تزايد شرائهم للعقارات.. هل يعيد اليهود قصة فلسطين في قبرص التركية؟
تاريخ النشر: 12th, December 2023 GMT
أنقرة- "نحذر الشعب القبرصي التركي من بيع الأراضي لليهود الصهاينة، وندعوهم إلى وقف هذا الاحتلال الصامت. قبرص لا ينبغي أن تكون فلسطين". بهذه الكلمات الحاسمة أثار بيان لمؤسسة "قبرص العامة" -الأسبوع الماضي- جدلا على مواقع التواصل بشأن أهداف تزايد شراء اليهود للعقارات في جمهورية شمال قبرص التركية.
والجمعة الماضية، كشفت صحيفة "صباح" التركية عن توجه لليهود الإسرائيليين، ومن إيران وبريطانيا وروسيا وأوكرانيا وبولندا، لشراء الأراضي والوحدات السكنية بشكل مبالغ فيه خلال السنوات القليلة الماضية في شمال قبرص، ولا سيما في محافظة "إسكيله" الفاخرة، بهدف الانتقال والعيش فيها.
وأشار التقرير إلى أن عشرات الآلاف من اليهود اشتروا ما يُقدر بـ25 ألف فدان من الأراضي، وعددا كبيرا من الوحدات السكنية في قبرص التركية، بأسعار باهظة.
ويبلغ عدد سكان جمهورية شمال قبرص 380 ألف نسمة بينهم 35 ألفا من اليهود، وتظهر الإحصاءات الرسمية، احتلال الإسرائيليين للمرتبة الـ12 بين الأجانب الأكثر شراء للأراضي في جمهورية شمال قبرص، في الوقت الذي تمنع فيه الحكومة بيع المنازل والأراضي للأجانب دون موافقة رسمية.
المثير أن تقرير الصحيفة التركية كشف خطة "تحايل" اليهود على قوانين الدولة، عبر شراء الأراضي والمنازل باسم شركات موجودة في شمال قبرص، لكنها تابعة ليهود يملكون جنسيات أوروبية أو حتى أولئك الحاصلين على الجنسية القبرصية، ومن ثم إخفاء أسماء الشركات وملاكها والمحامين القائمين على إجراء المعاملات بطريقة سرية.
كما يتجه رجال الأعمال الإسرائيليين إلى دفع أموال باهظة لمواطني الجزيرة لإقناعهم بشراء الأراضي والبيوت بأسمائهم، مقابل ضمانات تمكّن اليهود من استخدام هذه العقارات بشكل قانوني فيما بعد.
وفتح هذا التقرير باب الانتقاد لحكومة شمال قبرص، التي ظهر وكأنها لا تملك أي مراقبة مباشرة على شراء الأراضي والبيوت في الدولة، الأمر الذي دفع رئيس الجمهورية إرسين تتار للتعليق على الأمر.
وأوضح تتار إنهم يدركون حجم المخاطر التي يمثلها هذا التوجه لليهود، وأنهم سيذهبون إلى البرلمان لإيجاد قوانين تمنع تحول هذا الأمر إلى مشكلة قد تصنع أزمات مستقبلية.
كما نفى رئيس الوزراء القبرصي أونال أوستل -خلال كلمته في البرلمان- أن يكون هناك سبب للقلق، مؤكدا أنهم يعملون مع وزير الداخلية على مراقبة وتتبع عمليات البيع والشراء للأراضي، وأنهم لن يسمحوا بتمرير أي مخطط من شأنه أن يضر بمصلحة البلد.
خطورة التدفق اليهودييوضح المحلل السياسي المختص بالشأن التركي والقبرصي ظافر شاهين، للجزيرة نت، خطورة ما وصفه بـ"التدفق اليهودي" على المنطقة، مشيرا لكون الأمر أكبر من مجرد استثمار لمجموعة من اليهود في شمال قبرص "بل هو خطة مدروسة لاحتلال الجزيرة في غضون السنوات الـ10 القادمة"، بحسب وصفه.
وقال شاهين إن "الاهتمام الإسرائيلي بجمهورية شمال قبرص التركية، اكتسب زخما في العقد الأول من القرن الـ21 خلال فترة تولي محمد علي طلعت رئاسة الجمهورية (2005-2010)، إذ أعطى اهتماما بالغا واستثنائيا لرجال الأعمال اليهود، عن طريق منحهم الموافقات اللازمة لبناء مشروع مارينا ومنطقة فنادق 5 نجوم في إرينكوي، وروج حينها أنهم جاؤوا للاستثمار فقط".
