أبوظبي – الوطن:

ضمن أنشطته ومساهماته في مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ “كوب28″، دشن مركز تريندز للبحوث والاستشارات رسمياً كتابه الجديد «تغير المناخ والتحديات العابرة للحدود في الشرق الأوسط وأفريقيا”، ونظم حلقة نقاشية حول فصوله شارك فيها نخبة من الخبراء والباحثين ومعدي الكتاب.

وأكد الدكتور محمد عبدالله العلي، الرئيس التنفيذي لمركز تريندز في كلمة دشن بها الكتاب، أن مؤتمر COP28 يمثل لحظة تاريخية لمستقبل كوكب الأرض، ويشكل فرصة مهمة لتحقيق تقدم حقيقي وعملي في جهود معالجة أزمة المناخ، وعلينا استغلال هذه الفرصة.

وأوضح أنه تماشياً مع الأجندة العالمية الهادفة إلى بناء مستقبل مستدام، يفخر مركز تريندز للبحوث والاستشارات بتقديم كتابه الجديد المُحرر في إطار برنامج بحوث البيئة والتنمية المستدامة، مشيراًإلى أنه يتكون من ثلاثة عشر فصلاً كتبها خبراء معروفون في مجال التغير المناخي وإدارة الموارد وتحول الطاقة، لتسليط الضوء على أبرز التحديات العالمية المُلحة حالياً.

وذكر أن هذا العمل البحثي المتعمق طرح وجهات نظر متعددة حول الأبعاد السياسية والاقتصادية والجيوسياسية والإنسانية للتخفيف من آثار التغير المناخي والتكيف معه في الشرق الأوسط وأفريقيا، وهي المنطقة الأكثر عرضة للآثار السلبية للتغير المناخي. كما أنه انطلاقاً من إدراك الترابط بين المناخ والأمن والبشر، يمزج الكتاب بين العلوم الطبيعية والاجتماعية والاقتصادية لتقديم تفسير شامل للتحديات التي يتعين علينا التصدي لها بشكل جماعي.

 

التحديات عابرة والمطلوب عمل جماعي

عقب ذلك بدأت أعمال الحلقة النقاشية حول الكتاب، حيث رحب الأستاذ ناصر آل علي، عريف الحلقة، بالمشاركين والحضور، مؤكداً أهمية الكتاب وشموليته. وقد تناولت الجلسةالأولى الجوانب المجتمعية لتغير المناخ وديناميكيات الصراع، وأدارها الباحث عبدالرحمن الجنيبي،الذي أشار إلى أن الحلقة تسعى لمناقشة وجهات نظر وأفكار نأمل أن تساهم في تحقيق مزيد من الاستدامة والتناغم في الشرق الأوسط وأفريقيا.

واستهل الحديث فرانسيس توماس أوبي – الخبير الاقتصادي بغامبيا، مؤكداً أن التحديات العابرة للحدود التي تواجهها أفريقيا ليست منعزلة عن بعضها، بل هي مترابطة، نتيجة لأسباب تاريخية مشتركة، حيث تتأثر القارة بالتغير المناخي أكثر من غيرها.

وأوضح أن مسؤولية القارة الأفريقية عن الانبعاثات والتغير المناخي أقل من جميع القارات الأخرى، ولكنها بالرغم من ذلك تتأثر بالتغير المناخي أكثر من غيرها.

وقال إن أفريقيا غنية بالكثير من المعادن الثمينة، ولكن المنفعة من تجارة هذه الموارد لا تعم على الجميع، ولا تستفيد منها الغالبية الضعيفة تحديداً.

بدوره ذكر سلطان ماجد العلي مدير إدارة البارومتر العالمي في “تريندز” أن الكتاب يكتسب أهمية كبيرة، حيث يتناول قضية تغير المناخ في الشرق الأوسط وأفريقيا.

وقال إن الكتاب يحمل دعوة للعمل لمواجهة التغير المناخي في منطقتي الشرق الأوسط وأفريقيا، خاصة أن مؤلفيه نجحوا في إلقاء الضوء على التحدي البيئي الذي تواجهه هاتان المنطقتان، مشيراًإلى أنه سلط الضوء على العلاقة المعقدة بين تغير المناخ والتحديات التي تتجاوز الحدود الجغرافية في الشرق الأوسط وأفريقيا، ما أبرز كذلك التأثير الجغرافي الاقتصادي لتغير المناخ واستراتيجيات التمويل.

