«العنف يبدأ بفكرة.. بالوعي نقدر نغلبها»| تجربة تحدي بنت مصرية «بدأت بالوعي»
تاريخ النشر: 11th, December 2023 GMT
أطلقت وزارة التضامن الاجتماعي حملة الـ 16 يومًا لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات، تحت شعار « العنف يبدأ بفكرة..بالوعي نقدر نغلبها»، حيث تستمر الحملة حتي العاشر من ديسمبر الجاري، وذلك بالتزامن مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي يوافق 10 ديسمبر من كل عام، وينفذ الحملة برنامج «وعي للتنمية المجتمعية»، بالمشاركة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والاتحاد الأوروبي، والوكالة الألمانية للتعاون الدولي «جي آى زد».
تصحح الحملة الأفكار والمعتقدات السلبية المؤدية لاستمرار أشكال العنف ضد المرأة.. وتقدم المعرفة الصحيحة العلمية والاجتماعية والدينية للرد على مثل هذه الأفكار والمعتقدات، وتركز على على قضايا النساء اللاتي تتعرضن للاستغلال الاقتصادي في بيئة العمل أو العنف المنزلي، والنساء ذوات الإعاقة وما تتعرض لهن من الاستغلال أو التنمر أو التهميش.. والنساء اللاتي تتعرض للاضطهاد والحرمان من الحقوق نتيجة الأفكار الدينية والاجتماعية المتطرفة.
كما تركز على الرائدات الاجتماعيات سفيرات وجنود الوزارة في الميدان وفي جميع أنحاء الجمهورية بما يشمل القرى والنجوع والمناطق الحضرية والنائية وشريكات في مكافحة جميع أشكال العنف ونقص الوعي.
ومن قصص النجاح المميزة التي تظهرها الحملة بسنت محمد عبد الله، واحدة من مستفيدي الدعم النقدي لذوى الإعاقة "كرامة" منذ كانت طفلة، وتعمل بمؤسسة الحسن لدمج القادرين باختلاف، لمساعدة أصحاب الكراسي المتحركة.
بسنت صاحبة ال 25 سنة، خريجة قسم الاجتماع بآداب القاهرة، وتدرس الماجستير في الإعاقة، تعرضت للكثير من أشكال العنف بسبب الإعاقة، لكن مقعدها المتحرك غيّر شخصيتها، وجعلها قادرة على مساعدة الآخرين.
أورام العمود الفقري أعاقتني عن المشي
حتى سن الثالثة، كانت بسنت تمشي على قدميها بشكل عادي، حتى أصيبت ذات يوم بارتفاع في درجة حرارتها، ولاحظت والدتها أنها تسير خطوة ثم تقع، على غير عادتها، وعلى إثر ذلك بقيت في المستشفى أسبوعين، ولم يستطع الأطباء وقتها تحديد المشكلة التى تسببت في هذه الأعراض وفي ارتفاع ضغط الدم لدى طفلة، فقط كانت أدوية الكورتيزون وأدوية الضغط هي ما لجأوا إليه.
عادت الطفلة بسنت إلى بيتها وهي تستطيع المشي بشكل طبيعي، وعندما بلغت الخامسة عادت جميع الأعراض مرة أخرى، ارتفاع درجة الحرارة والتعثر في المشي، واستشارت والدتها العديد من الأطباء، وكشف أشعة على كامل الظهر، عن وجود ورم في العمود الفقري.
صدمت والدة بسنت، وأنكرت الأمر لفترة طويلة، لكن في النهاية اضطرت بسنت لأن تخضع لعملية جراحية في اليوم السادس من سبتمبر عام 2003، وكانت قد بلغت السادسة من عمرها،"هدف العملية لم يكن استئصال الورم، لكن فقط معرفة حجمه وما إذا كان حميدا أم خبيثا وما الذى تأثر بوجوده غير أعصاب القدم.
وكشف العملية عن وجود 3 أورام في الظهر وليس واحدا، وكلها أورام حميدة، فخضعت لعملية أخرى لاستئصال اثنين منهما، أما الثالث فلم يكن بامكان الإطباء استئصاله لوقوعه في منطقة الفقرات العنقية، التى قد ينتج من مسها بشكل خاطىء شللا رباعيا".