وبهذا الاستثمار، سرعان ما أصبح اللوبي الإسرائيلي واحدا من أكثر جماعات الضغط تأثيرا في الجزيرة القبرصية، ونجحوا بافتتاح أول معبد يهودي غير رسمي لجمهورية شمال قبرص التركية، بحسب شاهين.
وأضاف أن "الجمهورية القبرصية تقع ضمن حدود أرض الميعاد التي تطمح إسرائيل إلى السيطرة عليها، وأن موقعها القريب من شواطئ مدينة غزة، جعل لها أهمية خاصة دفعت الإسرائيليين إلى زيادة تدفقهم إليها، بنفس الطرق القديمة التي مهدوا بها احتلال فلسطين عام 1948″.
تحذيرات تركيةوحذر سفير تركيا في شمال قبرص متين فايز أوغلو، من أن الحكومة إذا لم تتخذ الاحتياطات اللازمة، فإن هذا الوضع سيسبب مشكلة تشبه "المشكلة الفلسطينية"، في إشارة للهجرة اليهودية للأراضي الفلسطينية المحتلة بدعم بريطاني قبيل نكبة عام 1948، مضيفا "ولذا يجب التحقيق في هذه المسألة، وأن تكون على جدول أعمال جميع مؤسسات الدولة".
وأشار فايز أوغلو إلى وجود مشكلة حقيقة فيما يخص القطاع العقاري في جمهورية شمال قبرص، وأن تسارع العمران في منطقة "إسكيله" على شكل مجمعات سكنية ببنايات شاهقة الارتفاع، يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار وضرورة المتابعة المستمرة لطبيعة الأهداف التي بنيت لأجلها.
وتابع فايز أوغلو "لم يعد هناك الكثير من الأتراك المقيمين في منطقة إسكيله، وأن الأجانب من أصول روسية وأوكرانية وإسرائيلية وأرمينية يسعون للتملك فيها بشكل لافت".
تجاوز عدد الشركات الموجودة في جمهورية شمال قبرص، والتي تعود ملكيتها لرجال أعمال يهود يحملون جنسيات أجنبية وقبرصية إلى 2000 شركة، وهو الأمر الذي أثار غضبا كبيرا في الشارع القبرصي والتركي، وازدياد المخاوف من النية غير المعلنة لهذه الخطوات المتلاحقة.
تتبعت الجزيرة نت سوق العقارات في شمال قبرص، واستطاعت الوصول إلى أكبر شركات الإنشاءات التي تعود ملكيتها لرجال أعمال من أصل يهودي، وكان أبرزهم:
شركة إيفرجرين للإنشاءتتركز أعمال الشركة المختصة بشراء الأراضي وبناء المجمعات السكنية في مناطق غرب الجزيرة، كساحل غازي فيرين في منطقة "جوزال يورت"، وساحل "إيسين تبي" في شرق منطقة كيرينيا.
وكانت ملكية الشركة تعود لرجل الأعمال عميكام مرحوم وزوجته، ولكن بعد وفاة مرحوم بسرطان الدم، انتقلت ملكية الشركة إلى شخص يهودي يدعى "يوال" جاء من الولايات المتحدة الأميركية، على الرغم من وجود أبناء وزوجة لعميكام مرحوم.
شركة يوروكوست للإنشاءات
يقع مقر الشركة غرب منطقة "كيرينيا"، وتعود ملكيتها لرجل الأعمال الإسرائيلي بنزي فريدمان وابنه ماور فريدمان الحاملين للجنسية القبرصية.
شركة سيزار دومينيكا للإنشاءاتتعتبر أكبر شركة إنشاءات في جمهورية شمال قبرص التركية، وتقوم بشراء الأراضي وبناء منتجات سكنية وترفيهية عملاقة، وذلك على ساحل "تاتلي سو" في شرق منطقة كيرينيا، وعلى ساحل إسكيله في جزيرة كارباز.
تعود ملكية الشركة لرجل الأعمال اليهودي الحاصل على الجنسية القبرصية شمعون أفيك أيكوت وابنه جاك أفيك أيكوت، الذين قاموا بشراء آلاف الدونمات من الأراضي، خاصة في مناطق إسكيله وكارباز المواجهة لشواطئ بحر غزة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: جمهوریة شمال قبرص الترکیة شراء الأراضی فی شمال قبرص
إقرأ أيضاً:
بعد سنوات من التعثر.. هل تحل محادثات جنيف قضية قبرص؟
أنقرة- تتجه الأنظار إلى العاصمة السويسرية جنيف، حيث تنطلق جولة جديدة من المحادثات حول مستقبل جزيرة قبرص يومي 17 و18 مارس/آذار الجاري، وسط خلافات عميقة تجعل أي اختراق دبلوماسي مهمة شاقة.
