الاستثمار ضرورة لمواجهة تداعيات التغير المناخي
تاريخ النشر: 12th, December 2023 GMT
حسام عبدالنبي (أبوظبي)
دعت إيدا كاسا جوهانسن، رئيسة الاستثمارات للممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة، في «ساكسو بنك»، أفراد المجتمع والمهتمين بالبيئة إلى اتخاذ موقف إيجابي والمساهمة في حل قضية التغير المناخي والتي تعد واحدة من أكثر القضايا تحدياً التي يواجهها العالم، وذلك عبر البدء في الاستثمار في الشركات أو الصناديق التي تقوم بتطوير وتوسيع نطاق الحلول لمعالجة تغير المناخ، مؤكدة أنه من خلال اتخاذ هذا الخيار، لايقتصر الأمر على دراسة المخاطر والفرص المرتبطة بتغير المناخ فحسب، بل يصبح الاستثمار جزءاً من الحل.
وأوضحت جوهانسن، في تصريحات لـ «الاتحاد»، أنه يمكن للمستثمرين المشاركة في مواجهه تغير المناخ وتحقيق الاستفادة في الوقت ذاته من خلال الاستثمار في الشركات أو القطاعات التي تتخذ إجراءات إيجابية وتوفر حلولاً للتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه. وحددت تلك القطاعات في الطاقة النظيفة أو الطاقة المتجددة (الرياح والطاقة الشمسية والوقود الحيوي) أو النقل منخفض الكربون (المركبات الكهربائية) أو الزراعة المستدامة أو أنظمة التبريد النظيفة.
وأضافت، أن هناك العديد من المنتجات الاستثمارية المتاحة، بما في ذلك الأسهم الفردية والصناديق المشتركة وصناديق الاستثمار المتداولة المتوافقة مع معايير المناخ مثل اتفاقية باريس أو معايير التحول المناخي. وأشارت إلى أنه يمكن للمستثمرين الحصول على قائمة بالأموال والأسهم الفردية التي تركز على معالجة مشكلة تغير المناخ بعدة طرق، داعية المستثمرين إلى مراجعة المعلومات المتاحة حول المنتج على المنصة الخاصة بالاستثمار قبل القيام بأي استثمارات، والنظر في الأهداف الاستثمارية، وتحمل المخاطر والأفق الزمني.
وقالت: إن إجراءات مواجهة التغير المناخي والتكيف معه تتطلب تكاليف عالية وتمويلاً مستداماً، ووفقاً لتقديرات «ماكينزي»، تبلغ التكلفة السنوية للوصول إلى صافي الصفر 9.2 تريليون دولار، ينفق العالم منها بالفعل حوالي 6 تريليونات دولار لخفض تأثير الوقود الأحفوري واستخدام البدائل، منبهه أن هناك حاجة إلى 3.2 تريليون دولار إضافية (نحو 3% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي) من القطاعين العام والخاص.
وعن الأسباب الرئيسة لظاهرة التغير المناخي، أفادت جوهانسن، بأن حرق الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز) يعد المساهم الرئيسي في تغير المناخ ويمثل أكثر من 75% من انبعاثات غازات الدفيئة في العالم.
وتابعت:«كما تأتي انبعاثات غازات الدفيئة في المقام الأول من 6 من الأنشطة وهي، توليد الكهرباء وأنظمة التدفئة المستخدمة في المباني الصناعية والتجارية والسكنية، التصنيع، النقل (النقل البري، والجوي، والبحري) بجانب المنتجات الغذائية، الإفراط في السلوكيات الاستهلاكية، وأخيراً إزالة الثروة الحراجيَّة، لافتة إلى أنه وفقاً للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، يمكن أن يكون لارتفاع درجات الحرارة عواقب وخيمة على البيئة.
وأشارت إلى أن مؤتمر الأطراف هو مؤتمر أنشأته الأمم المتحدة للتعامل مع ظاهرة التغير المناخي وتجنب الممارسات الخطيرة التي تؤثر على النظام المناخي، وهو يُعقد كل عام وتقوم حكومات الدول المشاركة بتقييم التقدم المحرز ووضع أهداف جديدة للحد من الانبعاثات. وذكرت أن الدورة الأولى لمؤتمر الأطراف عُقدت في عام 1995 في برلين، أما الدورة الثامنة والعشرون لمؤتمر الأطراف، فتقام حالياً في دولة الإمارات خلال الفترة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر 2023، منبهة بأن جميع مؤتمرات الأطراف لا تحظى بنفس القدر من الأهمية، فبعضها أكثر أهمية من غيره، ويعتبر بروتوكول كيوتو في عام 2005 واتفاق باريس في عام 2015 من أبرز هذه المؤتمرات، مع توقعات بأن يحقق مؤتمر الأطراف في دولة الإمارات نفس القدر من النجاح والأهمية.
