الحصار مقابل الحصار.. اليمن يفرض على العدو معادلة جديدة
تاريخ النشر: 12th, December 2023 GMT
يمانيون – متابعات
بعد خطوة أولى قبل عدة أسابيع تمثلت بإغلاق البحرين الأحمر والعربي أمام السفن الصهيونية، وفي مقابل استمرار العدوان الصهيوني وتشديد حصاره على غزة، اتخذت القوات المسلحة اليمنية خطوة جديدة تمثلت بمنع مرور السُّفُن المتجهة إلى الكيان من أي جنسية كانتْ، إذا لم يدخل للقطاع حاجتُه من الغذاء والدواء.
الحصار مقابل الحصار معادلة وقرار يمن كما هو واضح من بيان القوات المسلحة، في التاسع من ديسمبر، يهدف إلى تخفيف المعاناة عن غزة فإذا تدفق الغذاء والدواء إلى القطاع المحاصر فسيتم التراجع عن هذه الخطوة، كما أنه يأتي في مواجهة الضغط الأمريكي الرامي بثقله لاستمرار الحرب والعدوان على الشعب الفلسطيني، وقد جاءت الخطوة اليمنية مباشرة بعد إجهاض الولايات المتحدة مشروع قرار في مجلس الأمن لوقف إطلاق النار في غزة، وإذا كان مجلس الأمن غير قادر على رفع الحصار فإن لصنعاء خيارتها لكسره.
وردا على استمرار العدوان وتشديد الحصار على غزة، وسعت البحرية اليمنية الحظر على الملاحة الصهيونية بشقيها العسكري والتجاري في البحرين الأحمر والعربي وباب المندب لتشمل أيضا السفن من جنسيات أخرى التي تتخذ موانئ كيان العدو وجه لها، ليلقي القرار بتأثيراته مباشرة على الاقتصاد الصهيوني وهذا ما عكسه الإعلام العبري الذي خصص تغطيات واسعة لمناقشة ما وصفه بالتهديدات اليمنية وتأثيراتها الاستراتيجية على اقتصاد الكيان، على المدى القريب والمتوسط والبعيد من خلال وارتفاع أسعار الغذاء والسلع، وتكلفة التأمين، و شل الملاحة وتوريد المواد الأولية اللازمة لتشغيل المصانع والإنتاج في لعدو.
ومن ناحية أخرى، هذا القرار اليمني الجريء، أثبت أن صنعاء تسير وفق خطوات استراتيجية مدروسة، فقد جاءت “بعد نجاح القوات المسلحة اليمنية في فرض قرارها منع السُّفُن الإسرائيلية من الملاحة في البحرين الأحمر والعربي ونتيجةً لاستمرار العدو الصهيوني في ارتكابِ المجازرِ المروعةِ وحربِ الإبادةِ الجماعيةِ والحصارِ بحقِّ إخوانِنا في غزة”.
ويبدو أن توقيت هذه الإجراءات خصوصا بعد الفيتو الأمريكي، يدلل على أن لدى اليمن المزيد من الخطوات القادرة على إيلام الأمريكي، ففي حال إصرار واشنطن على مواصلة دعم العدوان على غزة سيكون هناك ارتدادات عليها (أمريكا)، فصنعاء دخلت المعركة بعد السابع من أكتوبر نصرة لغزة بسبب المشاركة الأمريكية “المباشرة” في العدوان، ومن ذلك الحين توالت الخطوات من الاستهداف المباشر لكيان العدو، إلى إيقاف الملاحة الصهيونية في البحرين العربي والأحمر، والآن خطوة أكثر وجعا للعدو من خلال منع السفن الأجنبية التي تتعامل مع موانئ العدو.
وفي مقابل الخيارات المتعددة التي تمتلكها صنعاء، والقدرة على فرض معادلات عسكرية واقتصادية جديدة، تتقلص الخيارات أمام واشنطن “حامية كيان العدو” و”تدرك الولايات المتحدة أن تصعيد التوتر في البحر الأحمر من خلال شن أي هجوم على اليمن قد يؤدي إلى ما يخشى منه الأمريكي ومعه دول الغرب، وبمعنى إذا كان اليمن بوقوفه مع فلسطين يمثل بالنسبة لهم مشكلة فإن التعامل السلبي مع هذه المشكلة سوف يؤدي إلى مشكلة أكبر” وفقا لعبدالله عامر نائب مدير التوجيه المعنوي للقوات المسلحة اليمنية.
ويضيف عامر “يحق للسفن الحربية كالأمريكية المرور من مضيق باب المندب، لكن وبحسب القانون الدولي لا يحق لها التهديد بالقوة أو استعمال القوة ضد الدولة المشاطئة”، و “عندما يدافع اليمن عن نفسه فلا يهمه وقتها من يكون الطرف الآخر أمريكياً بريطانيا فرنسياً هو في النهاية معتدي وبالتأكيد أن الجانب الفرنسي خير من يدرك ذلك فله تجربة سابقة في 2018م”، في إشارة إلى أن واشنطن قد تلجأ إلى استخدام قوات حليفة لها لاستهداف اليمن.
ويرى مراقبون أن السفن والبوارج الأمريكية ضمن النطاق الحيوي اليمني في البحر ليست إلا كالبط العائم واليمن يمتلك الأسلحة الكفيلة بإغراقها، ولأمريكا وحلفاؤها الخيار إن أرادت مواجه اليمن، وتحويل البحر الأحمر إلى ساحة حرب، “فأقسى خيارات صنعاء لم تبدأ بعد” وفقا لحسين العزي نائب وزير الخارجية اليمني، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن ” تفادي الحرائق وتعقيدات توسع الحرب بالمنطقة ما يزال ممكنا” في حال وقف العدوان على غزة.