أمي رفضت أن أستخدم الكرسي سنوات
بعد العملية الأولى، لم تعد بسنت قادرة على المشي إلا بصعوبة وبطء وبالتوكؤ على شخص،"مكنتش بقدر أشد رجلي أو أعصابي عشان أتحرك، ورفضت أمي أن أقعد على كرسي متحرك، كانت مقتنعة أني طالما أستطيع المشي، فالأفضل أن أمشى حتى لو بتعب أو بصعوبة، وتحملت أن يكون الحل هو أن تحملني أو تحملني أختاي، وكان والدي قد توفى وأنا في عمر السنة".
هذا الوضع حبس بسنت في البيت، فلم تكن تخرج إلا أيام الامتحانات فقط، حتى وصلت للصف الخامس الابتدائي،"خروجي من البيت مكنش سهل، لأننا نسكن في الطابق الثالث، ونزولي مش سهل، كنت أخد أجازة مرضي من المدرسة، خاصة لأن ارتفاع الحرارة كان يفاجئني كثيرا، فآخد الكورتيزون وأمشي ببطء، لغاية ماوصلت خامسة ابتدائي، ماقدرتش أمشي حتى بالعلاج وتعبوا من حملي، فكان الحل هو الكرسي، لكن فضلت في البيت لغاية ثالثة ثانوي".
كان المتاح في ذلك الوقت "كرسي عبد العزيز"، الذى جلبه لبسنت أحد أقاربها، ورغم أنه مصنوع من الصاج وجلسته متعبة للظهر وعجلاته كبيرة وخفيفة لا تناسب الشوارع في مصر، ويحتاج لمن يدفعه، لكنه أتاح لبسنت أن تخرج من البيت،"لغاية دلوقت مش بتحرك في البيت بالكرسي، لأن البيت مش واسع، بتحرك بجسمي على الأرض أو واحدة من اخواتي تشيلني".
شخصيتي تغيرت بعد الكرسي الكهربائي
بقيت بسنت على هذا الوضع حتى التحقت بالجامعة، ولم تكن والدتها تتركها أبدا، لكن تغير الأمر تماما بعد أن قابلت بالصدفة بطلا من مصابي حرب أكتوبر، دلها على مؤسسة الحسن لدمج القادرين باختلاف، والتى توجه أغلب خدماتها لأصحاب الكراسي المتحركة، حصلت منها بسنت على كرسي يعمل بالكهرباء.
"الكرسي مش مخصص لاصابتي، لكن استسهلت استخدامه، وساعدني كتير على التحرك بسهولة في فترة الجامعة، وخلاني آخد القرار اللي غير حياتي فعلا، لما بقيت في السنة الثالثة، قررت أترك بيتنا وأستقر في بيت الطالبات القريب من الجامعة، ودي كانت مغامرة كبيرة، لأني طول عمرى معتمدة على أمي وأخواتي في كل حاجة، لكن كنت عايزة أشعر إني أقدر أعتمد على نفسي، وأوفر فلوس التاكسي اللي كنت أركبه يوميا عشان يوصلني الجامعة بالكرسي، وفعلا شخصيتي تغيرت، وبقيت قادرة أعتمد على نفسي، وأعمل حاجات كتير لوحدي".
الدراسة في قسم الاجتماع بآداب القاهرة، وبعدها الدراسات العليا، والعمل لدى"مؤسسة الحسن"، مكّنت بسنت من تقديم المساعدة لأشخاص من أصحاب الكراسي وأسرهم.