فبعد عقود من التعثر، يجد القبارصة اليونانيون والأتراك أنفسهم أمام اختبار جديد، بدعوة من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في محاولة لرأب الصدع بين الطرفين.
ومع تعقد المشهد الإقليمي وتصاعد التوترات في شرق المتوسط، تبدو الخيارات محدودة، مما يطرح تساؤلات حول فرص النجاح هذه المرة وما يمكن أن تحمله الأمم المتحدة من حلول لتقريب وجهات النظر.
ما أهمية هذه المحادثات؟تعود القضية القبرصية إلى الواجهة بعد فشل آخر جولة تفاوضية في سويسرا عام 2017، التي انهارت بسبب الخلاف حول الضمانات الأمنية ووجود القوات التركية في الجزيرة. وخلال العقود الماضية، شهد الملف أكثر من 15 جولة تفاوضية رئيسية، لم تسفر عن حل دائم، إذ اصطدمت كل المحاولات بعقبات سياسية عميقة.
اليوم، تُعقد المحادثات في ظرف إقليمي متغير، إذ تلعب التحالفات الجيوسياسية دورا في تعقيد الأزمة. فمع تصاعد التنافس على موارد الطاقة في شرق المتوسط، وتعزيز قبرص اليونانية علاقاتها العسكرية مع الولايات المتحدة وفرنسا وإسرائيل، تزداد المخاوف من استبعاد تركيا والقبارصة الأتراك من ترتيبات المنطقة.
إعلانمن جانبها، تقول الخبيرة في السياسة الخارجية زينب جيزام أوزبينار، للجزيرة نت، إن الاجتماع "ليس بداية فعلية لمفاوضات شاملة، بل مجرد محاولة لاستكشاف مدى وجود أرضية للحوار"، مؤكدة أن الأمم المتحدة تسعى فقط لتحريك الملف دون امتلاك أدوات ضغط حقيقية، مما يجعل فرص تحقيق تقدم ملموس شبه معدومة.
ما مطالب الأطراف الرئيسية؟تتباين مواقف الأطراف في النزاع القبرصي إلى حد يجعل من التوصل إلى اتفاق مهمة شبه مستحيلة. فبينما يطالب القبارصة اليونانيون بإعادة توحيد الجزيرة تحت نظام فدرالي يضمن لهم السيطرة السياسية، يصر القبارصة الأتراك على أن الحل الوحيد الممكن هو الاعتراف بجمهورية شمال قبرص كدولة ذات سيادة متساوية، وهو ما تدعمه أنقرة بشكل مطلق.
وترى تركيا أن نموذج الاتحاد الفدرالي لم يعد قابلا للتطبيق، خاصة بعد فشل جولات التفاوض السابقة. في المقابل، تصر اليونان والقبارصة اليونانيون على رفض أي سيناريو يعترف بجمهورية شمال قبرص، معتبرين أن هذا الطرح "يقوض وحدة الجزيرة ويتعارض مع قرارات الأمم المتحدة".
في هذا السياق، أكد وزير خارجية جمهورية شمال قبرص التركية تحسين أرطغرل أوغلو، في تصريحات لوكالة رويترز، أن اجتماع جنيف لا يمثل فرصة لاستئناف المفاوضات وفق الصيغة السابقة، بل هو مناسبة لإعادة تأكيد موقف بلاده أن الحل الوحيد الممكن هو الاعتراف بدولتين مستقلتين ذات سيادة متساوية.
وشدد على أن إصرار القبارصة اليونانيين على إعادة التفاوض وفق شروط 2017 "غير واقعي".