وأفادت جوهانسن، بأن هناك عدداً من الأولويات للدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف (كوب 28) وأولها تقييم الإجراءات التي تم اتخاذها لمواجهة التغير المناخي، حيث تتمحور المناقشات حول الحالة الراهنة للكوكب، وتقييم التقدم الذي تم إحرازه وجوانب الفشل، وذلك بهدف تجديد الالتزام وتحفيز البلدان للانتقال من مرحلة التخطيط ووضع الاستراتيجيات إلى مرحلة العمل والتنفيذ.
وقالت: إن الأولوية الثانية تتمثل في تسريع التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة كخطوة ضرورية لتحقيق أهداف خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ويمكن أن تسهم الابتكارات والتقنيات الحديثة مثل وقود الهيدروجين والطاقة الشمسية وطاقة الرياح وتقنية احتجاز الكربون في التقليل من الانبعاثات، فضلاً عن مناقشة مسألة الطاقة النووية ودورها المحتمل في عملية التحول. وأضافت أن «كوب 28» سيناقش أيضاً أولوية التحول العادل، فنظراً لاختلاف مستويات النمو الاقتصادي والتنمية في كل منطقة من مناطق العالم، ينبغي وضع نهج عادل يركز على السكان من أصحاب الدخل المنخفض، والقدرة على تحمل تكاليف الطاقة، وتوفير فرص العمل، وإعادة تأهيل الأشخاص المتضررين من التحول نحو الطاقة المتجددة، وتالياً لكي يكون الانتقال مستداماً وشاملاً، يجب أن تكون هناك مسارات متعددة، وليس مساراً واحداً فقط.
أهم الأولويات
قالت إيدا كاسا جوهانسن إن تأثير التغير المناخي على صحة البشر، يعد من أهم الأولويات التي سيناقشها العالم خلال «كوب 28»، حيث يمكن أن يكون للتغيرات المناخية تداعيات خطيرة على صحة الإنسان من خلال جودة الهواء والتلوث وموجات الحر والأمراض المرتبطة بالحرارة وحتى الوفيات، كما تسهم الكوارث الطبيعية والنزوح الناجم عنها في الإجهاد النفسي والأمراض العقلية الأخرى، مختتمة بالتحذير من أن ندرة المياه وما ينتج عنها من اضطراب في النظم الزراعية يمكن أن تؤثر على المحاصيل الزراعية وتؤدي إلى سوء التغذية.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الاستثمار التغير المناخي الإمارات ساكسو بنك التغیر المناخی تغیر المناخ یمکن أن
إقرأ أيضاً:
جنوب السودان: مملكة كير.. مملكة الشركات المترامية الأطراف للعائلة الأولى في جنوب السودان
بصفته الرئيس الوحيد لجنوب السودان منذ الاستقلال، حكم سلفا كير لفترة طويلة واحدة من أكثر دول العالم فسادًا، إذ يُعدّ الفساد السبب الجذري للصراع الدائر ونقص التنمية الذي تعاني منه البلاد. وبينما يندد كير علنًا بالفساد، كوّنت عائلته شبكة واسعة من الشركات في بعض أكثر القطاعات ربحية في اقتصاد جنوب السودان. ولتوفير مزيد من الشفافية حول ممتلكات كير وعائلته من الشركات، رصدت صحيفة “ذا سينتري” 126 شركة مملوكة لعائلة كير، استنادًا إلى وثائق رسمية من وزارة العدل في جنوب السودان. تكشف الرؤى المتعمقة في هذه الشبكة عن مؤشرات رئيسية على فساد محتمل، مما يبرر تشديد الرقابة من قبل شعب جنوب السودان والمؤسسات المالية والحكومات الأجنبية.
