الحوثي وصناعة الإرهاب الإيرانية
تاريخ النشر: 11th, December 2023 GMT
بضعة أيام تفصلنا عن الـ13 من ديسمبر (كانون الثاني)، ففي مثل هذا اليوم من عام 2018، وفي أجواء طقس شديد البرودة، التقى ممثلو الحكومة اليمنية والحوثيين في منتجع “جوهانسبورغ” القريب من العاصمة السويدية ستوكهولم، برعاية من الأمم المتحدة، وبحماسة منقطعة النظير من قبل المجتمع الدولي والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، لإعلان نتائج المشاورات التي تمخضت عن جملة تدابير لبناء الثقة بين الجانبين، ولمحت إلى أن عجلة التسوية للأزمة اليمنية بدأت بالدوران، ولكن السؤال الكبير الذي خلَّفته تلك التظاهرة الدولية تمثل في “هل أن الحوثي وسادته في إيران يمكن أن يكونوا على استعداد للعمل من السلام، وما مآلات الظاهرة الحوثية؟”.
شملت التدابير التي تم التوافق عليها في مشاورات السويد، ترتيبات لموانئ ومدينة الحديدة، وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين، ورفع الحصار عن مدينة تعز. وكانت المشاورات استوعبت قضايا كثيرة أبرزها الملف الاقتصادي، مثل دفع مرتبات العاملين في الخدمة العامة عبر حساب مشترك في فرع البنك المركزي في المدينة، وفتح مطار صنعاء الدولي لوجهات محددة. وشكلت تلك العناصر التي تم بحثها في السويد مدخلاً لقائمة من التوافقات التي ما زالت تنتظر اليوم بعد خمس سنوات من تلك المشاورات وبعد جهود متواصلة قادها التحالف، الإعلان عن التوصل إليها بانتظار أن يقبل الحوثي، مبدأ وقف الحرب والخوض التدريجي في جهود إحلال السلام في اليمن.
في السويد مارس المجتمع الدولي والدول الخمس دائمة العضوية، تحديداً أميركا وبريطانيا، ضغوطاً استثنائية لوقف عمليات التحالف والحكومة اليمنية لتحرير الحديدة من سيطرة الحوثيين، بعد أن كانت “قوات العمالقة” الجنوبية تطوق ميناء ومدينة الحديدة من الجنوب والشمال، وتقف على بعد بضعة كيلومترات عن بوابة الميناء الذي كان ولا يزال يستخدم حتى اليوم نقطة انطلاق للعدوان الحوثي على الملاحة الدولية في منطقة جنوب البحر الأحمر. أجهضت الضغوط الدولية مشروع التحرير، وأصابت مشروع استعادة الدولة في مقتل، وبقيت الحديدة شريان الحياة الرئيس للمشروع التوسعي الحوثي، وتطورت منذ ذلك الحين أدوات الإرهاب الحوثي وصولاً إلى التهديد أخيراً، بإغلاق مضيق باب المندب الاستراتيجي، بحسب ما نسمعه من قيادات حوثية بارزة.
وأقولها للتاريخ لو أنه أُفسح المجال للعمليات العسكرية في يونيو (حزيران) 2018 لاستكمال أهدافها في محور الحديدة، في لحظة انهزام ويأس الحوثي تلك، لكُنا اليوم نتحدث عن تحولات عميقة في ديناميكيات حرب اليمن، وربما خضع الحوثي المعزول عن إمدادات الأسلحة الإيرانية، لشروط السلام، بخاصة أن التقارير الأخيرة الصادرة عن خبراء الأمم المتحدة والمصادر الأميركية تشير إلى زيادة كم ونوعية الأسلحة التي زودت إيران الميليشيات الحوثية بها خلال العامين الماضيين، مما يؤكد أن إيران وعملاءها ليسوا في وارد الخوض في خطوات لصنع السلام في اليمن وتحقيق الاستقرار الإقليمي الأشمل، ولكنهما في حرب كر وفر ومساومات وصفقات وعلاقات عامة يبتغى منها التمكين النهائي للمشروع الحوثي في اليمن، بالتالي استسلام كامل المنطقة ودولها لمشيئة نظام الملالي.
