنية سرعان ما تكشف عن تشابه بين الحالتين. حتى هذه اللحظة لم تكن الصين أكثر من ورشة اختارتها الشركات الأجنبية لتصنيع منتجاتها. ومع تنامي النزعة الوطنية وعودة الدولة إلى الحضور بقوة، تخاطر الصين بفقدان مصدرها الوحيد للقوة الاقتصادية القائم على السوق المفتوح على الاقتصاد العالمي.
وكما يقول المحلل الأمريكي جون أوستن، مدير مركز ميتشجان الاقتصادي وزميل غير مقيم في مؤسسة بروكنغز ومجلس شيكاغو للشؤون الدولية، في تقرير نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الأمريكية إن "الصين تحاول تأكيد نموذجها الخاص بالعظمة الوطنية لمواجهة الحرب التجارية التي أعلنتها الولايات المتحدة ضدها".
يرى أوستن في توجه حكومة بكين إلى دول الجنوب والبحث عن تحالفات جديدة خطوة تهدف من ورائها إلى "هدم النظام الدولي الذي صاغته الولايات المتحدة وحلفاؤها بعد الحرب العالمية الثانية، وهو نظام دولي مفتوح قائم على قواعد جلب الرخاء للعديد من الدول بما في ذلك الصين بمجرد أن تبنته بكين".
حتى وقت قريب تركزت التوقعات والنبوءات على أن الصعود الاقتصادي للصين سيطغى على الاقتصاد الأمريكي، وأن الصين ستزيح الولايات المتحدة جانبا لتتبوأ المرتبة الأولى عالميا.
مثل هذه النبوءات كانت مبررة. ولكن، مع دخول عوامل جديدة بدأت المبررات تتساقط، ومعها تراجع توجه المستثمرين وقل اهتمام الشركات الغربية بالصين.
أوّل هذه العوامل هو اليد العاملة الشابة الآخذة في التراجع، بسبب النمو الاقتصادي السريع مع التحول إلى اقتصاد السوق، وهو ما أدى إلى زيادة الطلب على العمالة الماهرة والمؤهلة في قطاعات مثل التكنولوجيا والابتكار، وترافق ذلك مع انخفاض حاد في معدل الخصوبة وزيادة في متوسط العمر.
العامل الثاني هو الأتمتة وحلول الروبوتات محل الجهد البشري في المصانع وفي تقديم الخدمات، والتفوق الأمريكي في ابتكار الرقائق السريعة والذكاء الاصطناعي.
لسنوات طويلة سمعنا عن الاتحاد السوفييتي بوصفه قوة معادلة لقوة الولايات المتحدة إلى أن تهاوى وتفكك. ويبدو اليوم جليا أن التنين الصيني، كما هو الدب الروسي، كذبة اخترعها الغرب وصدقها العالم.
هناك عوامل عديدة أدت إلى فشل روسيا في الانتقال من الاقتصاد الاشتراكي المركزي إلى اقتصاد السوق الرأسمالي، وهو ما أدى إلى تفاقم الفقر وانتشار البطالة والفساد والتضخم، إضافة إلى العقوبات والضغوط الدولية التي فرضتها عليها الدول الغربية بسبب سياساتها الخارجية والداخلية.
ورغم ضعفه الاقتصادي واعتماده الزائد على النفط والغاز كمصدر رئيسي للدخل تسبب الدب الروسي الجريح في خلق أزمات عالمية طالت دول العالم، نذكر منها الاستيلاء على شبه جزيرة القرم عام 2014، وتدخله في سوريا عام 2015، وغزوه أوكرانيا في 24 فبراير 2022، إلى جانب تصديره المرتزقة إلى مناطق ملتهبة في العالم.
من المؤكد أن باستطاعة الغرب الرأسمالي اليوم أن يدفع الاقتصاد الصيني إلى الانهيار، ولكن بأي ثمن؟
هل ستقبل الصين بالهزيمة وتنكفئ على نفسها، أم تختار سقوطا مدويا يكون شعارها فيه "عليّ وعلى أعدائي"؟
على عكس الاتحاد السوفييتي، ليس في الصين ما يتفكك، فهي ليست مجموعة كيانات، وتحالفات بكين مع دول أخرى لم تتم بالإكراه بل هي تحالفات أملتها الضرورة، على عكس مجموعة دول أوروبا الشرقية، التي لم تنس يوما انتماءها إلى أوروبا.
أي محاولة لعزل الصين ودفعها إلى الانهيار ستقسم العالم.
في عيد ميلاده المئوي وقبل وفاته بأشهر اختار عطار التقارب الصيني هنري كيسنجر زيارة بكين. جميع الأطراف ادعت أن زيارة "الثعلب العجوز" إلى الصين مبنية على علاقات صداقة تربطه بأطراف صينية. ولكن يجب ألّا ننسى أن الزيارة جاءت بعد تحذير لكيسنجر جاء فيه أن "حرباً بين واشنطن وبكين يمكن أن تسقط الحضارة، إن لم تدمرها بالكامل".
تجنب الحرب يتطلب توازناً دقيقاً كما يقول أوستن الذي يضيف "علينا أن نقول للصين: نرحب بنهضتكم كأمة عظيمة وثقافة وشعب عظيم. ليس لدينا رغبة في إبقائكم محبطين. لكننا لا نقبل الإكراه السياسي والاقتصادي للدول والشعوب الأخرى، وأعمال القوة العسكرية".
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل مونديال الأندية الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الصين الاتحاد السوفییتی الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
روسيا: نرفض تصعيد الحروب التجارية
روسيا – أعرب المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف عن رفض روسيا رؤية المزيد من الحروب التجارية في العالم، مشيرا إلى أن ذلك سيؤثر سلبا على جميع الدول.
وجاء التصريح تعليقا على خطط الولايات المتحدة فرض رسوم جمركية على السلع القادمة من الاتحاد الأوروبي.
وقال بيسكوف للصحفيين اليوم الخميس: “بالتأكيد، نحن لا نرغب في رؤية الكثير من الحروب التجارية في العالم، لأن ذلك سيؤثر سلبا على جميع الدول بطرق مختلفة”.
ويوم أمس الأربعاء، صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن واشنطن سترفع الرسوم الجمركية على الواردات من كندا والمكسيك إلى 45% في أبريل المقبل.
كما أشار إلى أنه سيفرض رسوما جمركية بنسبة 25% على المنتجات الواردة من الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك السيارات، متهما الاتحاد الأوروبي بـ”الخداع” وتبني موقف عدائي تجاه الولايات المتحدة.
من جهتها، أكدت المفوضية الأوروبية أن الاتحاد الأوروبي سيرد “فورا وبحزم” على الرسوم الجمركية الأمريكية على السلع الأوروبية التي هدد بها الرئيس ترامب.
المصدر: RT