"أول ماشتغلت نزلت المستشفى لبنت مصابة في حادثة، وبقت مستخدمة لكرسي متحرك، وقعدت معاها أنا وزملائي، وعرفناها إزاى تعرف تتكيف مع الوضع الجديد، والخدمات المتاحة لها، وازاى تستخدم الكرسي، وازاى تقدر المسافات والمساحات اللي ممكن تتحرك فيها، لأن خطوة الكرسي غير خطوة الشخص اللي ماشي على رجليه، وسرعتي غير سرعته، أصل اللي بيبدأ يتعلم المشي بالكرسي، بيكون زى الطفل اللي لسه بيتعلم المشي، وإني أساعد شخص يتأقلم مع وضعه الجديد ويعيش حياة أفضل، هي أكتر حاجة بحبها وبتفرحني، وبتشعرني إني بعمل حاجة مهمة في حياتي، وكمان بنبقى أصحاب".
صاحب الكرسي المتحرك يقدر يرقص
"إيه اللي يقدر يعمله صاحب الكرسي المتحرك، وإيه اللي مايقدرش يعمله أو يبقى غلط إنه يعمله، وكمان هو عايز يحرك جسمه إزاى"، هذا هو ما أرادت بسنت وزملائها مي مصطفى ومحمود الجزار إيصاله لجمهور عرض"رمز العجلتين"، الذى عرضوه على مسرح روابط على موسيقى وحركات إيقاعية، بمساعدة المخرجة سلمى سالم.
تعتبر بسنت أن هذا العرض الصامت الذى يتخلله بعض الحوارات، هو تجربتها الأولي في"الرقص"، العرض موجه لأصحاب الكراسي ولتوعية من يمكنه مساعدتهم، ليساعدهم بطريقة سليمة ولا يعرضهم للخطر، وهو يجسد يوميات أصحاب الكرسي المتحرك والتحديات التى تواجههم في شوارع القاهرة.
"بنوعي الناس بافساح مكان للمنحدر أوالرامب المخصص لصاحب الكرسي المتحرك ليصعد على الرصيف، بدلا من أن يتعرض للخطر، وكمان بنوعي الأشخاص اللي المفروض يساعدوا أصحاب الكراسي في مترو الأنفاق أو في المستشفيات أو غيرها من الأماكن التى يرتادوها، عشان يساعدوهم بالطريقة الصح، كتير بشوف أشخاص تقع من على الكرسي في المترو، بسبب ان الشخص اللي بيساعدهم بيدفع الكرسي بطريقة خاطئة، أو إن الرامب اللي المفروض الكرسي يمشي عليه عشان يدخل للمترو، موجود في المخازن مش على رصيف المترو، كمان في أشخاص من ذوى الإعاقة لا يعرفون حقوقهم ولا ما توفره الدولة لهم، عشان يطالبوا به".
تقدم بسنت وزميليها ابتكاراتهم للتكيف مع الكرسي المتحرك، مي تستخدم عصاة للوصول إلى الأشياء المرتفعة، ومحمود يحاول أن يتغلب على عدم وجود شخص يساعده ليركب سيارته من الجراج، وتقدم بسنت نصائح لكيفية التحرك بالكرسي حسب إصابة كل شخص، فطريقة صاحب الشلل الرباعي غير طريقة ذى الشلل النصفي، على غرار فيديوهات مؤسسة الحسن الموجودة على صفحتها على فيسبوك.
عدم الإتاحة عنف..والمنع عنف
فى الجامعة كانت بسنت تضطر أن تذهب بكرسيها المتحرك إلى الأشخاص المسئولين عن حراسة أحد المباني، لتطلب منهم فتح الباب الخلفي المغلق دائما للمبني، كون هذا الباب هو المتاح فيه الرامب الذى يساعد أصحاب المقاعد المتحركة على الصعود للمبني، ولأن الرامب أو المنحدر ليس بالمواصفات السليمة، فكان عليها أن تنتظر من يساعدها في دفع الكرسي من الخلف، ومن يسندها من الأمام حتى لا تقع، وإذا حاول شخصان أن يحملاها بالمقعد وكان أحدهما أقوى من الآخر، فيميل الكرسي في اتجاه الشخص الأضعف، فتشعر بسنت بأنها تميل في اتجاهه، أو أنها على وشك الوقوع.