وخلال المشاورات في السويد أو تلك الاتصالات المكثفة التي جرت في المنطقة قدمت أميركا عديداً من التعهدات لتحويل مشروع الحديدة إلى نموذج معياري للسلام المتدرج، وتحويل الحديدة إلى عاصمة للسلام تلتقي فيه الأطراف اليمنية للتوافق على أفضل الخيارات للعيش المشترك، وينتقل إليها جهد البعثات الدبلوماسية وتلك التابعة للأمم المتحدة. وما هي إلا أسابيع وتبخرت الوعود، وتكرست فكرة أن الحديدة هي رأس الحربة للمشروع الحوثي البحري الذي تطور بشكل بات معه يهدد جدياً الملاحة الدولية في الممر المائي جنوب البحر الأحمر.
ومنذ اليوم الأول سارعت الأمم المتحدة إلى إنشاء بعثة الحديدة، التي خصصت لها مئات الملايين من الدولارات منذ قيامها، والتي تلخص عملها في شرعنة النشاط الإرهابي الحوثي خلال السنوات الخمس الماضية انطلاقاً من المدينة الساحلية، وما زالت الأمم المتحدة تصر على بقاء البعثة على الرغم من انهيار اتفاق ستوكهولم منذ اليوم الأول. وفي المقابل فشلت آلية الأمم المتحدة للتفتيش والتحقق، والتي تعمل انطلاقاً من جيبوتي، في تنفيذ التفويض الذي قامت على أساسه، فيما ترد الأسلحة الإيرانية تباعاً إلى الحوثي عبر الحديدة أمام مرأى ومسمع العالم.
أي سلام يصنعه الحوثي؟
في ردي على سؤال تلقيته في الأسبوع الأول للاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة، حول إمكانية التدخل الحوثي، أشرت إلى أن الميليشيات الحوثية تعمل بتوجيه من طهران، وإنها خلال الأسابيع القليلة التي سبقت حرب غزة أجرت مناورات وتدريبات في شواطئ الحديدة. وأكدت أن الجهد العسكري الحوثي سيتركز على القرصنة المسلحة على الممر الملاحي الدولي جنوب البحر الأحمر عبر موانئ الحديدة والجزر اليمنية، مع استخدام الصواريخ والمسيرات لتعطيل الممر الملاحي. واليوم يواصل الحوثي استعراض قدراته العسكرية في تحد سافر للقانون الدولي وسلامة الملاحة الدولية.
ويقول تقرير فريق الخبراء الخاص بلجنة العقوبات حول اليمن في مجلس الأمن، والصادر بداية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إن الحوثيين عرضوا في سبتمبر (أيلول) الماضي أحدث الترسانات العسكرية التي حصلوا عليها من إيران في كل من الحديدة وصنعاء، مع التركيز على تعزيز قدراتهم البرية والبحرية بما في ذلك تحت الماء، فضلاً عن قدراتهم الجوية من صواريخ ومسيرات. ويضيف التقرير أن الحكومة اليمنية اعترضت شحنات من الطائرات المسيرة ومحركاتها ذات المصدر الإيراني وأطنان من السلائف الكيماوية الخاصة بصناعة المتفجرات، ومركبات لدفع الغواصين، وهو مؤشر إلى التوجهات الحوثية الخطيرة جنوب البحر الأحمر، فإن قراءة خبراء التسلح الدوليين تؤكد أن ما اعترضته الحكومة اليمنية ما هو إلا قمة جبل الثلج من التدفق الهائل للأسلحة ومكوناتها عبر ميناء الحديدة وعبر الأراضي التي تسيطر عليها القوى المتصارعة والمنضوية في مجلس القيادة الرئاسي.
وتؤكد التقارير الإعلامية من واشنطن أن إيران استفادت من الهدنة المتواصلة منذ عام ونصف العام في الحرب اليمنية، ومن تطبيع العلاقات مع السعودية لإرسال مزيد من التعزيزات والتكنولوجيا العسكرية المتطورة، وتحديداً في المجال البحري، من دون رقابة تذكر. واتضح ذلك جلياً في استخدام الحوثيين الصواريخ المضادة للسفن أخيراً. الموقف الأميركي الذي أعلنه مستشار الأمن القومي أكد أن واشنطن تتشاور مع حلفائها لتحديد الرد المناسب على الهجمات الحوثية في البحر الأحمر. ويبدو أن واشنطن تعمدت عدم الرد على الهجمات الحوثية خشية استدراجها إلى تصعيد خطير في المنطقة، ومن أجل منح فرصة لنجاح الجهود التي يبذلها التحالف للتوصل إلى اتفاق نهاية الحرب مع الحوثيين.