جمهورية شمال قبرص التركية ترفض وتكذب مزاعم الاحتلال الإسرائيلي عن استخدام #إيران لأراضيها لتنفيذ ما أسمته "أنشطة إرهابية".. فما هدف إسرائيل من هذه الادعاءات؟
#حرب_غزة pic.twitter.com/q8C1tBXH3L
— قناة الجزيرة (@AJArabic) December 13, 2023
ما العقبات الرئيسية أمام التوصل إلى حل؟يرى المحلل السياسي مراد تورال أن أي مسار تفاوضي حول قبرص يواجه عقبات بنيوية وسياسية عميقة جعلت من التوصل إلى حل دائم أمرا شبه مستحيل، وأبرزها:
إعلان غياب الاعتراف المتبادل، إذ يرفض القبارصة اليونانيون الاعتراف بسيادة القبارصة الأتراك، في حين ترى تركيا أن الحل الفدرالي لم يعد خيارا قابلا للتطبيق. التدخلات الدولية والتحالفات العسكرية، إذ عززت قبرص اليونانية تعاونها العسكري مع إسرائيل وفرنسا والولايات المتحدة، إضافة إلى رفع الحظر الأميركي على تصدير الأسلحة إليها، مما غيّر التوازن الأمني في المنطقة وأثار قلق أنقرة. الصراع على موارد الطاقة، إذ تزيد اتفاقيات قبرص اليونانية مع مصر واليونان وإسرائيل في ملف الغاز، واستبعاد القبارصة الأتراك من هذه الترتيبات، من حدة التوترات الإقليمية.ويضيف تورال للجزيرة نت أن المشكلة القبرصية لم تعد محصورة في الجزيرة، بل تحولت إلى جزء من صراع جيوسياسي إقليمي، حيث تلعب القوى الدولية دورا في تعميق الانقسام بدلا من إيجاد حلول وسط.
ما الذي يمكن أن تقدمه الأمم المتحدة؟على الرغم من جهود الأمم المتحدة المستمرة، فإنها لم تنجح في فرض تسوية دائمة، حيث يقتصر دورها على إدارة النزاع دون أدوات ضغط فعالة.
وترى الباحثة أوزبينار أن دور المنظمة ظل محدودا لأنه لم يتعامل مع جوهر المشكلة، وهو الاعتراف المتبادل بين الطرفين. وتضيف أن أي محاولة لإحياء المفاوضات دون معالجة هذه المعضلة ستؤدي إلى إبقاء الوضع كما هو، دون تحقيق أي اختراق فعلي.
يُذكر أن تقارير صحفية تشير إلى أن الاجتماع جاء بطلب يوناني، إذ يسعى زعيم الإدارة القبرصية اليونانية نيكوس كريستودوليدس، المدعوم من الأحزاب المتشددة، إلى كسر الجمود السياسي، في خطوة تبدو أقرب لمحاولة تسجيل موقف دبلوماسي أكثر من كونها تحركا حقيقيا نحو تسوية.
ما السيناريوهات المحتملة؟تؤكد الباحثة أوزبينار أن الاجتماع "ليس بداية فعلية لمفاوضات شاملة، بل مجرد محاولة لاستكشاف إذا ما كان هناك أي مجال للحوار"، لكن المؤشرات الحالية لا تعكس أي استعداد من الأطراف لتقديم تنازلات.
إعلانوترجح أن الاجتماع لن يسفر عن أي اختراق حقيقي، بل سينتهي بأحد السيناريوهات التالية:
استمرار الجمود: وهو السيناريو الأرجح، إذ يتمسك كل طرف بمطالبه دون تغيير، مما يبقي الوضع على ما هو عليه. تصعيد دبلوماسي وتوتر إقليمي: إذا فشلت المحادثات تماما، قد تتصاعد التوترات بين تركيا واليونان، مما يدفع أنقرة إلى اتخاذ خطوات أكثر حدة في شرق المتوسط. إجراءات محدودة دون تسوية شاملة: قد تثمر المحادثات عن تفاهمات جزئية، مثل فتح معابر جديدة أو ترتيبات اقتصادية، من دون أن تؤدي إلى حل سياسي. ما التداعيات الإقليمية لهذه المحادثات؟تتجاوز محادثات جنيف الإطار القبرصي، إذ تؤثر بشكل مباشر على التوازنات في شرق المتوسط. ويرى الباحث تورال أن هذه الجولة "لن تغير المشهد، لكنها ستعزز الانقسامات، خاصة مع استمرار التحركات العسكرية لقبرص اليونانية وتحالفاتها مع إسرائيل وفرنسا والولايات المتحدة، التي تعتبرها أنقرة محاولات لتقليص نفوذها".
ويضيف أن استبعاد تركيا وجمهورية شمال قبرص التركية من ترتيبات الطاقة الإقليمية يعمق التوتر، مما قد يدفع أنقرة إلى خطوات أكثر حدة، سواء عبر اتفاقيات بحرية جديدة أو تحركات في البحر المتوسط.