المسيرة / محمد الحاضري
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: على غزة
إقرأ أيضاً:
اليمن واحد من اللاعبين الكبار
تحتلّ المقاربة اليمنية الجديدة تجاه الحرب على غزة مكانة لم تكن لها بعد طوفان الأقصى، وقد صارت عيون العالم شاخصة على ما يصدر عن اليمن بعدما كان الكثير من المحللين والمتابعين لا يُعيرون الموقف اليمني أهمية في قراءة توازنات المنطقة. وعندما أعلن اليمن فتح جبهة الإسناد لدعم غزة لم يتوقّع أحد أن تكون جبهة اليمن جبهة رئيسية ثم الجبهة الرئيسية في إسناد غزة، وأن تنجح بإلحاق أذى اقتصادي ومعنوي حقيقي بالكيان، عبر الحصار البحريّ المحكم في البحر الأحمر لكل تجارة يكون الكيان وجهتها، وبدا الكيان عاجزاً رغم حجم الأضرار وعاجزاً عن فعل شيء حقيقي، ونجح اليمن بإظهار ضعف صورة الردع التي يدّعيها الكيان، بعدما نجح في تحقيق ما هو أهم، عندما تحدّى قوة الردع الأمريكية في البحر الأحمر الذي يمثل محور استراتيجية الأمن القومي الأمريكي في المنطقة.
بعد الخسائر الضخمة التي لحقت بجبهة لبنان، والتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار الذي كرّس توازناً بين قدرة المقاومة على منع الاحتلال من التقدم البرّي من جهة، وتفوّق الاحتلال الناري والاستخباري والتكنولوجي من جهة مقابلة، تحمّل اليمن عبء الإسناد وحيداً بعدما كان العراق قد خرج أيضاً من جبهة الإسناد لظروف مشابهة لظروف لبنان، بينما عجز الأمريكي والإسرائيلي ومَن معهما من محاصرة اليمن بظروف مشابهة، ولم يكن الأمر صدفة، بل كان ثمرة التكامل الاستثنائي الذي أظهره اليمن بين قيادته وقواته المسلحة من جهة وشعبه من جهة موازية، أسوة بما صنعته المقاومة في غزة، وكانت نقطة الضعف اللبنانية والعراقية بوجود فئات شعبية وسياسية في البلدين تتربّص بالمقاومة وتكيد لها المكائد، ما جعل القبول بالتموضع وراء صيغة تحفظ الوحدة الوطنية والسلم الأهلي ضرورة لإسقاط خطط الأمريكي والإسرائيلي.
يحمل اليمن من جهة أعباء أنه بات يمثل منفرداً محور المقاومة، ومن جهة أن قائده السيد عبد الملك الحوثي معنيّ بتعويض غياب السيد حسن نصرالله بعد استشهاده كقائد لمحور المقاومة، وبالرغم من التهديدات الأمريكية المباشرة مرفقة بعقوبات وتصنيف على لوائح الإرهاب يمضي اليمن بقوة في خياره، وهو يدرك الموازين الحقيقيّة للقوة خارج النصوص الخطابية الترامبية، ذلك أن معادلة حماية غزة من خطر الحرب تستقيم إذا جرى جمع قدرة المقاومة في غزة على إمساك ورقتي الأسرى والحرب البرّية، وأمسك اليمن بورقتي الحصار البحريّ وتهديد تل أبيب بالصواريخ والطائرات المسيّرة.. وبهذا التوازن الرادع يُصبح التفكير بالعودة للحرب من الجانب الأمريكيّ الإسرائيلي بحاجة للمراجعة.
يتقدم اليمن خطوة إلى الأمام ويضع مهلة أربعة أيام لإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، مهدّداً بعودة الحصار البحري على الكيان إن لم يبدأ إدخال المساعدات إلى غزة قبل انتهاء المهلة، فتصير حرب غزة بين تهديدين، تهديد يطال غزة ويهدّدها بالجحيم ما لم تترك الأسرى دون الحصول على إعلان نهاية الحرب وانسحاب قوات الاحتلال، وتهديد يحمي غزة، ويقول الإسرائيلي والأمريكي إن الحصار البحري على الكيان عائد ما لم تدخل المساعدات إلى غزة.. وبينما يقيم الكيان حساباً للعودة إلى الحرب رغم الدعم الأمريكي الذي أحال على الكيان عبء تنفيذ التهديد، فيخشى أن يقتل أسراه ويخشى مخاطر الحرب البرية، وبات يخشى تداعيات الدور اليمني، يأتي التهديد اليمني لفرض إدخال المساعدات محسوباً، فالكيان يقبل ببقاء التهدئة لكنه يوقف المساعدات وإن عادت المساعدات لا تمانع المقاومة بانتظار وقت أطول حتى تتم العودة إلى المرحلة الثانية، واليمن يعلم أنه يهدّد بفرض الحصار الذي سوف تنتج عنه عودة المواجهة بين اليمن والأمريكي والإسرائيلي في البحر الأحمر ما يعني عودة اليمن إلى استهداف عمق الكيان وربما القواعد الأمريكية في الخليج وليس فقط الحاملات والسفن الأمريكية الحربية بالصواريخ والطائرات المسيّرة.
يدرك اليمن أنه دخل لعبة الكبار ويتصرّف كواحد من اللاعبين الكبار.
رئيس تحرير جريدة البناء اللبنانية