سلطت أستاذة العلوم السياسية بجامعة بني سويف، نادية حلمي، الضوء على ما تداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة على نفوذ الصين وروسيا بمنطقة الشرق الأوسط، مشيرة إلى أن كلا الدولتين تجدان في الحرب فرصة سانحة لطرد الولايات المتحدة من الشرق الأوسط عبر استغلال، إذ أثبتت أن "الهيبة التي كانت تتمتع بها إسرائيل قد تحطمت إلى الأبد ولن تعود".

وذكرت الأكاديمية المصرية، في تحليل نشرته بموقع "مودرن دبلوماسي" وترجمه "الخليج الجديد"، أن الصين وروسيا تحاولان استغلال ضياع الهيبة الإسرائيلية لإعادة التقدم إقليميا ودوليا كطرف رئيسي في الشرق الأوسط، مشيرة إلى أن وسائل الإعلام الرسمية في كلا البلدين باتت تؤكد أن "الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد القوة العظمى الوحيدة".

وأضافت أن تحدي الصين وروسيا المفتوح لسياسات الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية بدا واضحا، في الوقت الذي تحالف فيه الغرب مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في مواجهة المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، بحجة بدعم جيش الاحتلال في القضاء على حركة حماس، ودعم ومساندة الرواية الإسرائيلية، بما لها من تداعيات عسكرية وسياسية في فلسطين والمنطقة.

وفي هذا الإطار، اتخذت الصين وروسيا مساراً مشتركاً وأكثر وضوحاً ضد مواقف دول الغرب الداعمة لإسرائيل، ما يخلق واقعاً جديداً في مواجهة سياسات الهيمنة، ويحقق تقارب روسي صيني مشترك مع دول المنطقة.

ولتحقيق المصلحة الروسية الصينية المشتركة في طرد الولايات المتحدة الأمريكية من الشرق الأوسط بأكمله، دعت كل منهما لإعادة توحيد قطاع غزة والضفة الغربية تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، وأعلنا قيادتهما لجهود المجتمع الدولي في إعادة إعمار غزة ودفع إسرائيل للموافقة على مبدأ الحل بين الدولتين.

الموقف من حماس

وهنا تشير الأكاديمية المصرية إلى أن التحدي الصيني الروسي للرؤية الأميركية والإسرائيلية وصل إلى أقصى حد، بعد رفضهما المشترك إدانة حركة حماس، واعتبارها محوراً للمقاومة الفلسطينية وليست جماعة إرهابية.

ووصل التحدي الروسي إلى مستوى مكشوف ضد الولايات المتحدة الأمريكية وتل أبيب باستضافة مسؤول لجنة العلاقات الخارجية لحماس، موسى أبو مرزوق، في موسكو بعد تنفيذ عملية "طوفان الأقصى".

وخلال العام الماضي وحده، توجه وفدان رفيعا المستوى على الأقل من حماس إلى موسكو لإجراء محادثات مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.

اقرأ أيضاً

رسميا.. الرئيسان الروسي والصيني يشاركان بقمة بريكس الاستثنائية حول غزة

وفي السياق، جاء التحدي الروسي الصيني المشترك للموقف الأمريكي والإسرائيلي الرافض بشكل قاطع لوجود حركة حماس في المشهد السياسي لقطاع غزة، من خلال تأكيدهما على أنه لا يمكن الحديث عن مستقبل قطاع غزة في غياب لحماس، لقناعتهما بأن الحركة أصبحت قوة سياسية وعسكرية تسيطر على مجريات الأحداث داخل قطاع غزة وفلسطين، وهو ما ترفضه واشنطن وتل أبيب شكلا ومضمونا.

كما رفضت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، إدانة الهجوم الذي نفذته المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل، مؤكدة أن "الصين تدعم دائمًا قواعد الإنصاف والعدالة"، وكررت دعوتها لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، الأمر الذي أثار غضب السفارة الإسرائيلية في بكين والسياسيين الأمريكيين.

وحرصت الصين على عدم انتقاد حماس بشكل صريح وعلني، وهو ما بدا واضحا في تصريحات عدد من المسؤولين الصينيين، الأمر الذي أثار اعتراضا إسرائيليا.

كما واصلت موسكو تحديها العلني للسياسات الأمريكية والإسرائيلية فيما يتعلق بقطاع غزة، من خلال استضافة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لنظيره الإيراني، إبراهيم رئيسي، يوم 30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في موسكو، وتصريحات الأخير التي تنتقد "النظام العالمي الظالم"، وإدانته الصريحة من قلب موسكو الحرب الإسرائيلية على غزة، معتبرة إياها "جريمة ضد الإنسانية".

ووصف رئيسي روسيا والصين بأنهما دولتان صديقتان، وأكد أن لقاءه بوتين سيخلق ظروفا جديدة مواتية للتعاون بين الطرفين في مواجهة "سياسات البلطجة وفرض القوة الغاشمة الأمريكية".