حددت صحيفة “ذا سينتري” سبعة من أبناء الرئيس سلفا كير كمساهمين في شركات جنوب سودانية، إلى جانب زوجته ماري آين ميارديت، وأبناء وبنات إخوته وأخواته. كما يمتلك اثنان من أحفاد كير شركات، بعضها ورثوها عن والديهم.
يُعد صهر كير، غريغوري فاسيلي ديمتري يالوريس، وهو جنرال في الجيش وحاكم سابق لولاية قوقريال، والذي فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات عام 2018، مساهمًا في 39 شركة. حددت صحيفة “ذا سينتري” أفرادًا من عائلة فاسيلي، بمن فيهم ثمانية من أبنائه – أبناء وبنات إخوة كير – كمساهمين في شركات جنوب سودانية.
يُستخدم الأطفال، وخاصة القاصرين، كوكلاء للنخبة السياسية استراتيجيةً لتجنب التدقيق، بل وحتى التهرب من العقوبات. في كثير من الأحيان، كان أطفال وأحفاد كير وفاسيلي قاصرين أو في أوائل العشرينات من عمرهم عندما أصبحوا مساهمين.
القوانين وحدها لا تكفي:
يحظر دستور جنوب السودان على كبار المسؤولين وغيرهم من شاغلي المناصب الدستورية الانخراط في الأعمال التجارية أو تلقي أجر من أي مصدر غير الحكومة الوطنية. تنص المادة 120 المتعلقة بالإعلان عن الثروة وحظر الأعمال التجارية الخاصة على ما يلي:
يجب على جميع شاغلي المناصب الدستورية التنفيذية والتشريعية، والقضاة، وكبار مسؤولي الخدمة المدنية على جميع مستويات الحكومة، عند توليهم مناصبهم، تقديم إقرارات سرية عن أصولهم والتزاماتهم، بما في ذلك أصول والتزامات أزواجهم وأطفالهم، وفقًا للقانون.
يُحظر على الرئيس، ونائب الرئيس، ومستشاري الرئاسة، والوزراء، ونواب وزراء الحكومة الوطنية، والحكام، ومستشاري الولايات، ووزراء الولايات، وغيرهم من شاغلي المناصب الدستورية، طوال فترة توليهم مناصبهم، ممارسة أي مهنة خاصة، أو ممارسة أعمال تجارية، أو تلقي أجر أو قبول وظيفة من أي نوع من أي مصدر غير الحكومة الوطنية أو حكومة ولاية.
ومع ذلك، غالبًا ما يتم التحايل على هذا الحكم الدستوري من خلال إدراج أفراد عائلات المسؤولين كمساهمين في الشركات. لا يظهر اسم كير نفسه في أيٍّ من وثائق الشركات التي حددتها صحيفة “ذا سنتري”، مما يسمح له بالامتثال لنص المادة 120(2)؛ إلا أن كير، باستخدام أفراد عائلته، يتجاهل روح القانون. ورغم أن هذا البند يشترط أيضًا على شاغلي المناصب هؤلاء الإقرار بأصولهم والتزاماتهم، بما في ذلك أصول أزواجهم وأطفالهم، فإن هذه الإقرارات – عند حدوثها بالفعل – غالبًا ما تظل سرية ولا تخضع للتدقيق العام. إن أساليب التحايل وحدود الإفصاح عن الأصول العامة تعني أن هناك قلة من المعلومات العامة عن ممتلكات كبار المسؤولين في جنوب السودان، وأن التعتيم قد يوفر غطاءً للفساد. وبالنظر إلى أعلى مسؤول في البلاد فقط، فإن حجم ونطاق شبكة الشركات التابعة لعائلة الرئيس سلفا كير يكشفان عن أهمية الشفافية.
وبناءً على 126 شركة حددتها صحيفة “ذا سنتري”، تمتد شبكة الشركات التابعة لعائلة كير إلى العديد من الصناعات المحورية في اقتصاد جنوب السودان، بما في ذلك التعدين والبترول والخدمات المصرفية والتجارة والطيران والأمن الخاص والخدمات اللوجستية. تشمل هذه الشركات مشاريع مشتركة مع مستثمرين من 25 دولة مختلفة على الأقل، بمن فيهم رجال أعمال وسياسيون بارزون من جميع أنحاء المنطقة، بالإضافة إلى أفراد من الجيش وجهاز الأمن الوطني، وكلاهما متورط في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. من بين 126 شركة، ناقشت صحيفة “ذا سينتري” 42 شركة بالفعل في تقارير سابقة.