"عدم الاتاحة في الأماكن اللي أضطر للذهاب إليها يسبب لي عنفا نفسيا مش بس جسدي، وده بيكون بشكل يومي سواء في الجامعة أو مكان العمل، في المدرسة كنت أقدم شهادات مرضية عشان أعفى من الحضور ومن أعمال السنة حتى الصف الخامس الابتدائي، كان نفسي أروح المدرسة لكن التكلفة كانت كبيرة بالنسبة لنا، خاصة بعد وفاة والدي وأنا في عمر السنة، واعتماد والدتي على المعاش وعلى دعم كرامة، ومساعدات الأهل".
كان على والدة بسنت أن تذهب قبل الامتحانات إلى المدرسة لتطلب من المدير أن تكون لجنة الامتحان في الطابق الأرضي، رغم إن المدرسة من المفترض أنها تعلم بوجود طفلة ذات إعاقة حركية باسم بسنت، لكن كانت بسنت تفاجأ بأن لجنتها في طابق مرتفع إذا لم تطلب والدتها.
"المجهود والتكلفة بتمنع أطفال كثير من أصحاب الإعاقة الحركية من الذهاب للمدرسة، ورأيت بنفسي مدارس كثيرة ترفض التحاق أطفال من ذوى الإعاقة الحركية بها، على اعتبار أنها غير مجهزة للطفل، وفي بعض المدارس ترفض الادارة أن يكون فصل الطفل ذى الإعاقة في الطابق الأرضي، على اعتبار أنها هذا الطابق مخصص لأطفال الحضانة فقط، وللأسف هي مدارس حكومية، وبعض الأسر خاصة في القرى والأماكن البعيدة يفضلون عدم ذهاب الطفل للمدرسة، أو عدم التحاقه بالتعليم من الأساس".
من تجربة بسنت، ترى أن خوف بعض الأسر على أطفالها من ذوى الإعاقة الحركية، من أن يلعبوا مع زملائهم أو يحاولوا النزول من الفصل، يمنع الطفل من التأقلم ويربي داخله الخوف وعدم الإقدام، والمفروض أن يشجعوهم على اللعب مع الزملاء ويشجعوا الزملاء على اللعب معهم بحسب قدراتهم، "لما كنت صغيرة كنت ألاقى الأطفال مش عايزة تلعب معايا، لأنهم مش عارفين ألعب معاهم ازاى، فكنت أفضل قاعدة مكاني متضايقة، وشايفة إني مختلفة عنهم".
أنواع أخرى من العنف تعرضت لها بسنت، مثل وجود بعض الأشخاص الذبن يحاولون استغلال ظروف التلميذ ذى الإعاقة، فكما كان هناك معلمون متعاونون، كان هناك معلمون يستغلون ظروف بسنت في إعطائها درسا خصوصيا بضعف المقابل، لأن المعلم يأتي لبيتهم خصيصا لها.
مساعدة ذوى الإعاقة..تحمي الأسرة كلها
في مؤسسة الحسن التى تقدم خدماتها لأسر مايقرب من 8 آلاف من ذوى الكراسي، تنصح بسنت أسرة الطفل صاحب الإعاقة الحركية، بأن تساعده على الذهاب للمدرسة، وعلى العلاج الطبيعي وعلى ممارسة الرياضة في كل الأماكن المتاحة، ليتأقلم على الحياة مع ظروف إعاقته، ويشعر أن له قيمة، وليس شخصا على الهامش، فيعتمد على نفسه، وبالتالي يسمح لباقى أفراد الأسرة بالحياة والعمل بشكل طبيعي.
"لما بنقدم خدمة لشخص نكون بنقدمها للأسرة كلها، أحيانا تترك الأم العمل لتساعد طفلها، فعندما يمكنه الاعتماد على نفسه والتحرك بشكل مستقل، يمكنها أن تعود لعملها، ويمكنها أن تعطي اهتماما أكبر لباقي أفراد الأسرة، بدلا من إعطاء كل اهتمامها لصاحب الإعاقة، وده اللي حصل مع أمي لما قدرت أستقل، وبقى عندها وقت أكثر لاخواتي الاثنين الأكبر منى، واللي كنت باشعر كتير اني واخده ماما منهم، وهم كمان كانوا حاسين بكده".