وذكر سلطان العلي أن الطلب على الموارد الطبيعية زايد زيادة كبيرة بمرور الوقت. كماأدى ارتفاع معدلات استخدام المياه إلى تراجع مستوياتها، ما أدى إلى مواجهات وصراعات كبيرة بين الدول.

وقال إنه لا يوجد تكافؤ في توزيع موارد المياه في أفريقيا على الصعيدين الجغرافي والموسمي.

من جانبه قال د. محمد فريد قزي باحث أول في “تريندز”إن إدارة الباروميتر العالمي بمركز تريندز أجرت استطلاعاً للرأي حول توجهات الجمهور العربي تجاه تغير المناخ شارك فيه 2500 فرد من 5 دول، موضحاًأن نتائج الاستطلاع كشفت أن ثلاثة أرباع الجمهور العربي مهتمون بتداعيات التغير المناخي، وأن 70% لهم دراية بنتائج التغيير المناخي، ومنها شح في الأمطار وزيادة درجة الحرارة، كما بينت أن 43 % من الجمهور يقومون بعمل يقلل من آثار التغيير المناخي، و71% توقعوا أن تكون نتائج “كوب 28” إيجابية.

 

التأثير الجغرافي الاقتصادي لتغير المناخ

وتركزت الجلسة الثانية حول التأثير الجغرافي الاقتصادي لتغير المناخ واستراتيجيات التمويل، وأدارتها الباحثة رهف الخزرجي، باحث وعضو مجلس الشبابفي “تريندز”.

وقال الدكتور ماثيو جودوين الخبير بمعهد توني بلير في لندن، إن مبادرة الطاقة المتجددة في أفريقيا هي شراكة بين البلدان الأفريقية والمؤسسات الدولية ومستثمرين من القطاع الخاص تهدف إلى إنتاج 300 غيغاواط من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030.

وأوضح أن آليات تسعير الكربون ما زالت في مراحل تنفيذها الأولى في المنطقة، ويجب على كل دولة أن تختار النهج الأفضل ملاءمة لظروفها لتمكين التمويل والاستثمار بين دول المنطقة.

وطالب بضرورة تنظيم التمويل والاستثمار بالشراكة مع الحكومات ومؤسسات القطاع الخاص والمنظمات الدولية، وتسهيل تطوير الشراكات بين القطاعين العام والخاص؛ لتلبية الاحتياجات المحددة بشكل فعال.

من جانبها قالت الدكتورة جاسينتا دسيلفا مديرة البحوث، معهد سي SEE المدينة المستدامة في دبي، إنه نتيجة للتوسع الحضري السريع، والنمو السكاني، والتنمية الاقتصادية، ستزداد النفايات في العالم بنسبة 70% خلال السنوات الثلاثين المقبلة، بحيث تصل إلى 3.40 مليار طن من النفايات سنوياً.

وأضافت أن تكنولوجيا تحويل النفايات إلى طاقة يمكن أن تساهم في تنفيذ خطط التخفيف من آثار التغير المناخي في العديد من البلدان؛ لأنها جزء أساسي من الحل.

وأكدت أن تكنولوجيا تحويل النفايات إلى طاقة تلعب دوراً مزدوجاً في سياق التخفيف من آثار التغير المناخي، فهي تساعد من ناحية على تقليل كمية النفايات التي تُرمى في مقالب النفايات، ومن ناحية أخرى يمكن استخدام الطاقة الناتجة عن هذه العمليات بدلاً عن الوقود الأحفوري، مما يساعد على خفض انبعاثات غازات الدفيئة.

إلى ذلك أشار الدكتور إمري هاتيبوغلو زميل باحث في مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية إلى أن ما تتمتع به دول مجلس التعاون الخليجي من نقاط قوة مالية وتكنولوجية ومؤسسية يؤهلها لقيادة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية للوصول إلى مستقبل تنخفض فيه انبعاثات الكربون، ويزداد فيه الاعتماد على الطاقة المتجددة.

وقال إن دول مجلس التعاون الخليجي استفادت من إيرادات الوقود الأحفوري لتطوير خبرات متقدمة في مختلف القطاعات، من تكنولوجيا احتجاز الكربون، إلى إنتاج منتجات ذات قيمة مضافة، مثل اليوريا والميثانول، مبيناً أن دخول دول المجلس إلى قطاع الهيدروجين الناشئ يمكنّها من لعب دور رائد في تشكيل بيئة الطاقة العالمية. وهذه الريادة التكنولوجية تتجاوز قطاع الطاقة لتشمل مجالات متطورة، مثل التكنولوجيا المالية، وإنترنت الأشياء، وتكنولوجيا البلوك تشين، والذكاء الاصطناعي، والروبوتات.

