مياه هائجة تواجه السعودية: الصراع الإقليمي وأمن البحر الأحمر
تاريخ النشر: 12th, December 2023 GMT
مياه هائجة تواجه السعودية: الصراع الإقليمي وأمن البحر الأحمر
بجانب حرب السودان، هجمات الحوثيون وحركة حماس الجوية ضد إسرائيل تهدد بتقويض الأهداف الجيوستراتيجية للسعودية في البحر الأحمر.
في ضوء أسباب اقتصادية وأمنية، ليس السؤال: هل سيحدث التطبيع السعودي-الإسرائيلي، بل متى سيحدث، في ظل خطط مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا.
تربط "رؤية 2030" بين عوامل مختلفة، وتحتاج الاستقرار الإقليمي والأمن البحري، وتحالفات واسعة لتحقيق أهداف اقتصادية تواجه تحديات طالما أن البحر الأحمر لا يزال نقطة تفجّر عسكرية.
* * *
في الأعوام الأخيرة، أصبح أمن البحر الأحمر ركيزة أساسية من ركائز السياسات الداخلية والخارجية للمملكة العربية السعودية. فقد عمدت المملكة، مدفوعةً بطموحاتها الجيوستراتيجية وخططها الهادفة إلى تنويع اقتصادها النفطي، إلى تعزيز علاقاتها الأمنية في المنطقة من خلال بناء تحالفات مع إسرائيل والبلدان الأفريقية الساحلية، ونزع فتيل التصعيد في النزاعات مع إيران والحوثيين المدعومين منها في اليمن.
وقد بُذلت جهود لتحديث القوات البحرية الملكية السعودية، ولا سيما الأسطول الغربي الذي ينتشر في البحر الأحمر، ولتوطيد التعاون البحري مع مصر. وكانت الرياض في واجهة المبادرات المتعددة الأطراف مثل مجلس الدول المطلّة على البحر الأحمر بقيادة السعودية، وفرق العمل التي تقودها الولايات المتحدة وتنتشر في البحر الأحمر لمكافحة التهريب وتدريب القوات البحرية المحلية.
يُعَد الاستقرار في منطقة البحر الأحمر أمرا بالغ الأهمية لعدد كبير من مشاريع "رؤية 2030" بما في ذلك المنطقة الحضرية الجديدة "نيوم" شمال غرب منطقة تبوك، والتي تشمل مدينة مرفئية عائمة على ساحل البحر الأحمر ووجهات جُزرية فخمة، بالإضافة إلى المشروع الإنمائي السياحي المسمى "البحر الأحمر الدولية".
وتكتسي محطة ينبع أهمية بالغة للاقتصاد النفطي التقليدي في السعودية بوصفها بديلًا عن مضيق هرمز: في عام 2018، زادت المملكة قدرتها التصديرية بمقدار 3 ملايين برميل في اليوم انطلاقًا من ساحلها الغربي.
وسط هذه الخلفية، أحدثت الحرب الإسرائيلية في غزة والحرب الدائرة في السودان تحوّلًا في التوازن الأمني في البحر الأحمر، ما طرح تحدّيات جديدة أمام السعودية. منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، شنّت الميليشيات الحوثية العديد من الهجمات الجوية ضد إسرائيل، وبدرجة أقل، ضد أهداف أميركية في المنطقة.
واستهدف الحوثيون أيضًا، من خلال سيطرتهم على الحُديدة، وهو الميناء اليمني الرئيس على البحر الأحمر، سفنًا على صلة بإسرائيل في جنوب البحر الأحمر.
في مطلع عام 2023، باشرت السعودية محادثات مباشرة مع الحوثيين للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في اليمن. ولكن الحرب في غزة أحيت من جديد الطموحات العسكرية للحوثيين، فازدادت وتيرة القتال في وسط اليمن وعلى طول الحدود مع المملكة، ومثالٌ على ذلك ما حدث في منطقة جازان السعودية.
قد تشكّل الهجمات الحوثية تهديدًا لجزيرتَي تيران وصنافير الصغيرتين اللتين تقعان عند مدخل خليج العقبة وتتبعان حاليًا للأراضي السعودية. في عام 2016، تنازلت مصر عن الجزيرتَين للرياض في خطوة تطلبت الحصول على موافقة إسرائيل في عام 2022 لأن الجزيرتَين كانتا جزءًا من اتفاقية كامب ديفيد التي أُبرِمت بين القاهرة وتل أبيب في عام 1979.