حصلت بسنت على كارت الخدمات المتكاملة لذوى الإعاقة، وتنوى أن تتقدم به للحصول على شقة من شقق الاسكان الاجتماعي المخصصة لذوى الأعاقة، وفي المستقبل تنوي أن تستفيد به لشراء سيارة مجهزة، لكنها تتمنى أن تزيد نسبة توظيف ذوى الإعاقة عن ال5%، وأن تحرص جهات العمل على تشغيلهم فعليا، وليس إبقائهم في البيت، وتوظيفهم صوريا ليحصلوا على الراتب بدون عمل.
"مصروفات ذوى الإعاقة أكبر من غير المعاق، لأنه يحتاج للعلاج الطبيعي وللأدوية ولمتابعة الأطباء، ولاصلاح المقعد أو الطرف الصناعي إذا كسر أو احتاج لصيانة، ولابد أن يساهم صاحب الاعاقة في العمل والانتاج بشكل فاعل، وبفضل تشجيع أمي أسكن في شقة مع زميلاتي في العمل بالقرب من عملي، وأستطيع الاعتماد والانفاق على نفسي، وده كان أمل وحلم بالنسبة لي، بيجي لي لحظات ضعف، بس بخرج منها بسرعة عشان في حواليا ناس كتير بتحبني، وبعطي الأمل لزملائي في الجامعة وفي الشغل".
وأطلقت وزارة التضامن الاجتماعي حملة الـ 16 يومًا لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات، تحت شعار «العنف يبدأ بفكرة..بالوعي نقدر نغلبها»، والتي تستمر خلال الفترة من 26 فبراير وحتى 10 ديسمبر القادم، بالتزامن مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان.
ويذكر أن، الحملة تستهدف توعية قطاعات مختلفة من المجتمع، منها الأكثر استخدامًا لمواقع التواصل الاجتماعي، الفئات الأولى بالرعاية، وتعتمد في التوعية على عدة طرق منها: التعريف بمنظومة الخدمات التي تقدمها وزارة التضامن الاجتماعي، استعراض قصص سيدات نجحن في التغلب على التحديات الاجتماعية والاقتصادية، عرض مجموعة من الرسائل والمعلومات الموثقة حول اتجاهات وممارسات العنف في المجتمع المصري والدولي والتي قام بإصدارها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية،
ونفذ الحملة برنامج «وعي للتنمية المجتمعية»، بالمشاركة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والاتحاد الأوروبي، والوكالة الألمانية للتعاون الدولي «جي آى زد».
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: حملة العنف يبدأ بفكرة بالوعي نقدر نغلبها حملة الـ 16 يوم ا لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات بسنت محمد برنامج وعي وزارة التضامن الاجتماعي الإعاقة الحرکیة الکرسی المتحرک ذوى الإعاقة فی البیت من ذوى
إقرأ أيضاً:
اللي اختشوا ماتوا
في قرية صغيرة، اجتاحها الجنود، وانتهكوا حرماتها، فاستسلمت نساؤها للذل والهوان، إلا واحدة، وقفت في وجه الظلم، قاومت الجندي الذي حاول اغتصابها، فقتلته وقطعت رأسه. وعندما انسحب الجنود، خرجت النساء يبكين على إثر ما حل بهن، بينما خرجت هي حاملة رأس الجندي، نظراتها تشع بالعزة والكبرياء. قالت بكل فخر: "أتظنون أنني أتركه ينتهك عرضي دون أن أقتله أو يقتلني؟".
فنظرت نساء القرية لبعضهن البعض وقررن قتلها حتى لا تتعالى عليهن بشرفهاـ ولكي لا يسألهن أزواجهن عندما يعدن لِمَ لَم تقاومن مثلها؟ فهجمن عليها على حين غفلة وقتلنها.. قتلن الشرف ليحيا العار.