 


المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

الشرق الأوسط في مرايا الغرب

5 نونبر، 2025

بغداد/المسلة: كتب رياض الفرطوسي

منذ ولادة الولايات المتحدة، شكلت فكرة التفوق الأبيض حجر الزاوية في تصور الهوية الوطنية والاجتماعية. لم تكن هذه الفكرة مجرد تصنيفات عابرة للبشر وفق لون البشرة أو الدين، بل كانت أداة للهيمنة الاجتماعية والسياسية، تحاول أن تضع “المسيحي النقي” في القمة وتحدد من هو “مستحق” للفرص. هذا التمييز لم يتوقف عند حدود الداخل الأميركي؛ بل امتد إلى تصور الشرق الأوسط، الذي بات منذ نشأة الدولة الأميركية أرضاً غامضة، “حيوانية” في نظر العقل الغربي، يسهل تجاهلها أو إعادة تشكيلها وفق المصالح الاقتصادية والسياسية.

الغرب، خاصة الولايات المتحدة وأوروبا، تبنى منذ البداية سياسة محو التاريخ العربي من المناهج التعليمية، متعمداً خلق فجوة معرفية تجعل الشعوب غير قادرة على فهم الشرق الأوسط إلا من خلال عدسة مغلوطة، تتجاهل إنجازاته التاريخية وحضارته العلمية. الفكرة لم تكن عشوائية؛ فقد وُلدت في عقل المستعمرين الأوروبيين، الذين لم يردوا أن يعرف الرعايا كيف تمكن العرب من بناء إمبراطوريات قوية، أو أن الثقافة الإسلامية أنتجت العلوم والفلسفة وعلم الفلك، وأن هذا التاريخ الغني يشكل تحدياً لسردية الغرب التي تصوره مركزاً للعالم والأمم الأخرى ((تابعة)) ومتكاملة في خدمة مصالحه.

وهذه النظرة المشوهة ترسخت منذ المراحل المبكرة من الولايات المتحدة. بعد الاستقلال عام 1776، كانت الدولة الوليدة مفلسة، تعيش أزمة اقتصادية حادة، ولا تستطيع تمويل جيش أو إدارة مواردها بفعالية. كانت التجارة الوسيلة الأساسية للبقاء، وكان البحر المتوسط ساحة أولى لتجارب القوة الأميركية خارج الحدود. هنا، ظهرت أولى تدخلات الولايات المتحدة في شمال إفريقيا، عندما قررت مواجهة القراصنة البربريين، مؤسِسة بذلك سابقة للحروب الأميركية خارج القارة، ولكن بأسلوب تجاري وعسكري محدود، مختلف عن النهج الأوروبي الذي كان يعتمد على الاحتلال العسكري المباشر.

وفي هذا السياق، نشأت فكرة “الشرق الأوسط العظيم في ماضيه، الضعيف في حاضرِه” في العقل الأميركي. لم يكن الهدف مجرد الغزو أو السيطرة، بل كانت هناك محاولة لإعادة كتابة تاريخ المنطقة وفق تصور محدد: حضارة عظيمة متوقفة، تحتاج إلى “إصلاح” خارجي. هذه النظرة، الممزوجة بالإعجاب والتحقير في آن واحد، ساهمت في ترسيخ صورة الشرق الأوسط في الإعلام والمناهج الغربية، فظهر العرب كأناس متخلفين، غير قادرين على إدارة إرثهم الثقافي والعلمي، بينما تُحذف إنجازاتهم الكبرى من الوعي الغربي.

ولكن الولايات المتحدة لم تكن الوحيدة التي أساءت قراءة الشرق الأوسط. أوروبا، مع ذلك، تبنت مقاربة أكثر تقليدية، مبنية على الاستعمار والهيمنة العسكرية والسياسية، مستغلة الطوائف المسيحية كذريعة للتدخل في شؤون الإمبراطورية العثمانية، دون أن تكون مهتمة فعلياً بالمجتمعات العربية نفسها. في المقابل، اعتمد الأميركيون على ما يمكن تسميته بالقوة الناعمة، من خلال التعليم والمستشفيات والدبلوماسية، لكن هذا النهج لم يكن بريئاً : بل كان جزءاً من رؤية استراتيجية طويلة المدى، تهدف إلى تشكيل الشرق الأوسط بما يخدم مصالحهم الاقتصادية والسياسية.