الموقف من إسرائيل

  ومن هذا المنطلق، ترى الأكاديمية المصرية أن عملية "طوفان الأقصى"، التي قادتها حركة حماس ضد إسرائيل، صبت في مصلحة الصين وروسيا لإثبات قدرتهما على قيادة الشرق الأوسط وإقصاء أو تقليص حجم ونفوذ واشنطن فيه.

 وفي هذا الإطار، سارعت بكين وموسكو إلى انتقاد رد إسرائيل على "طوفان الأقصى"، ودعت كل منهما إلى وقف إطلاق النار، في محاولة لخلق موقف يظهر قيادتهما العالمية، التي تراعي التوازن والمصالح في التعامل مع الأزمات الدولية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، كبديل للهيمنة الأمريكية المنحازة لإسرائيل.

ولا تستبعد نادية حلمي فتح الصين وروسيا جبهات حرب جديدة ضد إسرائيل وحليفتها الأمريكية الداعمة لها، في لبنان أو سوريا، حال تفاقم الوضع في غزة عسكرياً وأمنياً وإنسانياً، وذلك عبر الميليشيات المدعومة من إيران.

اقرأ أيضاً

صحيفة عبرية تتهم روسيا بالوقوف ضد الغرب في حرب غزة

وتلفت الأكاديمية المصرية، في هذا الصدد، أن الصراع آخذ في تجاوز فلسطين والفلسطينيين، ليكون صراعا "حضاريا" بين الغرب والعالم الإسلامي، من خلال استغلال المآسي الجارية لتوسيع نطاق القوى المعارضة للغرب ونفوذها، بقيادة صينية روسية مشتركة ودعم لدول الشرق الأوسط برمته.

وأضافت: "من يستهين بالنتائج السياسية التي حققتها حركة حماس أو محور المقاومة، كمجموعة مدعومة بالدرجة الأولى من الصين وروسيا، فهو مخطئ"، مشيرة إلى أن هذا المحور حقق إنجازاً سياسياً متميزاً فاق كل حسابات واشنطن وتل أبيب، رغم كل الفظائع التي ترتكب بحق المدنيين في قطاع غزة، بسبب استخدام إسرائيل للقوة المفرطة.

واعتبرت الأكاديمية المصرية أن الزيارة التي أجراها بوتين إلى منطقة الخليج بعد عملية "طوفان الأقصى"، يوم الأربعاء 6 ديسمبر/كانون الأول الجاري، جاءت بمثابة تحد علني مباشر لواشنطن وحلفائها الغربيين، وأظهرت محادثاته في الرياض وأبو ظبي نجاحه في مغازلة الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة في الخليج الغني بالنفط، الذين انتقدوا علناً عدوان إسرائيل على غزة.

ولعل ذلك كان سببا في حرص الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ومعه بعض المؤسسات الأمريكية مثل وزارتي الدفاع والخارجية، على نفي وجود مؤشرات توحي بأن إيران طرف رئيسي في المواجهة الحالية بين حماس وإسرائيل، وذلك رغم إشارة تقارير استخباراتية بأن الضوء الأخضر لـ "طوفان الأقصى" أُعطي خلال لقاء بين قادة الحرس الثوري الإيراني وحركة حماس ببيروت، في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأن التخطيط للعملية بدأ قبل نحو شهرين بدعم إيراني مباشر.

وترى نادية حلمي أن هذا السياق يفسر أيضا طلب وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، من نظيره الصيني، وانغ يي، أن تستخدم الصين نفوذها وشراكاتها وقربها من إيران ومحور المقاومة لمنع توسع الحرب بدخول ميليشيا الحوثي في اليمن وحزب الله في جنوب لبنان على خط الحرب، فضلا عن الحركات الشيعية الأخرى المدعومة من إيران في العراق وسوريا.

وتضيف أن هكذا تطورات ترسم ملامح "خطة صينية روسية مشتركة" لطرد الولايات المتحدة الأمريكية من الشرق الأوسط وتقييد نفوذها وهيمنتها على شؤون المنطقة، مشيرة إلى أن تدخل الصين في الشرق الأوسط أعطى لرئيسها، شي جين بينغ، مصداقية كرجل دولة عالمي، بالإضافة إلى شعبيته المتزايدة بين دول وشعوب الشرق الأوسط كصانع للسلام، بعد نجاحه في تحقيق المصالحة السعودية الإيرانية.

كما منحت تحركات بكين الأخيرة في الشرق الأوسط القادة العرب بعض القوة التفاوضية ضد واشنطن، في حين أعطت الصين دفعة دبلوماسية مع حليفتها الروسية، بحسب الأكاديمية المصرية، التي نوهت إلى تزايد الشعور بالغضب الشديد من جانب جميع دول وشعوب الشرق الأوسط تجاه الولايات المتحدة الأمريكية بعدما أصبحت جزءا من الحرب الإسرائيلية على غزة.