هذه القصة ليست مجرد حكاية رمزية، بل هي مرآة تعكس واقعا مريرا نعيشه اليوم. فغزة، كتلك المرأة الشجاعة، تقف في وجه آلة القتل والدمار، متمسكة بحقها في المقاومة والوجود. ولكن، كما قتلت نساء القرية المرأة التي حملت رأس الجندي، تحاول الأنظمة العربية والإقليمية قتل روح المقاومة في غزة، ليس لأنها ترفض الخضوع للاحتلال فحسب، بل لأنها تفضح عار الصمت والخنوع لحكام العرب.
والخطة المصرية المطروحة لإعمار غزة، هي الأكثر شبها بالسلاح الذي استخدمته النسوة اللائي فرطن بشرفهن لقتل الشريفة بينهن. فبدلا من دعم صمود الشعب الفلسطيني، تُحوِّل الخطة المصرية غزة إلى مشروع إداري مؤقت، تُدار من خلال هيئات خارجية، وتُموَّل من خلال وعود غير واضحة. هذه الخطة لا تُقدِّم حلا حقيقيا لقضية فلسطين، بل تُحوِّل القضية إلى مسألة إنسانية تُدار بعيدا عن الحقوق السياسية والوطنية لشعب فلسطين الذي تخلى عنه كل العرب وحاصروه طيلة 15 شهرا هي عمر الإبادة الجماعية التي مارسها الصهاينة عليه.
بدلا من تلك الخطة التي تخدم الجانب الصهيوني وتُضعف المقاومة، يمكن للعرب أن يتخذوا موقفا حقيقيا داعما لغزة، موقفا يعكس التضامن الحقيقي مع الشعب الفلسطيني ويقف في وجه الاحتلال. فبدلا من تحويل غزة إلى مشروع إداري مؤقت تُدار من خلال هيئات خارجية، يمكن للدول العربية أن تتبنى استراتيجية شاملة تعتمد على عدة محاور
الخطة تتحدث عن "إعادة إعمار" غزة، ولكنها تشترط إبعاد الفصائل الفلسطينية عن السلطة، وكأن المقاومة هي سبب الدمار وليس الاحتلال الإسرائيلي. هذا الشرط يُظهر أن الهدف الحقيقي هو نزع سلاح المقاومة، وتحويل غزة إلى كيان بلا أنياب، تابع يُدار وفقا لمصالح الأنظمة العربية والدول الغربية. وذلك بدلا من دعم حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه، تُحوِّل الخطة غزة إلى ساحة لصراعات إقليمية ودولية.
أما بالنسبة لتمويل إعادة الإعمار، فإن الخطة تفتقر إلى التزامات مالية واضحة، مما يُشير إلى أن الوعود قد تبقى حبرا على ورق. فالدول العربية والغربية تريد إدارة غزة دون تحمل تكاليف إعمارها، ودون الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. هذه الخطة ليست سوى محاولة لتحقيق استقرار مؤقت على حساب القضية الفلسطينية، وإخماد صوت المقاومة التي تُحرج الأنظمة العربية بمواقفها الشجاعة.
بدلا من تلك الخطة التي تخدم الجانب الصهيوني وتُضعف المقاومة، يمكن للعرب أن يتخذوا موقفا حقيقيا داعما لغزة، موقفا يعكس التضامن الحقيقي مع الشعب الفلسطيني ويقف في وجه الاحتلال. فبدلا من تحويل غزة إلى مشروع إداري مؤقت تُدار من خلال هيئات خارجية، يمكن للدول العربية أن تتبنى استراتيجية شاملة تعتمد على عدة محاور:
1- الدعم السياسي الدولي: على الدول العربية أن تستخدم نفوذها السياسي في المحافل الدولية لدعم القضية الفلسطينية، والضغط على المجتمع الدولي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي. يجب أن تكون القضية الفلسطينية في صدارة أجندة السياسة الخارجية العربية، مع العمل على فضح انتهاكات الاحتلال في المحاكم الدولية.