الاقتصاد، كان المحرك الأساسي لتورط الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. بعد اكتشاف النفط في بنسلفانيا عام 1861، أدركت أميركا تدريجياً أهمية الطاقة كمورد استراتيجي. بالمقابل، كانت بريطانيا أسرع وعياً ، متجهة إلى العراق ( اكتشاف النفط في كركوك عام ١٩٢٧). وإيران ( بلاد فارس اكتشاف النفط عام ١٩٠٨)، لتأمين مصادر النفط، في حين بقيت الولايات المتحدة متأخرة نسبياً بسبب وفرة النفط المحلي. مع ذلك، وبحلول عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، بدأت الشركات الأميركية بالتنقيب عن النفط في السعودية، مدفوعة بحاجة البلاد المتزايدة للطاقة وصعود دور النفط في الاقتصاد العالمي.

الحروب الكبرى ساهمت بشكل مباشر في إعادة تشكيل الاقتصاد الأميركي ودوره في العالم. الحرب العالمية الأولى أظهرت هشاشة الاقتصاد الأوروبي، لكنها لم تمنح الولايات المتحدة سوى فرصة لتعزيز تجارتها، بينما كانت الحرب العالمية الثانية استثناءً نادراً، حيث خلقت طلباً هائلًا على الإنتاج العسكري، مما أخرج البلاد من الكساد الكبير في الثلاثينيات. بعد ذلك، دخلت فكرة “التقادم المخطط” حيز التطبيق، لضمان استمرار الاستهلاك وتحفيز الاقتصاد، وهي رؤية تتناغم مع الطبيعة الرأسمالية الأميركية، القائمة على الإنتاج الفائض والتسويق المستمر.

في السياق السياسي، لعبت الولايات المتحدة دوراً محورياً في تأسيس إسرائيل، مدفوعة بمزيج من الشعور بالذنب بعد الهولوكوست والمصالح الجيوسياسية للحرب الباردة. الصهيونية لم تكن مجرد حركة وطنية لليهود، بل مشروعاً لتشكيل أغلبية يهودية اصطناعية في فلسطين، على حساب السكان العرب، ما أدى إلى طرد جماعي وتحويل فلسطين إلى كيان يقيم فصلاً عنصرياً بحكم الواقع. دعم الولايات المتحدة لإسرائيل، سواء في التصويت للأمم المتحدة أو بالتمويل العسكري والسياسي، كان جزءاً من استراتيجية احتواء الاتحاد السوفيتي وضمان حليف في قلب الشرق الأوسط.

هذه السياسات التاريخية والأيديولوجية خلقت صورة نمطية عن العرب، تمتد من التعليم إلى الإعلام، ومن السياسة إلى الثقافة الشعبية الغربية. العرب الذين اخترعوا الحضارة، وأنقذوا الفلسفة اليونانية، وابتكروا العلوم والطب والفلك، أصبحوا في الوعي الغربي “متخلفين”، يُحذف تاريخهم الذهبي من الكتب المدرسية، ويُصوّرون كأعداء أو مستهلكين للنفوذ الغربي، في لعبة سياسية تقوم على مبدأ “فرّق تسد”.

ولا يمكن تجاهل دور السينما الأميركية، التي على مدى المئة سنة الماضية لعبت دوراً حضارياً وثقافياً بالغ التأثير في تشكيل الوعي الغربي. فهوليوود لم تكتفِ بسرد القصص، بل صاغت صوراً نمطية عن الشعوب: الروس دائماً خائنون وجبناء، العرب زير نساء وقتلة وطائفة جاهلة، الصينيون ساذجون. هذا الفن، الذي يرتبط بالفلسفة والموسيقى والأدب والإبداع، أصبح أداة لصناعة الانطباعات الجماعية عن الآخرين، تماماً كما تفعل الآيديولوجيات السياسية، لكنه يصل إلى الناس بطريقة أكثر سلاسة، ويترسخ في اللاوعي الغربي. السينما إذن ليست مجرد ترفيه، بل فعل حضاري وسياسي يساهم في إعادة إنتاج الصورة المشوهة للشرق الأوسط، ويكمل ما حاولت السياسات الغربية والمناهج التعليمية تحقيقه على مدى قرون.