وقد سعت السعودية إلى السيطرة على جزيرتَي تيران وصنافير لتعزيز نفوذها العسكري، لا سيما في خليج العقبة الذي يُعَدّ بمثابة بوّابة تجارية للأردن وإسرائيل، فضلًا عن إمكانية تطوير المرافق المرفئية والعسكرية. ولكن نظرًا إلى قرب الجزيرتَين السعوديتين من مدينة إيلات المرفئية الإسرائيلية التي تتعرض تكرارًا للاستهداف من الحوثيين وحركة حماس، قد تصبح الجزيرتان عالقتَين في خضم النزاع.
كذلك شكّلت الحرب في السودان تهديدًا للأهداف الأمنية السعودية في البحر الأحمر. منذ اندلاع القتال في عام 2023، خاضت الرياض جهود وساطة بالاشتراك مع الولايات المتحدة.
ولكن في أيلول/سبتمبر، شهد ميناء بورتسودان أعمال عنف غير مسبوقة في حرب شوارع بين الجيش السوداني المدعوم من السعودية وإحدى الميليشيات القبلية المحلية. وعلى الرغم من أن الحركة في الميناء لم تتعطل حتى الآن، من الممكن أن يؤدّي ذلك إلى تأجيج الصراعات للسيطرة على هذا الطريق التجاري الحيوي.
قد ترحّب الرياض بإنهاء الأعمال العدائية في غزة والسودان، ولكن التطبيع السعودي-الإسرائيلي يظلّ القطعة المفقودة في الفسيفساء الاستراتيجية للمملكة في البحر الأحمر. فالتطبيع المعلّق في الوقت الراهن لن يؤدّي إلى تيسير التعاون الدفاعي الإسرائيلي-السعودي فحسب، بل أيضًا إلى تحسين القدرات الدفاعية للرياض من خلال التكامل مع الولايات المتحدة.
في ضوء مزيج من الأسباب الاقتصادية والأمنية، ليس السؤال المطروح هل سيحدث التطبيع السعودي-الإسرائيلي، بل متى سيحدث، والدليل على ذلك الخطط المتعلقة بمشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، والتي وقّعت عليها الرياض وتل أبيب في أيلول/سبتمبر 2023.
تستند "رؤية 2030" إلى الترابط بين العوامل المختلفة، فالرياض تحتاج إلى الاستقرار الإقليمي، والأمن البحري، ومجموعة واسعة من التحالفات لتحقيق أهدافها الاقتصادية، وكلّها تواجه تحديات طالما أن البحر الأحمر لا يزال نقطة تفجّر عسكرية.
*إليونورا أرديماني باحثة بالمعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، ومُدرسة مساعدة بجامعة ميلانو الكاثوليكية.
السعودية إسرائيل اليمن الحوثيون رؤية 2030 حرب السودان الأهداف الجيوستراتيجية البحر الأحمر الممر الاقتصادي التطبيع السعودي-الإسرائيلي الاستقرار الإقليمي الأمن البحري
المصدر | مؤسسة كارنيغيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: التطبیع السعودی الإسرائیلی فی البحر الأحمر رؤیة 2030 فی عام
إقرأ أيضاً:
«المركب الشراعي» رحلة عبر الزمن
أبوظبي (الاتحاد)
أخبار ذات صلةيأخذنا كتاب «حياة المركب الشراعي في البحر الأحمر: تاريخ ثقافي للاستكشاف المحمول بحراً في العالم الإسلامي» في رحلة عبر الزمن، مستعرضاً الدور الحيوي الذي لعبته المراكب الشراعية في تشكيل هوية المجتمعات الساحلية على ضفاف البحر الأحمر. يتناول المؤلف والباحث ديونيسيوس آجيوس، المتخصص في الدراسات الإثنوغرافية واللغوية، هذا الموضوع من منظور ثقافي شامل، حيث يسجل بصوت سكان البحر الأحمر أنفسهم تاريخاً شفهياً غنياً، مدعوماً بالمصادر التاريخية والمقابلات الميدانية.