2- الدعم الاقتصادي واللوجستي: بدلا من الوعود الغامضة، يمكن للدول العربية أن تقدم دعما ماليا مباشرا وشاملا لإعادة إعمار غزة، دون شروط تمس بالسيادة الفلسطينية أو تُضعف المقاومة. هذا الدعم يجب أن يشمل بناء البنية التحتية، وتوفير الخدمات الأساسية، ودعم الاقتصاد المحلي لتمكين الشعب الفلسطيني من الصمود.
3- التضامن العسكري والأمني: يمكن للدول العربية أن تقدم دعما عسكريا وأمنيا للفصائل الفلسطينية، ليس بهدف التصعيد العسكري، بل لتعزيز قدرة الفلسطينيين على الدفاع عن أنفسهم في مواجهة العدوان الإسرائيلي. هذا الدعم يمكن أن يشمل تدريبا وتجهيزا يضمن حماية المدنيين والمقاومة المشروعة.
4- حملات التوعية والإعلام: يجب تعزيز الحملات الإعلامية العربية والدولية التي تُظهر معاناة الشعب الفلسطيني وتُعري جرائم الاحتلال. الإعلام العربي يمكن أن يكون أداة قوية في كسب الرأي العام العالمي لصالح القضية الفلسطينية.
5- التضامن الشعبي: على الحكومات العربية أن تشجع التضامن الشعبي مع فلسطين، من خلال دعم المبادرات الشعبية والمجتمعية التي تهدف إلى دعم غزة والصمود الفلسطيني. هذا التضامن يمكن أن يشمل حملات مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، ودعم المنتجات الفلسطينية، وتنظيم المسيرات والمظاهرات السلمية.
6- الوحدة الفلسطينية: يجب على الدول العربية أن تعمل على دعم الوحدة الفلسطينية بين الفصائل المختلفة، لأن الوحدة هي الأساس لمواجهة الاحتلال. بدلا من محاولة إضعاف المقاومة، يجب تعزيز التنسيق بين الفصائل لتحقيق أهداف مشتركة.
تظل الأنظمة العربية تكافح وتناضل لشيء واحد فقط وهو قتل روح المقاومة في غزة حتى لا تفضح عار صمتها وخنوعها. ولكن التاريخ يُعلِّمنا أن الشرف لا يُقتل، وأن العار لا يُخفى. فغزة ستظل صامدة، والمقاومة ستظل شوكة في حلق كل من يتآمر عليها
7- بهذه الخطوات، يمكن للعرب أن يتحولوا من حالة التفرقة والخنوع إلى حالة التضامن الفعلي مع غزة وفلسطين. موقف كهذا لن يدعم فقط الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل الحرية والكرامة، بل سيعيد أيضا الاعتبار للشرف العربي الذي طالما تآكل بسبب الصمت والتواطؤ. غزة ليست مجرد قضية إنسانية، بل هي قضية عربية مركزية، والوقوف معها هو وقوف مع الحق والعدالة والتاريخ.
ليس موقف غزة فقط هو ما يفضح حكام العرب، بل هناك أيضا الموقف الأوروبي الذي يُظهر الفرق الشاسع بين قيادة تعمل من أجل شعبها وتدافع عن حقوقه، وقيادة تتنازل عن شرفها وتتآمر على شعبها. فبينما تقف أوروبا كتلة واحدة لدعم أوكرانيا، نرى الأنظمة العربية تتفرق وتتخاذل في دعم غزة، بل إن بعضها يشارك بشكل مباشر أو غير مباشر في محاولات إخماد صوت المقاومة الفلسطينية.
لكن للأسف تظل الأنظمة العربية تكافح وتناضل لشيء واحد فقط وهو قتل روح المقاومة في غزة حتى لا تفضح عار صمتها وخنوعها. ولكن التاريخ يُعلِّمنا أن الشرف لا يُقتل، وأن العار لا يُخفى. فغزة ستظل صامدة، والمقاومة ستظل شوكة في حلق كل من يتآمر عليها.
قتل الشرف لن يُحيي العار، بل سيُخلِّد ذكرى من دافعوا عن كرامتهم وحقوقهم. وغزة، كما المرأة التي قاومت، ستظل رمزا للعزة والكرامة، مهما حاولوا قتلها.