بين خيارات الردع واللاردع
ويرى المراقبون أن إحجام الإدارة الأميركية وعدم ردعها للقرصنة الحوثية في البحر الأحمر أدى إلى فتح شهية الحوثيين وتوصلهم إلى قناعة بأنهم سيصنعون ما يريدون من دون مواجهة تذكر، ولهذا واصلوا خلال الأيام الماضية نهج البلطجة من دون رادع، على رغم الرسائل المتبادلة بين أميركا وإيران من جهة والدول العربية وإيران من جهة أخرى، إذ إن الأخيرة تصر على أنه لا علاقة لها بالتصعيد الحوثي، وأن حلفاءها يتخذون قراراتهم بشكل مستقل. ومع هذا فإن عديداً من التصريحات التي صدرت عن رموز نظام الملالي تؤكد أن الحوثيين حصلوا على موافقة أسيادهم في طهران في بداية نوفمبر الماضي، على تنفيذ أعمال عسكرية “منضبطة” في إسهام منهم ضمن جهود “محور المقاومة” لهزيمة إسرائيل.
ويتهم الجمهوريون إدارة الرئيس بايدن بالضعف الذي أدى إلى تشجيع الحوثيين وتماديهم في أعمالهم المهددة للأمن البحري الدولي. ويطالب الجمهوريون بإعادة إدراج الحوثيين على قائمة الإرهاب، التي أخرجهم منها الرئيس بايدن عقب وصوله إلى البيت الأبيض قبل ثلاث سنوات، فيما ترى الإدارة أن إعادة الإدراج ستعوق جهود السلام في اليمن، بخاصة المحاولات الجارية منذ فترة بقيادة التحالف لإقناع الحوثيين بخطة لوقف الحرب اليمنية.
واكتفت الإدارة خلال اليومين الماضيين بتفعيل مزيد من العقوبات للأفراد والشركات المالية وشركات النقل البحري التي تعمل لصالح نقل الأسلحة ومكوناتها، والمنتجات النفطية الإيرانية إلى الحوثيين في اليمن. وتضع الإدارة الأميركية نصب أعينها العمليات العسكرية في غزة والتوقعات بانتهائها خلال الأسابيع القليلة المقبلة، التي ستوقف استفزازات عملاء إيران في المنطقة.
وبانتظار انحسار حرب غزة هناك عديد من البدائل للتعامل مع الوضع في حال أخفقت الجهود التي يقودها التحالف لوقف الحرب في اليمن، ومن بينها تعطيل العمل في ميناء الحديدة، وقطع شريان الإمداد المتواصل للحوثيين، والسماح للمقاومة الوطنية بمعاودة عملياتها العسكرية في محور الحديدة، وتفعيل القوات البحرية اليمنية وقوات خفر السواحل لمكافحة تهريب العصابات الحوثية، فهذه هي اللغة الوحيدة التي يفهمها الحوثي في حال رفضه لفكرة السلام، إذ سيكون من المستحيل ردع الحوثي في حال استكملت طهران إعداده لمعركة طوفان الأقصى القادمة من صنعاء.
*نشرت أولاً في: اندبندنت عربية
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
شاهد أيضاً إغلاق آراء ومواقف
عملية عسكري او سياسية اتمنى مراجعة النص الاول...
انا لله وانا اليه راجعون ربنا يتقبله ويرحمه...
ان عملية الاحتقان الشعبي و القبلي الذين ينتمون اغلبيتهم الى...
مع احترامي و لكن أي طفل في المرحلة الابتدائية سيعرف أن قانتا...
مشاء الله تبارك الله دائمآ مبدع الكاتب والمؤلف يوسف الضباعي...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: جنوب البحر الأحمر الحکومة الیمنیة فی البحر الأحمر الأمم المتحدة الحوثیین فی العسکریة فی الحوثی فی فی الیمن ما زالت
إقرأ أيضاً:
كيف تطورت الضربات الأميركية ضد الحوثيين في اليمن؟
يمن مونيتور/ رويترز/ ترجمة خاصة:
كثفت الولايات المتحدة ضرباتها على الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن هذا العام لوقف الهجمات على الشحن في البحر الأحمر لكن نشطاء حقوقيين أثاروا مخاوف بشأن سقوط ضحايا من المدنيين.