لكن ما لا يمكن تجاهله أيضاً، هو البعد الديني والحضاري للصراع. فالخوف من الإسلام لم يكن مجرد مسألة سياسية أو قومية، بل كان مواجهةً لروح حضارة كاملة، مترسخة في معرفة وعلم وفلسفة، لا يمكن للغرب تجاوزه بسهولة كما يمكن تجاوزه العرب كقومية. الصراع هنا لم يكن على الأرض فحسب، بل على المعنى والروح، على الصورة التي يشكلها الغرب عن الإسلام وعن المسلمين، وهو ما دفع بعض المستشرقين والمفكرين الغربيين، أحياناً بتواطؤ صامت من جماعات يهودية كما تقول الروايات التاريخية، لمحاولة ضرب هذا العمق الحضاري، وإضعاف مصداقيته أمام شعوبهم قبل شعوب العالم الإسلامي. في هذا الضوء، يصبح فهم التاريخ العربي الإسلامي أكثر من مجرد سرد أحداث؛ إنه قراءة للصراع الروحي والفكري الذي لم ينتهِ بعد، والذي يفسر كثيراً من المأساة التي نعيشها اليوم.

ولعل الحلول الممكنة لهذه الصورة المشوهة ولصراعات الشرق الأوسط، خاصة القضية الفلسطينية، تحتاج إلى مواجهة الواقع بعقلانية وموضوعية. النظام الإسرائيلي القائم على خلق أغلبية يهودية اصطناعية يفرض تقسيماً جغرافياً وسياسياً يجعل حل الدولتين شبه مستحيل، في حين تبقى الدولة الواحدة العلمانية خياراً نظرياً لكنه يحمل ضمانات للأقليات ويعيد الحقوق للفلسطينيين. لكن السياسات الأميركية والدعم المستمر لهذا النظام، تعزز الرؤية المعقدة للعالم العربي في العقل الغربي، وتزيد من تعقيد الحلول الواقعية للصراعات في المنطقة.

من هنا، يمكن القول إن ما نراه اليوم من سياسات أميركية تجاه الشرق الأوسط ليس مجرد صدفة تاريخية، بل نتاج منظومة فكرية وتجارية وسياسية تشكلت منذ ولادة الولايات المتحدة، مدفوعة بالعنصرية، بالاقتصاد، وبمخاوف من “الآخر المختلف”. هذه المنظومة اختارت تجاهل التاريخ العربي، إعادة كتابته، وصناعة تصور عن المنطقة كأرض غامضة، ضعيفة، تحتاج إلى إصلاح خارجي، وهو تصور ما زال يترسخ في الثقافة الغربية والإعلام حتى اليوم.

وبينما يختفي التاريخ الحقيقي للشرق الأوسط من المناهج الغربية، يظل السؤال مفتوحاً : كيف يمكن للعالم أن يفهم حقيقة المنطقة، إن لم يتم تصحيح الروايات التاريخية التي شكّلت وعي الغرب؟ إن قراءة التاريخ العربي والإسلامي خارج سياق التحيز الغربي، ومراجعة السياسات الأميركية تجاه المنطقة، ليست مجرد تمرين أكاديمي، بل خطوة أساسية لفهم حاضر الشرق الأوسط والتعامل مع مستقبله بطريقة أكثر عدلًا وواقعية.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

مقالات مشابهة

  • «شنايدر إليكتريك» لـ«الاتحاد»: الإمارات تتصدر إقليمياً بتحقيق الاستقلالية الكاملة لعملياتها الذكية خلال 5 سنوات
  • تحليل: التغير المناخي عزز رياح وأمطار إعصار ميليسا المدمرة
  • قادة العالم يتجمعون في بيليم لإنقاذ جهود مكافحة تغير المناخ
  • الشرق الأوسط في مرايا الغرب
  • إسرائيل ثاني أغنى دولة في الشرق الأوسط
  • «الكهموس» يبحث مع سفير كازاخستان تعزيز التعاون في مكافحة جرائم الفساد العابرة للحدود
  • كيف تحوّلت انتخابات عمدة نيويورك إلى استفتاء حول الشرق الأوسط؟
  • تقرير : التحول المناخي في أوروبا على المحك
  • “ماي جيمز” ترسّخ حضورها وتتوسّع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
  • تغير المناخ يهدد باندثار مهد الحضارات في العراق