ترجم الكتاب د. أحمد إيبش، الباحث والمؤرخ المتخصّص في التاريخ الإسلامي والتاريخ الحديث، وصدر الكتاب عن مشروع «كلمة»، التابع لمركز أبوظبي للغة العربية، ويتميز الكتاب بأسلوبه التحليلي الذي لا يقتصر على البعد التاريخي للمراكب الشراعية، بل يدمج بين الجغرافيا، والثقافة، والتجارة، والمعتقدات التقليدية، ليرسم صورة متكاملة عن هذا العالم البحري. كما أنه يُعدُّ أول دراسة من نوعها تُسلِّط الضوء على المركب الشراعي كوسيلة للتبادل الثقافي، وليس مجرد أداة للنقل أو التجارة.
رحلة بحرية
يركز المؤلف في كتابه على أن البحر الأحمر لم يكن مجرد ممر مائي، بل كان مسرحاً لحركة دائمة من التجار، والصيادين، والحجاج، والبحارة الذين لعبوا دوراً أساسياً في بناء الهوية الثقافية للمنطقة. ومن خلال 18 فصلاً، يستعرض الكتاب تطور المراكب الشراعية، وأشكالها المختلفة، وأساليب بنائها، إضافة إلى الطقوس والعادات المرتبطة بالملاحة البحرية.
يبدأ الكتاب باستعراض الذكريات الثقافية للمراكب الشراعية، حيث يجمع شهادات حيَّة من سكان السواحل حول دور البحر في حياتهم اليومية. ويوضح المؤلف أن المراكب الشراعية لم تكن وسيلةَ نقلٍ فحسب، بل كانت جزءاً من نسيج الحياة الاجتماعية والاقتصادية، حيث شكَّلت وسيلة لنقل البضائع، وتيسير رحلات الحج، وممارسة الصيد واللؤلؤ.
في هذا الإطار، يخصِّص الكاتب فصولاً لدراسة السياق الجغرافي والمناخي للبحر الأحمر، ويقدم وصفاً دقيقاً لطبيعته البحرية، والتيارات، والرياح الموسمية التي حدَّدَت مواسم الإبحار عبر العصور، كما يتطرق إلى العلاقة بين البحر والتجارة، خاصة خلال الفترة العثمانية والاستعمارية، حين أصبحت موانئ مثل جدة، وعدن، والمخا مراكز رئيسة لتجارة البن والسلع الشرقية.
أنواع المراكب
من الفصول المهمة في الكتاب، ذلك الذي يتناول أنواع المراكب الشراعية في البحر الأحمر، مثل السَّنبوك، والزاروك، والفلوكة، والدَّاو، حيث يسجل المؤلف أوصافها، وتصاميمها، والتغيرات التي طرأت عليها عبر الزمن، ليُظهر الكتاب كيف أن بناء السفن كان يعتمد على الخبرة المتوارثة دون الحاجة إلى مخططات مكتوبة، مما جعل لكل مجتمع ساحلي بصمته الخاصة في صناعة السفن. كما يتناول الكتاب حياة البحارة على متن هذه المراكب، وأغاني البحر التي كانت تُنشَد أثناء الإبحار، مما يعكس التقاليد البحرية العريقة التي كادت تندثر.
تحولات وتحديات
لا يغفل الكتاب التحولات التي طرأت على البحر الأحمر مع دخول السفن البخارية، وافتتاح قناة السويس عام 1869، حيث أدَّى ذلك إلى تراجع دور المراكب الشراعية لصالح النقل البحري الحديث، كما يتطرق إلى التحديات التي تواجه المجتمعات البحرية اليوم، مثل التغيرات البيئية، واندثار الحرف التقليدية، وتأثير العولمة على هوية البحر الأحمر.
وثيقة تاريخية
يُعد هذا الكتاب وثيقة ثقافية وتاريخية فريدة، حيث يجمع بين البحث الأكاديمي والعمل الميداني، ليقدم رؤية شاملة حول الدور الذي لعبته المراكب الشراعية في تاريخ البحر الأحمر، فمن خلال هذا السرد العميق، يدعونا ديونيسيوس آجيوس إلى إعادة اكتشاف تراث بحري مهدد بالاندثار، والتأمل في العلاقة بين الإنسان والبحر كقوة دافعة للتاريخ والتفاعل الثقافي.
«حياة المركب الشراعي في البحر الأحمر» ليس مجرد كتاب تاريخي، بل هو شهادة حيَّة على تراث بحري غني، ونافذة تطلُّ على عالم كان فيه البحر أكثر من مجرد طريق، بل حياة بحدِّ ذاتها.