وفيما يلي بعض الحقائق عن الحملة الأميركية وقائمة ببعض أكبر الضربات.
ما وراء الضربات الأميركية؟
وبدأ الحوثيون شن هجماتهم على طرق الشحن في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 كإظهار دعمهم للفلسطينيين في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وأطلقت الجماعة، التي تسيطر على معظم شمال اليمن منذ عام 2014، صواريخ وطائرات بدون طيار باتجاه إسرائيل، على الرغم من إسقاط معظمها.
وفي عهد إدارة جو بايدن، ردت الولايات المتحدة وبريطانيا بشن ضربات جوية ضد أهداف الحوثيين في محاولة لإبقاء طريق التجارة الحيوي في البحر الأحمر مفتوحا – وهو الطريق الذي يمر عبره نحو 15% من حركة الشحن العالمية.
بعد تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني، قرر تكثيف الغارات الجوية ضد الحوثيين بشكل ملحوظ. وجاءت هذه الحملة بعد أن أعلن الحوثيون استئناف هجماتهم على السفن الإسرائيلية المارة عبر البحر الأحمر وبحر العرب ومضيق باب المندب وخليج عدن.
تعهدت واشنطن بمواصلة هجماتها على الحوثيين حتى يكفوا عن اعتداءاتهم على سفن الشحن في البحر الأحمر. وقد أدت تلك الهجمات إلى تعطيل حركة الشحن العالمية، مما أجبر الشركات على تغيير مسارات رحلاتها إلى رحلات أطول وأكثر تكلفة حول جنوب أفريقيا.
وتأتي الحملة الجوية الأميركية في اليمن في أعقاب سنوات من الضربات التي نفذها تحالف عربي بقيادة السعودية، والذي استهدف الحوثيين بمساعدة الولايات المتحدة كجزء من جهوده لدعم القوات الحكومية في الحرب الأهلية في البلاد.
كيف تطورت الضربات؟
15 مارس: مع إصدار ترامب أمرًا ببدء حملة عسكرية، أدت الغارات على صنعاء إلى مقتل 31 شخصًا على الأقل.
16 مارس: تواصل الغارات الجوية على مواقع عسكرية للحوثيين في مدينة تعز جنوب غرب البلاد.
١٧ مارس: ارتفع عدد القتلى إلى ٥٣، وفقًا لوزارة الصحة التابعة للحوثيين، مع اتساع نطاق الهجمات لتشمل مدينة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر. وأفاد البنتاغون بأن الموجة الأولى من الضربات استهدفت أكثر من ٣٠ موقعًا، بما في ذلك مواقع تدريب وكبار خبراء الطائرات المسيرة الحوثيين.
19 مارس/آذار: ضربت غارات أهدافا في مختلف أنحاء اليمن بما في ذلك محافظة صعدة الشمالية، المعقل القديم لجماعات الحوثي.
20 مارس/آذار: أفادت قناة المسيرة التابعة للحوثيين بشن أربع غارات أمريكية على الأقل على منطقة ميناء الحديدة.
17 أبريل: ضربة جوية تستهدف محطة وقود رأس عيسى على ساحل البحر الأحمر، مما أسفر عن مقتل 74 شخصًا على الأقل، وهو الهجوم الأكثر دموية منذ أن بدأت الولايات المتحدة حملتها.
28 أبريل: أفادت قناة المسيرة عن مقتل 68 شخصا على الأقل في غارة أمريكية على مركز احتجاز للمهاجرين في سجن الاحتياط في صعدة.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق أخبار محليةرسالة المعلم أهم شيئ بنسبة لهم ، أما الجانب المادي يزعمون بإ...
يلعن اب#وكم يا ولاد ال&كلب يا مناف&قين...
نقدرعملكم الاعلامي في توخي الصدق والامانه في نقل الكلمه الصا...
نشكركم على اخباركم الطيبه والصحيحه وارجو المصداقيه في مهنتكم...
التغيرات المناخية اصبحت القاتل الخفي ، الذي من المهم جدا وضع...