اطلعت صحيفة “ذا سينتري” على وثائق تشير إلى أن تسعة على الأقل من أبناء كير وأحفاده، بالإضافة إلى زوجته السيدة الأولى ماري آين ميارديت، قد امتلكوا حصصًا في مجموعة واسعة من المشاريع التجارية عبر 126 شركة. كما امتلك صهر كير، الجنرال غريغوري فاسيلي، وزوجته وأطفاله حصصًا في العديد من الشركات العاملة في جنوب السودان. وفي المجموع، كان 23 من أفراد عائلة كير مساهمين في هذه الشركات.
نظرًا لحجم ونطاق هذه الشبكة، فإن الشفافية أمر بالغ الأهمية لتحديد ما إذا كانت هذه الشركات تُستخدم لأغراض غير مشروعة، لا سيما بالنظر إلى سجل جنوب السودان الحافل بالفساد.
المخاطر المتعلقة بالفساد
صُنفت جنوب السودان، أحدث دولة في العالم، باستمرار ضمن أكثر الدول فسادًا. وقد أفادت صحيفة “ذا سينتري” باختفاء مليارات الدولارات من برامج حكومة جنوب السودان، وكيف أن الحكومة، بدورها، لم تبذل جهدًا يُذكر لتحسين حياة شعبها منذ استقلالها عام 2011. وطوال هذه الفترة، ظل كير رئيسًا للدولة. وبصفته رئيسًا، يتمتع كير بسلطة على أصول الدولة وأموالها وعقودها. علاوة على ذلك، لا توجد رقابة تُذكر على السلطة التنفيذية ولا ضوابط تُذكر على سلطتها.
يُؤهله دور كير ليكون شخصًا مكشوفًا سياسيًا، أي أنه يشغل منصبًا عامًا يُمكن إساءة استخدامه – سواءً من قِبله أو من قِبل أفراد عائلته – لتحقيق مكاسب شخصية. تشمل الشركات التابعة لعائلة كير قطاعات عالية المخاطر ومربحة، بما في ذلك المصارف والبناء والتعدين والنفط، وهي قطاعات قد تتأثر بإجراءات الحكومة وقرارات الشراء. بالإضافة إلى ذلك، جميع هذه الشركات مسجلة في جنوب السودان، وهي منطقة عالية المخاطر مدرجة حاليًا في “القائمة الرمادية” لفرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية، وهي مناطق تخضع لمراقبة متزايدة بسبب أوجه القصور في أنظمة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. هذه المؤشرات تحمل الكثير من الدلائل، لا سيما وأن الشركات المرتبطة بعائلة كير قد وردت مرارًا وتكرارًا في قوائم الشركات المتورطة في فضائح شراء أدت إلى خسارة مليارات الدولارات من الأموال العامة التي كان ينبغي استخدامها لتلبية الاحتياجات الأساسية لشعب جنوب السودان.
السياق الحالي
مع اقتراب موعد الانتخابات المقررة في ديسمبر 2026، من الضروري توخي الحذر. يتمتع حزب كير الحاكم، الحركة الشعبية لتحرير السودان، بميزة سياسية ساحقة بصفته الحاكم الحالي، حيث يمارس القمع السياسي للحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات، ويمارس الاعتقالات والاحتجازات التعسفية، والإعدامات خارج نطاق القضاء. كما تتمتع الحركة الشعبية لتحرير السودان بإمكانية الوصول إلى موارد اقتصادية كبيرة من خلال شركات مملوكة لعائلة كير، مما يثير المخاوف بشأن إمكانية تأثير الحركة الشعبية لتحرير السودان وكير نفسه بشكل غير عادل على الانتخابات باستخدام كل من موقعهما السياسي وقوتهما الاقتصادية.
يُعد الفساد المستشري في جنوب السودان بمثابة قنبلة موقوتة، إذ يغذي عدم الاستقرار ويحرم البلاد من الموارد اللازمة لرعاية سكان جنوب السودان. ولم تُنفذ الإصلاحات اللازمة لمعالجة الفساد، مما يجعل البلاد عرضة لتجدد الصراع. وبدون مؤسسات قوية لمحاسبة القادة، سيستمر الوضع في التدهور.
المحقق – صحيفة “ذا سنتري”
إنضم لقناة النيلين على واتساب