وتخلص نادية حلمي إلى أن روسيا والصين تستفيدان بقوة من الأخطاء الأمريكية والإسرائيلية، لزيادة شعبيتهما بين شعوب الشرق الأوسط وقادته، ومحاولة عرقلة النفوذ الأمريكي في المنطقة، وبالتالي صعود كل منهما كقوتين صديقتين، تعملان لصالح شعب فلسطين والقضية الفلسطينية وقطاع غزة.

اقرأ أيضاً

من الصين.. وزراء خارجية دول عربية وإسلامية يبدأون جولة دولية لخفض التصعيد في غزة

المصدر | نادية حلمي/مودرن دبلوماسي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: غزة إسرائيل حماس روسيا الصين الشرق الأوسط موسى أبو مرزوق فلاديمير بوتين إبراهيم رئيسي إيران الولایات المتحدة الأمریکیة الأکادیمیة المصریة طوفان الأقصى الشرق الأوسط الصین وروسیا حرکة حماس قطاع غزة على غزة

إقرأ أيضاً:

بيروت من “باريس الشرق” إلى ساحة الخراب وحزب الله .. فيديو

خاص

في الستينيات والسبعينيات، عُرفت العاصمة اللبنانية بيروت بـ”باريس الشرق الأوسط”، بسبب طبعها العالمي، إذ كانت المدينة مركزًا للإبداع الفني والتنوع الثقافي .

وتميزت بيروت بحياة اجتماعية نابضة ومشاهد ثقافية غنية، شوارع مثل “الحمرا” التي كانت تعج بالمقاهي، المسارح، ودور السينما والأوبرا، كما توافد إليها الأدباء والمثقفين ونجوم هوليوود مثل ريتشارد بيرتون وإليزابيث تايلور.

وكانت “باريس الشرق” تعد أحد المراكز المالية المهمة في المنطقة وذلك خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي؛ بفضل موقعها الاستراتيجي، مما جعلها مقصدًا للاستثمارات والمشاريع التجارية الدولية .

وعلى الرغم من هذه الصورة المثالية لبيروت، إلا أنها حملت العديد من التناقضات والتوترات السياسية انتهت باندلاع الحرب الأهلية عام 1975، التي دمرت الكثير من معالم المدينة وجعلتها مقسمة بين خطوط طائفية وعسكرية، مما أدى إلى انهيار بنيتها الاجتماعية والثقافية تدريجيًا.

بعد الحرب الأهلية، برز حزب الله كقوة سياسية وعسكرية في لبنان، إذ تأسس الحزب في الثمانينيات لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، لكنه توسع ليصبح لاعبًا رئيسيًا في السياسة اللبنانية.

والانفجار الذي شهده مرفأ بيروت عام 2020 أدى إلى تصعيد الانتقادات الموجهة للحزب بسبب دوره في السياسة اللبنانية، وسط اتهامات بأنه يعوق الإصلاحات ويستغل نفوذه لمصالح إقليمية، بسبب هيمنته على مؤسسات الدولة واستغلاله للنفوذ السياسي والعسكري، بالإضافة إلى تزايد النفوذ الإيراني والانقسامات الطائفية، بالإضافة إلى الفساد الحكومي مما جعل بيروت تتأرجح بين محاولات الإصلاح والصراعات المستمرة على النفوذ الداخلي والخارجي.

https://cp.slaati.com//wp-content/uploads/2024/11/WhatsApp-Video-2024-11-21-at-5.14.40-PM.mp4

مقالات مشابهة

  • الصين: سنواصل تعزيز العلاقات مع إيران تحت أي ظرف
  • الجيش الأمريكي يعاني أزمة كبرى.. هجمات ضد قواته بالمنطقة ونقص في ذخيرته
  • غزة وإسرائيل على طاولة ترامب.. هل يتغير النهج الأمريكي تجاه الشرق الأوسط؟
  • المملكة تستضيف أمانة شبكة استرداد الأصول بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا
  • رئيس وزراء إسبانيا يؤكد للسيسي أهمية دور مصر في تحقيق الاستقرار بالشرق الأوسط
  • السفيرة الأمريكية بالقاهرة: مصر هي قلب الثقافة في الشرق الأوسط
  • %45 حصة الإمارات من سوق الطيران الخاص بالشرق الأوسط
  • بيروت من “باريس الشرق” إلى ساحة الخراب وحزب الله .. فيديو
  • حماس: المجزرة التي ارتكبها الاحتلال في بيت لاهيا نتيجة للفيتو الأمريكي
  • عضو «الشرق الأوسط للسياسات»: واشنطن منحت إسرائيل الضوء الأخضر للتصعيد في غزة